الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهندي، وما خرج منه، وأما البحر المغربي فليس فيه إلا المرجان، ليس إلا، فتأمل فرق ما بين الاثنين في اللون والكون والقيمة. وإنما تكثر ابن سعيد بما ليس له، ولو اقتصر على المرجان لسلمنا إليه، فإنه في بحر المغاربة، وإلا من أين هم واللؤلؤ وهو من بحر المشارقة!؟ والذي يظهر في معنى قوله تعالى:" مرج البحرين"«1» أنه عن الهندي والشامي، وحيث يلتقيان في المحيط لمخرجهما منه.
وأما قول ابن سعيد: (فإن كنتم في العد أكثر مفخرا) البيت فهذا إقرار صريح منه، وممن قاله للمشارقة.
[الموازنة بين المشرق والمغرب]
ثم قال: (وللمشرق على المغرب الفخر في كتاب الله تعالى في قوله عز وجل رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ
«13» وإن كانت الواو لا ترتبه فلا يخفى ما في التقديم، لا سيما إذا تكرر في أماكن من الاعتناء وقد تقدم مثل هذا. ثم قال:
(وأما الحديث فللمغرب فيه الفخر على المشرق، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال (ص 31) أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" «2» رواه ابن بشكوال مما أخرجه مسلم في صحيحه، وقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير عن عمرو بن الحمق الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:" ستكون فتنة خير الناس فيها الجند المغربي"«1» وعن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تزال عصبة من أمتي بالغرب يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم، حتى يروا قوما قياما، فيقولون غشيتم، فيبعثون سرعان خيلهم، فينظرون ويرجعون إليهم، فيقولون: الجبال سيّرت، فيخرون سجدا فتقبض أرواحهم"«2» . قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:" خير الأرض مغاربها"«1» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من فتنة المشرق. وقال ابن سعيد: (حسب المغرب وأهله هذه الأحاديث، التي لا يوجد مثلها في ذكر المشرق. «2» وفي أماكن من المشرق وأماكن من المغرب ما هو مذكور في القرآن والحديث مثل مكة والمدينة وبابل من المشرق، ومصر من المغرب، ومكة والمدينة والشام من المشرق، وذلك كثير، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أربع مدائن من الجنّة: مكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق، وأربع مدائن من النّار: رومية وقسطنطينية وأنطاكية وصنعاء"«3» وقد قال إدريس: يعني أنطاكية المحرقة.
وقال أبو عبد الله السفطي: إن المراد صنعاء بأرض الروم، وليست التي باليمن.
قال ابن سعيد: فخرج من هذا الحديث أن ليس بالمغرب مدينة من هذه المدن، التي هي من الجنة. كما أنّ لهم الفخر أيضا بأن أنهار الجنة على ما جاء (ص 32) في الحديث:" الفرات وسيحان، وجيحان والنيل"«4» ، وليس منها في المغرب إلا واحد وهو النيل.
قلت: فانظر إلى ابن سعيد مع فرط تعصّبه للمغرب وأهله ما قدرأن يدعي أنّ من المغرب أشرف البقاع، ومدن الجنة، فلما ذكر الأنهار الأربعة قال: وليس منها في المغرب إلّا واحد، وهو النيل، فما تجاوز مصر في الدعوى على كثرة ما نظر في لوح الرسم المصوّر، وطالع الكتب الموضوعة عليه، والمقالات المتفرعة فيه، ولكنه ما (تحلى بما ليس له كلابس ثوبي زور)«1» ، ولا ادعى دعوى يفضحه فيها الحق، وهذا منه غاية الإنصاف والإذعان للحق وأهله، ولو وجد في الحق سبيلا بحق إلى سوى هذا لقاله، فإذا لم يدع هذا للغرب مغربي لا يدعيه له مشرقي.
ثم قال ابن سعيد- نقلا عن البيهقي-: إن حد المغرب من الجهة التي ذكرها بطليموس في أنّ الله تعالى قسم الأرض نصفين ببحر جدّة وخليج القسطنطينية، على أن يجعل الديار المصرية أول الغرب، وكل هذا يؤيد بعضه بعضا في إثبات الفخار للمشرق لاشتماله «2» على أشرف البقاع، ومدن الجنة وأجل الأقاليم العرفية كالشام والعراقين وأذربيجان وخراسان إلى نهاية المشرق.
وكلام ابن سعيد كله لمن تأمله إثبات لفضل المشرق وأهله على الغرب وأهله، وهو الحق الذي لا يمترى فيه، وقد قال الرئيس أبو علي بن سينا «3» المدن المشرقية صحيحة «4» جيدة الهواء، تطلع على ساكنها الشمس في أول النهار،
وتصفي هواءهم ثم تنصرف عنهم وقد تصفى، وتهبّ عليهم رياح لطيفة، ترسلها عليهم الشمس آخر النهار، ثم يتبعها طلوع الشمس في أول النهار الثاني وحال (ص 33) خروج الشمس عنهم حال دخول الهواء إليهم فهي صحيحة لذلك، والمدن المغربية لا توافيها الشمس إلى حين تنكب، وكما توافيها تأخذ في القصد عنها، لا في القرب إليها، فلا تلطّف هواءها، ولا تخففه، بل تتركه رطبا غليظا، وإن أرسلت رياحا إليهم أرسلتها ردية «1» ، وأرسلتها ليلا، فتكون أحكامها أحكام البلاد الرطبة المزاج، الغليظة المعتدلة الحرارة، ولولا ما يعرض من كثافة الهواء لكانت تشبه طباع الربيع، لكنها تقصر عن صحة هواء البلاد المشرقية قصورا كثيرا، فلا يجب أن يلتفت إلى قول من قال إن قوة هذه البلاد قوة الربيع قولا مطلقا، بل إنها بالقياس إلى البلاد التي في الأغوار جيدة، ومن المعنى المذموم أن الشمس لا توافيهم إلا وهي مستولية على تسخين الإقليم لعلوها، فتطلع عليهم لذلك دفعة بعد برد الليل، والرطوبة أمزجة هوائهم تكون أصواتهم باحة، وخصوصا في الخريف، وتكثر في بلادهم النوازل. انتهى كلام ابن سينا.
وقد ذكرنا في الفصل المتقدم ما ذكره ابن سعيد من أن المشرق أتمّ وأعمد، وأن الجزائر بالبحر الهندي أعظم وأكبر، وبيّنا السبب في اتساع الشرق بما اقتطعه البحر الشامي من أجل الأقاليم المعمورة، كالثالث والرابع والخامس، الواقع فيها معظم العمارة ووقوع البحر بالشرق في جنوبه حيث لا مبالاة به من الأول والثاني، فتعطل في المغرب المعمور، ولم يتعطل في الشرق إلا العاطل، بل زاد موقع البحر هناك بالشرق عمارة للشرق وحسب ما قدمنا القول فيه لأنه رطّب هواءه، وأيفع ماءه وزاده عمارة، وزانه نضارة، وأوجب به العمارة، وراء خط الاستواء، وعمّر الجزائر فيما هو داخل (ص 34) الإقليمين اللذين أخذ فيهما ما