الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قوله: (والأغلب على المشارقة التغاضي وترك الحقد وقلة المؤاخذة على الأقوال والأفعال، ولكن تحت ذلك من (ص 29) المسامحة في القول والإخلاف بالوعد، وقلة المبالاة والارتباط، ونبذ الحقوق ومراعاة الأخلاق الإنسانية ما يقطع النفس حسرات) «1» .
فأول هذا القول صحيح لا شك فيه إن عندهم التغاضي وترك الحقد، وقلة المؤاخذة. وهذا دليل رزانة حلومهم، وكرم شيمهم، ومؤاخذة الآباء للأبناء بحسن التخلق بأخلاق الكرماء، والتأدب بآداب الآباء والعظماء حتى صار هذا طبعا لهم، يتوارثه منهم خلف عن سلف.
[ما فعله يوسف بن تاشفين مع بني عباد ملوك الأندلس]
وأما آخر هذا الكلام فهو غير مسلّم والدليل عليه سير الخلفاء والملوك في الأفقين، وما يعجبني من حسن وفاء المغاربة إلا ما فعله يوسف بن تاشفين «2» ملك المغرب وبرّ العدوة مع بني عباد ملوك الأندلس فإنهم أدخلوه إلى بلادهم، وبذلوا له الطاعة، وقدموا إليه نفائس الأموال، وأخدموه البنين والبنات. فكافأهم
بانتزاع الملك، وأخذ ابن عباد «1» وأهله الأخذة الرابية، وقيده بالحديد، وغله وسلسله، وحمله هو وأهله في الفلك إلى أن سجنه بأغمات «2» ، ورمى أهله بالتفرق والشتات، ولم يجر عليه وهو في حبسه ولا رغيفا واحدا من الخبز، حتى كنّ «3» بناته يغزلن للناس بالأجرة، ويطعمن أباهم، ودخل إليه بعض بناته في يوم مطير ذالق ووحل، وهي حافية القدم، لعدم قدرتها على مشترى حذاء، فبكى على حاله، وقال في ذلك الأشعار المشهورة «4» ، والأقوال المذكورة، وأدى
حال بعض بنيه بعد الملك الضخم إلى أن صار أجير صائغ يعمل بالأجرة.
ولابن اللبانة «1» شاعره في وصف حاله وحال أولاده ما يبكي السامع، ويحزن الفرح المسرور «2» (ص 30) فهذا من وفاء المغاربة، وعليه فقس بقية الأمور، وأما قوله ولهم من القيام والبشاشة في السلام ما يطول ذكره، فصحيح وهو مما تقدم القول فيه من مكارم الأخلاق، وحسن التخلق مع الناس، وللناس الظاهر والله يتولى «3» السرائر. ولله (در) «4» القائل:[البسيط]
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره
…
وقد أجلك من يعصيك مستترا
وإن سلم إلى ابن سعيد أنّ للمشارقة حسن الظاهر دون الباطن، فلقائل أن يقول: صدقت للمشارقة حسن الظاهر دون الباطن، والمغاربة لا لهم ظاهر ولا باطن «5» .
وأما قوله: (نحن بحيث مرج البحرين يلتقيان، ومنهما يخرج اللؤلؤ والمرجان) فصحيح أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان، وإنما اللؤلؤ من البحر