الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحمد الفراوي «1» ، وعبد المنعم القشيري «2» .
ومولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وتوفي في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربع مائة بنيسابور، ونقل إلى بيهق، رحمه الله تعالى.
(ص 204) ومنهم:
103- الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي بن ثايت بن أحمد البغدادي، خطيب بغداد
«3» الحافظ حقا، والحافل سحابا قدح فهمه برقا، والحافز صبا «4» هبت غربا،
ونشأت شرقا، والحافر معدنا لا يذهب ذهبه، ولا تبقى جذوة الشرق، إلا أنها لا تتلهب وحلة بغداد، ودجلة كمها الأزرق، وشعاع البدر طرازها المذهب، شرف منبرها برقيه، وواصل سندها، وعن أبي بكر يروي حديث علية، وصاحب تاريخها الذي فل «1» معه جمع ابن عساكر، وصديت مرآة ابن الجوزي في وجه الناظر، وأصبح كل معجم سبق قبله لا يبين، أو جاء بعه منقطع القرين، لا بل كل تاريخ جرى به سابق قلم، وراءه قد وقع مغشيا عليه، ساكت الحس، خافت الأنين.
كان من الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين، ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه، فإنه يدل على اطلاع عظيم، وصنف قريبا من مائة مصنف، وفضله أشهر من أن يوصف، أخذ الفقه عن أبي الحسين المحاملي «2» ، وأبي الطيب الطبري «3» ، وغيرهما، وكان فقيها، فغلب عليه الحديث، والتاريخ.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة، وحفظا، واتقانا، وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننا في علله، وأسانيده، وعلما بصحيحه، وغريبه، وفرده، ومنكره، ومطروحه.
قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله.
وقال أبو إسحاق الشيرازي «1» : أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني، ونظرائه في معرفة الحديث، وحفظه.
وقال السمعاني: كان الخطيب مهيبا وقورا، ثقة، متحريا، حجة، حسن الخط، كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفاظ.
وقال الفضل بن عمر النسوي: كنت بجامع صور عند الخطيب، فدخل عليه علوي، وفي كمه دنانير، فقال:(ص 205) هذا الذهب تصرفه في مهماتك، فقطب، وقال: لا حاجة لي فيه، فقال: كأنك تستقله. ونفض كمه على سجادة الخطيب، وقال: هي ثلاثمائة دينار، فخجل الخطيب، وقام، وأخذ سجادته وراح، فما أنسى عز خروجه، وذل العلوي، وهو يجمع الدنانير.
وقال أبو الفرج الإسفراييني «2» : كان الخطيب معنا في الحج، فكان يختم كل يوم قريب الغياب، قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس، وهو راكب، يقولون: حدثنا، فيحدث.
وقال عبد المحسن الشيحي «3» : عادلت الخطيب من دمشق إلى بغداد، فكان له في كل يوم، وليلة ختمة، وقيل: إن الخطيب قدم بغداد، فظفر بجزء فيه سماع
القائم بأمر الله «1» ، فأتى دار الخلافة يستأذن في قراءة الجزء، فقال الخليفة: هذا رجل كبير، وليس غرضه السماع، فانظروا، هل له حاجة؟ فسألوه: ما حاجته؟
قال: أن يؤذن لي في أن أملي بجامع المنصور، فأذن له.
وحكى ابن عساكر «2» بسنده أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات أخذا بالحديث، فالأولى: أن يحدث بتاريخ بغداد بها.
والثانية: أن يملي بجامع المنصور.
والثالثة: أن يدفن عند بشر الحافي. فقضى الله ذلك.
ومولده في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وتوفي في سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد.
وقيل: إن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي من جملة من حمل نعشه لأنه انتفع به كثيرا، وكان يراجعه في تصانيفه.
والعجب أنه كان في وقته حافظ المشرق، وأبو عمر بن عبد البر حافظ المغرب، وماتا في عام واحد.
وذكر ابن النجار في تاريخه: أن أبا بكر بن زهر كان قد أعد لنفسه قبرا إلى جانب بشر الحافي، وكان يمضي إليه كل أسبوع مرة، وينام فيه، ويقرأ القرآن كله، فلما مات أبو بكر (ص 206) الخطيب وكان قد أوصى أن يدفن إلى جانب
قبر بشر الحافي فجاء أصحاب الحديث إلى أبي بكر بن زهر، وسألوه أن يدفن الخطيب في القبر الذي كان أعده لنفسه، وأن يؤثره به فامتنع من ذلك امتناعا شديدا، وقال: موضع أعددته لنفسي من مدة سنين يؤخذ مني! فلما رأوا ذلك جاؤوا إلى والد الشيخ أبي سعد، وذكروا له، فأحضر الشيخ أبا بكر بن زهر وقال: أنا لا أقول لك أعطهم القبر، ولكن أقول: لو أن بشر الحافي في الأحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب يقعد دونك، كان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا، بل كنت أقوم وأجلسه مكاني. قال: فهكذا: ينبغي أن يكون الساعة. قال: فطاب الشيخ، وأذن لهم في دفنه، فدفنوه إلى جانبه بباب حرب.
وكان قد تصدق بجميع ماله، وهو مائتا دينار فرّقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، وأوصى أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب، ووقف جميع كتبه على المسلمين، ولم يكن له عقب، وصنف أكثر من ستين كتابا «1» ، ورويت له منامات صالحة بعد موته، وكان قد انتهى إليه علم الحديث وحفظه في وقته.