الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قراء الجانب الغربي]
فأما القراء بالجانب الغربي، ومن قرأ في بلاد البرابرة «1» العجم «2» الكتاب المنزل باللسان العربي، فسأذكر منهم طائفة لولا مصر لما جمع منهم جمع كثرة ولا قلة، ولا من يروي منه بنهله ولا عله «3» ، وها أنا أقول:
منهم:
50-
محمد بن عمر بن خيرون المعافري «4» أبو عبد الله المغربي
«5» . شيخ الإقراء بالقيروان «6» ، مضى زمن وهو صدر ذلك الأوان، عمت به الإفادة، وحصل بجده محصل من جده من خير وزيادة، رحل وقرأ، وحذق في
قراءة ورش «1» ، وله مسجد بالقيروان منسوب إليه.
قال أبو عمرو الداني: روى عنه عامة أهل القيروان، وسائر المغرب، وكان رجلا صالحا فاضلا كريم الأخلاق، إماما في القرآن «2» ، شديد الأخذ، ولم يكن يقرأ أهل إفريقية بحرف نافع «3» إلا خواص حتى قدم ابن خيرون، فاجتمع عليه الناس «4» .
وتوفي بمدينة سوسة «5» في نصف شعبان سنة ست وثلاثمائة.
ومنهم:
51-
أبو عمر «1» الطلمنكي»
، واسمه: أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري «3» الأندلسي المقرئ، الحافظ.
نزيل قرطبة إذ كانت تزهر بحدائقها، وتزهى (ص 135) كالغادة العذراء بألايقها «4» ، وكان لقرطبة قرطا لأذنها، وللزهراء زهر [ا] تفيح في فننها، يفيد أهلها، ويفيت «5» الرياح اللواقح «6» أن يلحق فضلها، تقلدت منه صارما أفتك من يهزها، وأثبت على عواتقها من مستقر الخلافة في صدرها، فقام والدهر قد
قعد، وسح حبا فأنجز حر منه ما وعد.
ولد سنة أربعين وثلاثمائة، وسمع سنة اثنتين وستين، وهو أول سماعه، وقرأ على أبي الحسن علي بن محمد الأنطاكي «1» ، وأبي الطيب بن غلبون «2» ، ومحمد بن علي الأذفوي- «3» وقيل: سمع منه ولم يقرأ عليه-.
وروى عن جماعة، ورجع إلى الأندلس بعلم جم.
وروى عنه: أبو عمر بن عبد البر «4» ، وأبو محمد بن حزم «5» ، وطائفة كثيرة.
وكان رأسا في علم القرآن وإعرابه، وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، ومعانيه، رأسا في علم الحديث، ومعرفة طرقه، حافظا للسنن، ذا عناية بالآثار والسنة، إماما في عقود الديانات، ذا هدي، وسمت، ونسك، وصمت.
قال أبو عمرو الداني: كان فاضلا ضابطا، شديدا في السنة.
وقال ابن بشكوال- في كتاب الصلة-: كان سيفا مجردا على أهل الأهواء، والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله، أقرأ الناس محتسبا، وأسمع الحديث، وأمّ بمسجد منعة «1» ، ثم إنه خرج إلى الثغر، فجال فيه، وانتفع الناس بعلمه، ثم قصد بلده في آخر عمره، فتوفي في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
ومنهم:
52-
مكي بن أبي طالب «1» حمّوش «2» (ابن محمد بن مختار) القيسي المغربي القيرواني، ثم الأندلسي القرطبي «3» العلامة المقرئ
الماشي رويدا، والسحاب خلفه يجري، سمح به- على بخله الزمن-، وأصاب به من لم يقس قيسا بيمن، ووجلت منها يمن حتى حملت شعارها «4» الأصفر إشعارا بأنها من ذممها «5» ، وأوجفت عليها قيس (ص 136) تحت رايتها الحمراء مخضبة بدمها، ولقد عرفت له دعوة مجابة، وساعة ما مد فيها يده حتى فتحت له أبواب السماء بالإجابة.
ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة بالقيروان، وحج وسمع بمكة، وقرأ القراءات على أبي الطيب بن غلبون «1» ، وابنه طاهر «2» ، وسمع من محمد بن علي الأذفوي «3» ، وكان متبحرا في علوم القرآن، والعربية، حسن الفهم، والخلق، جيد الدين، والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن، محسنا مجودا، عالما بمعاني القراءات، سافر إلى مصر، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتردد إلى المؤدبين بالحساب، وأكمل القرآن، ورجع إلى القيروان، ثم رحل، فقرأ القراءات على ابن غلبون سنة ست وأربعين، وقرأ بالقيروان- أيضا- بعد ذلك، ثم رحل سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وحج، وجاور ثلاثة أعوام، ودخل الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وجلس للإقراء بجامع قرطبة، وعظم اسمه، وجل قدره.
قال ابن بشكوال: قلده أبو الحزم [ابن] جهور «4» خطابة قرطبة بعد يونس ابن عبد الله القاضي «5» ، وكان قبل ذلك ينوب عن يونس، وله ثمانون تأليفا، «6» وكان خيرا متدينا، مشهورا بالصلاح، وإجابة الدعوة، دعا على رجل
كان يسخر به وقت الدعاء «1» ، فأقعد ذلك الرجل.
توفي ثاني المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
ومنهم:
53-
أبو عمرو «2» الداني «3» : واسمه عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد ابن عمر الأموي «4» - مولاهم-
القرطبي، الإمام، العلم المعروف- في زمانه- بابن الصيرفي، وفي زماننا بأبي عمرو الداني لنزوله بدانية، وتزوجه منها إلى حيث النجوم بانية، هو أبو عمرو «5» وقته، ونافع «6» زمانه، أو مساميه في سمته الذي لم يتأخر إذ جاء في آخر الزمان،
ولم يتعذر ملاقاة القراء السبعة الأول، على من لم (ص 137) يعاصرهم وعاصر منهم عثمان.
ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
قال أبو عمرو: ابتدأت بطلب العلم في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين، فمكثت بالقيروان أربعة أشهر أكتب، ثم دخلت مصر في شوال من السنة، فمكثت بها سنة، وحججت، ودخلت الأندلس في ذي القعدة سنة تسع وتسعين، وخرجت إلى الثغر سنة ثلاث وأربعمائة، فسكنت سرقسطة «1» سبعة أعوام [ثم رجعت إلى قرطبة، قال:
وقدمت دانية سنة سبع عشرة.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي «2» : فاستوطنها حتى مات] ، وقرأ بالروايات.
وسمع كتاب ابن مجاهد «1» في اختلاف السبعة، وسمع الحديث.
وقال ابن بشكوال «2» : كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القرآن، رواياته وتفسيره، ومعانيه، وطرقه، وإعرابه، وجمع في ذلكم «3» كله تواليف حسانا مفيدة يطول تعدادها «4» ، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ، والذكاء «5» ، والتفنن، دينا فاضلا، ورعا، سنيا.
وقال المغامي «6» : كان أبو عمرو مجاب الدعوة مالكي المذهب.
ومن تصانيفه: كتاب" الأرجوزة في أصول السنة"، منها يقول:[الرجز]
كلم موسى عبده تكليما
…
ولم يزل مدبرا حكيما
كلامه وقوله قديم
…
وهو فوق عرشه العظيم
والقول في كتابه المرتل
…
بأنه كلامه المنزل
على رسوله النبي الصادق
…
ليس بمخلوق ولا بخالق «7»
من قال فيه إنه مخلوق
…
أو محدث فقوله مروق
أهون بقول جهم الخسيس
…
وواصل وبشر المريسي «1»
(ص 138) وتوفي بدانية يوم الاثنين منتصف شوال سنة أربع، وأربعين وأربعمائة، ودفن ليومه بعد العصر، ومشى صاحب دانية أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم.
