الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلس، وأفرد فيها من ملح فضلاء المشرق ما يستغرب بالمغرب، إلا أني وقع لي معنى يفخر به المشرق على المغرب، نظمته على جهة المداعبة، وبعثته طلبا للمجاوبة، وهو:[المتقارب]
[شعر في مدح المشرق والمغرب وغلمانهما]
(ص 41) إذا ذكر الشرق في محفل
…
فلا يذكرنّ به المغرب
طلوع الغزالة في أفقنا
…
وفي أفقكم نورها يغرب
وتشرق أنوارها عندنا
…
وعندكم حسنها يسلب
فأجابه ابن سعيد: [مخلع البسيط]
يفخر بالشرق أهل فخر
…
قولهم بهرج شتيت «1»
قالوا لنا الشمس في طلوع
…
قلنا لهم عند من تبيت؟
تبيت حيث المهاد رحب
…
والليل فيه مسك فتيت
قلت: وقد أنصف الوداعي «2» أحد شعرائنا المتأخرين إذ قال: [الوافر]
حوى كلّ من الأفقين فضلا
…
يقرّبه الغبيّ مع النبيه
فهذا مطلع الأنوار منه
…
وهذا منبع (الأيمان)«3» (فيه)
وكذلك لقد أرضى جيراننا المغاربة بقوله: [المنسرح]
في الغرب خير وعند ساكنه
…
أمانة أوجبت تقدّمه
فالشرق من يثريه عندهم
…
يودع ديناره ودرهمه
ثم نعود إلى ما كنا فيه، وما نحن بصدده.
قال صاحب الكمائم «1» : إنّ الله تعالى جعل المعمور من الأرض مقسوما على سبعة أقاليم آخذة من مغرب الشمس إلى مشرقها، والمغرب والمشرق مشتركان فيهما بالسواء، لأن كل إقليم فيها للمشرق والمغرب فيه حظ، وإحكامه في المشرق من جهة الإقليمية، والتأثيرات النجومية إحكامه في المغرب، إلا أن لمشارق الشمس في مطالعها بالمشرق في تصفية الألوان والأذهان حكم يشبه الشمس عند شروقها، ولمغاربها بالمغرب في ضد ذلك حكم يشبه الشمس عند غروبها.
قال ابن سعيد: وقد أقر بهذا الشأن لأهل المشرق على أهل المغرب الحافظ أبو محمد بن حزم الأندلسي «2» : في رسالته حيث قال: فإن قرطبة مسقط رؤوسنا،
ومعق تمايمنا مع سرّ من رأى في إقليم واحد، قلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه إقليمنا، وإن كانت الأنوار لا تأتينا إلا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور، وذلك عند المحسنين للأحكام التي تدل عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها، وقد جعل صاحب الكمائم ذلك (ص 42) سببا لتكدير أخلاق المغاربة في سائر أقاليمهم، وصيّر ذلك متعديا إلى مياههم. وقال إن الإقليم الرابع وإن كان أعدل الأقاليم فإن فعله في الألوان والخلق في رأس المشرق فوق فعله في ذنب المغرب، فقد عاينت من يرد من الغلمان الذين يفتنون الناظر من الأتراك، والخطا «1» الذين يسكنون الإقليم الرابع عن يمين خوارزم، وجهات تركستان، وعاينت جماعة ممن يصلون من إشبيلية وقرطبة إلى بغداد وإلى بلاد العجم، فكان بين الجنسين بالنظر إلى صفاء الألوان وحسن الصور بون لا يخفى على الناقد. قال ابن سعيد: نظر البيهقي من غلمان الأتراك والخطا الصور التي تنتخب في عنفوان شبابها وبهجتها، وتهدى إلى الملوك، وأراد أن يقيسهم مع أشياخ وكهول يصلون من إشبيلية وقرطبة، بعد ما قطعوا أكثر طول الأرض، وقد شربت الأهواء المختلفة، وأعالي السني المتوالية مياه وجوههم، وسودت بشائر الحسن خدودهم، فكسفت شموسهم، وخسفت بدورهم، وذوت غصونهم، وذبل وردهم، وطحلب وردهم «2» ، فكانوا كما قال ابن حريق البلينسي «3» في محبوبة
له نظر لها، وقد أخذ منها السّن، وصوّرها في الدرك الأسفل من الحسن:[الرمل]
