الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجتمعوا على الطاعة لك، ولا يؤدي بعضهم إلى بعض طاعة، ولا يتفقوا على رأي واحد، ولا تجتمع كلمتهم، ففعل الإسكندر ذلك، فتم أمره. فانظر إلى ما في هذا الابتداء والجواب من تعظيم الإسكندر وأرسطو لرجال فارس، وقول أرسطو إن أرض بابل تولد مثل هؤلاء الرجال. وهذا الإسكندر قد جال الأرض غربا وشرقا فما تراه أكبر إلا أهل الشرق، ولا عظمّ إلا لهم، وإذا كان هذا قوله في فارس فكيف كان قوله في الترك وفي الهند، مع ما هو مشهور من حكايات الإسكندر مع صاحب الصين «1» ، مما اعترف له فيه بالحكمة، وأقرّ له بالفضل، مما ليس هذا موضع ذكره. فيا هل تراه ذكر أهل المغرب أو وصفهم بقول أو فعل.
[تشبيه ابن سعيد الأرض بطائر]
وقد ذكر ابن سعيد أيضا أن الأرض تشبه بطائر رجلاه بر العدوه والأندلس «2» ، وقد تقدم ذكر هذا (ص 46) التشبيه، ثم قال: ولا أسلم في تشبيه الأندلس برجل إلا إن أرادوا في الاعتماد عليها وعمارتها بمثل ما تعمر به رجل العروس الخالية من الخلاخل، وأشباه ذلك. وأنشد قول الصولي «3» يخاطب
القائم بن عبيد الله الإسماعيلي «1» الذي خطب له بالخلافة في المغرب، وكان قد وجّه لبغداد قصيدة يفخر فيها ببيئته، وبما فتح من البلاد، فأجابه الصولي بقصيدة على وزنها ورويها:[الطويل]
فلو كانت الدنيا مثالا لطائر
…
لكان لكم منها بما حزتم الذنب
قال ابن سعيد: وأنا استحسن هذا البيت فإنه وقع في موضعه لكون البلاد التي كانت بيد القائم في ذلك الزمان من الأرض بمنزلة ذنب الطير لكونها في آخر المعمور، وكونها رقيقة ضيقة العرض في المساحة قد خنقها البحر من جهة الشمال والصحراء من جهة الجنوب، وهذا البيت هو الذي حرّك همّة القائم، وقال والله لا أزال حتى أملك صدر الطائر ورأسه إن قدرت، وإلا أهلك دونه، فكابد على الديار المصرية من الحروب أهوالا، ومات ولم يظفر بحضرتها وإن كان قد عاث في أطرافها برا وبحرا على ما هو مذكور في التواريخ، وأوصى ابنه المنصور بما كان في عزمه، فشغلته الفتن التي دهمته في إفريقية، فكان الظافر بالديار المصرية المعزّ بن المنصور بن القائم «2» ، وتوالت عليها خلفاؤهم، وخطب لهم باليمن والحجاز والشام والجزيرة والعراق، وخطب لمستنصرهم الذي جاز في الخلافة ستين سنة «3» في حضرة الإمامة بغداد سنة، وخطب للنزارية
الإسماعيلية «1» منهم ببلاد العجم.
قال ابن سعيد: وهم إلى الآن في بلد الموت، ولهم يخطب هؤلاء الإسماعيلية (ص 47) الذين في قلاع الشام فكان حديثهم المترتب على ذلك البيت من عجائب الدنيا، ولم تزل إمامتهم التي كانت قد رسخت في الأرض ودوخت الملوك «2» إلا السلطان الأعظم الناصر صلاح الدين بن أيوب رحمة الله عليه «3» . وملأ البلاد التي كانت بأيديهم بالخطب العباسية. قلت: لقد مرّت به