ومنهم:
54-
سليمان بن أبي القاسم «1» : نجاح أبو داود المقرئ- مولى الأمين المؤيد بالله ابن المستنصر
الأموي «2» الأندلسي. سند الإقراء، ومسند القراء، وعمدة الأداء، وعدة الظفر على الأعداء، أيد به المؤيد، ونصر المستنصر إذ كان له أبا، السيد الذي عمت تصانيفه نفعا، ونمت، فكادت لا تحصى جمعا، المتيقظ لكتاب الله يدرسه والعيون هجود «3» ، المستوقف بقراءته حتى الطير في السماء «4» ، ولا ينكر لسليمان أن يرث مزامير داود «5» .
أخذ القراءات عن أبي عمرو الداني، ولازمه مدة، وأكثر عنه، وهو أجل أصحابه، وقرأ عليه بشر كثير.
قال ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين، وفضلائهم، وأخيارهم عالما بالقراءات وطرقها «1» ، حسن الضبط، ثقة دينا «2» ، له تواليف كثيرة «3» (عدتها ستة وعشرون مصنفا)«4» ، أخبرنا عنه جماعة «5» ، ووصفوه بالعلم والفضل، والدين، ومن تصانيفه كتاب" البيان الجامع لعلوم القرآن" في ثلاثمائة
مجلد «1» ، و" عقود الديانة"«2» وهي أرجوزة ثمانية عشر ألف بيت، وأربعمائة وأربعون بيتا.
قال ابن بشكوال: ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وتوفي ببلنسية في سادس عشر رمضان سنة ست وتسعين وأربعمائة، وتزاحموا على نعشه.
ومنهم:
55-
عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف «1» ، العلامة الأستاذ أبو القاسم ابن الفحام الصقلي «2» المقرئ.
صاحب كتاب التجريد «3» ، والمعروف في القراءة بالتجويد، الصقلي الصقيل المرآة، الجميل مرآه (ص 139) ابن الفحام الذي أفحم كل ذي جدل، وسود وجه كل معارض بما اختنق من دم الخجل، الموافق لابن الصديق «4» فما نقص ولا زاد عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق، ولعله ما قيل: إنه عتيق إلا لأنه جواد.
قرأ القراءات على أبي العباس أحمد بن سعيد بن نفيس «5» ، وأبي الحسين
نصر بن عبد الغافر الفارسي «1» ، وعبد الباقي بن فارس، وأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل المالكي «2» .
وقرأ العربية على ابن بابشاذ «3» ، وشرح مقدمته، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالإسكندرية علوا ومعرفة.
قال سليمان بن عبد العزيز الأندلسي: ما رأيت أحدا أعلم بالقراءات منه لا بالمشرق ولا بالمغرب.
وثقه السلفي، وقرأ عليه «4» ، وقرأ عليه- أيضا- أبو العباس بن الخطية، ويحيى بن سعدون «5» شيخ الموصل، وعبد الرحمن بن خلف بن عطية، وغيرهم.
توفي في ذي القعدة سنة ستة عشرة وخمسمائة، وقد جاوز التسعين، وتردد في مولده هل هو في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، أو في سنة خمس وعشرين، والله أعلم.
ومنهم:
56-
علي بن محمد بن علي بن هذيل الإمام. «1» أبو الحسن البلنسي «2» المقرئ
الزاهد المقر بفضله الخصم فلا يحتاج إلى شاهد، المتفرد كأنه سهيل، والراد به عصر أبي ذؤيب في هذيل، والنابه به الغرب على الشرق إذا جاء بابن هذيله، العلاف ليماثله، أو أقبل بجدله، وأكثره الباطل على هذا في الحق ليجادله.
