المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌171- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٥

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌منهجنا في خدمة الكتاب وتحقيقه

- ‌الفصل الأول: وهو الخطابي

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌[مشرق الأرض ومغربها]

- ‌[تشبيه بعض الحكماء للأرض]

- ‌[تفضيل المشرق على المغرب]

- ‌[الأنبياء والرسل]

- ‌[الجهات الشريفة]

- ‌[الحواريون والصحابة]

- ‌[جماهير الكرماء والعظماء في الجاهلية والإسلام]

- ‌[الأئمة والفقهاء]

- ‌[السادات الأولياء أئمة التحقيق]

- ‌[الفلاسفة والحكماء والأطباء ورجال الفلك والعلوم]

- ‌[أصحاب الموسيقى]

- ‌[حكم الشرع في السماع وآلاته]

- ‌[قول ابن بسام في خطبة كتاب الذخيرة]

- ‌[أصحاب الصنائع العملية (الكتابة) والفلاحة والسيوف، والرماح، والديباج]

- ‌[في الشرق رست قواعد الخلافة]

- ‌[المقايسة بين سلاطين المشرق والمغرب والخلافة]

- ‌[مسعود بن محمود بن سبكتكين]

- ‌[السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان]

- ‌[السلطان علاء الدين خوارزم شاه]

- ‌[الملك العادل، وجلال الدين محمد]

- ‌[فتنة البساسيري]

- ‌[الحيوان والنبات والمعادن]

- ‌[الجواهر والأحجار]

- ‌[العقاقير]

- ‌[بعض ما في المغرب مما سبق]

- ‌الفصل الثانى فى الإنصاف بين المشرق والمغرب على حكم التحقيق

- ‌[خطا الأطوال والعروض…الشرق والغرب أمر نسبي]

- ‌[المشرق أطول من المغرب]

- ‌[للمشرق الفخر]

- ‌[قول ابن سعيد.. المحاسن مقسمة.. الأغلب على البلاد المشرقية]

- ‌[رد ابن فضل الله العمري على ابن سعيد]

- ‌[ما فعله يوسف بن تاشفين مع بني عباد ملوك الأندلس]

- ‌[الموازنة بين المشرق والمغرب]

- ‌[الحيوان والنبات]

- ‌[المغرب والمشرق واللغة وبعض الشعراء]

- ‌[العلوم العقلية]

- ‌[المتنزهات.. والقلاع والمدن والأنهار]

- ‌[شعر في مدح المشرق والمغرب وغلمانهما]

- ‌[الإسكندر وبلاد فارس وأرسطو وصاحب الصين]

- ‌[تشبيه ابن سعيد الأرض بطائر]

- ‌[من أحكام المناظرة بين المشارقة والمغاربة]

- ‌[نشأة الخلافة]

- ‌[المناظرة بين الأشخاص: الخلفاء ونحوهم]

- ‌[من عظماء الأدارسة…الناصر علي بن حمود]

- ‌[بنو عبد المؤمن]

- ‌[الشبه بين المأمون بن المنصور الموحدي والمأمون العباسي]

- ‌[خراسان سلطنة عريضة]

- ‌[سجستان ودولة بني الصفار]

- ‌[كرمان وديلمان]

- ‌[مازندران (طبرستان) ]

- ‌[عراق العجم]

- ‌[فارس]

- ‌[خوزستان (الأهواز) ]

- ‌[العراق السلطنة العظمى]

- ‌[شهرزور]

- ‌[الجزيرة]

- ‌[الشام سلطنة جليلة]

- ‌[جزيرة العرب]

- ‌[وهجر سلطنة واليمامة]

- ‌[أذربيجان]

- ‌[أرمينية.. وبلاد الروم]

- ‌[سلطنات المغرب الديار المصرية]

- ‌[برقة وإفريقية]

- ‌[سلطنة المغرب الأقصى]

- ‌[بلاد السودان]

- ‌[أرض النوبة والكانم]

- ‌[جزيرة الأندلس ومن تولى عليها]

- ‌[سلطنات رومية والقسطنطينية]

- ‌[الجندية في المشرق والمغرب رجالها عتادها وما يتبع ذلك وعطاؤهم]

