الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرجه ليلا فغيّب مدة حتى سكنت الثائرة، وخمدت الفتنة وعصمه الله منهم، وكانوا قد عزموا على قتله بأيديهم «1» ، وكانت وفاته في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وصليّ عليه الغد بجامع دمشق ودفن بمقبرة الصوفية.
ومنهم
(ص 228) /
115- محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ابن الذهبي أبو عبد الله شمس الدين
«2» بقية الحفاظ. هو شمس العصر لا غابت، ولا اعتلت أصلها ولا خابت، بقي في هذا الزمن الأخير بقاء الشمس في العصر، وتفرّدها بالمحاسن التي تجل عن الحصر، فضائل لا يستطيعها أهل التحصيل، وفواضل تحلي ذهبيّ العصر بمثل ذهبيّة العصر من الأصيل»
، معدن لا غرو أن نسب إلى ذهبيّة الذهب أو حسب للهبيّة «4» ما لا ينكر لقريحته من اللهب، ما المزّيّ عنده إلا ممّن تمزّز وما شرب حتى اضطلع «5» ، ووقف دون العقبة الكؤود وما طلع، فاقه بل ساوى كل سابق
متقدم إن لم يكن فاقه، وضبطه فيما قيّده ثم ما حلّ وثاقه، علم حديث وتاريخ أصبح فيهما فردا لا يخلف، وسابقا ونحن نسأل الله أن يتخلّف «1» ، وإماما بقي في أثناء الدهر حتى صلوا خلفه وسلّموا، وعرفوا حقه فودّوا أن يتأخر ويقدّموا، وواحدا لو أن لأهل هذا الزمان همّة من كان قبلهم لشدوا إليه المطي تلطم وجوه السباسب «2» ، وتشق جلباب الضحى والغياهب «3» ، ولا تزال تحط لديه رجال وتشدّ رحال، وتعدّ سويّ لقيّه محالا كل حال «4» .
مولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة «5» ، وعمل مع والده صناعة الذهب، ثم في سنة تسعين أحب القراءات، فقرأ التجويد وقرأ للسوسي بالإدغام «6» في سنة إحدى وتسعين، وقرأ لنافع «7» بكماله على الشيخ محمد
المزراب «1» ولازمه وحصّل شرح الشاطبي «2» ، وفي أيام العريق «3» منها شرع في القراءات السبعة جمعا على الشيخ جمال الدين الفاضلي «4» ، وذهب إلى الجمال البدوي «5» فوشمه «6» في كيفية الجمع، ومات الفاضلي وقد جمع عليه إلى أواخر القصص سنة اثنتين وتسعين، في ربيع الآخر.
قال الذهبي: فتألمت لكوني لم أكمّل، ففتح الله علينا/ (ص 229) بشمس الدين الدمياطي «7» ، فذهبنا إليه وكلمناه، فوجدناه ذاكرا للقراءات ذكرا جيدا، أجود من الفاضلي، فإن الفاضلي كان قد استولى عليه الفالج، وتغيّر حفظه،
فقعد لنا الدمياطي في الكلاسة «1» طرفي النهار، وكان مستحضرا للشاطبية، فكمّلت عليه القراءات في مدة يسيرة، وكذا ابن بضحان «2» وابن غدير «3» ، وقرأت عليه ختمة واحدة لابن عامر «4» ، وكملت القراءات على الإسكندري «5» في تلك المدة، وقرأت في تلك المدة على الشمس
الحياضري «1» ، وكملت عليه في أول سنة ثلاث وتسعين، ثم لازمت الشيخ مجد الدين التونسي «2» في أثناء سنة اثنتين وتسعين، وشرعت عليه في ختمه للسبعة، وبرّحنا «3» عليه في القصيد أنا وابن غدير والعلم الحلبي «4» وابن بضحان، وتفقهنا في بحوث القراءات به، وقرأت النحو على ابن أبي الفتح «5» ، وحضرت دروس النحو في العادلية «6» عند الشيخ شرف الدين
الفزاري «1» ، وقرأت النحو أيضا على الشهاب «2» الشاغوري.
