الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم
135- عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الكوفي
«1» ذو اللفظ المتشعب، والحفظ المستوعب، والفهم الذي يذلل المستصعب، والعلم المريح إلا أنه لغيره المتعب، وكان يدمّث حواشي علمه بمزاح يندى أطاريفه، وبسط يوطّا رئفه «2» ، فكاهة تصقل الأفهام، وتزيل صدى الأوهام، وتحلّ عقد النشاط، وتمد طرف الانبساط، يمزح ولا يعدو الحق وإن لعب، ولا يزيد على أن يريح من حبسه الانحصار التعب، ولد سنة إحدى وعشرين، وقيل قبل ذلك، ويقال إنه أدرك خمسمائة من الصحابة، وروي أن ابن عمر مرّ به يوما وهو يحدّث بالمغازي فقال: شهدت القوم وهو أعلم بها مني. وحكى الشعبي قال: أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسألني عن شئ إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل الإقامة عنده، فحبسني أياما كثيرة، حتى استحثثت خروجي، فلما أردت الانصراف، قال: من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا، ولكني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فدفعت إليّ رقعة، وقال: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك، فأوصل إليه هذه الرقعة، قال: فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، وأنسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج فذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فلما قرأها قال: أقال لك شيئا قبل أن يدفعها/ (ص 259) إليك، قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من العرب في الجملة. ثم خرجت من عنده، فلما بلغت الباب رددت، فلما مثلت بين يديه، قال لي: أتدري ما في
هذه الرقعة قلت: لا، قال: اقرأها، فقرأتها، فإذا فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيره؟ فقلت: والله لو علمت ما فيها ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك. قال: أفتدري لم كتبها، قلت: لا، قال: حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك. قال: فتأدّى ذلك إلى ملك الروم، فقال: ما أردت إلا ما قال.
وروي أن الشعبي كلّم [عمرو] بن هبيرة «1» أمير العراقين في قوم حبسهم ليطلقهم فأبى، فقال له: أيها الأمير: إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم، وإن حبستهم بالحق فالعفو يسعهم، فأطلقهم. وكان قد ولد هو وأخ آخر في بطن، وأقام في البطن سنتين، ويقال: إن الحجاج قال له يوما: كم عطاءك في السنة؟
فقال: ألفين. فقال: ويحك كم عطاؤك؟ فقال: ألفان، فقال: كيف لحنت أولا؟
قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يلحن الأمير فأعرب أنا، فاستحسن ذلك منه وأجازه.
وكان مزّاحا، يروى أن رجلا دخل عليه يوما ومعه امرأة في البيت، فقال:
أيكم الشعبي؟ فقال: هذه. وكان نحيفا ضئيلا، فقيل له يوما: ما لنا نراك ضئيلا، فقال: زوحمت في الرحم، أشار إلى توءمه المذكور.
وكان إماما حافظا ذا فنون، قال أحمد العجلي «2» : مرسل الشعبي صحيح،