الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويطرب الجميع بلطائف الأغاريد، يسكر سامعه وما شرب بنت حان «1» ، ويهتز وما حركه سوى ألحان، تأخذ منه السعود بنصيب، ويعيد على العود شبابه وهو غصن رطيب، من كل مطرب ومطربة فاقا، وقاتا في صناعتهما حذّاقا، كما قال الحريري في جارية، قال: إن قرأت (ص 11) شفت المفؤود، وأحيت الموءود، وخلتها «2» أوتيت من مزامير آل داود، وإن غنت ظلّ معبد «3» لها عبدا، وقيل سحقا لاسحاق وبعدا «4» ، وإن زمرت أضحى زنام عندها زنيما «5» ، بعد أن كان لحيله «6» زعيما، وإن رقصت أمالت العمائم عن الرءوس، وأنشتك «7» رقص الحبيب في الكؤوس؛
[قول ابن بسام في خطبة كتاب الذخيرة]
وهذا أديب الأندلس بل الغرب أبو الحسن علي بن بسام «8» قد قال في خطبة كتاب الذخيرة، وقد ذكر ما لأهل الأندلس من فضل أدب
فقال:
لعبوا بأطراف الكلام المشقق
…
لعب الدجى بجفون المؤرّق،
وجدّوا بعيون السحر المنمق
…
جدّ الأعشى ببنات المحلق «1» ،
فصبوا على قوالب النجوم غرائب المنثور والمنظوم، وباهوا «1» غرر الضحى والأصائل، بعجائب الأشعار والرسائل، (نثر)«2» لو رآه البديع «3» لنسي اسمه، أو اجتلاه ابن هلال لولّاه حكمه «4» ، ونظم لو سمعه كثير «5» ما نسب ولا مدح، أو تتبعه جرول «6» ما عوى ولا نبح، إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة «7» أهل المشرق، يرجعون (إلى)«8» أخبارهم المعتادة «9» ، رجوع الحديث إلى قتادة «10» ، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طنّ بأقصى الشام
والعراق ذباب، لحنوا «1» على هذا ضما، وتلوا ذلك كتابا محكما، ثم قال:
فغاظني منهم ذلك، وأنفت «2» مما هناك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبعت محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة «3» لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلّة، وتصبح بحوره ثمادا «4» مضمحلة.
ثم قال: وليت شعري من قصر «5» العلم على بعض الزمان، أو خص أهل الشرق بالإحسان؟ «6»
قلت: وكفى المشرق قضاء هذا الأديب الفريد على أهل الأندلس، وهم صفوة أهل المغرب بولوعهم بما لأهل المشرق، حتى لو نعق غراب، أو طنّ ذباب، مع تصديقه لأبي علي البغدادي «7» في قوله، وقد قصد الأندلس: لما وصلت القيروان، وأنا أعتبر من مرّي من أهل الأمصار، فوجدتهم «8» درجات في
الغباوة وقلة الفهم، بحسب تفاوتهم في المواضع منها، بالقرب والبعد حتى كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاماة ومقايسة. قال: فقلت: إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم، بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم، فسأحتاج إلى ترجمان بهذه الأوطان، ثم قال ابن بسام عنه وبلغني أنه كان يصله كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق في ذكائهم ويتغطّى عنهم عند المباحثة والمقايسة، ويقول لهم: إن علمي لعلم رواية وليس بعلم دراية، فخذوا عني ما نقلت، فلم آل لكم أن صححت «1» . قلت: فهذه شهادة لا ترد من أبي عليّ على أهل المغرب إلا الأندلس، وإقرار ابن بسام له على قوله شهادة عنه، وهذا أيضا على كثير المغرب أهل المشرق، فأما أهل جزيرة الأندلس يلغى بها ما قاله ابن بسام عن فضلاء أهلها آنفا: أنه لو نعق بالمشرق غراب أو طن ذباب لحنوا عليه ضما وتلوه كتابا محكما، وأما ما زعم من أنّ أبا علي البغدادي كان يتغطى عنهم عند المباحثة والمناقشة، ويقول إن علمي لعلم رواية، وليس بعلم دراية. فهذا إن صحّ وسلم إليه، عنه جوابان:
الأول: أن أبا علي كما قال صاحب علم رواية، ليس عنده إلا ذلك، وقد يكون بلي برجل جدل، أو رجال كذلك فقصرت حجته عندهم بحق وبمعاناة، فقال ذلك، ولا يخلو قطر من ذي جدل فيه. فأما لو رموا بمثل ابن سينا وأضرابه، والفارابي وأشياعه لذابت حضارتهم فهامت خفافيشهم.
والجواب الثاني: أنهم قد ألجؤوه في وقت إلى تأويل باطل لم يمنعهم منه إلا التسليم إليهم، فمن لم يستجز ذلك فقطعهم بذلك القول عن الحيلة إلى الباطل.