الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو لزمت عطاء، فلزمته ثمانية عشر عاما. وقال جرير «1» : كان ابن جريج يرى المتعة، تزوّج ستين امرأة، وقيل: سمع من مجاهد «2» حرفين في القرآن، وكان إماما ثقة صاحب عبادة، وقيل: إنه جاز مائة سنة، وتوفي في أول الحجة سنة خمسين ومائة. ووهم ابن المديني حيث يقول: مات سنة تسع وأربعين.
ومنهم
149- عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي
«3» إمام أهل الشام، وغمام برقه الذي يشام، وواحد زمانه ولا احتشام، كان في زمان بني أمية يرمى إليه طرف كل مؤمّر، ويومئ إليه حتى طرف البنان البنان المخمر، وجاءت الدولة العباسية فزادته راياتها السود المطلة سؤددا، وأعلمته أن مع اليوم غدا، وشدت باسمه محافلها، واقتدت بعلمه جحافلها، ولم يقدم لمكانه أمير جيشهم القادم إلى الشام على إسراف في إطلال الدماء، واستحلال لإتلاف نفوس أولئك العظماء إلا ما سبق السيف فيه العذل، وقبل سرعان الجيش من سومهم السائب ما بذل، حتى ألجمهم بفتياه «4» ، وألجأهم إلى الوقوف دون
منتهاه، وكان ربّ جهاد في الثغر، وسدّاد للثغر، ينام والعدو الأزرق من البحر ينظر شزرا، وينوي للرقاب الممتدة جزرا، أقام ببيروت وكتب في عددها، وحسب ريادة في عمدها، وكان محط الرحلة، ومحل الفضل الذي لا يجنى مثله مجاجة «1» النحلة، علما جما ما نقص/ (ص 275) وفضلا مقبلا ما نكص، ورسائل هي قطع الروض المنوّر، وصفو الزلال المتحدّر.
وعدد النجوم إلا أنه يضعها غير متكثّر، ويفرعها الشامخ غير متكبّر، ولجلالة مكانه في العلم لم أذكره إلا لحلة فضله طرازا، ولجملة كماله تماما لا إعوازا، كل هذا إلى دين لا يجاذبه فيه منازع، وتقى كمن عساه يزع إن لم يكن منه للأوزاعي وازع.
ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين للهجرة، وقيل سنة ثلاث وتسعين، ونشأ يتيما، بالكرك بالبقاع، ثم نقلته أمه إلى بيروت، وكان فوق الرّبعة خفيف اللحية به سمرة، وكان يخضب بالحناء، ولم يكن بالشام أعلم منه، قيل: إنه أجاب في سبعين ألف مسألة، روي أن سفيان الثوري «2» بلغه مقدم الأوزاعي فخرج حتى لقيه بذي طوى، فحل سفيان رأس بعيره عن القطار، ووضعه على رقبته، فكان إذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ، قال إسماعيل بن عيّاش «3» : سمعتهم يقولون سنة أربعين ومائة: الأوزاعي اليوم عالم الأمّة، وقال أبو إسحاق
الفزاري «1» : لو خيّرت لهذه الأمة لاخترت الأوزاعي يعني في الخلافة، وقال بشر ابن المنذر «2» : رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع، وقال أبو مسهر «3» : كان الأوزاعي يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء، وقال الأوزاعي: رأيت كأن ملكين عرجا بي إلى الله فأوقفاني بين يديه، فقال: أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قلت: بعزتك ربي، فردّاني إلى الأرض، وقال الوليد ابن مزيد «4» : تعجز الملوك أن تؤدّب أولادها أدبه في نفسه، ما سمعت منه كلمة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكا بقهقهة، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول: ترى في المجلس قلب لم يبك؟ وقال أبو زرعة «5»
الدمشقي: كانت صنعته/ (ص 276) الكتابة والترسل ورسائله تؤثر، فمما يؤثر من كلامه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك ورأي الرجال وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم، وقال: إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فإياك أن تقول بغيره فإنه كان مبلغا عن الله، وقال:
ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب ورعه، وقال: ويل للمتفقهين لغير العبادة، والمستحلين الحرمات بالشبهات. واجتمع سفيان «1» والأوزاعي وعبّاد «2» بن كثير، فقال سفيان: يا أبا عمرو حدثنا حديثك مع عبد الله بن علي «3» - يعني عمّ السفاح- فقال: لما قدم الشام وقتل بني أميّة جلس على سريره، وعبى أصحابه أربعة أصناف، مع كل صنف نوع من أنواع السلاح، ثم بعث إليّ، فلما صرت إلى الباب أنزلوني عن دابتي، وأخذ اثنان بعضديّ وأدخلوني بين الصفوف، حتى أقاموني بحيث يسمع كلامي، فقال لي: أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت: نعم- أصلح الله الأمير، قال: ما تقول في دماء بني أمية؟
فقلت: قد كان بينك وبينهم عهود، كان ينبغي أن يفوا لك بها، قال: ويحك، اجعلني وإياهم لا عهد بيننا، فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فذكرت مقامي
بين يدي الله فلفظتها، فقلت: دماؤهم عليك حرام، فغضب، وانتفخت عيناه وأوداجه، فقال لي: ويحك، ولم؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيّب زان ونفس بنفس وتارك لدينه «1» . فقال: ويحك أو ليس الأمر لنا ديانة؟ قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى عليّ؟ قلت: لو أوصى إليه ما حكّم الحكمين، فسكت، وقد اجتمع غضبا، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يدي، فقال بيده هكذا يومئ أن أخرجوه، فخرجت، فما أبعدت حتى لحقني فارس/ (ص 277) فنزلت وقلت: قد بعث ليأخذ رأسي، أصلي ركعتين، فكبّرت وصليت، فسلّم، وقال: إن الأمير بعث إليك بهذه الدنانير، قال: ففرقتها قبل أن أدخل بيتي، وقال الأوزاعي: كنا نمزح ونضحك، فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم، وكان أهل الشام، ثم أهل الأندلس على مذهب الأوزاعي مدّة، ثم فني العارفون به وبقي منه ما يوجد في كتب الخلاف. وقال عقبة بن علقمة البيروتي «2» : دخل الأوزاعي حماما في بيته، وأدخلت معه زوجته كانونا ليدفأ به ثم أغلقت عليه وتشاغلت فهاج الفحم فمات، قال عقبة فوجدناه متوسدا ذراعه إلى القبلة، قال أبو مسهر «3» : أغلقت عليه غير متعمدة فمات، فأمرها سعيد بن عبد العزيز «4» بعتق رقبة، ولم يخلّف