الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكداء «1» على ما لا ينفرد به جمع ولا ينكره المعرّف. جوّد القراءة على أبي الحسن القوّاس «2» ، وأخذ القراءة عن البزّي أيضا، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز «3» ، وقرأ عليه خلق كثير، منهم أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسن بن شنبوذ. وولي الشرطة بمكة في وسط عمره فحمدت سيرته، ثم إنه طعن في السّن وشاخ، وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين «4» ، قيل إنه كان يستعمل دواء يسقى للبقر يسمى قنيبل، فلما أكثر (ص 111) من استعماله عرف به، ثم خفف وقيل قنبل. وقيل هو من قوم يقال لهم القنابلة «5» . مولده سنة خمس وتسعين ومائة، وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين «6» .
ومنهم:
30- أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد شيخ العصر أبو بكر البغدادي
«7» الأستاذ مصنف كتاب القراءات السبعة «8» ، ومشنف من أمال إليه سمعه، لم
يكن أكثر منه عدد طالب «1» ، ومدد راغب، وجدد فوائد تغصّ بها المذاهب، منور الآناء بقراءة لا يونّي في تلاوتها، ولا يولي وجهه صادا عن إبلاغ أمانتها، حتى قصد من شاسع الأرجاء «2» ، وأقدم على التحصيل منه طامع الرجاء، وكان عصره به ضحى، وبقي فضله أثرا على جبين الدهر إلا أنه ما انمحى.
قرأ على ابن عبدوس عشرين ختمة، وعلى قنبل المكي، وسمع القراءات من طائفة كثيرة، ذكرهم في صدر كتابه، وسمع للحديث وتصدر للإقراء، وازدحم عليه أهل الأداء، ورحل إليه من الأقطار، وبعد صيته، وفاق في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته، مع اتساع علمه وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه «3» .
وتصدر للإقراء في حياة محمد بن يحيى الكسائي الصغير «4» . قال أبو الحسن بن سالم البصري: سمعت ابن مجاهد يقول: رأيت ربّ العزة في المنام فختمت عليه ختمتين، فلحنت في موضعين فاغتممت. فقال يا ابن مجاهد الكمال لي الكمال (لي)«5» .
وحكى ابن الأخرم أنه دخل بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاث مائة متصدر «2» ، وسأل رجل أبا بكر بن مجاهد: لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفا يحمل عنه؟؟ فقال نحن إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف (ص 112) يقرأ به من بعدنا «3» .
وانفرد ابن مجاهد عن قنبل بعشرة أحرف لم يتابع عليها. وكان في حلقته أربع وثمانون خليقة يأخذون عن الناس «4» ، وخمسة عشر رجلا أضرّاء «5» يتلقّنون لعاصم «6» .
ومولده سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد، وتوفي في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة «7» .
ومنهم: «13»
31-
محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت «1» ابن شنبوذ «2» البغدادي «3» .
شيخ الإقراء بالعراق مع ابن مجاهد «4» ، ذو الرحلة التي وسعت الدنى حتى لم يجد مركنا «5» ، ودعت إليه علنا، ورعت حقه حين صوبت إليه أسنة الأعداء ألسنا «6» ، كان رجلا متبحرا، وعالما متكثرا، إلا أنه ما سلم من عثرة راعى له فيها دينه، فأقيلت «7» ، وزلة لم يكن قصدها، فإنها قيلت.
قرأ القرآن على عدد كثير بالأمصار، وكان يرى جواز الصلاة «8» بما جاء في
مصحف أبي «1» ، ومصحف ابن مسعود «2» ، وبما صح في الأحاديث، ويتعاطى ذلك، وكان ثقة في نفسه صالحا ديّنا، متبحرا في هذا الشأن، لكنه كان يحط على ابن مجاهد، ويقول: هذا العطشي «3» لم تغبّر قدماه في طلب العلم- يعني أنه لم يرحل من بغداد-، وليس الأمر كذلك، قد حج وقرأ على قنبل «4» ، ولكن أين هو من سعة رحلة ابن شنبوذ، ولقيّه الأعيان في الأقطار؟
وكان ابن شنبوذ إذا أتاه رجل من القراء، قال له: هل قرأت على ابن مجاهد؟ فإن قال: نعم، لم يقرئه. «5»
قال أبو عمرو الداني «6» : حدّثت «7» عن إسماعيل بن عبد الله الأشعري، حدثنا أبو القاسم بن زنجي الكاتب الأنباري قال: حضرت مجلس أبي علي بن مقلة «8» -
وزير الراضي «1» - وقد أحضر ابن شنبوذ، وجرت معه مناظرات في حروف حكي عنه أنه يقرأ بها، وهي شواذ «2» ، فاعترف بها بما عرف، مما عمل به محضر بحضرة (ص 113) أبي علي بن مقلة، وأبي بكر بن مجاهد، ومحمد بن موسى الهاشمي، وأبي أيوب محمد بن أحمد- وهما يومئذ شاهدان مقبولان-.
نسخة المحضر «3» :
سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكي عنه أنه يقرؤه، وهو:
(فامضوا إلى ذكر الله)«4» فاعترف به، وعن (تجعلون شكركم أنكم
تكذبون) «1» فاعترف به، وعن (كل سفينة صالحة غصبا)«2» فاعترف به، وعن (اليوم ننحيك ببدنك)«3» فاعترف به، وعن:(تبت يدا أبي لهب وقد تب)«4» ، فاعترف به، وعن (فلما خرّ تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين)«5» فاعترف به، وعن (الذكر والأنثى)«6» فاعترف به، وعن: (فقد كذب الكافرون فسوف يكون
لزاما) «1» ، وعن: يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
«2» ، وعن وَفَسادٌ كَبِيرٌ
«3» فاعترف بذلك «4» .
وفيه: اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي، وكتب ابن مجاهد بيده يوم السبت لست خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
ونقل ابن الجوزي «5» - وغير واحد- في حوادث سنة ثلاث هذه أن ابن شنبوذ أحضر، وأحضر عمر بن محمد بن يوسف القاضي، وابن مجاهد، وجماعة من القراء، ونوظر، فأغلظ للوزير في الخطاب، وللقاضي، ولابن مجاهد، ونسبهما إلى قلة المعرفة، وأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر، فأمر الوزير بضربه سبع درر «6» وهو يدعو على الوزير بأن يقطع الله يده، ويشتت شمله، ثم
أوقف على الحروف التي يقرأ بها، فأهدر منها ما كان شنعا «1» ، وتوبوه عن التلاوة بها غصبا «2» ، وقيل: إنه أخرج من بغداد، فذهب إلى البصرة «3» .
(ص 114) .
ثم إن ابن مقلة عزل بعد نكبة الشيخ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانة بالضرب، والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه.
وابن شنبوذ ما كان مصيبا فيما ذهب إليه، لكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، وكان الرفق أولى به من إقامته مقام الذعّار «4» والمفسدين، وكان اعتقاله والإغلاظ له كافيا «5» .
وذكر ابن خلكان «6» أن ابن شنبوذ كتب بخطه ما صورته:
يقول محمد بن أحمد بن أيوب- المعروف بابن شنبوذ- ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي، واعتقادي، وأشهد الله- عز وجل، وسائر من حضر على