الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم
129- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشي الأسدي
«1» أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. والعلماء أهل الدرجات المكينة، والصلحاء أصحاب الديانة المتينة، والأكفاء من رجال طيبة أخت البلدة الأمينة، والقرناء لما بين لابتيها «2» ونعم القرين ونعم القرينة، كان في صباه بين لدات من أقرانه وإخوته وإخوانه بالمسجد الحرام فتمنوا الأماني من الدنيا والملك وتمنى الجنة والنساء، فلم يبق رجل منهم حتى نال أمنيته، ونال الواحدة ولا عجب أن يكون بلغ الثانية لما بلغ منيّته.
ذكر العتبي «3» أن المسجد الحرام جمع بين عبد الملك بن مروان «4» ، وعبد الله بن الزبير «5» وأخويه مصعب «6» وعروة أيام تألفهم بعهد معاوية بن أبي
سفيان، فقال بعضهم: هلمّ فلنتمنّه فقال عبد الله: منيتي أن أملك الحرمين وأنال الخلافة، وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين وأجمع بين عقيلتي قريش سكينة بنت «1» الحسين وعائشة بنت «2» طلحة، وقال عبد الملك بن مروان:
منيتي أن أملك الأرض كلها، وأخلف معاوية. فقال عروة: لست في شئ مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يروى عنه هذا العلم.
قال: فصرّف الدهر من صروفه إلى أن بلغ كل واحد منهم أمله، فكان عبد الملك بعد ذلك يقول: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة في الدنيا فلينظر إلى عروة بن الزبير.
ولد عروة سنة نيف وعشرين للهجرة وأمّه أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين «3» ، وإحدى عجائز الجنة، وهو شقيق عبد الله بن الزبير بخلاف مصعب فإن أمه غير أسماء
وقد وردت الرواية عنه في حروف القرآن، وسمع خالته/ (ص 252) أم المؤمنين عائشة، وروى عنه خلق، وكان عالما صالحا، وأصابته الأكلة في رجله وهو بالشام عند الوليد «1» بن عبد الملك، فقطعت رجله في مجلس الوليد، والوليد مشغول عنه بمن يحدّثه، فلم يتحرك ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كويت، فوجد رائحة الكيّ، كذا قال ابن قتيبة «2» ، ولم يترك ورده تلك الليلة، ويقال: إنه مات ولده محمد في تلك السفرة، فلما عاد إلى المدينة، قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، وعاش بعد قطع رجله ثمان سنين.
وذكر المبرّد «3» في كتاب التعازي أن عروة قدم على الوليد بن عبد الملك ومعه ولده محمد بن عروة، فدخل محمد دار الدواب فضربته دابّة فخر ميتا، ووقعت في رجل عروة الآكلة، ولم يدع تلك الليلة [ورده]«4»
فقال له الوليد اقطعها، قال: لا، فترقت إلى ساقه، فقال له الوليد: اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك، فقطعها بالمنشار، وهو شيخ كبير ولم يمسكه أحد، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا.
وقدم على الوليد بن عبد الملك قوم من بني عبس تلك السنة فيهم رجل
ضرير، فسأله الوليد عن عينه، فقال: يا أمير المؤمنين بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد غير بعير وصبي مولود، وكان البعير صعبا فندّ، فوضعت الصبيّ واتّبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني ورأسه في فم الذئب وهو يأكله، ولحقت البعير لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي فحطمه وذهبت عيناي، وأصبحت لا مال لي ولا أهل ولا ولد ولا بصر. فقال الوليد: والله ما بك حاجة إلى المشي ولا أرب في السعي وقد تقدّمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض/ (ص 253) إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لنا منك ما كنّا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء من علمك ورأيك، نفعك الله وإيانا به، والله وليّ ثوابك والضمين لحسابك «1» .
ولما قتل عبد الله بن الزبير قدم أخوه عروة على عبد الملك بن مروان، فقال له يوما: أن تعطيني سيف أخي عبد الله، فقال: هو بين السيوف ولا أميّزه من بينها فقال عروة: إذا حضرت السيوف ميّزته أنا، فأمر عبد الملك بإحضارها فلما حضرت أخذ منها سيفا مفلّل «2» الحد، فقال: هذا سيف أخي، فقال عبد الملك، كنت تعرفه قبل الآن، فقال: لا. فقال: كيف عرفته؟ فقال بقول النابغة الذبياني «3» : [الطويل]
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
واحتفر عروة بئرا بالمدينة وهي منسوبة إليه ليس بالمدينة بئر أعذب من مائها.