الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المحدّثون من أهل المشرق]
وسنبدأ بالمحدّثين بالجانب الشرقي أخذا بالترتيب، وأبتدئ بالبحر الزاخر، ثم القليب «1» ، ونفتتحهم بالإمام العلم أحفظ أهل الأرض، وهو:
67- أبو هريرة الدوسي اليماني
«2» صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو وإن كان من في الرواية واحدا من ركب نهلوا «3» من مكرع «4» ، وشربوا جميعهم من منبع، فإنه أمسّ هنا بالذكر من
بقية أصحابه لأنه هو الذي تروّى «1» حتى روي، وروّى، وربما تدأدأ «2» دون المطلع وتكأكأ «3» عن بعض ما عليه اطلع، خوفا في تلك الأيام التي وقدت «4» فتنتها، وقدّت «5» الطلا «6» والأبدان محنها، فكتم ولم يبح (ص 151) وكعم فمه «7» ولم ينح، وقعد قائمه عن شعب تلك الأهواء ولم يرح، وخمد برقه في عوارض «8» تلك الفتن ولم يلح، وروي أنه كان يقول: الصلاة خلف علي أفضل، وطعام معاوية أدسم، والقعود فوق التل أسلم، وقد كان أكثر القوم ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كنت ألزمه لشبع بطني، وإخواننا يلهيهم البيع، والصفق بالأسواق «9» .
واسمه- على الأشهر-: عبد الرحمن بن صخر في الإسلام، وفي الجاهلية" عبد شمس"«1» وكني بأبي هريرة لأنه كان يرعى غنما، فوجد هرة وحشية، فلما أبصرههن، وسمع أصواتهن، أخبر أباه، فقال له: أبا هر «2» .
قال أبو هريرة: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لابنة غزوان «3» بطعام بطني، وعقبة رحلي، أحدو بهم إذا ركبوا، وأحتطب إذا نزلوا، «4» فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وأبا هريرة إماما «5» .
وقدم مهاجرا ليالي فتح خيبر «1» ، وذلك في صفر سنة سبع «2» ، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير،، وروي له نيفا وخمسة آلاف حديث «3» .
قال الإمام أبو عبد الله البخاري «4» : روى عنه ثمان مائة نفس أو أكثر «5» .
وقال أبو هريرة: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته للناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم" «6» .
وقال أبو صالح السمان «1» : كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم «2» .
وقال أبو هريرة: لا أعرف أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني «3» .
وقال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره «1» .
وكان أبو هريرة من كبار أئمة العلم، والفتوى مع الجلالة، والعبادة، والتواضع، وكثرة التلاوة، والذكر.
قال أبو عثمان النهدي «2» : تضيفت (ص 152) أبا هريرة سبعا، وكان هو وامرأته «3» يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ الآخر فيصلي، ثم يوقظ الثالث.
وكان أبو هريرة من أصحاب الصّفّة «4» فقيرا، ذاق الجوع، ثم بعد النبي صلى الله عليه وسلم
صلح حاله، وكثر ماله.
وقال أبو هريرة: لقد رأيتني أصرع من الجوع بين القبر والمنبر حتى يقولوا مجنون، فيجلس الرجل على صدري، فأرفع رأسي، فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع «1» .
ثم إن أبا هريرة ولي إمرة المدينة، وناب- أيضا- عن مروان «2» في إمرتها، وكان يمر في السوق يحمل الحزمة، وهو يقول: أوسعوا الطريق للأمير «3» .
وكان يقول لابنته: لا تلبسي الذهب، فإني أخشى عليك من اللهب «4» .
وقال أبو هريرة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسألني من هذه الغنائم؟ فقلت:
أسألك أن تعلمني ما علمك الله تعالى، فنزع نمرة على ظهري، فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعب حديثه، قال: اجمعها، فصرها إليك، قال: فأصبحت، وأنا لا أسقط حرفا «5» .
وقال أبو هريرة: إني لأستغفر الله تعالى، وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر ديتي «1» . وكان له خيط فيه ألفا عقدة لا ينام حتى يسبح به «2» ، وكان آدم «3» ، بعيد ما بين المنكبين، أفرق الثنيتين «4» ، له ضفيرتان، يخضب بالحمرة، وكان من أصحاب الصفة، وله مسائل معروفة، أفتى بحضرة فقهاء الصحابة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم حبب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما. «5» "
توفي سنة ثمان وخمسين- في قول جماعة-، وقيل سنة سبع وخمسين، وقيل سنة تسع «1» . (ص 153)
وأما ما نذكره من مشاهير الحفاظ، فمنهم:
68-
محمد بن مسلم بن عبيد الله «2» بن عبد الله بن شهاب «3» القرشي الزهري المدني الإمام
والمدني ما نأى على الأفهام، المتوقد لأنه ابن شهاب، المتوقل «4» لأنه على ذيل الأصحاب، المتوفي الزلل فما حفظ شيئا ثم نسيه، ولا استحضره ثم غاب، الناهض به شرف الأسرة في زهرة بن كلاب، والنابض عرقه في أعراق
السراب «1» ، والنافض صبغ دجى الليل بضوء صبحه المجاب «2» ، والناقض حبال الآراء إنكاثا «3» برأيه الصواب، الطالع في أقمار زهرة حيث تشرق خؤولة النبوة «4» ، ويشرب في قلوب الآباء حب البنوة، وتلوي ذوائب لؤي بن غالب على ما تجل مفارقه أن تمس بالطيب، أو تدخن باللألؤة «5» .
ولد سنة خمسين، ورأى جماعة من الصحابة، وحدث عنهم، وعن كبار التابعين، وروى عنه جماعة من الأئمة منهم: مالك بن أنس «6» ، والسفيانان «7» .
وقال أبو داود «8» : حديثه ألفان ومائتان، النصف منها مسند.
وقال أبو الزناد «1» : كنا نطوف مع الزهري على العلماء، ومعه الألواح والصحف يكتب كل ما سمع «2» .
وقال الليث «3» : ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري يحدث في الترغيب، فنقول: لا يحسن إلا هذا «4» وإن حدث عن العرب، والأنساب، قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة، فكذلك «5» .
قال الزهري: ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري.
وقال عمر بن عبد العزيز «6» : لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من
الزهري «1» .
وقال مالك: بقي ابن شهاب، وماله في الدنيا نظير.
وقال عمرو بن دينار «2» : ما رأيت الدينار عند أحد أهون منه عند الزهري كان بمنزلة البعر. (ص 154) وروي عن عمرو بن دينار أنه قال: أي شيء عند الزهري؟! أنا لقيت ابن عمر، وابن عباس- رضي الله عنهم ولم يلقهما، فقدم الزهري مكة، فقال عمرو: احملوني إليه.- وكان قد أقعد- فحمل إليه، فلم يأت إلى أصحابه إلا بعد ليل، فقالوا له: كيف رأيته؟ فقال: والله، ما رأيت مثل هذا الفتى القرشي.
وقيل لمكحول «3» : من أعلم من رأيت؟ فقال: ابن شهاب.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه.
وقال سعيد بن عبد العزيز «1» : أدى هشام «2» عن الزهري سبعة آلاف دينار، وكان يأدب ولده، ويجالسه.
وقال سعيد- أيضا-: سأل هشام بن عبد الملك الزهري أن يملي على بعض ولده شيئا، فأملى عليه أربعمائة حديث، وخرج الزهري، فقال: أين أنتم، يا أصحاب الحديث، فحدثهم بتلك الأربع مائة، ثم لقي هشاما بعد شهر، أو نحوه فقال للزهري: إن ذلك الكتاب ضاع، فدعا بكاتب، فأملاها عليه، ثم قابل الكتاب الأول فما غادر حرفا واحدا.
ومن حفظ الزهري: أنه حفظ القرآن في ثمانين ليلة، وقال: ما استعدت «3» عالما قط.
وقال مالك: قدم الزهري المدينة، فأخذ بيد ربيعة «4» ، ودخلا بيت الديوان، فلما خرجا وقت العصر، خرج ابن شهاب وهو يقول: ما ظننت أن بالمدينة مثل ربيعة، وخرج ربيعة وهو يقول: ما ظننت أن أحدا بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب.
وقال معمر: كنا نظن أنا قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد بن
يزيد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، نقول: من علم الزهري «2» .
وكان الزهري إذا جلس في بيته وضع الكتب حوله يشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته- يوما-: والله، لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر «3» .
ولم يزل الزهري مع (ص 155) عبد الملك، ثم مع هشام بن عبد الملك، وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه.
وتوفي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، وقيل: بعد ذلك «4» ، ودفن في ضيعته" أدامى"«5» بين الحجاز والشام.