الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجندية في المشرق والمغرب رجالها عتادها وما يتبع ذلك وعطاؤهم]
قال ابن سعيد وأما الجنديّة فإنها في المشرق أرفه وأضخم، وفي المغرب أضبط وأنجد وذلك (ص 66) أنّ القاعدة لهم في الشرق، وبمثل ما شاهدته في حلب «1» فقد أجمع المسافرون على رفاهية جندها، وضخامتهم أن يكون للفارس الواحد من عامة الفرسان فرس يركبه، وفرس يركبه غلامه وبنده «2» في يده، وفرس يجنبه «3» إلا لجندي حظيّ ذي همة «4» . وأكثر الجند عندنا بالأندلس أن يكون للجندي فرس يركبه، وفرس يركبه الذي يحمل سلاحه، وفي برّ العدوة الحال أخف من ذلك، أكثر جند إفريقية والمغرب الأوسط والمغرب الأقصى لا يكون للواحد منهم إلا فرس واحد، ويكون فارس الأندلس مدرّعا «5» ، وإن كان ذا همة وقدرة يكون لفرسه درع، واعتماده على الرمح الغليظ الطويل، والترس على عادة النصارى الذين يقاتلونهم. ولا يكون مدّرعا من فرسان البربر إلا أولو الهمة والقدرة، ولا يقاتلون بترس ولا رمح طويل غليظ، بل بالسيوف والأرماح الخفيفة يزرقون «6» لها زرقا عجيبا، لا يكاد يخطئ، ويكون لهم بدل التراس «7» درق «8» تصنع في المغرب من جلد حيوان يعرف
باللمط «1» تنبو عنها السيوف والرماح وأكثر السهام.
وفرسان برّ المغرب البربري أحسن تصرفا على الخيل من فرسان البر الأندلسي، لأن الأندلسي يثقله الترس والرمح الطويل الثقيل والدرع، فلا يستطيع التصرّف، وإنما يحرص على الثبات، وأن يكون مثل الجوشن «2» على فرسه، وربما كان له في السرج مخاطيف «3» ينشبها في وسطه حتى لا يسقط إذا طعن. وسروج جند الأندلس عالية المؤخر حفظا من الطعن، وليست كذلك سروج البربر. وركاب «4» الأندلسي طويل، وركاب البربري قصير، والأمير عندهم (ص 67) في المشرق يباح له ضرب الطبول، ولا يباح ذلك في المغرب إلا لمن يلي مملكة، أو من يحلّ محله من عظماء قواده. والأمير في المشرق يكون له في خاصته ما لا يكون للقائد في المغرب لجميع جماعته، فقد سمعت أنه يكون للأمير بحلب في خاصته ما لا يكون ذلك للقائد وجميع جماعته ثمانون ألف درهم في السنة. والجندي في المشرق يحتاج أن يكون معه رأس مال من خيل وعدة. والأمير في المشرق تلزمه كلفة عظيمة من مدّ السماط «5» بالطعام في كل
يوم، والتجمل الكبير في الثياب الحريرية الرفيعة، ويكون معه في السفر خزانة لأمور الطبخ، وخزانة للأسلحة، وخزانة للفرش وآلات اللباس، وإن كان ذا همة كان معه من أنواع الأشربة والمعاجن والترياق «1» . ويكون له مملوك يحمل معه بقجة «2» للباسه، ويكون وراءه، وكذلك مملوك آخر يحمل على رأسه السلاح.
والفضيلة في جميع هذا تتبين للمشارقة على المغاربة.
ثم قال ابن سعيد أيضا: وإنما قلت إنّ جند المغرب أضبط وأنجد لأنهم في نهاية البعد عن الراحة والذم للرفاهية، وخصوصا الأندلس، يصيخون «3» لداع كلما سمعوا شعار الحركة بادروا، ومن أقام «4» مقدارا يزيد على العادة عوقب أشد العقاب، وربما أحل ماله ودمه، ويقيم الواحد منهم في الحصن الواحد عشر سنين وأكثر وأقل، لا ناصر لهم إلا سلاحهم، ومنعة قلعتهم، لا يسأمون الحصار، ولا يتذللون للغلبة. قلت: لو استحيا هذا الفاضل لما ذكر مع فخامة جند الشرق جند الغرب إلا أن جعل مصر كما قرر من الغرب، وما ذكر ذلك ههنا، ولو احتاج هذا إلى مؤاخذة له، وإقامة دليل عليه لو اخذته وأقمت الدليل عليه، ولكنه أوضح من النهار الشارق، وأظهر من الجبل الشاهق. والله لقد كان عند أمير من أمراء الدولة الناصرية بمصر مملوك محظيّ، أخبرت أن عنده ثمانين عليقة «5» ،
وكان عند أمير آخر مملوك محظي أخبرت أن عنده أربعين عليقة، فأما قوله: إن للأمير ثمانين ألف درهم في السنة لخاصتة فقول حق. ولكن أين هو عما بلغ خواص الأمراء عندنا، بما يزيد خاص الرجل منهم في السنة عن مائتي ألف دينار مشية «13» كما كان لبلمر الساقي، وقوصون وبستاك «14» ، وأما من دون هؤلاء فعدد جم لهم الخواص الكثيرة، منهم من يزيد خاصه على مائة ألف دينار ومنهم من ينقص، فأما من له ثمانون ألف منهم فمن لا يرمق بطرف ولا يرمى بالتفات.
فأمراء الممالك الهولاكريتيه «1» فلرأيناهم «15» البحور التي لا تدرك أعماقها، والخزائن التي لا ينفد انفاقها. فأما الهند فعلى قدره وكفى قولنا هذا في تعظيم أمره «2» .