لازم أبا داود سليمان بن أبي القاسم مدة من الزمن «3» بدانية، وبلنسية، ونشأ في حجره «4» لأنه كان زوج أمه، فقرأ عليه القراءات «5» ، وسمع عليه شيئا كثيرا «6» ، وهو أجل أصحابه وأثبتهم، وصارت إليه أصوله (ص 140) العتيقة «7» ، وانتهت إليه رئاسة الإقراء في زمانه.
قال الأبار: كان منقطع القرين في الفضل والدين، والورع والزهد «8» مع العدالة، والتواضع والإعراض عن الدنيا، والتقلل «9» صواما قواما كثير الصدقة
كانت له ضيعة يخرج لتفقدها، فتصحبه الطلبة، فمن قارئ وسامع وهو منشرح الصدر لذلك طويل الاحتمال على فرط ملازمتهم ليلا ونهارا «1» وعمّر، وهو آخر من حدث عن أبي داود «2» .
وانتهت إليه رئاسة الإقراء عامة لعلو رتبته، وإمامته من الإتقان والتجويد، وحدث عنه جلة لا يحصون، وروى العلم نحوا من ستين سنة «3» .
وولد سنة سبعين وأربعمائة، أو سنة إحدى وسبعين. وتوفي يوم الخميس سابع عشر رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحضرة السلطان أبو الحجاج يوسف بن سعد «4» ، وتزاحم الناس على نعشه ورثاه ابن واجب «5» بقوله:[البسيط]
لم أنس يوم تهادي نعشه أسفا
…
أيدي الورى وتراميها على الكفن
كزهرة تتهاداها الأكف فلا
…
تقيم في راحة إلا على ظعن
قال الأبار: قال لنا «1» محمد بن أحمد بن سلمون: هذا صحيح كان الناس يتعلقون بالنطق «2» ، والسقف «3» ليدركوا النعش بأيديهم، ثم يمسحون بها على وجوههم «4» . وكان يتصدق على الأرامل واليتامى، فقالت له زوجته: إنك لتسعى بهذا في فقر أولادك. فقال لها: لا والله، إلا أني شيخ طماع أسعى في غناهم «5» .
ومنهم:
57-
القاسم «1» بن فيرة «2» بن خلف بن أحمد أبو محمد، وأبو القاسم الرعيني «3» الشاطبي «4» المقرئ الضرير
أحد الأعلام، والمتحدي بمعجزة في شاطبيته «5» على علماء الإسلام، والفرد بلا نظير على كثرة الأنام، ولا شبيه (ص 141) يطمع أن يرى مثله حتى ولو «6» في المنام، المبصر قلبه لأن القرآن نوره، والإيمان مشكاة فهمه إذا اشتبهت أموره،
الذي قل من لا استقى من بحره، أو اغترف غرفة بيده من نهره «1» ، أو جاء بعده من القرّاء مجيد إلا وقصيدته" حرز الأماني" تميمة «2» معلقة على نحره.
ولد في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وقرأ ببلده القراءات، وأتقنها، ثم ارتحل إلى بلنسية- وهي قريبة من شاطبة- فعرض بها القراءات والتفسير من حفظه، وسمع الحديث، وارتحل ليحج «3» ، واستوطن مصر، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وقصده الطلبة من النواحي، وكان إماما علامة
ذكيا كثير الفنون «1» ، منقطع القرين، رأسا في القراءات، حافظا للحديث، بصيرا بالعربية، واسع العلم، قد سارت الركبان بقصيدتيه" حرز الأماني" و" عقيلة أتراب القصائد" اللتين «2» في القراءات والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء، وحذاق القراء، فلقد أبدع «3» وأوجز، وسهّل الصعب «4» . وقرأ عليه بالروايات عدد كثير.
قال الأبار في تاريخه: تصدر للإقراء بمصر، فعظم شأنه، وبعد صيته، وانتهت إليه الرئاسة في الإقراء «1» ، وكان موصوفا بالزهد والعبادة، والانقطاع، ومن شعره:[مجزء الكامل]
قل للأمير نصيحة
…
لا تركنن إلى فقيه
إن الفقيه إذا أتى
…
أبوابكم لا خير فيه
وعاش اثنتين وخمسين سنة، وتوفي بمصر في خامس عشر من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة.
