الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمعة بعد صلاة العشاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة.
ومنهم:
79- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس
»
أبو عبد الله النيسابوري «2» الذهلي «3» - مولاهم- شيخ الإسلام وحافظ نيسابور وحافل سحابها المجرور (ص 170) حفظه متسع ولفظه يدل على أنه مطلع، ورده عدّ وفرنده «4» عقد، استفاء «5» من إليه آوى، واستفاد من أقبل عليه
وروي بتقريب يسوّغ «1» لطالب موارده المناهل «2» ، ويفطّن الراغب لفوائده، وما هو عن ذهلية الحي ذاهل، تفردا في ذلك الأوان، وإشحاء ما زاد قرنه الذي قطعه الحصر معه على أن تعرّض للهوان، وأظهر المسالمة لجملة قومه، وقال: صفحنا عن بني ذهل وقلنا القوم إخوان.
سمع بالحرمين ومصر والشام «3» ، والعراق، والري وخراسان، واليمن والجزيرة، ونزع إلى هذا الشأن، وحدث عنه خلق، والجماعة «4» سوى مسلم «5» ، وانتهت إليه مشيخة العلم بخراسان مع الثقة والصيانة والدين، ومتابعة السنن.
وقال محمد بن سهل بن عسكر «6» : كنا عند أحمد بن حنبل، فدخل محمد بن يحيى الذهلي فقام إليه أحمد، وتعجب الناس منه، وقال لأولاده، وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله، فاكتبوا عنه، وقال أحمد: ما رأيت أحدا أعلم بحديث الزهري من محمد بن يحيى.
وقال الذهلي: قال علي بن المديني: أنت وارث الزهري.
وقال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه.
وقال أبو بكر بن زياد «1» : كان الذهلي أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الذهلي: ارتحلت ثلاث رحلات، وأنفقت على العلم مائة وخمسين ألفا.
وقال الدارقطني «2» : من أراد أن يعرف قصور علمه، فلينظر في علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى «3» .
وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف «4» : رأيت محمد بن يحيى «5» ، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي قلت: فما فعل بحديثك؟ قال: كتب بماء الذهب، ورفع في عليين. توفي في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وهو في عشر التسعين (171) .
ومنهم:
80-
أحمد «1» بن الفرات «2» الحافظ الحجة أبو مسعود الرازي
«3» ، محدث أصبهان وصاحب التصانيف الحسان، رقت حواشيها، وقرت عيونا بأن النجوم لا تماشيها، صنفها ابن الفرات، وكأنها بين ضفتيها تترقرق وبين دفتيها تجمع من جدا جداولها ما تفرق، فهي عذبة سلسال ذات تدفق واسترسال، وسعت الزمان إملاء فيما يفيد، وأخذت الزمام وقد ضاقت بمدارجها البيد، أكثر الترحال في لقي الرجال.
قال أبو مسعود: كتبت عن ألف وسبع مائة شيخ، فعملت من ذلك في تواليفي خمس مائة ألف حديث «4» .
وقال أحمد بن حنبل: ما أظن بقي أحد أعرف بالمستندات من ابن الفرات.
وقال- أيضا-: ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن الفرات.
وقال ابن عدي: لا أعرف له رواية منكرة، وهو من أهل الصدق والحفظ «1» .
وكانت وفاته في شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين «2» .
ومنهم:
81-
مسلم بن الحجاج «3» بن مسلم «4» القشيري النيسابوري
أبو الحسن، أحد الأئمة الحفاظ أعلام المحدّثين، وفي أعلى مقام المتقدمين والمحدثين، المفضل- بعد صحيح البخاري- كتابه، إلا ما ذهب إليه بعضهم من أنه هو المقدم، والأولى بأن يقدم، وحذاق المحدثين إذا خرجوا مما خرجاه- مما اختلفا في لفظه- جعلوا اللفظ لمسلم على ما خرجه في صحيحه، وعملوا عليه لكثرة تصحيحه، وعنت تنقيحه، ولأهل المغرب في التعويل عليه ميل، ولهم إلى الانصباب إليه سيل، وعذرا، لمن أغري بصحيحه (ص 172) عذرا لقد وفى في شروط تصحيحه نذرا، حتى لقد كاد يعدّ فردا لا يقاس إلى شبهه وراويا للخير يجيء به كما قيل في حديث عائشة في الأضاحي" لقد أتتك بالحديث على
وجهه".
