الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْغَصْبِ وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافِ]
(كِتَابُ الْغَصْبِ) وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيُقَالُ: اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ.
وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وَالسَّرِقَةُ نَوْعٌ مِنْ الْغَصْبِ. وَرَوَى جَابِرٌ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَالْغَصْبُ فِي الشَّرْعِ (اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ الِاسْتِيلَاءُ (عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ) مِنْ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ (قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) ، فَتَخْرُجُ الشُّفْعَةُ، وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ، فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اسْتِيلَاءَ الْحَرْبِيِّ عَلَى مَالِنَا لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّ السَّرِقَةَ وَالنَّهْبَ وَالِاخْتِلَاسَ لَيْسَتْ غَصْبًا؛ لِعَدَمِ الْقَهْرِ فِيهَا وَأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيهِ لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَكُونُ اسْتِيلَاءُ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى) عَيْنٍ (مُؤَجَّرَةٍ بِأُجْرَةٍ) مَعْلُومَةٍ مَعَ فَلَسِ مُسْتَأْجِرٍ غَصْبًا، (وَ) لَا اسْتِيلَاءُ مُشْتَرٍ عَلَى شِقْصٍ (بِيعَ بِثَمَنٍ) مَعْلُومٍ (مَعَ) ظُهُورِ (فَلَسِ) مُشْتَرٍ غَصْبًا، لِمُصَادَفَةِ ذَلِكَ عَقْدًا صَحِيحًا ابْتِدَاءً، وَظُهُورُ الْفَلَسِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. .
(وَيُضْمَنُ عَقَارٌ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - بِغَصْبٍ، لِحَدِيثِ:«مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبْعِ أَرَضِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ؛ وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ» .
وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ؛ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا؛ أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ.
(وَ) تُضْمَنُ (أُمُّ وَلَدٍ) بِغَصْبٍ؛ لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الْمَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فِي الْإِتْلَافِ؛ لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً كَالْقِنِّ؛ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، فَلَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ.
(وَ) يُضْمَنُ (قِنٌّ بِغَصْبٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى - وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ - كَسَائِرِ الْمَالِ.
(وَاسْتِيلَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمَنْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً) لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا، أَوْ كَانَ عِنْدَهَا لَكِنْ رَكِبَهَا (بِلَا إذْنِهِ؛ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَوْ لَمْ يُسَيِّرْهَا) ، بَلْ تَرَكَهَا وَاقِفَةً.
وَلَا يَحْصُلُ الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِيلَاءِ (فَمَنْ دَخَلَ أَرْضِ شَخْصٍ أَوْ دَارِهِ) ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ (بِلَا إذْنِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ إيَّاهَا) ؛ لَمْ يَضْمَنْ بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ؛ كَمَا لَوْ دَخَلَ صَحْرَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مَا يَضْمَنُ بِالْعَارِيَّةِ، وَهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ فِيهَا؛ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ.