الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَدِّهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَيْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهَا كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا الْأُمُّ تُطَالَبُ بِدَيْنِ وَلَدِهَا.
(وَمَا)(وَجَدَهُ ابْنٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبٍ) فِي تِرْكَتِهِ (مِنْ عَيْنِ مَالِهِ) - أَيْ: الِابْنِ - (الَّذِي أَقْرَضَهُ) لِأَبِيهِ (أَوْ بَاعَهُ) لَهُ (أَوْ غَصَبَهُ) الْأَبُ مِنْهُ (فَلَهُ) - أَيْ: الِابْنِ - (أَخْذُهُ) - أَيْ: مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ - دُونَ بَقِيَّةِ وَرَثَةِ الْأَبِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ دَفَعَ) لِوَلَدِهِ (ثَمَنَهُ) لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَلَا يَكُونُ مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْأَبِ، بَلْ هُوَ لِلْوَلَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ.
[فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمُحَابَاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
(وَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ، وَهِيَ هِبَتُهُ فِي) مَرَضٍ (غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ) كَانَ الْمَرَضُ (مَخُوفًا) كَصَحِيحٍ (أَوْ) كَانَ مَرَضُهُ (غَيْرَ مَخُوفٍ كَصُدَاعٍ) - أَيْ: وَجَعِ رَأْسٍ - وَرَمَدٍ وَ (وَجَعِ ضِرْسٍ) وَجَرَبٍ (وَحُمَّى) سَاعَةٍ أَوْ (يَوْمٍ وَإِسْهَالِ سَاعَةٍ بِلَا دَمٍ وَلَوْ صَارَ) الْمَرَضُ (مَخُوفًا وَمَاتَ بِهِ فَ) عَطِيَّتُهُ (كَصَحِيحٍ فَتَصِحُّ) عَطِيَّتُهُ (فِي كُلِّ مَالِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا وَبَرِئَ، وَأَمَّا الْإِسْهَالُ فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ؛ فَهُوَ مَخُوفٌ - وَإِنْ كَانَ سَاعَةً - لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْحَرِفًا، لَكِنَّهُ يَكُونُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ؛ كَأَنْ يَخْرُجَ مُتَقَطِّعًا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَخُوفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ، وَإِنْ دَامَ الْإِسْهَالُ فَهُوَ مَخُوفٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ رُجِعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ أَهْلِ
الْمَعْرِفَةِ، وَهُمْ الْأَطِبَّاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ".
(وَ) عَطِيَّةُ مَرِيضٍ (فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ كَبِرْسَامٍ) - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - بُخَارٌ يَرْتَقِي إلَى الرَّأْسِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ، فَيَخْتَلُّ الْعَقْلُ بِهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي.
(وَذَاتِ جَنْبٍ) - قُرُوحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ - (وَوَجَعِ رِئَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا فَلَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهَا (وَ) وَجَعُ - (قَلْبٍ وَرُعَافٍ دَائِمٍ) لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَتَذْهَبُ الْقُوَّةُ (وَقِيَامِ مُتَدَارِكٍ) - وَهُوَ الْإِسْهَالُ الْمُتَوَاتِرُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ - (أَوْ) إسْهَالٍ (مَعَهُ دَمٌ) لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ (وَ) مِنْ الْمَخُوفِ (كَفَالِجٍ) - وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَفْسُدُ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ - (فِي ابْتِدَاءِ) هـ (وَالسِّلُّ) - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ (فِي انْتِهَاءِ) هـ (أَوْ هَاجَ بِهِ بَلْغَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، فَيُطْفِئُهَا (أَوْ) هَاجَتْ بِهِ (صَفْرَاءُ) لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً (أَوْ) هَاجَ بِهِ (قُولَنْجُ) - وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ وَلَا يَنْزِلُ عَنْهُ - أَوْ هَاجَتْ بِهِ (حُمَّى مُطْبَقَةٌ) فَهَذِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ مَخُوفٌ، وَمَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا، إنْ ثَاوَرَهُ الدَّمُ وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ (وَمَا قَالَهُ عَدْلَانِ) لَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَدِمَ غَيْرَهُ (مُسْلِمَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ) عِنْدَ إشْكَالِ الْمَرَضِ (أَنَّهُ مَخُوفٌ) .
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": لَيْسَ مَعْنَى الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ الْمَوْتُ مِنْهُ، أَوْ يَتَسَاوَى فِي الظَّنِّ جَانِبُ الْبَقَاءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا ضَرْبَ الْمَخَاضِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ، وَلَيْسَ الْهَلَاكُ غَالِبًا وَلَا مُسَاوِيًا لِلسَّلَامَةِ وَإِنَّمَا الْمَرَضُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا صَالِحًا لِلْمَوْتِ، فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ حُدُوثُهُ عِنْدَهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا يَكْثُرُ حُصُولُ الْمَوْتِ مِنْهُ (فَ) عَطَايَاهُ (كَوَصِيَّةٍ) فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْوَقْفِ لِلثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ
الْوَرَثَةِ فِيهِمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ؛ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ - عَلَى مَا (قَالَهُ الْقَاضِي) .
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": ذَكَرَ الْقَاضِي الْمَوْهُوبُ لَهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ وَإِرْسَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ أَوْ إرْسَالُ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ أَمْرُ التَّبَرُّعَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ رَدِّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا شَاءَ.
(وَلَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عِتْقًا) لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ (أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عَفْوًا عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (مُحَابَاةً فِي نَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ وَالْمُحَابَاةُ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْآخَرَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِبَعْضِ مَا يُقَابِلُ الْعِوَضَ؛ كَأَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ؛ فَهِيَ كَوَصِيَّةٍ فِي الْجَمِيعِ (لَا) إنْ كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْمَرِيضِ (كِتَابَةً) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّتُهُ بِهَا) - أَيْ: كِتَابَتِهِ (بِمُحَابَاةٍ) فَالْمُحَابَاةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَفِي " التَّنْقِيحِ "" وَالْمُنْتَهَى ". لَكِنَّ كَلَامَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَيْرِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْته لَك فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ مِنْ تَبِعَهُ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. انْتَهَى.
(وَمَعَ إطْلَاقٍ) أَيْ: إذْ