وفي رجب سنة اثنتين وتسعين سمعت الحديث أول ما سمعت فيها على ابن عساكر «3» ، وابن البزوري «4» ، وعائشة بنت المجد «5» وجماعة، ثم دللت على
ابن القواس «1» بعربيل «2» فأخذت المبهج «3» في القراءات، وطلعت إليه، فقرأت عليه يومئذ منه نحو عشرة كراريس، وذلك أول يوم من سنة ثلاث، ثم دخل المدينة «4» ، وسمعت عليه الحديث، وغويت بالحديث «5» ، وقرأت على النظام التبريزي «6» ختمة لأبي عمرو «7» ثم استأذنت والدي في الرحلة إلى بعلبك «8» فأذن لي بعد تكرر سؤالي له فلازمت التاج عبد الخالق «9» والموفق بن قدامة «10» والشيوخ نسمع، وقرأت على الشيخ موفق الدين بن قدامة ختمة للسبعة في نحو
خمسين يوما، وكملتها في سلخ سنة ثلاث وتسعين، وقرأت في تلك المدة عدة كتب من المسندات، ثم عزمت على الرحلة إلى الديار المصرية فاستأذنت والدي فغضب/ (ص 230) وضج وحلف بالطلاق أنه ما يعطيني فلسا إن رحت، فحزنت وقعدت أنسخ بالأجرة، حتى كنت أحس ظهري ينقطع وأنا أتجلد وأكابد، حتى إني كنت يوم سبت في بستان ضمنّاه، وهم فيما هم، وأنا قد شددت خلف ظهري دفّة خشب من الوجع، وأنا لا أستريح، وصمّدت مائة وثمانين درهما ثم مرضت وبرد عزمي، وأيست من السفر، ثم هيّجني السفر قليلا، فألقيت في ذهن أمي السفر، فقالت لوالدي، وقلت: معي هذه الدراهم أتوصل بها، فقال والدي: إن الغريب الطويل الذيل ممتهن، فكيف حال غريب ماله قوت وضرب لي الأمثال، ثم قال: قد بلشت باليمين «1» ، فأعطتني أختي خواتيم ذهب وغير ذلك، فسافرت في رجب سنة خمس وتسعين، ومعي ما قيمتة ثمانمائة درهم، فسمعت بالبلاد التي بالطريق، ونزلت بزاوية ابن الظاهري «2» ، وقرأت السيرة
لابن هشام «1» على الأبرقوهي «2» في ستة أيام فكنت أقرأ من بكرة النهار إلى المغيب، في النهار نستريح ساعة في وسط النهار، ثم سافرت في أوائل رمضان إلى الإسكندرية في النيل، فلقيت بها يحيى بن الصواف «3» ، فرغت عليه في ختمة جمعا فأقرأني آيات، وقال: قف وكان قد أصمّ وعمي، وهو عسر الأخذ، وانقطع صوتي مما أرفعه ليسمع، فسلوته وسمعت عليه ثلاثة أجزاء من الخلعيات، ثم مضيت إلى سحنون «4» ، فكنت أقرأ عليه من القرآن كل يوم جزئين وأكثر لنافع «5»
وعاصم «1» ، فأكملت عليه الختمة في أحد عشر يوما، ومات ثاني يوم ختمت، وذلك في رابع شوال، ثم رجعت في خليج الإسكندرية إلى القاهرة، وشرعت في تتمة ما قدّر لي أن أسمعه، وعدت إلى دمشق، وزرت الخليل عليه الصلاة والسلام «2» والقدس.
وقرأت على الجعبري «3» كتابه في القراءات العشر الذي نظمه مرموزا كالشاطبية وسمعت بنابلس من العماد بن بدران «4» / (ص 231)
هذا ملخص ما ذكره في ابتداء طلبه، ثم إنه ولي خطابة قرية كفر بطنا من قرى غوطة دمشق، فسكنها مدة ولازم الاشتغال والتخريج والاختصار والتصنيف، ولم يكن له هم غير ذلك، ولا له عنه شاغل.
ثم انتقل عن الخطابة المذكورة لما ولي مشيخة دار الحديث الظاهرية «5» ،
وولي معها مشيخة الحديث بتربة أم الملك «1» الصالح، ومشيخة الدار «2» التنكزية ومشيخة الدار النفيسية «3» ، وانتهت إليه الرئاسة في معرفة الحديث وعلله، وصحيحه وسقيمه ورجاله، وجرح وعدّل، وصحّح وضعّف، واستدرك على الحفاظ، ولم يزل يكتب وينتقي ويصنف الكتب الكبار، هذا دأبه، مع مباشرة الوظائف وإفادة الطلبة إلى أن أضر بأخرة «4» .
