الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقائك. فلام الناس شريحا على منعه من القطع، لبغضهم له. فقال: إنه استشارني، والمستشار مؤتمن، ولولا الأمانة في المشورة، لوددت أن قطع رجله يوما، ويده يوما، وسائر جسده يوما يوما، ومات زياد في يومه ذلك. وتوفي شريح سنة سبع وثمانين وهو ابن مائة سنة، وقيل سنة ثمان وسبعين. قاله الحافظ أبو عبد الله الذهبي «1» .
ومنهم
128- سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم القرشي المدني
«2» أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، والنبهاء الفضل الموقدينه، والنبلاء الممدين الغمام المرفدينه، أجل التابعين/ (ص 249) وأجدّ ما يلج المسامع طربا لو وعين، سر ذلك الصدر المكتنف، وعميم ذلك البر المؤتنف، والفطن كأنه إذا سئل يعلم المغيّب، والفذ الفريد وكفى إذا قيل قال أو فعل سعيد بن المسيّب.
ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، وسمع منه شيئا وهو يخطب، وكان سيّد التابعين من الطراز الأول، جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع، قال عبد الله بن عمر لرجل سأله عن مسألة: إيت ذاك فسله- يعني سعيدا- ثم ارجع إليّ فأخبرني، ففعل ذلك وأخبره، فقال: ألم أخبركم أنه أحد العلماء
السبعة؟ وقال في حقه أيضا لأصحابه: لو رأى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرّه.
وكان قد لقي جماعة من الصحابة وسمع منهم، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهن، وأكثر روايته [المسندة]«1» عن أبي هريرة. وكان زوج ابنته «2» ، وسئل الزهري «3» ومكحول «4» : من أفقه من أدركتما؟ فقالا: سعيد بن المسيّب. وحج أربعين حجة، وقال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة، لمحافظته على الصف الأول، وقيل: إنه صلّى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة.
وكان واسع العلم، وافر الحرمة، متين الديانة، قوّالا بالحق، فقيه النفس، قال قتادة «5» : ما رأيت أحدا أعلم من سعيد بن المسيب، وكذا قال الزهري ومكحول وغير واحد، وصدقوا.
وقال علي بن المديني «1» : لا أعلم في التابعين أوسع علما من سعيد، هو عندي أجل التابعين. وكان لا يقبل جوائز السلطان، وله أربعمائة دينار يتّجر فيها.
وقال سعيد: ما أعلم أحدا أعلم بقضاء قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم/ (ص 250) ولا أبو بكر وعمر مني، وكان الحسن «2» إذا أشكل عليه شئ كتب إلى ابن المسيّب يسأله، وقال المطلب بن السائب «3» : كنت جالسا مع ابن المسيّب في السوق، فمرّ بريد لبني مروان «4» ، فقال له سعيد: من رسل بني مروان أنت؟
قال: نعم. قال: كيف تركت بني مروان؟ قال: بخير، قال: تركتهم يجيعون الناس، ويشبعون الكلاب؟ فاشرأب «5» الرسول، فقمت إليه، فلم أزل أرجّيه حتى انطلق، فقلت لسعيد: يغفر الله لك تشيط «6» بدمك بالكلمة هكذا تلقيها؟
فقال: اسكت يا أحيمق، فو الله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
وقال مصعب بن عثمان «1» : أراد مسلم بن عقبة «2» قتل سعيد بن المسيّب فشهد عمرو بن عثمان «3» ، ومروان بن الحكم أنه مجنون فخلى سبيله.
وقال ابن سعد توفي عبد العزيز بن مروان «4» ، فعقد عبد الملك «5» لابنيه «6» العهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، فدعا هشام المخزومي «7» - عامله على المدينة
- الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيّب أن يبايع لهما، وقال: حتى أنظر، فضربه ستين سوطا، وطاف به في تبان «1» من شعر حتى بلغ به رأس الثنيّة «2» ، فلما كرّوا به قال: إلى أين؟ قالوا السجن. قال: والله لولا أني ظننت أنه الصلب ما لبست هذا التبان أبدا، فردّوه إلى السجن، وكتب هشام إلى عبد الملك بخلافه، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به، ويقول سعيد كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف، فندم هشام وخلّى سبيله.
وقال عمران بن عبد الله «3» : أرى نفس سعيد بن المسيّب كانت أهون عليه في الله من نفس ذباب.
ومن مفردات سعيد بن المسيّب أن المطلقة ثلاثا تحلّ للأول بمجرد عقد الثاني من غير وطء «4» / (ص 251)
توفي على الصحيح سنة أربع وتسعين.