- ‌[الوزارة]

- ‌[الكتاب بالمشرق]

- ‌[جاء في المتأخرين من لم يرض طرق المتقدمين]

- ‌مشاهير قراء المشرق

- ‌[مقدمة]

- ‌1- أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار أبو المنذر الأنصاري

- ‌2- ومن أعلام القراء أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة

- ‌3- مجاهد بن جبر الإمام

- ‌4- عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة

- ‌5- عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان أبو معبد الكناني الداري المكي

- ‌6- يزيد بن القعقاع أبو فرج القاري أحد العشرة

- ‌7- عاصم بن أبي النجود بهدلة الأسدي

- ‌8- حمزة بن حبيب الزيات

- ‌9- أبو عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري

- ‌10- نافع بن عبد الرحمن الليثي أبو رويم المقرئ

- ‌11- إسماعيل بن عبد الله المخزومي قارئ أهل مكة

- ‌12- حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي

- ‌13- سليم بن عيسى بن سليم بن عامر

- ‌14- علي بن حمزة الكسائي

- ‌15- أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي

- ‌16- يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي

- ‌17- يعقوب بن إسحاق بن يزيد بن عبد الله

- ‌18- يحيى بن آدم بن سليمان أبو زكريا القرشي

- ‌19- حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي

- ‌20- قالون أبو موسى

- ‌21- أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزة

- ‌22- خلاد بن خالد

- ‌23- خلف بن هشام بن تغلب أبو محمد البغدادي المقرئ البزار

- ‌24- الليث بن خالد أبو الحارث البغدادي المقرئ

- ‌25- عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان

- ‌26- هشام بن عمار بن نصير

- ‌27- أبو عمر الدوري

- ‌28- أبو شعيب السوسي

- ‌29- قنبل مقرئ أهل مكة

- ‌30- أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد شيخ العصر أبو بكر البغدادي

- ‌32- محمد بن النضر بن مرّ بن الحر الربعي الإمام أبو الحسن ابن الأخرم الدمشقي

- ‌34- محمد بن الحسن بن محمد بن زياد أبو بكر النقاش الموصلي ثم البغدادي

- ‌[قراء الجانب الغربي]

- ‌[قراء مصر]

- ‌64- محمد بن علي بن أحمد

- ‌66- محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن سالم بن مكي (الشروطي)

- ‌[المحدّثون من أهل المشرق]

- ‌67- أبو هريرة الدوسي اليماني

- ‌69- قتادة بن دعامة بن قتادة الحافظ

- ‌70- شعبة بن الحجاج بن الورد

- ‌71- عبد الرحمن بن مهدي

- ‌72- أبو داود الطيالسي

- ‌76- عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي

- ‌77- عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل

- ‌78- الإمام العلم أبو عبد الله البخاري

- ‌79- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس

- ‌86- أبو عيسى الترمذي

- ‌93- أحمد بن محمد بن سعيد أبو العباس الكوفي

- ‌98- محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي زكريا يحيى بن منده

- ‌99- أبو عبد الله الحاكم

- ‌101- أبو ذر الهروي

- ‌103- الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي بن ثايت بن أحمد البغدادي، خطيب بغداد

- ‌104- أبو نصر بن ماكولا

- ‌105- أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي

- ‌108- أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر

- ‌112- محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي، المعروف بابن النجار

- ‌113- القاسم محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يدّاش البرزاليّ

- ‌114- يوسف بن الزّكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك القضاعي

- ‌115- محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ابن الذهبي أبو عبد الله شمس الدين

- ‌فأما الحفاظ بالجانب الغربي

- ‌116- يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس

- ‌117- بقيّ بن مخلد

- ‌118- محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الحميدي الأندلسي الميورقي

- ‌119- خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال أبو القاسم الأنصاري الأندلسي

- ‌120- عبد الحق بن عبد الرحمن بن الحسين بن سعيد الحافظ أبو محمد الأزدي الإشبيلي

- ‌121- محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيّد الناس اليعمري الأندلسي الإشبيلي

- ‌122- يزيد بن أبي حبيب الإمام الكبير أبو رجاء الأزدي

- ‌123- عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان، الحافظ النّسابة أبو محمد الأزدي المصري

- ‌124- أبو طاهر الأصبهاني واسمه أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني

- ‌125- عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي شرف الدين أبو محمد

- ‌[فقهاء المحدثين: الجانب الشرقى]

- ‌126- علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك

- ‌127- القاضي شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي

- ‌128- سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم القرشي المدني

- ‌129- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشي الأسدي

- ‌130- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي

- ‌131- سعيد بن جبير الوائلي مولاهم الكوفي

- ‌132- إبراهيم بن يزيد بن الأسود الفقيه الكوفي النخعي

- ‌133- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي

- ‌134- خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان أبو زيد الأنصاري

- ‌135- عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الكوفي

- ‌136- طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني أبو عبد الرحمن

- ‌137- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي

- ‌138- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي

- ‌139- سليمان بن يسار

- ‌140- الحسن بن أبي الحسن يسار البصري أبو سعيد

- ‌141- مكحول بن عبد الله الشامي

- ‌142- عطاء بن أبي رباح

- ‌143- أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني القرشي

- ‌144- ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ مولى آل المنكدر

- ‌145- يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الحافظ

- ‌146- سليمان بن مهران

- ‌147- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن

- ‌148- عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج الرومي

- ‌149- عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي

- ‌150- سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة أبو عبد الله الثوري الكوفي الفقيه الإمام

- ‌151- حماد بن سلمة بن دينار

- ‌152- عبد الله بن المبارك

- ‌153- سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي

- ‌154- إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب

- ‌155- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي أبو ثور

- ‌156- محمد بن نصر الإمام أبو عبد الله المروزي

- ‌157- محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري

- ‌158- أبو سليمان الخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب القرشي العدوي البستي من ولد زيد بن الخطاب ابن نفيل

- ‌159- الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي أبو الفضائل القرشي العدوي العمري عرف بالصغّاني الحنفي

- ‌160- أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر الكردي الشهرزوري، عرف بابن الصلاح

- ‌161- يحيى بن شرف بن مزي بن الحسن بن الحسين الحزامي النووي

- ‌162- أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية)

- ‌فأما من نذكر من مشاهير الجانب الغربي فمنهم:

- ‌163- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي

- ‌164- أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري

- ‌165- القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي

- ‌166- أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف ب (ابن العربي) المعافري

- ‌ومن متقدميهم بالديار المصرية:

- ‌ومن متأخريهم:

- ‌171- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌فهرس الكتاب

الفصل: ‌171- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام

تلافيه «1» ، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه، واجعل أكثر همومك الاستعداد للمعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد، فإنه يقول فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ

«2» ومهما وجدت من همتك قصورا، أو استشعرت من نفسك عما يذللها نفورا، فاجأر «3» إليه، وقف ببابه واطلب منه، فإنه لا يعرض عمن صدق، ولا يعزب عن علمه خفايا الضمائر أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ

هذه نصيحيتي إليك، وحجتي بين يدي الله إن فرطت عليك، أسال الله لي ولك قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، ونفسا مطمئنة بمنه وكرمه.

ومنهم:

‌171- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام

«4» ابن يوسف بن موسى بن تمام من حامد بن يحيى بن عمرو بن عثمان بن علي ابن مسوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السبكي ثم المصري الشافعي حجة المذاهب، مفتي الفرق، قدوة الحفاظ، آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو

ص: 741

الحسن صاحب التصانيف، التقي، البر العلي القدير سميّ العلي كرم الله وجهه، الذي هو باب العلم «1» ، ولا غرو إن كان هو المدخل إلى ذلك الباب، والمستخرج من دقيق ذلك الفضل هذا اللباب، والمستمير «2» من تلك المدينة التي ذلك الباب بابها، والواقف عليها مع سميّه فذاك بابها وهذا بوّابها، بحر لا يعرف له عبر «3» وصدر لا يدخله كبر، وأفق لا تقيسه كف الثريا بشبر، وأصيل قدره أجلّ مما يموه به لجين «4» النهار ذائب التبر «5» / (ص 324) إمام ناضح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنضاله «6» ، وجاهد بجداله، ولم يلطخ بالدماء حد نصاله «7» ، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره، وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره «8» ، فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق «9» ، ولم تخف