(ص 142) ومنهم:
58-
«2» علي بن «3» عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب أبو الحسن الهمداني السخاوي
«4» علم الدين المقرئ المفسر النحوي شيخ القراء بدمشق في
زمانه «1» إلا أنه مما جاز الغرب دينار شمسه، وهنأ موضع منشئه، ثم ضنّ بكوكبه الدري أن يهيئ له موضع رمسه، ما أهدى لغرب مثل نسيمه الخفاق، ولا أمد الشرق في نهاره المتدفق شبيه نهره الدفّاق، ولا قرّ هنا في قراره الغرب حتى كادت تتجاذبه الآفاق، لقد سخت سخا منه بما يعذر فيه الشحيح، ويحذر في مثله آفة ذي الفهم الصحيح، وصعد إلى السماء فجنى النجوم زهرات، وظهر على السحاب فرمى البروق زفرات، ووطئ جبهة الأسد وداس، وذل الجبل فما ارتفع له راس،، وغطس في البحر، فجاء بما لا قدر عليه قبله ابن غطاس.
ولد سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمس مائة، وقدم من" سخا" فسمع الحديث، وأخذ القراءات عن الشاطبي «2» ، وأبي الجود اللخمي «3» وغيرهما، واقتصر في إسناد القراءات عليهما، وأقرأ الناس نيفا وأربعين سنة، وقرأ عليه خلق كثير بالروايات، وكان إماما كاملا، ومقرئا محققا، ونحويا علامة، مع بصره بمذهب الشافعي «4» ، ومعرفته بالأصول، وإتقانه للغة، وبراعته في التفسير، وإحكامه لضروب الأدب، وفصاحته بالشعر، وطول باعه في النثر مع الدين والمروءة والتواضع، واطراح التكلف، وحسن الأخلاق، ووفور الحرمة، وظهور
الجلالة، وكثرة التصانيف «1» ، وكان من أفراد العالم، ومن أذكياء بني آدم، حلو النادرة، مليح المحاورة، ومن شعره:[السريع]
قالوا غدا نأتي ديار الحمى
…
وننزل الركب بمغناهم
وكل من كان مطيعا لهم
…
أصبح مسرورا بلقياهم
(ص 143) قلت: فلي ذنب فما حيلتي؟
…
بأي وجه أتلقاهم
قيل: أليس العفو من شأنهم
…
لا سيما عمن ترجاهم
ومن غرائب الاتفاق أن الشيخ علم الدين السخاوي مدح السلطان صلاح الدين «2» ، ومدح الأديب رشيد الدين الفارقي «3» ، وبين وفاتي الممدوحين مائة
سنة «1» .
وتوفي الشيخ علم الدين في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بمنزله بالتربة المعروفة بأم الملك الصالح «2» وهو أول من أقرأ بها، وكان يقرئ أيضا بالجامع الأموي عند قبر زكريا- عليه السلام «3» .
ومنهم:
59-
أبو عبد الله «4» الفاسي
«5» الإمام العلامة جمال الدين محمد بن حسن بن محمد بن يوسف بن حسن
المغربي نزيل حلب، إلا أنه من طينة الغرب بعث، وروحه من نسيمه الغربي نفث، نزل بحلب تحلب «1» منه أسطرها «2» ، وتجلب منه أسطرها، ودفن في ترابها، ودفع إذ ذكرناه إلى أقصى الغرب، وما عد من أترابها «3» ، لأنه ما أتى حلب إلا مكتهلا «4» ، ولا قدم إليها إلا وقد رأى شيب رأسه مشتعلا «5» ، لكنه جرّ عليها ذلاذل «6» قطره، وحمل إليها أنفاس غربه، ما تضوع قطره الندي «7» من قطره.
