الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومائة- «1» . ومولده سنة ثلاثين ومائة. وقال خلف: بل سنة تسع عشرة «2» .
ومنهم
14- علي بن حمزة الكسائي
«3» الإمام أبو الحسن الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ النحوي، أحد الأعلام «4» ، لف الفضل كله كساؤه، وردّ على العلم جميعه رداؤه، ونشر كساء كسائية أضواء من ملاءة النهار، وأظهر من غرر فوائده أمتع من كواكب الأسحار «5» ، وأسعد الله بصلته ببيت الخلافة جدّه، ولازم تأديب الأمين بن الرشيد حتى أوتي رشده «6» ،
وأغدقت عليه أم جعفر «1» المواهب، وأغصت بالعطايا إليه حلوق المذاهب، وأصبح بانضمامه إلى جناح ابنها يحلّق «2» حيث تقصّ القوادم «3» ، وتقصّر لوامع البروق «4» في الليالي العواتم، وعزّت إفاداته، حتى عدّت للقعود للطلبة أوقاته «5» . وكان لا يجلس إلا مجلسا عاما، وينصب له كرسيّ يصعده، وذو التحصيل يصغي إلى ما يقرأ به ويقيده، إذ كان زمانه لا يسع إشغال كل واحد بمفرده، ولا قوله بلسانه وتقييده بيده «6» . ولد في حدود سنة عشرين ومائة «7» ، وسمع من جماعة (ص 92) وقرأ القرآن وجوّده على حمزة الزيات «8» ، وعيسى ابن عمر الهمداني وزايده، ونقل أبو عمرو الداني وغيره أن الكسائي قرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا، واختار لنفسه قراءة «9» ، ورحل إلى البصرة فأخذ العربية عن الخليل بن أحمد «10» وأخذ الحروف أيضا عن أبي بكر ابن عياش وغيره «11» ، وخرج إلى البوادي فغاب مدّة طويلة، وكتب الكثير من اللغات والغريب عن الأعراب بنجد وتهامه، ثم قدم وقد أنفد خمس عشرة قنينة
حبر «1» ، وقرأ عليه أبو عمر الدوري وأبو الحرث الليث وخلق سواهم «2» ، وانتهت إليه الإمامة في القرآن والعربية. قال ابن معين: ما رأيت بعيني أصدق لهجة من الكسائي «3» ، وقال أبو عبيد في كتاب القراءات: كان الكسائي يتخيّر القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا، وترك بعضا «4» ، وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته، ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه «5» . وقال خلف:
قرأ الكسائي على حمزة القرآن أربع مرات «6» ، وقال أبو بكر بن الأنباري اجتمعت في الكسائي أمور: كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وكان أوحد الناس في القرآن، فكانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم ويجلس على كرسي، ويتلو القرآن من أوله إلى آخره، وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادي «7» ، وكان في الكسائي تيه وحشمة، لما نال من الرياسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد وتأديبه أيضا للرشيد، فنال ما لم ينله أحد من الجاه والمال والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدنيا «8» . وقال خلف: عملت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي «9» ، فقال
اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك ننكر بعضها فقال الكسائي:
أو مثلي يخاطب بهذا، وهل مع العالم (ص 93) من العربية إلا فضل بصاقي هذا، ثم بصق فسكت اليزيدي «1» . وكان الكسائي يؤدب الأمين بن هارون الرشيد ويعلمه الأدب، ولم تكن له زوجة ولا جارية، فكتب إلى الرشيد يشكو العزبة في هذه الأبيات:[الكامل المرفل]
قل للخليفة ما تقول لمن
…
أمسى إليك بحرمة يدلي
ما زلت مذ صار الأمين معي
…
عبدي يدي ومطيتي رجلي
وعلى فراشي من ينبهني
…
من نومة «2» وقيامه قبلي
أسعى برجل منه ثالثة
…
موفورة مني بلا رجل
وإذا ركبت أكون مرتدفا
…
قدّام سرجي راكب «3» مثلي
فامنن عليّ بما يسكّن
…
هـ عني وأهد الغمد للنصل
فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء بجميع آلاتها، وخادم وبرذون بجميع آلاته «4» . واجتمع يوما محمد بن الحسن الشيباني «5» والكسائي في مجلس الرشيد «6» . فقال الكسائي: من تبحر في علم تهدّى إلى جميع العلوم. فقال له محمد: ما تقول فيمن سها في سجود السهو هل يسجد مرة أخرى؟ فقال الكسائي: لا. قال: لماذا؟ قال: لأن النحاة يقولون: المصغر لا
يصغر «1» . فقال محمد: ما تقول في تعليق الطلاق بالملك؟ قال: لا يصح. قال:
لم؟ قال: لأن السيل لا يسبق المطر. كذا وردت هذه الحكاية في عدة مواضع.