ص: 742

مشام «1» تلك الدسائس فهمه الناشق «2» ، ثم لم يزل حتى نقّى الصدور من شبه دنسها، ووقى من الوقوع في ظلم حندسها «3» ، قام حين خلّط على ابن تيمية «4» الأمر، وسوّل له قرينة الخوض في ضحضاح «5» ذلك الجمر، حين سد باب الوسيلة «6» ، يغفر الله له لا حرمها، وأنكر شد الرحال لمجرد الزيارة «7» لا واخذه الله وقطع رحمها، وما برح يدلج ويسير حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا

ص: 743

ينتهك نصرا مؤزرا، وكشف من خبء الضمائر في الصدود عنه صدرا موغرا، فأمسك ما تماسك من باقي العرى، وحصل أجرا في الدنيا يسمع، وفي الآخرة يرى، حتى سهّل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام وقد كادت تزورّ «1» عنه قسرا، صدور الركائب وتجر قهرا، أعنة القلوب وهن لوائب «2» بتلك الشبهة التي كادت شرارتها تعلق بجذام الأوهام، وتمد عيهب «3» صدها صدأ على مرايا الأفهام، وهيهات كيف يزار المسجد ويجفى صاحبه أو يخفيه الإبهام، أو تذداد المطي عنه وهي تتراشق «4» إليه كالسهام، ولولاه عليه الصلاة والسلام لما عرف تفضيل ذلك المسجد، ولا تم إلى ذلك المحل تاميل المغير ولا المنجد، ولولاه لما قدس الوادي، ولا أسس على التقوى مسجد «5» في ذلك النادي، وكذلك قبلها شكر الله له قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع وتعد الظهور بمنلفته على الأطماع، ومنع في مسألة الطلاق أن يجري في الكفارة مجرى اليمين «6» ، وأن يجلى في صورة إن/ (ص 325) حققت لا تبين، خوفا على محفوظ الأنساب، ومحظوظ الأحساب، لما كانت تؤدي إليه

ص: 744

هذه العظيمة، وتستوي عليه هذه المصيبة العميمة، وصنف في الرد في هاتين المسألتين كتابيه، بل جرد سيفه وأرهف ذبابيه «1» ، ورد القرن «2» وهو ألد «3» خصيم، وشد عليه وهو يشد غير هزيم «4» ، وقابله وهو الشمس التي تعشي الأبصار «5» ، وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعلي وفي يده ذو الفقار «6» .

[الكامل]

وتطاعنا وتواقفت خيلاهما

وكلاهما بطل اللقاء مقنع

وما زال حتى تفصدت «7» الصفاح «8» ، وتقصفت «9» الرماح وتحيّفت «10» الكلم الأدلة، وجف القلم حتى لم يبق فيه بلّة، وانجلت

ص: 745

غياهب «1» ذلك العشير تبرق فيه صفحات الحق السوب «2» ، والحظ السعيد النبوي، والنصر المحمدي، إلا أنه بالفتوح العلوي، بجهاد أيّد صاحب الشريعة وآزره، ورد على من سد باب الذريعة وخذل ناصره، وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه، جواد جرى على أعراقه «3» ، وجاء على أثر سبّاقه، من عصابة الأنصار حيث تعرف في الحب التليد «4» ، وتدخر شرف النسب للمواليد، وتصغّر عظائم الأخبار، وتصعّر «5» هامة «6» كل جبار، وتنثر ذو عابة يعرب على كتف شرفها، وتركز عصابة المجد المؤثل «7» لسلفها، ولله أوس آخرون وخزرج، لابل هو والله ممن تشيدت به حصونهم الحصينة، وحجبت به أن يدخل الدجال لنقاب المدينة «8» ، واستلّه الفقار من بقايا تلك الأسرة في أكرم ظهورها، وأعظم شموسها المجللة للآفاق بظهورها، وأعلى إبائها في مراقي الشريعة درجا، وأسرى في أرجاء طيبة الطيبة أرجا، وأحوى لعلومها أشتاتا «9» ، ولعلوها في أسانيد

