الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شعره: [البسيط]
قوض خيامك عن دار أهنت بها
…
وجانب الذلّ إن الذلّ يجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة
…
فالمندل الرطب في أوطانه حطب
ومنه: [الطويل]
ولما تواقفنا تباكت قلوبنا
…
فممسك دمع العين يوم ذاك كساكبه
فيا كبدي الحرّى البسي ثوب حسرة
…
فراق الذي تهوينه قد كساك به
ومنهم:
105- أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي
«1» الحافظ المكثر الجوال،- ويعرف بابن القيسراني- الشيباني، وليس هو من أولاد القيسراني الكذاب.
سرى «2» للطلب سري الخيال، وركب شهب الأيام، ودهم «3» الليال، وقطع قفر البيد يلمع آله، «4» ويجمع الشتات ضلاله، وسلك منه مسالك تجار الرياح في أفواجها، ويغرق الصباح في أمواجها، ويصدى صديع
النهار «1» بظلمها «2» (ص 209) وتخفق أحشاء النجوم في عتمها، إلى أن آب مملكا، وآل أمره إلى أن أصبح كما أمسى الليل مدركا.
سمع ببلده، وبمكة، ومصر، والثغر، ودمشق، وحلب، وبغداد، والجزيرة، وأصبهان، ونيسابور، وهراة، وجرجان، وآمد، واسترآباذ، وبوشنج، والبصرة، والدينور، والري، وسرخس، وشيراز، وقزوين، والكوفة، والموصل، ومرو الروز، وتوقان، ونهاوند، وهمذان، وواسط، وساوة، واسترآباذ «3» ، والأنبار، وأسفرايين، وآمل، والأهواز، وبسطام، وخسرو جرد، وغير ذلك.
قال ابن عساكر: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ «4» يقول: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.
وقال أبو زكريا ابن منده «5» : كان ابن طاهر أحد الحفاظ، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، صدوقا، عالما بالصحيح، والسقيم، وكثير التصانيف، لازما للأثر. قال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت الصحيحين، وسنن أبي داود سبع مرات بالأجرة، وسنن ابن ماجه عشر مرات بالري.
وقال ابن طاهر: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، ومرة بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة في طلب الحديث قط، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي.
وقيل: كان يمشي دائما في اليوم والليلة عشرين فرسخا، وكان قادرا على ذلك.
ومصنفاته كثيرة لكنه كثير الوهم، وكان لحنة، «1» ويصحّف، ويرى إباحة السماع «2» ، ومولده سنة ثمان وأربعين، وأربعمائة.
قال ابن شيرويه- في تاريخ همذان-: ابن طاهر سكن همذان، وبنى بها دارا، وكان ثقة حافظا، عالما بالصحيح والسقيم، حسن المعرفة بالرجال، والمتون، كثير التصانيف، جيد الخط، لازما للأثر، بعيدا عن الفضول والتعصب، خفيف الروح (ص 210) قوي السير في السفر.
قال شجاع الذهلي «3» : مات عند قدومه بغداد من الحج يوم الجمعة في ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة.
من شعره: [البسيط]
ساروا بها كالبدر في هودج
…
يميس محفوفا بأترابه
فاستعبرت تبكي فعاتبتها
…
خوفا من الواشي وأصحابه
وقلت: لا تبك على هالك
…
بعدك ما يبقى على ما به
وأحسن الموت بأهل الهوى
…
من مات من فرقة أحبابه
ومنهم:
106-
إسماعيل بن محمد بن فضل بن علي القرشي التيمي الطلحي «1» الأصبهاني،
شيخ الإسلام، أبو بكر، الملقب" بقوام السنة"، صاحب الترغيب والترهيب من قريش في شذر «2» ذؤاباتها «3» ، وزأر «4» غاباتها، وزهر سماواتها، الممرعة «5» الحدائق، المرتفعة الطرائق، المسرعة الأنواء، وسهيل عائم، وصاحب السفينة غارق، رغب في الخير، وعمله، ورهب من الشر، وسوء عاقبة دوله، ودعا به إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والموقظة التي لم تدع على
جفن وسنه «1» ، ووسع صدره الإخوان على ضيق ما في يده، وقلته، وتقاعد الزمان عن سد خلته، وتقاعس عنان الحظ في يده إذ جمح، وسن مداه «2» لخلده «3» إذ جرح.