وأما التاريخ فتفرد بمعرفته وصنّف فيه تاريخ الإسلام في أحد وعشرين مجلدا واختصر تاريخ بغداد، وتاريخ دمشق في عشر مجلدات، وتاريخ ابن المديني «5» ، وانتخب كثيرا من تاريخ ابن النجار «6» ، وذيل السمعاني «7»
ووفيات المنذري»
، والشريف «2» والبرزالي «3» ، واختصر تاريخ نيسابور «4» وتاريخ أبي شامة «5» . وصنّف طبقات القرّاء مرتين، الثانية مهذّبة، وطبقات الحفّاظ المهرة في مجلدين، وعمل ميزان الاعتدال في نقد الرجال ثلاث مجلدات، ونبأ الدجال، وألّف كتاب المشتبه في الأسماء والأنساب، ومناقب العشرة، وكتاب العبر في خبر من غبر مجلدين، وتاريخ دول الإسلام مجلد وتجريد أسماء الصحابة مجلد كبير، وكتاب المغني في الضعفاء مجلد، والضعفاء كتاب آخر أصغر من المغني، وكتاب النبلاء في شيوخ الأئمة الستة، وكتاب مختصر الكنى، وصنّف تراجم أعيان النبلاء من الأئمة والحفاظ والكبراء والوزراء والملوك في عشرين مجلدا، وكتاب الممتع في ستة أسفار.
وأما ما صنّفه من المسائل وغيرها من الأبواب مما هو جزء/ (ص 232) :
فكتاب الزيارة المصطفوية
جزء، وآخر كبير، وآية الكرسي جزء، وسيرة الحلّاج «1» جزءان، وتحريم أدبار النساء صغير وآخر ضخم، وكتاب الكبائر ثلاثة كراريس، وجزء في الشفاعة، وجزءان في صفة الجنة، وجزء في حديث القهقهة، طرق حديث ينزل ربنا، طرق حديث الطير، طرق من كنت مولاه، ما تصح به التلاوة ثلاثة أجزاء، مسألة الاجتهاد، مسألة خبر الواحد، التمسك بالسنن، التلويح بمن سبق ولحق، معرفة آل منده «2» ، أهل المائة عام، مهم تقييد المهمل، مختصر في القراءات، الوصية العفيفية، اللآلي السفطية في الليالي الغوطية مجلد، هالة البدر إلى أهل بدر، مسألة السماع جزء، ومسألة الخميس، ومسألة الغيبة، جزء، الخضاب جزء أربعة تعاصروا، ومسألة الوعيد، وكتاب الموت وما بعده، رؤية الباري.
وأما ما اختصره من الكتب الكبار، فكتاب السنن الكبير للبيهقي «3» في
مقدار النصف مع المحافظة على المتون، واختصر المدخل إليه، واختصر الروض الأنف واختصر من تهذيب الكمال تجريد الأسماء، عمله عشر طبقات، وكتابا سماه تذهيب التهذيب، واختصر منه الكاشف مجلد، واختصر الفاروق وهذّبه، واختصر الرد على ابن طاهر «1» ، وكتاب جواز السماع لجعفر الأدفويّ «2» .
واختصر المحلّى لابن حزم «3» في ثلاث مجلدات ونصف سماه المستحلى، واختصر المستدرك للحاكم «4» ، واختصر الأطراف في مجلدين، واختصر تقويم البلدان لصاحب حماه.
وأما ما خرّجه لكبار شيوخه من المعاجم الكبار والصغار فينيف على
العشرة، وخرّج لنفسه معجما مرتين ومعجما لطيفا منقى، وغالب مصنفاته موشحة بمروياته.
قال وعملت عدة تواليف في السنّة والعرش أخفيتها خوف الفتن والأهواء «1» .
هذا ما حضرني من كتبه،/ (ص 233) وبه تمام حفاظ المشرق، وسحب هذا النوء المغدق، ولا أعرف معه آخر فأذكره، وأشهده محفل هذا الكتاب وأحضره.