وذكر أبو بكر الخطيب في تاريخه أن هذه القصة جرت بين محمد بن الحسن والفرّاء «2» .
وقال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
«3» فقلت: لعلهم يرجعين. فو الله ما اجترأ هارون أن يقول أخطأت، ولكنه لما سلّم قال: أيّ لغة هذه؟ قلت: (ص 94) يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد. قال: أما هذا فنعم «4» .
وقال ابن الدورقي: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة فقدموا الكسائي يصلي فأرتج «5» عليه قراءة يا أيها الكافرون. فقال اليزيدي:
قراءة (قل يا أيها الكافرون) ترتج على قارئ الكوفة!!؟ قال: فحضرت صلاة فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في الحمد فلما سلم قال: [الكامل]
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
…
إن البلاء موكّل بالمنطق «6»
وعن الفرّاء قال: ناظرت الكسائيّ يوما وزدت فكأني كنت طائرا أشرب من
بحر «1» . قال: وإنما تعلم النحو على كبر لأنه جاء إلى قوم وقد أعيى «2» فقال: قد عييت. فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن!؟ قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل: أعييت، وإن أردت انقطاع الحيلة والحيرة في الأمر فقل:
عييت. فأنف من ذلك. وقام من فوره فسأل عمن يعلم النحو فدل على معاذ الهرّاء «3» فلزمه، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل، ثم خرج إلى بادية الحجاز «4» . قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي «5» . وقال الفرّاء: لقيت الكسائي يوما، فرأيته كالباكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يحيى بن خالد يحضرني فيسألني عن الشيء، فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل. فقلت: يا أبا الحسن من يعترض عليك؟ قل ما شئت فأنت الكسائي. فأخذ لسانه بيده وقال:
قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم «6» . وروى نصير بن يوسف قال: دخلت على الكسائي في مرض موته فأنشأ يقول: [الكامل]
قدر أحلك ذا النخيل وقد أرى
…
وأبي، ومالك ذو النخيل بدار
إلا كداركم بذي بقر اللوى
…
هيهات ذو بقر من المزدار «1»
(ص 95) فقلت: كلا ويمتع الله الجميع بك. فقال: لئن قلت ذلك: لقد كنت أقرئ الناس في مسجد دمشق فأغفيت في المحراب، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم داخلا من باب المسجد، فقام إليه رجل فقال: بحرف من تقرأ؟ فأومأ إليّ «2» .
وقال أبو سعيد السيرافي رثى يحيى اليزيدي محمد بن الحسن والكسائي، وكانا خرجا مع الرشيد فماتا في الطريق، فقال:[الطويل]
تصرمت الدنيا فليس خلود
…
وما قد ترى من بهجة فيبيد «3»
لكل امرئ كأس من الموت مترع
…
وما إن لبا إلا عليه ورود
ألم تر شيبا شاملا ينذر البلى
…
وأنّ الشباب الغض ليس يعود
سيأتيك ما أفنى القرون التي
…
مضت فكن مستعدا فالفناء عتيد «4»
أسيت على قاضي القضاة محمد
…
فأذريت دمعي والفؤاد عميد «1»
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا
…
بإيضاحه يوما وأنت فقيد
وأقلقني موت الكسائي بعده
…
وكادت لي الأرض الفضاء تميد «2»
وأذهلني عن كل عيش ولذة
…
وآرق عيني والعيون هجود
هما عالمانا أوديا وتخرّما
…
وما لهما في العالمين نديد
فحزني أن يخطر على القلب خطرة
…
بذكرهما حتى الممات جديد «3»
قال أبو عمر الدوري توفي الكسائي بالري بقرية أرنبويه، وقال مجاهد برنبويه سنة تسع وثمانين ومائة على الصحيح، وقيل إنه عاش سبعين سنة، ومات هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد. فقال الرشيد: دفنا الفقه والنحو بالري «4» . وسمي الكسائي لأنه أحرم في كساء «5» .
(ص 96) ومنهم