ولد سنة سبع وخمسين، وأربعمائة، ورحل، وسمع بعدة مدائن، وأملى، وصنف، وتكلم في الرجال، وأحوالهم، وحدث عنه خلق.
وقال أبو موسى المديني «4» : إسماعيل الحافظ إمام وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، لا أعلم أحدا غاب عليه قولا، ولا فعلا، ولا عانده أحد إلا ونصره الله عليه، وكان نزه النفس عن المطامع لا يدخل على السلاطين، ولا على من اتصل بهم، قد أخلى دارا من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، أملى ثلاثة آلاف، وخمس مائة مجلس، وكان يملي على البديه، وأصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة.
وقال يحيى بن منده: كان حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام، ليس في وقته مثله.
وقال عبد الجليل بن محمد: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما دخل بغداد بعد الإمام أحمد أفضل، وأحفظ من الإمام إسماعيل.
قال أبو موسى المديني- في ذكر من هو على رأس المائة الخامسة-: لا أعلم
أحدا في ديار الإسلام يصلح لتأويل الحديث «1» إلا إسماعيل الحافظ.
قال أبو موسى: صنف التفسير في ثلاثين مجلدا سماه" الجامع"، وله تفسير آخر في أربع مجلدات، والموضح في التفسير في ثلاث مجلدات، وكتاب" المعتمد" في التفسير عشر مجلدات، وله مصنفات كثيرة مفيدة، وكان عالما باللغة، والأدب، عارفا بالأسانيد، والمتون، ووهب أكثر أصوله في آخر عمره.
قال: وكانت وفاته يوم الأضحى سنة خمس وثلاثين، وخمس مائة، واجتمع في جنازته خلق كثير لم أر مثلهم كثرة- رحمه الله تعالى-.
ومنهم:
107-
أبو سعد عبد الكريم بن تاج الإسلام «1» أبي بكر بن محمد بن منصور التميمي السمعاني «2» المروزي، صاحب التصانيف.
قسما لقد أسمع بها السمعاني آذانا، ولقد طرق بها القلوب لا يطلب استئذانا، ولقد رحل، فلم يدع موضعا يسمع به أذانا، ولقي الرجال فما خلى جماعات، ولا شذانا «3» ، طلبا اتسع به ذيل ارتحاله، واندفع سيل جداله،
وضخم به قدر معجمه، وفخم (ص 212) طرر «1» معلمه «2» ، وفخر لظهور تقدمه، وأدّبه طول التغرب، فصفا زلالا «3» ، وأدّى به إلى أن شف «4» ذبالا «5» ، حتى قيل: السمعاني، فسكت من أراد أن يتكلم، وطارت سمعته، فوقع دونه كل من حوّم، وخاض تيار الكفار لزيارة شدّ إليها رحله، ولم يهب موجهم المتلاطم، وشق شقاشق «6» رعودهم، ولم يخف نوأهم المتراكم.
ولد في شعبان سنة ست وخمس مائة، وحمله والده إلى نيسابور في آخر سنة تسع، فلحق بحضوره عدة شيوخ، ومات أبوه سنة عشر، فتربى مع أعمامه، وأهله، وحفظ القرآن والفقه، ثم حبب إليه شأن الحديث، فاعتنى به، ورحل إلى
الأقاليم النائية، وعمل المعجم «1» في عدة مجلدات، وكان ذكيا فهما، سريع الكتابة، مليحها، درّس، وأفتى، ووعظ، وأملى، وكتب عمن دب، ودرج، وكان ثقة، حافظا حجة، واسع الرحلة، عدلا، دينا، جميل السيرة، حسن الصحبة، كثير المحفوظ.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف، كثير النشوار «2» ، والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفا، سمع منه مشايخه، وأقرانه، ثم سرد ابن النجار تصانيفه، ونقل أسماءها من خطه في نيف وعشرين سطرا «3» .
وقد ذهب أبو سعد إلى بيت المقدس، وزاره، والنصارى يومئذ ولاته، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمس مائة «4» .