لقد أبطل شبهة كل مضل مذ جلا كل مظلم وأزال دعوى كل باطل بما صح من حديثه، فإنه لا شيء أصح من حديث مسلم.
رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر «1» ، وقدم بغداد غير مرة، وآخر قدومه إليها سنة تسع وخمسين ومائتين.
قال مسلم: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري «2» : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في الحديث «3» .
وقال أحمد بن سلمة «4» : رأيت أبا زرعة، وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.
وقال أحمد بن عمر الزاهد: سمعت الثقة من أصحابنا- وأكبر ظني أنه أبو سعيد بن يعقوب- يقول: رأيت فيما يرى النائم كأن أبا علي الزغوري يمضي في
شارع «1» الحيرة «2» ، وفي يده جزء من كتاب مسلم، فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: نجوت بهذا وأشار إلى ذلك الجزء.
وقال أحمد بن سلمة: عقد لأبي الحسين مسلم مجلس للمذاكرة، فذكر له حديث لم يعرفه، فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخل أحد منكم هذا البيت، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر. فقال:
قدموها، فقدموها إليه، وكان يطلب الحديث، ويأخذ تمرة تمرة، فيمضغها، فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث.
قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات «3» .
قال الحاكم: قرأت بخط أبي عمرو المستملي «4» : أملى علينا إسحاق بن منصور «5» سنة إحدى وخمسين ومائتين، ومسلم ينتخب عليه، وأنا أستملي، فنظر إسحاق بن منصور إلى مسلم، فقال له: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين. (ص 173) .
توفي مسلم عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمسين- وقيل: لست- بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور، ومولده سنة ست ومائتين وقيل: سنة أربع ومائتين.
ومنهم:
82 «1» - عبيد الله بن عبد الكريم «2» بن يزيد بن فروخ القرشي
«3» - مولاهم- الرازي «4» : أبو زرعة سيد من سادات القوم وسند ما انقطع إلى اليوم، من موالي قريش النجباء، وبقاياهم الألباء «5» ، فضل الصريح «6» ، وفضّل بالصحيح، اشتهر فيمن روى الحديث، ورأى أدنى مطالبه موكلا بالسير
الحثيث «1» ، فشد (ص 174) اليعملات، وسدّ مهابّ الفلاة حتى وسع فروج الارتحال «2» وخروج التحصيل به من حال إلى حال، حتى صار مأوى إليه تحط الرحال، وحقا «3» في الطلب بلا محال.
سمع بالحرمين، والشام ومصر والعراق، والجزيرة وخراسان، وكان من أفراد الدهر حفظا وذكاء، ودينا وإخلاصا، وعلما وعملا.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: نزل عندنا أبو زرعة، فقال لي أبي: يا بني قد اعتضدت على نوافلي بمذاكرة هذا الشيخ.
وقال أبو زرعة: كتبت عن ابن أبي شيبة مائة ألف حديث، وعن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث. فقيل له: تقدر أن تملي ألف حديث من حفظك؟
قال: لا، ولكني إذا ألقي علي عرفت.
واستفتى رجل أبا زرعة قال: حلفت بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث.
فقال: تمسك بامرأتك.
وقال ابن أبي شيبة «4» : ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.
وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة.
وقال أبو يعلى الموصلي «1» : كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأموات والشيوخ والتفسير.
وقال صالح- جزرة «2» - سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث.
وقال يونس بن عبد الأعلى «3» : ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة.
وقال عبد الوارث بين غياث «4» : ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.
وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم منه كان يحفظ هذا الشأن مثله «5» ، وقلّ من رأيت في زهده.
توفي أبو زرعة في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائتين.
ومنهم:
83-
«1» - محمد بن يزيد «2» بن ماجه الربعي
«3» - بالولاء- القزويني أبو عبد الله الحافظ، مصنف كتاب السنن وحسبك بابن ماجه بحرا ماج فطفا من دره ما رسب، وطودا مال لو لم يمسك الغمام من ذيله بحسب، وحبرا مار «4» ما رأى أحدا أفضل مما منه يكتسب، ربعي بالولاء، لا بل هو ربيع توالى قطره الساكب، وتولى الغمام ثم جرى في أرضه نهرا، لأنه ما استطاع أن يمر بها وهو راكب، طاف وارتحل، وطاب موقعه كالغيث حيث حل، وأعمل نظره فيما فرضه الشارع وسنه، وفسّر كتاب الله، وروى حديث رسوله فقام بالكتاب والسنة.