ص: 746

العوالي أثباتا،/ (ص 326) ولحنوها على من نزل بها فيما هو أدفأ وأكنّ أبياتا، وأسكن محافلها «1» من الأسرار، وأطلع في أفق جحافلها «2»

من الأقمار، نبوغ من مطلع الصحابة «3»

رضي الله عنهم ونزع به عرقه إلى التابعين «4»

لهم بإحسان وهو مثلهم إن لم يكن منهم، ثم خرج من بيت الوزارة حيث تتقاصر النجوم وتتناصر ثم تتناصف الخصوم، وتخفض أعناق الغيوم، وتجري رحضاء «5»

البرق كأنه محموم، وتحضر أندية الأفق وسهيل قد نبذ بالعراء كأنه ملوم «6»

، ويسري هودج النجم وكأنه برسن «7»

الجوزاء مزموم «8»

، ويبارى صدر صدره الليل فيرتد حنقا ولو ألقى في تياره لما استطاع أن يقوم، وتتطاير زبد شهبه ويتنغش «9»

سحره كأنه مظلوم، ويظهر على آخر فجره ثم يخفي كأنه غيظ مكظوم، ويضاهي مرآة الضوي النهار وأنى له ووجه صباحه كأنه من حمرة الشفق ملطوم، وهبدل ألفا مثل دينار شمسه لما بلغ ما يروم، وبرز في طلب العلم حتى أسكت لسان كل متكلم، وأمات ذكر كل متقدم، وأحيا أمامه الشافعي

ص: 747

بنشر مذهبه، ونصر ذي النسب القرشي في علياء رتبه، وقام بالاحتجاج لإمام بني المطلب في الائتمام بشريعة سيد بني عبد المطلب، وإقامة الحجة في سبب تقديمه، وحسب ما أحرز في حديثه مضافا إلى قديمه، يحتج لقوليه ويحيل كتف مذهبه الممنع من طريقه، حتى أضحت تسفر له وجوهه سافرة الثغب «1»

، ظاهرة المحاسن من وراء الحجب، لا ترد الهيم «2»

إلا حياضه، ولا يفد المسيم «3»

إلا رياضه، حتى تفرّد والزمان بعدد أهله مشحون، والعصر بمحاسن نبيه مفتون، وساوى أهل مصر قاطبة، واستوطنها وضرتها الشام له خاطبة/ (ص 327) وكان بها لدين يقيمه، ويقين يديمه، وتقى هو وصفه، وعلى أراد مطاولته الطور وما هو نصفه، وقطع بها مدة مقامه في علم ينشره، وحق ينصره، وضالّ يهديه، وطالب يجديه، وسنّة يؤيّدها، وبدعة في دكادك «4»

الخذلان يلحدها، وزيغ يقوّم منماده، وزيف يعجّل انتقاده، وطريقة سلف ما عداها، وحقيقة صلف «5»

ما أنكرتها عداها، وفتاو يعتمد عليها فقهاء الآفاق ويستند إليها علماء مصر والشام والعراق، وتصانيف هي جادّة السبيل ومادة الدليل، وتصدّ الأضاليل، وتردّ الأباطيل، وترد على العلماء فغاية المجيد أن يستحضر ما حوته من نقول، أو

ص: 748

يمتد إلى أن يعدّ نفيسه معه فلا يزيد على أن يكتب تحت خطّه كذلك أقول، ثم ولي قضاء الشام فزان عطله «1»

وأزال خطله «2»

، وأصلح فاسده، ونفّق كاسده، وتوقل «3»

ذروة منصبه حتى لا يمتطي السنام، ولا يستصلح الأنام، ولا يوجد المؤهّل واحد في مصر ولا شامه في الشام، فحكم بسيرة العمرين «4»

في الإنصاف، وحكى صورة القمرين في الأوصاف، وانتهت إليه مشيخة دار الحديث بالاستحقاق فوليها، وعرّضت له أخواتها فما رضيها، وتدارك العلم ولم يبق منه إلا آخر الرمق «5»

، وصان المذهب، وماله وجه إلا ظاهر الرهق «6»

، وانتاش «7»

الطلبة من مراقد الخمول، ومقاعد الونى «8»

عن أوابل الحمول «9»

،

ص: 749

حتى نفضت كواكبهم عن مقلها الكرى، ورفضت سحائبهم إلا مواصلة السرى إلى أن كثر العلم وطالبه، وعدّ ذو الفضل وصاحبه، بكرم لله درّه ما أغزره، وجود ما أقل لديه جدا البحر وما أنزره، لو عاصره حاتم وهو (ص 328) في الكرم لما ذكره، أو كعب بن مامة «1»

وقد سمع حتى يخص جناحه لما شكره، بندى يغص به البحر شرقا، ويتفصّد جبين السحاب عرقا، ويتهيبه البرق فترتعد فرائصه فرقا، ويخشى صوائبه الرعد فيتعوّذ ولا تنفعه الرقى، هذا كله وهو بعض ما في كرم سجاياه، وأقل ما في كثير مزاياه، هذا إلى جبين كالهلال، ووقار عليه سيماء الجلال، وأدب أعذب في القيل من الماء الزلال، وأطيب في المقيل من برد الظلال، بنوادر أحرّ من الجمر، وألعب بالعقول- استغفر الله- من الخمر، حذا على طريق سلفه العرب ما قصّرت عن مداه الأوائل، واستجدت من نداه النائل، وطرّف علمه منه بمقدار ما أعانه على التفسير الذي أسكت عارضة كلّ قائل، وغير هذا من انتزاع المثل وإقامة الدلائل، ثم سرح إلى حيث يسرح الطرف ويذوب الظرف، ويلمّ بنادي المتيميّن، وينزل بوادي سّلف أهل الصبابة المغرمين، ويخالط تلك العصابة في كيسها، ويذكر حديث ليلى وقيسها، لطائف لو أنها لأهل ذلك الزمان السالف لما قالوا الأسمار إلا في طرائف طرائفها، ولا قالوا في سمرات الحيّ إلا في ظل وارفها، ولا زادوا من ربيع ابن أبي ربيعة إلا بعض زخارفها، ولا عدوّا جميلا إلا ما نشر من فضل مطارفها، ولا رجعوا عنها إلى مذهب جرير في أوبة، ولا ختموا غزل الأناشيد بتوبة، كل ذلك تطرّف أدب غض الجنى ليس منه إلا إطراب السامع، وتنويع مالا إثم فيه إذا قيل في فضله الجامع، هو والله الجامع الذي لا تضاهى بيوت عبادته المساجد، ولا تساهر مقل قناديلها (ص 329) طرفة الهاجد، ولا تضم ضلوع محاريبها مثل صدره، ولا يشتمل أحناء عقودها

ص: 750

مثل سرّه، بسيرة زينها العفاف فما تدنست صحف أيامها وأقنعها الكفاف، فما رأت ما زاد عليه إلا من آثامها، وقد عادت دمشق به معمورة الندية، مأثورة الأنحية، باهرة العلماء، ظاهرة بزينة نجوم السماء، ماضية على منهج القدماء، قاضية على سواها بأن العلم فيها بالحقيقية وفي غيرها بالأسماء، وها هو اليوم- والله يبقيه- خير من أظلته خضراؤها، وصغرت لدى قدره الجليل كبراؤها، قد ملك أهواء القلوب المتنائية، وساق بعصاه سوائم شرّدها المتقاصية، واستوسق به أمر الشام لعليّ وكان لا يطيع إلا معاوية، مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الحافظ أبي محمد الدمياطي وطبقته، وبالثغر من يحيى بن الصواف وأقرانه، بدمشق من ابن مشرّف وابن الموازيني، وبالحرمين «1»