ولد بفاس سنة نيف وثمانين وخمس مائة، وقدم مصر بعد موت أبي الجود «8» فقرأ على اثنين من أصحاب الشاطبي «9» ، وأخذ القراءات بحلب عن
بهاء الدين بن شداد «1» ، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وكان إماما متفننا ذكيا متقنا، واسع العلم، كثير المحفوظ، بصيرا بالقراءات وعللها، مشهورها وشاذها، خبيرا باللغة، مليح الكتابة «2» ، وافر الفضائل، موطأ الأكناف، متين الديانة ثقة حجة، انتهت إليه رئاسة الإقراء ببلد حلب «3» ، ومات «4» سنة ست وخمسين وستمائة.
(ص 144) ومنهم:
(60)
- محمد بن عبد الرحيم بن الطيب «5» أبو القاسم القيسي
«6» الضرير مقرئ المغرب «7» ، وموري المغرب، ومظهر المعجب، وممطر روض المجرة «8»
المعشب، كفاه أنه من قيس في سرواتها «1» ، وفي حيث ينقطع عنده غاية رواتها، هو ابن الطيب، ولهذا ذكاؤه ينفح، وغلاؤه لا يستكثر فيه بما يسمح، وأرجه «2» تتقاذف به الأرجاء، وورقه يندى، وقمريّه «3» يصدح «4» ، ولا عيب فيه ولا عيب «5» ، إلا أنه لا يبخل لكنه بما لا يزر عليه الجيب.
ولد في حدود الثلاثين وستمائة بالجزيرة الخضراء «6» ، وقرأ القرآن على
خطيبها أبي محمد الرعيني، وعلى أبي عبد الله الشريشي «1» ، ثم تحول إلى سبتة، فألزمه أميرها أبو القاسم محمد بن أبي العباس العزفي «2» ، فلما جاء رمضان سأله أن يقرأ السيرة على الناس، فصار يدرس كل يوم ميعادا ويورده، وكان من أسرع الناس حفظا، وأحسنهم صوتا، وكان إليه المنتهى في معرفة القراءات، وضبطها، وآدابها، وكان عارفا بالتفسير، والعربية، والحديث، حمل عنه أهل سبتة، وتوفي سنة إحدى وسبعمائة في رمضان.
ومنهم:
61-
أحمد بن إبراهيم بن الزبير «3» ، أبو جعفر الثقفي الغرناطي
المقرئ الحافظ أحد الأعلام بالأندلس. والأعلام الشاهقة في القبور الدرس «4» ، لعمر أبيك قد سترت به ثقيف سوءة حجّاجها «5» ، وصدرت وتاج
الثريا فوق حجاجها «1» ، تاهت به عروس غرناطة، وتطاولت، ونسر دمشق الجاثم على قبة جامعها قد أظهر انحطاطه، بقية العلماء المكثرين، والفضلاء المتبحرين، والقراء الذين لكلام الله بهم بلاغ، ودونك هو، وانفض يديك للفراغ.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وقرأ (ص 145) بالروايات على أبي الحسن علي بن محمد الشاري «2» ، وسمع التفسير من أبي عبد الله بن جوبر «3» البلنسي، وسمع الحديث من أبي الخطاب بن خليل «4» ، وأبي عبد الله الأزدي «5» ، وخلق، وانتهت إليه معرفة الحديث ورجاله «6» ، ثم معرفة القراءات «7» ، وقرأ عليه
خلق لا يحصون، ومات بغرناطة «1» في آخر سنة ثمان وسبع مائة، قال أبو عبد الله الذهبي: وقفت على إجازة ابن الزبير بالسبع لجماعة، وفيها فوائد نفيسة تدل على براعته، وأنه قرأ على جماعة، وقد أفردت ذلك في كراس.
وبهذا ختمت القراء المقطوع بأنهم من أهل الغرب، وسأتبعهم بمن ألحق بهم من أهل مصر، إن لم يكن دون ذلك طعن وضرب، ليتلاحق المدد، وتتسابق الجياد والكل إلى أمد. فأقول: