المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌161- يحيى بن شرف بن مزي بن الحسن بن الحسين الحزامي النووي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٥

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌منهجنا في خدمة الكتاب وتحقيقه

- ‌الفصل الأول: وهو الخطابي

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌[مشرق الأرض ومغربها]

- ‌[تشبيه بعض الحكماء للأرض]

- ‌[تفضيل المشرق على المغرب]

- ‌[الأنبياء والرسل]

- ‌[الجهات الشريفة]

- ‌[الحواريون والصحابة]

- ‌[جماهير الكرماء والعظماء في الجاهلية والإسلام]

- ‌[الأئمة والفقهاء]

- ‌[السادات الأولياء أئمة التحقيق]

- ‌[الفلاسفة والحكماء والأطباء ورجال الفلك والعلوم]

- ‌[أصحاب الموسيقى]

- ‌[حكم الشرع في السماع وآلاته]

- ‌[قول ابن بسام في خطبة كتاب الذخيرة]

- ‌[أصحاب الصنائع العملية (الكتابة) والفلاحة والسيوف، والرماح، والديباج]

- ‌[في الشرق رست قواعد الخلافة]

- ‌[المقايسة بين سلاطين المشرق والمغرب والخلافة]

- ‌[مسعود بن محمود بن سبكتكين]

- ‌[السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان]

- ‌[السلطان علاء الدين خوارزم شاه]

- ‌[الملك العادل، وجلال الدين محمد]

- ‌[فتنة البساسيري]

- ‌[الحيوان والنبات والمعادن]

- ‌[الجواهر والأحجار]

- ‌[العقاقير]

- ‌[بعض ما في المغرب مما سبق]

- ‌الفصل الثانى فى الإنصاف بين المشرق والمغرب على حكم التحقيق

- ‌[خطا الأطوال والعروض…الشرق والغرب أمر نسبي]

- ‌[المشرق أطول من المغرب]

- ‌[للمشرق الفخر]

- ‌[قول ابن سعيد.. المحاسن مقسمة.. الأغلب على البلاد المشرقية]

- ‌[رد ابن فضل الله العمري على ابن سعيد]

- ‌[ما فعله يوسف بن تاشفين مع بني عباد ملوك الأندلس]

- ‌[الموازنة بين المشرق والمغرب]

- ‌[الحيوان والنبات]

- ‌[المغرب والمشرق واللغة وبعض الشعراء]

- ‌[العلوم العقلية]

- ‌[المتنزهات.. والقلاع والمدن والأنهار]

- ‌[شعر في مدح المشرق والمغرب وغلمانهما]

- ‌[الإسكندر وبلاد فارس وأرسطو وصاحب الصين]

- ‌[تشبيه ابن سعيد الأرض بطائر]

- ‌[من أحكام المناظرة بين المشارقة والمغاربة]

- ‌[نشأة الخلافة]

- ‌[المناظرة بين الأشخاص: الخلفاء ونحوهم]

- ‌[من عظماء الأدارسة…الناصر علي بن حمود]

- ‌[بنو عبد المؤمن]

- ‌[الشبه بين المأمون بن المنصور الموحدي والمأمون العباسي]

- ‌[خراسان سلطنة عريضة]

- ‌[سجستان ودولة بني الصفار]

- ‌[كرمان وديلمان]

- ‌[مازندران (طبرستان) ]

- ‌[عراق العجم]

- ‌[فارس]

- ‌[خوزستان (الأهواز) ]

- ‌[العراق السلطنة العظمى]

- ‌[شهرزور]

- ‌[الجزيرة]

- ‌[الشام سلطنة جليلة]

- ‌[جزيرة العرب]

- ‌[وهجر سلطنة واليمامة]

- ‌[أذربيجان]

- ‌[أرمينية.. وبلاد الروم]

- ‌[سلطنات المغرب الديار المصرية]

- ‌[برقة وإفريقية]

- ‌[سلطنة المغرب الأقصى]

- ‌[بلاد السودان]

- ‌[أرض النوبة والكانم]

- ‌[جزيرة الأندلس ومن تولى عليها]

- ‌[سلطنات رومية والقسطنطينية]

- ‌[الجندية في المشرق والمغرب رجالها عتادها وما يتبع ذلك وعطاؤهم]

- ‌[الوزارة]

- ‌[الكتاب بالمشرق]

- ‌[جاء في المتأخرين من لم يرض طرق المتقدمين]

- ‌مشاهير قراء المشرق

- ‌[مقدمة]

- ‌1- أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار أبو المنذر الأنصاري

- ‌2- ومن أعلام القراء أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة

- ‌3- مجاهد بن جبر الإمام

- ‌4- عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة

- ‌5- عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان أبو معبد الكناني الداري المكي

- ‌6- يزيد بن القعقاع أبو فرج القاري أحد العشرة

- ‌7- عاصم بن أبي النجود بهدلة الأسدي

- ‌8- حمزة بن حبيب الزيات

- ‌9- أبو عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري

- ‌10- نافع بن عبد الرحمن الليثي أبو رويم المقرئ

- ‌11- إسماعيل بن عبد الله المخزومي قارئ أهل مكة

- ‌12- حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي

- ‌13- سليم بن عيسى بن سليم بن عامر

- ‌14- علي بن حمزة الكسائي

- ‌15- أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي

- ‌16- يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي

- ‌17- يعقوب بن إسحاق بن يزيد بن عبد الله

- ‌18- يحيى بن آدم بن سليمان أبو زكريا القرشي

- ‌19- حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي

- ‌20- قالون أبو موسى

- ‌21- أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزة

- ‌22- خلاد بن خالد

- ‌23- خلف بن هشام بن تغلب أبو محمد البغدادي المقرئ البزار

- ‌24- الليث بن خالد أبو الحارث البغدادي المقرئ

- ‌25- عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان

- ‌26- هشام بن عمار بن نصير

- ‌27- أبو عمر الدوري

- ‌28- أبو شعيب السوسي

- ‌29- قنبل مقرئ أهل مكة

- ‌30- أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد شيخ العصر أبو بكر البغدادي

- ‌32- محمد بن النضر بن مرّ بن الحر الربعي الإمام أبو الحسن ابن الأخرم الدمشقي

- ‌34- محمد بن الحسن بن محمد بن زياد أبو بكر النقاش الموصلي ثم البغدادي

- ‌[قراء الجانب الغربي]

- ‌[قراء مصر]

- ‌64- محمد بن علي بن أحمد

- ‌66- محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن سالم بن مكي (الشروطي)

- ‌[المحدّثون من أهل المشرق]

- ‌67- أبو هريرة الدوسي اليماني

- ‌69- قتادة بن دعامة بن قتادة الحافظ

- ‌70- شعبة بن الحجاج بن الورد

- ‌71- عبد الرحمن بن مهدي

- ‌72- أبو داود الطيالسي

- ‌76- عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي

- ‌77- عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل

- ‌78- الإمام العلم أبو عبد الله البخاري

- ‌79- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس

- ‌86- أبو عيسى الترمذي

- ‌93- أحمد بن محمد بن سعيد أبو العباس الكوفي

- ‌98- محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي زكريا يحيى بن منده

- ‌99- أبو عبد الله الحاكم

- ‌101- أبو ذر الهروي

- ‌103- الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي بن ثايت بن أحمد البغدادي، خطيب بغداد

- ‌104- أبو نصر بن ماكولا

- ‌105- أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي

- ‌108- أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر

- ‌112- محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي، المعروف بابن النجار

- ‌113- القاسم محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يدّاش البرزاليّ

- ‌114- يوسف بن الزّكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك القضاعي

- ‌115- محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ابن الذهبي أبو عبد الله شمس الدين

- ‌فأما الحفاظ بالجانب الغربي

- ‌116- يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس

- ‌117- بقيّ بن مخلد

- ‌118- محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الحميدي الأندلسي الميورقي

- ‌119- خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال أبو القاسم الأنصاري الأندلسي

- ‌120- عبد الحق بن عبد الرحمن بن الحسين بن سعيد الحافظ أبو محمد الأزدي الإشبيلي

- ‌121- محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيّد الناس اليعمري الأندلسي الإشبيلي

- ‌122- يزيد بن أبي حبيب الإمام الكبير أبو رجاء الأزدي

- ‌123- عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان، الحافظ النّسابة أبو محمد الأزدي المصري

- ‌124- أبو طاهر الأصبهاني واسمه أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني

- ‌125- عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي شرف الدين أبو محمد

- ‌[فقهاء المحدثين: الجانب الشرقى]

- ‌126- علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك

- ‌127- القاضي شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي

- ‌128- سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم القرشي المدني

- ‌129- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشي الأسدي

- ‌130- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي

- ‌131- سعيد بن جبير الوائلي مولاهم الكوفي

- ‌132- إبراهيم بن يزيد بن الأسود الفقيه الكوفي النخعي

- ‌133- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي

- ‌134- خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان أبو زيد الأنصاري

- ‌135- عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الكوفي

- ‌136- طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني أبو عبد الرحمن

- ‌137- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي

- ‌138- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي

- ‌139- سليمان بن يسار

- ‌140- الحسن بن أبي الحسن يسار البصري أبو سعيد

- ‌141- مكحول بن عبد الله الشامي

- ‌142- عطاء بن أبي رباح

- ‌143- أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني القرشي

- ‌144- ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ مولى آل المنكدر

- ‌145- يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الحافظ

- ‌146- سليمان بن مهران

- ‌147- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن

- ‌148- عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج الرومي

- ‌149- عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي

- ‌150- سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة أبو عبد الله الثوري الكوفي الفقيه الإمام

- ‌151- حماد بن سلمة بن دينار

- ‌152- عبد الله بن المبارك

- ‌153- سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي

- ‌154- إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب

- ‌155- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي أبو ثور

- ‌156- محمد بن نصر الإمام أبو عبد الله المروزي

- ‌157- محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري

- ‌158- أبو سليمان الخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب القرشي العدوي البستي من ولد زيد بن الخطاب ابن نفيل

- ‌159- الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي أبو الفضائل القرشي العدوي العمري عرف بالصغّاني الحنفي

- ‌160- أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر الكردي الشهرزوري، عرف بابن الصلاح

- ‌161- يحيى بن شرف بن مزي بن الحسن بن الحسين الحزامي النووي

- ‌162- أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية)

- ‌فأما من نذكر من مشاهير الجانب الغربي فمنهم:

- ‌163- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي

- ‌164- أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري

- ‌165- القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي

- ‌166- أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف ب (ابن العربي) المعافري

- ‌ومن متقدميهم بالديار المصرية:

- ‌ومن متأخريهم:

- ‌171- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌فهرس الكتاب

الفصل: ‌161- يحيى بن شرف بن مزي بن الحسن بن الحسين الحزامي النووي

وحصّل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام، وتولى تدريس المدرسة الصلاحية ببيت المقدس، وأقام مدة وأشغل الناس وانتفعوا به، ثم عاد إلى دمشق فولي تدريس الرّداحيه، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وتدريس الشامية التي داخل/ (ص 290) دمشق، وقام بالوظائف الثلاث من غير إخلال بشيء إلا لعذر شرعيّ، وكان من العلم والدين على قدم حسنة، وله مصنفات مفيدة وإشكالات على الوسيط، وجمعت فتاويه في مجلّد ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال، واجتهاد في الاشتغال والنفع، إلى أن توفي يوم الأربعاء، وقت الصبح، وصلّي عليه بعد الظهر وهو الخامس والعشرون من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق، ودفن بمقبرة الصوفية، ومولده سنة سبع وسبعين وخمس مائة.

ومنهم

‌161- يحيى بن شرف بن مزي بن الحسن بن الحسين الحزامي النووي

«1» الشافعي الحافظ شيخ الإسلام علم الأولياء، قدوة الزهاد محيي الدين أبو زكريا صاحب التصانيف، رجل علم وعمل ونجاح سؤل وأمل، وكامل وقلّ مثله في الناس من كمل، وفّق للعلم وسهّل عليه ويسّر له وسيّر إليه، من أهل بيت من نوى من كرام القرى وكرام أهل القرى، لهم بها بيت مضيف لا تخمد ناره ودار قرى لا يخمل مناره، طلع من أممهم سادات، وسمع لكرمهم عادات، وجمع لهممهم أطراف السعادات، ونبت فيهم نباتا حسنا، ونبغ ذكاء ولسنا، وأتى دمشق متلقنا للأخذ عن علمائها، متقللا من عيشها حتى كاد يعفّ فلا يشرب من مائها، فنبه شكره ونهب مدى الآفاق ذكره، وحلق اسمه، وذكر تصنيفه

ص: 680

وعلمه، فلما سوّلت للملك الظاهر «1» بيبرس أمانيه، وحدثته نفسه من الظلم بما كاد يأتي/ (ص 291) قواعده من مبانيه، وكتب له من الفقهاء من كتب، وحمله سوء رأيه على بيع آخرته بشيء من الذهب، ولم يبق سواه فلما حضر هابه وألقى إليه الفتيا فألقاها وقال: لقد أفتوك بالباطل ليس لك أخذ معونة حتى ينفذ أموال بيت المال، وتعيد أنت ونساؤك ومماليكك وأمراؤك ما أخذتم زائدا عن حقكم، وتردوا فواضل بيت المال إليه. وأغلظ له في القول، فلما خرج قال:

اقطعوا وظائف هذا الفقيه ورواتبه، فقيل: إنه لا وظيفة له ولا راتب، قال: فمن أين يأكل؟ قالوا: مما يبعث إليه أبوه من نوى، فقال: والله لقد هممت بقتله، فرأيت كأن أسدا فاغرا فاه بيني وبينه لو عرّضت له لالتقمني. ثم وقر له في صدره ما وقر، ومدّ إليه يد المسالمة يسأله وما افتقر.

ثم كانت سمعة النووي التي شرّقت وغرّبت، وبعدت وقربت، وعظم شأن تصانيفه، وبيان البيان في مطاوي تواليفه، ثم هي اليوم محجة الفتوى وعليها العمل وما ثمّ سوى سببها الأقوى.

ولد في المحرّم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق سنة تسع وأربعين فسكن في الرواحية، وتناول خبز المدرسة، وحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حفظا في باقي السنة، ثم حجّ مع أبيه، ومرض أكثر الطريق، قال مخبرا عن نفسه: إنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على

ص: 681

مشايخه، شرحا وتصحيحا في الحديث والفقه والنحو والأصلين والتصريف، وأسماء الرجال. قال: وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي أن أشتغل في/ (ص 292) الطب واشتريت كتاب القانون، فأظلم قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال، فأفقت على نفسي، وبعت القانون فأنار قلبي.

وسمع الكتب الستة والمسانيد والموطأ وغير ذلك، ولازم الاشتغال والتصنيف ونشر العلم، والعبادة والأوراد، والصيام والذكر، والصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس ملازمة كلّية لا مزيد عليها، ملبسه ثوب خام، وعمامته شبختانيّة صغيرة، وتخرّج به جماعة من العلماء، وكان لا يضيّع له وقتا في ليل ولا نهار إلا في اشتغال حتى في الطرق، ودام على هذا ستّ سنين، ثم أخذ في التصنيف والإفادة والنصيحة، وقول الحق مع ما هو فيه من المجاهدة لنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشهوات والشوائب ومحقها من أغراضها، وكان حافظا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعلله، رأسا في معرفة المذهب، [حكى أبو الحسن ابن العطار «1» عنه أنه قال: كنت مريضا بالرواحية فبينا أنا ليلة في الصفة (الشرقية) بها ووالدي وإخوتي نائمون إلى جانبي إذ عافاني الله من ألمي ونشطني للذكر فجعلت أسبّح بين السر والجهر، فبينما أنا كذلك إذا بشيخ حسن الصورة جميل المنظر يتوضأ على البركة قريبا من نصف الليل، فلما فرغ من وضوئه أتاني وقال لي: يا ولدي لا تذكر فتزعج

ص: 682

أباك وإخوتك وأهل المدرسة فقلت: يا شيخ من أنت؟ قال: أنا ناصح لك، ودعني أكون من كنت، فوقع في نفسي أنه إبليس، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ورفعت صوتي بالتسبيح، فأعرض عني ومشى نحو باب المدرسة، فقمت أتبعه فلم أجده، ووجدت الباب مقفلا، وفتشتها فلم أجد أحدا فيها، غير من كان فيها، فقال لي والدي: ما خبرك يا يحيى؟ فأخبرته، فجعل هو وإخوتي [يتعجبون وقعدنا كلنا نسبح ونذكر

«1» ] .

قال ابن فرح «2» : صار الشيخ محيي الدين إلى ثلاث مراتب كل مرتبة منها لو كانت لشخص لشدّت إليه الرحال: العلم والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حكى لي العلامة أبو اليسر «3» : أنه جرى في مجلس أبيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن الصايغ «4» ذكر النووي وشيخه العالم الرباني أبا إبراهيم إسحاق

ص: 683

ابن أحمد بن عثمان المغربي «1» الشافعي رحمهما الله، فقال ابن الصايغ: لو أدرك القشيري «2» - صاحب الرسالة- النووي وشيخه لما قدّم عليهما أحدا من مشايخ الرسالة، لما جمع فيهما من العلم والعمل والزهد والورع والنطق بالحكم وغير ذلك.

