الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وختّمت دون عسفان «1» لها سحب
…
تسقى بأنوائها السكان والخيم
لهفي عليك لتحرير بلغت به
…
ما ليس تبلغه أو بعضه الهمم
ما الحافظ السلفي الطّهر إن ذكرت «2»
…
أسلافك الغرّ والآثار والكرم
قطعت عمرك في فرض وفي سنن
…
هذي الغنيمة والأعمار تغتنم
/ (ص 226)
ومنهم
114- يوسف بن الزّكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك القضاعي
الكلبي المزّي الدمشقي أبو الحجاج جمال الدين «3» الحافظ الجهبذ «4» حجة الحفاظ، انتهت إليه معرفة الرجال، ومدد الآجال، وزمر البطايا «5» منهم
والعجال، إتقانا للمواليد والوفيات، والتكميل والفوات، والجرح والتعديل بالأمور الظواهر والخفيّات، وصنّف الكتب التي ما شنّف بمثلها قبله أذن الدنيا مشنّف، ولا صنف مثله قبلها مصنّف، سعة معرفة لا يضيق بها حصر، ولا يضيع في جانبها أهل عصر، مع اطلاع على اللغة آنس به غريبها، وحبس عليه عريبها «1» ، بمعارف قصرت مدته عن تحصيلها، وجملته عن تفصيلها، إلا أن الله سهّل له صعابها، وهوّن عليه أتعابها، فبلغ منها ما لم يصل إليه أمل آمل، ونبغ فيها وأنبه أهل زمانه معه خامل، إلا أنه كان ظاهر الجمود، لا يتكلم كأنه جلمود «2» ، ولم يكن فيه وحاشاه ما يعاب، ولا ما يدنّسه من قبح العاب «3» ، إلا أنه كان يتهوّس بالمطالب والكنوز، ويتفّرس أنه لها بمساعيه يحوز، وكان يتبذّل لأجلها مع العوام، ويقتحم بسببها الموت الزؤام «4» ، ولا يدع نفسه النفيسة، ويدعّ عنها أطماع هذه الخسيسة، وهيهات لقد ظفر من حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بمطلب لا يفنى، وذهب خلاص لابل أين الذهب من ذلك الجوهر الأسنى، فوا أسفا لرتبته العليا، ووالهفا كيف ضيّع وقتا من أوقاته بطلب سحت «5» الدنيا.. «6»
مولده بظاهر حلب سنة أربع وخمسين وستمائة، ونشأ بالمزّة «1» وحفظ القرآن، وتفقّه قليلا ثم أقبل على هذا الشأن، ورحل سنة ثلاث وثمانين «2» ونسخ بخطه المليح المتقن كثيرا لنفسه ولغيره، ونظر في اللغة ومهر/ (ص 227) فيها وفي التصريف، وقرأ العربية، وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها، والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله، وخرّج لغير واحد، وأملى مجالس وأوضح مشكلات ومعضلات، ما سبق إليها من علم الحديث ورجاله، وكان ثقة كثير العلم، غزير الفضل، حسن الاخلاق، كثير السكون، قليل الكلام جدا، صادق اللهجة، لم تعرف له صبوة، وكان يطالع وينقل الطباق «3» إذا حدّث، وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شئ مما يقرأ، بل يرّد في المتن والإسناد ردا مفيدا «4» ، بحيث يتعجب منه فضلاء الجماعة وكان متواضعا حليما صبورا مقتصدا في ملبسه ومأكله، كثير المشي في مصالحه.
ترافق هو وشيخ الإسلام ابن تيمية في سماع الحديث، وفي النظر في العلم، وكان يقرّر طريقة السلف في السنّة، ويعضد ذلك بمباحث نظريّة وقواعد كلامية، وكان له عمل كثير في المعقول «1» ، وما وراء ذلك بحمد الله إلا حسن إسلام وخشية لله، وصحب في وقت العفيف التلمساني «2» ، فلما تبيّن له انحلاله واتحاده تبرأ منه وحطّ، وكان ذا مروءة وسماحة، وتقنع باليسير، باذلا لكتبه وفوائده ونفسه، كثير المحاسن، ولقد آذاه أبو الحسن ابن العطار «3» وسبّه فما تكلم فيه ولا فيمن آذاه، وقرأ بدمشق مرة تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب «4» ، فوثب عليه جماعة من الروم الحنفية، ورفعوه إلى قاضي القضاة، حسام الدين الرازي «5» ، وهو إذ ذاك حاكم بدمشق فتلطف الحاكم المذكور مع الفقهاء الحنفية المذكورين، ووعدهم ومنّاهم وعفا عنه، ومنعه بالحسنى منهم