، وكانت رحلته إلى دمشق سنة سبع وسبعمائة، وقرأ الروايات على تقي الدين الصائغ، وصنّف التصانيف المتقنة، انتهت إليه رئاسة العلم في القراءات والحديث والأصلين والفقه، وخرج له الإمام شهاب الدين الدمياطي «2»

معجما كبيرا، وقصده به بدمشق، فحدث به بالكلاسة من جامع دمشق بحضره الحافظين أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي وجماعة من أعيان العلماء (ص 330) وأنشدني له تذييلا على قول عبد القاهر الجرجانيّ:[الوافر]

طلبت من الحبيب زكاة حسن

على صغر من القمر البهيّ

فقال وهل على مثلي زكاة

على رأي العراقيّ الكميّ

فقلت: الشافعي لنا إمام

وقد فرض الزكاة على الصبيّ

ص: 751

والذي قاله ذيلا على هذا. [الوافر]

فقال اذهب إذن فاقتصّ زكاتي

بقول الشافعي من الوليّ

فقلت له فديتك من فقيه

أيطلب بالوفاء سوى المليّ

نصاب الحسن عندك ذو امتناع

بلحظك والقوام السمهريّ

فإن أعطيتنا طوعا وإلا

أخذناه بقول الشافعيّ

قلت ولما وقع إليه ما صنّفه ابن تيمية في مسألة الطلاق، وجده قد أكثر ذكر/ (ص 331) ليلى ويمنها وردد ذكرها في غير موضع فلما ردّ عليه قال:[البسيط]

في كل واد بليلى واله شغف

ما إنّ زال به من مسها وصب

ففي بني عامر من حبّها دنف

ولابن تيمية من عهدها شغب

وأراد بعهد ليلى ظاهرا ما هو له وباطنا يمينها واليمين العهد.

ومن تصانيفه: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، إبراز الحكم من الحديث رفع القلم، السيف المسلول على من سبّ الرسول، تكملة المجموع في شرح المهذب في الفقه، الابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، التجير المذهب في تحرير المذهب ولم يتمه، التحقيق في مسألة التعليق، رافع الشقاق عن مسألة الطلاق، وكلاهما في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، منبه الباحث عن حكم دين الوارث، الرياض الأنيقة في مسألة الحديقة، أمثلة المشتق، إحياء النفوس في إلقاء الدروس، كشف القناع عن حكم الامتناع، ضوء المصابيح في صلاة التراويح، واختصره مرات، أحكام كلّ وما عليه تدلّ، القول الموعب في القضاء بالموجب، المناسك، المناسك الصغرى، منتخب طبقات الفقهاء، القراءة خلف الإمام، المناسخات، تلخيص التلخيص وتاليه، الرد على الشيخ زين الدين ابن الكناني، المناقشات المصلحيّة، جواب سؤال على ابن عبد

ص: 752

السلام، كشف اللبس، منتقى من المكمل، نقد الاجتماع والافتراق، بيع المرهون في غيبة المديون، بيان حكم الربط في اعتراض الشرط على الشرط، نور الربيع من كتاب الربيع، الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي في الفقه، رفع الحاجب عن مختصر ابن حاجب في الأصول، الإبهاج في شرح المنهاج في الأصول، فصل المقال في هدايا العمال، عقود الجمان في عقود الرهن والضمان، طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، كشف الغمة في ميراث أهل الذمة/ (ص 332) التهدّي إلى معنى التعدي، حسن الصنيعة في أحكام الوديعة، الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة، الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق، السهم الصائب في قبض دين الغائب، الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق، العارضة في البنية المعارضة، قطف النور في مسائل الدور، الكلام على قوله (ما لم تمسوهنّ) وأما غير ذلك مما بسط فيه الكلام في المسائل المفردة، وأجوبة الفتاوى وغير ذلك فيزيد على ثلاثين مسألة، نفع الله بذلك.

آخر السّفر الخامس من كتاب مسالك الأبصار ويتلوه في السفر السادس إن شاء الله تعالى.

وإذ قد ختمنا فقهاء المحدثين بالجانبين، ولم ندع منهم زينة مشرق ولا مغرب، ولا مطلع هلال ولا كوكب الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

حسبنا الله ونعم الوكيل «13»

ص: 753