كان إماما في الحديث عارفا بعلومه، وجميع ما يتعلق بعلومه، وارتحل إلى العراق والبصرة، والري والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر لكتب الحديث،
وله: تفسير القرآن، وتاريخ مليح، وكتابه أحد الكتب الستة.
توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين وصلى عليه أخوه أبو بكر، ومولده سنة تسع ومائتين.
ومنهم:
84-
سليمان بن الأشعث «1» بن إسحاق بن بشير الأزدي «2» السجستاني «3» أبو داود
أحد حفاظ الحديث، وعلمه، وعلله، وحيفاز الفهم الصحيح في معرفة سداده «4» وخلله «5» ، ممن فقه في الدين، وفهق «6» غديره الصافي مما امتلأ
للواردين، زاد على من سبقه (ص 175) وما قصروا ذكاء وفهما، وأصاب وما أخطأوا ظنا ومرمى، وأشبهت فطنته السليمانية «1» فطنة مسماه، فوافق المسمى المسمي «2» وما تعداه، لقد أظله وإياهم سحاب تغشاهم رحمته، إلا أنه أخطأهم، وقدح له ولهم زنادا «3» أراهم ضياه، لكنه أصابه وما أخطاهم، ثم قال التثبت إذ سبق الأوائل: مهلا سبقت، وما توانى أولئك أناة وحلما، وقال الفهم حين أصاب الصواب (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما)«4»
كان في الدرجة العالية من النسك والصلاح.
طوّف البلاد وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين، والمصريين، والجزريين «5» ، وجمع كتاب السنن قديما، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده «6» واستحسنه، وعده أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب الإمام أحمد.
قال إبراهيم الحربي «1» - لما صنف أبو داود كتابه السنن-: ألين له الحديث كما ألين لداود الحديد «2» .
وكان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب- يعني السنن- جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان من ذلك أربعة أحاديث «3» :
أحدها: قوله: «الأعمال بالنيات «4» »
والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه «1» »
والثالث: قوله: «لا يكون المرء مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه» «2»
والرابع: قوله: «الحلال بيّن والحرام بيّن» «3»
وجاء سهل بن عبد الله التّستري «1» ، فقيل له: يا أبا دواد هذا سهل قد جاءك زائرا، قال: فرحب به وأجلسه، فقال: يا أبا دواود لي إليك حاجة (ص 176) قال: وما هي؟
قال: حتى تقول قضيتها. قال: أقضيها مع الإمكان.
قال: أخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبّله. قال:
فأخرج لسانه فقبّله.
توفي بالبصرة يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين.
ومولده سنة اثنتين ومائتين.
ومنهم:
85-
محمد بن إدريس «2» بن المنذر الحنظلي
«3» أبو حاتم الرازي أحد الأعلام، وأحد سيوف الإسلام، ممن تجوّل وطاف لا
تسعى به إلا قدمه، ولا تصحبه إلا هممه، يقطع الأرض ركضا، ويقنع بما هو عليه من الدأب، ويرضى؛ حتى أخذ من الحديث الشريف النبوي- زاده الله شرفا- ما شد به إليه لأجله الرّحل «1» والقتب «2» ، وألاق «3» له كل طالب دواته وكتب.
قال أبو حاتم: أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا، ثم إلى
الرملة «1» ماشيا، ثم إلى طرسوس «2» ولي عشرون سنة، وكتبت عن النفيلي «3» نحو أربعة عشر ألفا.
قال موسى بن إسحاق الأنصاري: ما رأيت بعد محمد بن يحيى الذهلي أحفظ للحديث، ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي داود الطيالسي «4» : من أغرب عليّ حديثا صحيحا «5» ، فله درهم. وكان ثمة خلق أبو زرعة، فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليّ ما لم أسمع به، لأذهب إلى راويه، وأسمعه، فلم يتهيأ لأحد أن يغرب عليّ.
قال: وسمعت أبي يقول: قدم الري محمد بن يحيى «6» ، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا من حديث الزهري، فلم يعرف إلا ثلاثة أحاديث.
وقال: بعت ثيابي (ص 177) سنة أربع عشرة ونفقت «7» ثمنها حتى نفد، وجعت يومين، فأعلمت رفيقي، فقال: معي دينار، فأعطاني نصفه، وطلعنا مرة من البحر «8» قد فرغ زادنا، فمشينا ثلاثة أيام لا نأكل شيئا، فألقينا بأنفسنا، فسقط