إنّ ما كان في وجنتها
…
وردته السنين حتى نشفا
وذوى العنّاب من أنملها
…
فأعادته الليالي حشفا «1»
وأقسم بما ضمنته الخدود من وردها، واشتملت عليه الثغور من وردها وأقلته الغصون من بدورها، واحتوت عليه الأزرار من عاج صدرها (ص 43) لو نظر البيهقي إلى غلمان إشبيلية، وما وشاهم الحسن به من بديع التوشية لعدل بالتفضيل إليهم، وأحال بالتقديم عليهم، وأنشد في كل واحد من سربهم ما قاله أبو القاسم بن طلحة الصقلي «2» ، وقد طلعت عليه إحدى شموسهم من أقصى مغربهم:[السريع]
أيتها النفس إليه اذهبي
…
فحبه المشهور من مذهب
مفضض الثغر له مسكة
…
قد طبعت في حدّه المذهب
أيأسني التوبة عن حبه
…
طلوعه شمسا من المغرب
ولقد رأيت بالقاهرة غلمانا وصلوا إليها مع رسول الإمبراطور، من جزيرة صقيلية «3» ، وهي في الإقليم الرابع، قضيت العجب من كمال الحسن فيهم بين اعتدال قدّ، ودهم وهيف خصورهم، وصفاء ألوانهم، المشربة بالحمرة، التي
تعشقها النفس، وتسرح فيها العين، وحسن مجموع صورهم وتفاريقها، (فتبارك الله أحسن الخالقين)«1» .
وكأن أهل القاهرة معجبون فيهم، وتهالك في الوجد بهم جماعة من الأمراء، وتوصلوا إلى إحضارهم في مجالس أنسهم، وكانوا يحسنون الكلام بالعربية، ويعلمون مواقع النوادر على عادة نصارى صقيلية، وخفي عن الناس هنالك مراد الإمبراطور بتوجيههم، وإنما أرادوا أن يتكشفوا «2» من الأحوال الباطنة على ما لا يتوصل إليه غيرهم، ممن لا يشفع في تقريبه حسنه، فما انفصلوا عن القاهرة إلا وقد حصلوا من الأخبار ما يسهّل طريقه إليهم، شفيع الحسن الذي لا يرد «3» . على أني أبصرت من غلمان الأتراك ذوي الأثمان الغالية ما أرجع فيه إلى الإنصاف. وأفضلهم على غلمان أصناف الرّوم.، الذين يجلبون إلى ملوك الأندلس، وسلاطين برّ العدوة، ولقد أخبرت أنه (ص 44) كان بحلب منذ مدّة قريبة مملوك تركي، خلف أحد المغاربة النقاد أنه لم ير أحسن من صورته في شرق ولا غرب، وأنه أعطي مولاه ثلاثين ألف درهم ناصرية «4» ، فامتنع من بيعه، فمات على إثر ذلك. ولو قيل بالمغرب إن مملوكا بلغ هذا الثمن لم يصدق الناقل، وجعل الناس يضحكون عليه من هذا الحديث. إذ المعتاد في المغرب ما خلا الديار المصرية، أن يكون المملوك الحسن الصورة من الإفرنج
وغيرهم بخمس مائة درهم من هذه الدراهم، وهي ألف من الدراهم المغربية، فيكون عند الملك بدل هذا المملوك الذي هو بثلاثين ألف درهم كتيبة فرسان من ستين فارسا، على أنهم أكثر ما يبتاعون المماليك الذين قيمة الواحد منهم خمسمائة درهم مغربية، وستمائة ونحو ذلك. قال: وهمّم أهل المشرق في هذا الشأن مسلمة لهم، وكل هذا الذي ذكرناه هنا مما ذكره ابن سعيد. قلت: أما قوله عن علو ثمن المملوك ثلاثين ألف درهم ناصرية فهو معذور فيه، ولكنه ما عمر إلى إمام سلطاننا ورأى ما جلب إليه، وما بذل من الأثمان، ولو رأى ذلك لاحتقر ما استكبر، واستقل ما استكثر، وأما قوله: إن الدرهم الناصري بدرهمين مغربية، فقد قدمنا القول أن الدرهم الكاملي «1» معاملها اليوم بثلاثة دراهم مغربية عتق، وهو بدرهمين مغربية جدد، ولعله أراد الجدد، وإلا فحينئذ لا يقال إنها جدد لا تكون إلا ثلاثة بدرهم. والناصرية التي ذكرها ضرب الناصر بن العزيز «2» وهي دون «3» الكاملية بقليل.
أما الذي ذكره من حسن غلمان الروم فغير منكور، وإنما الترك أتم صورا