الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة، وقيل في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة «1» .
ومنهم
166- أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف ب (ابن العربي) المعافري
«2» (ص 312) الأندلسي الحافظ المشهور «3» ، والحامل له الزمان راية الظهور، تجوّل في الأرض طلبا للعلم، وتقديما لأمره المهم، وتكميلا لمعوز فضله ليتم، ورحل من أقصى الأندلس حتى أتى الحجاز وخيّم بالعراق، وعاد من الشرق بما ملأ الغرب بالإشراق، وتنقل في أفقيها فتهلل هذا فرحة باللقاء، وعلت الآخر صفرة الفراق، قال ابن بشكوال: هو الحافظ المستبحر ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها، لقيته بمدينة إشبيلية في جمادى الآخرة سنة ست عشرة
وخمسمائة فأخبرني: أنه رحل إلى الشرق مع أبيه سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام ولقي بها أبا بكر الطرطوشي، وتفقه عنده، ودخل بغداد وسمع بها من جماعة «1» من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز وحج سنة تسع وثمانين ثم عاد إلى بغداد، وصحب أبا بكر الشاشي «2» وأبا حامد الغزالي «3» وغيرهما من العلماء والأدباء ثم صدر «4» عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم، واستفاد منهم وأفادهم، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وقدم إشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن رحل إلى الشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، والجمع لها، مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها نافذا في جميعها، حريصا على آدابها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى
ذلك كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الود.
استقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته، ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سورة «1» مرهوبة، ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم/ (ص 313) وبثه، وسألته عن مولده فقال: ولدت يوم الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ودفن بمدينة فاس، ومن مصنفاته: عارضة الأحوذي في شرح الترمذي.
ومنهم:
167-
أبو القاسم «1» السهيلي «2» عبد الرحمن بن عبد الله ابن أحمد بن أبي الحسن
الخثعمي «3» ، ويكنى أيضا أبا زيد «4» ، الإمام المشهور صاحب التصانيف البديعة، والتفاويق «5» الصنيعة «6» ، ما جمع مثله ليل، ولا طلع به ولا علا
شبهه سهيل، كان بحضرة مرّاكش، بغداد المغرب نجم هداها الطالع، وطود حجاها «1» ، الأشب «2» المطالع، يملأ أكنافها، ويكلأ أضيافها، وينشر فيها من علومه المفننة ضرائر «3» الحبرات «4» ، ونظائر ما تجره وشائع «5» البيض «6» الخفرات «7» ، كان ببلده يتسوّغ «8» بالعفاف، ويتبلغ «9» بالكفاف «10» ، حتى نمي خبره إلى صاحب مراكش، فطلبه إليه، وأحسن إليه، وأقبل بوجه الإقبال عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام كأنها ساعة منام، وكان إماما محدثا فقيها
أصوليا تصريفيا عروضيا نحويا خبيرا بالأنساب والمشتبه منها «1» .
ومن مصنفاته كتاب الروض الأنف «2» في شرح السيرة النبوية لابن إسحاق «3» ، [أملاه في نحو خمسة شهور من نيف على مائة، وعشرين ديوانا غير ما نقحه فكره، ولقنه عن مشيخته]«4» وكتاب التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام «5» ، وكتاب نتائج الفكر ومسألة رؤية الباري في المنام ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم، والسر في عور الدجال، «6» ومسائل كثيرة مفردة لم
يسبق إليها ولا حام أحد قبله عليها، وغالب مصنفاته إملاء، فإنه كان مكفوفا.
وتوفي بحضرة مراكش يوم الخميس، ودفن وقت الظهر سادس عشر من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ومولده سنة ثمان، وخمسمائة بمالقة- رحمه الله. (ص 314) .
قال أبو الخطاب ابن دحية: أنشدني السهيلي، وقال: إنه ما سأل الله تعالى بها حاجة إلا أعطاه إياها، وكذلك من استعمل إنشادها، وهي:[الكامل]
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
…
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجّى للشدائد كلها
…
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول: كن «1»
…
امنن، فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
…
فبالافتقار إليك ربي أضرع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
…
فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو، وأهتف باسمه
…
إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لمجدك أن يقنّط عاصيا
…
الفضل أجزل والمواهب أوسع «2»
ومنهم:
168-
أبو الخطاب «1» عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميل بن فرح بن دحية بن خليفة الكلبي
المعروف بذي النسبين «2» ، الأندلسي البلنسي «3» الحافظ. وقف للإطلاع على كل ثنية، وهتف للاستطلاع بكل قضية، وقاد نافر اللغة عنفا حتى جعل الغريب قريبا، والحوشي «4» ربيبا «5» ، وأتى بها إلى الحاضرة قسرا من باديتها، وقهرا في تأديتها، فعادت إلى الحسنى، ورقّ كلامها، ودق حتى خفي
أكمامها «1» ، وله رسائل حوشية كتبها لتدل على غزارة مادته، وإنارة جادته، وقد أضربت عن ذكرها صفحا، ولم أسمع لها صدحا، لثقل وطأتها على الأسماع، وشدة نفرتها للطباع، كأنها كلام النائم، ونقيق الضفادع في الليالي العواتم، تظن أنها ليست مركبة من الحروف، ولا دالة على معنى معروف، على أن له في أخر ما يخف، ولكنه مما لا يشف، ولا يندى (ص 315) ورقه، ولا يرف، فلذلك- أيضا- ألغيتها، وأعرضت عنها، فما أردتها، ولا ابتغيتها.
كان من أعيان مشايخها، ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث النبوي، وما يتعلق به، عارفا بالنحو، واللغة، وأيام العرب وأشعارها.
اشتغل بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية، ولقي بها علماءها، ومشايخها، ثم رحل منها إلى بر العدوة، ودخل مراكش، واجتمع بفضلائها، ثم ارتحل إلى إفريقية، ومنها إلى الديار المصرية، ثم إلى الشام، والشرق، والعراق، وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين «2» ، ودخل إلى عراق العجم، وخراسان، وما والاها، ومازندران «3» ، كل ذلك في طلب الحديث، والاجتماع
بأئمته، وأخذ عنه وهو في تلك الحال، وقدم مدينة إربل سنة أربع وستمائة، وهو متوجه إلى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين «1» مولعا بعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم عظيم الاحتفال به، فعمل له كتابا سماه" التنوير في مولد السراج المنير"، وقرأه عليه بنفسه، وختمه بقصيدة طويلة، فأعطاه المعظم ألف دينار، وله عدة تصانيف «2» .
وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث، وثلاثين، وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، ومولده في مستهل ذي القعدة سنة أربع، وأربعين، وخمسمائة.