[وحكى الشيخ القدوة المسلك أبو الحسن علي «3» المقيم بجامع بيت لهيا «4» بها قال: مرضت بالنقرس رجلي فعادني النووي فلما جلس إلي جعل يتكلم في الصبر، وجعل الألم الذي بي يذهب، فلما انتهى كلامه جميعه زال الألم جميعه، فعلمت أن ذلك ببركته. أو كما قال] . «5»

ص: 684

وقال شمس الدين بن «1» الفخر كان إماما بارعا حافظا متقنا، أتقن علوما شتىّ وصنّف التصانيف الجمّة، وكان شديد الورع والزهد، تاركا لجميع ملاذ الدنيا من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من تين وكعك، وكان يلبس الثياب المرقّعة الرثّة ولا يدخل الحمام، ولا يأكل الفواكه، ولم يتناول من الجهات درهما، وحكى أبو الحسن ابن العطار أنه عذل في عدم دخوله الحمام، وتضييق العيش في مأكله وملبسه وأحواله وخوّف/ (ص 293) من مرض يعطّله عن الاشتغال. فقال: إنّ فلانا صام وعبد الله حتى اخضر جلده، وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار، ويقول: أخاف أن ترطّب جسمي وتجلب النوم، وكان يأكل في اليوم والليلة أكلة، ويشرب مرة واحدة عند السحر. قال ابن العطار: كلمته في الفاكهة، فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، وأملاك من تحت الحجر والتصرّف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة لهم، ثم المعاملة لهم فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك. [وأيضا فغالب من يطعم إنما يأخذ الأقلام والعين غصبا أو سرقة، لأن أحدا ما يهون عليه بيع أقلام أشجاره وكشط لحائها، ولا جرت بذلك عادة ولا تجارة أحد من خلق الله تعالى، فيطلع الثمر في نفس ذلك المغصوب أو المسروق، فتكون الثمرة ملكا لصاحب القلم أو العين لا لصاحب الشجرة ويبقى بيعه وشراؤه حراما] . «2»

وكان لا يقبل من أحد شيئا إلا في النادر ممّن لا يستغل عليه، أهدى له فقير

ص: 685

إبريقا فقبله، وعزم عليه البرهان الإسكندري «1» للفطر عنده في رمضان، فقال أحضر الطعام إلى هنا ونفطر جملة فأكل من طعامه، وكان لونين، وربما جمع بعض الأوقات بين أدمين، وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار ويكتب إليهم ويخوّفهم بالله، كتب مرة إلى سلعك الخزاندار «2» كافل الممالك:

من عبد الله يحيى النووي سلام الله ورحمته وبركاته على المولى المحسن ملك الأمراء بدر الدين أدام الله له الخيرات وبارك له في جميل أحواله آمين، ونهي إليّ العلوم الشريفة، أن أهل الشام في ضيق وضعف حال بسبب قلة الأمطار، وذكر فصلا طويلا، وفي طيّ ذلك ورقة إلى الملك الظاهر «3» ، وله غير رسالة إلى الملك الظاهر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووافقه مرة بدار العدل، فحكى أن الظاهر قال: أنا أفرغ منه، وحدث له معه فصول، ثم إن الشيخ سافر فزار القدس ثم عاد إلى نوى، فمرض عند والده وحضرته المنية، فانتقل إلى الله عز وجل في الرابع والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ست وسبعين وستمائة، وقبره ظاهر مقصود بالزيارة رحمه الله تعالى. [وحكى لنا أخوه الشيخ عبد الرحمن عنه أنه لما مرض مرض موته اشتهى التفاح فأتي به فلم يأكله، فلما مات رآه بعض أهله فقال له: ما فعل الله بك فقال: أكرم نزلي وتقبل عملي، وأوّل قرى جاءني التفاح، وحكى لنا أنه لما دفن حيث هو إلى أن أراد أهله أن يبنوا على ضريحه قبّة فرأته عمته وهو يقول لها: قولي لأخي والجماعة لا يفعلوا هذا الذي عزموا عليه من البنيان عليه، فإنهم كلما بنوا شيئا يهدم عليهم] . «13»

ص: 686