الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ (وَاضْرِبْهُ) ؛ أَيْ: الْمُجْتَمِعَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثٌ (فِي ثَلَاثَةٍ) الَّتِي هِيَ الْمَخْرَجُ (يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) سَهْمًا (لَهُ) ؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ) وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَالُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَنْصِبَاءٍ وَوَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ هِيَ نَصِيبٌ إلَّا رُبُعَ الْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبٍ، فَيَبْقَى رُبُعُ نَصِيبٍ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَرُبُعٌ، فَأَلْقِ مِنْ وَاحِدٍ رُبُعَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، يَبْقَى رُبُعٌ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، زِدْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةً وَرُبُعًا، وَهُوَ الْمَالُ، فَابْسُطْ الْكُلَّ أَرْبَاعًا لِيَزُولَ الْكَسْرُ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ، وَفِي أَكْثَرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصُّوَرِ طُرُقٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَقَدْ أَطَالَ الْأَصْحَابُ وَالْفَرْضِيُّونَ وَالْحُسَّابُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَظَائِرِهَا، وَوَضَعُوا لَهَا كُتُبًا أَفْرَدُوهَا فِي هَذَا الْفَنِّ قَصْدًا لِلتَّمْرِينِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ]
(بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ)(الْمُوصَى إلَيْهِ) : وَهُوَ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ. (الدُّخُولُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَوِيِّ عَلَيْهَا قُرْبَةٌ) مَنْدُوبَةٌ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إلَى عُمَرَ.
وَأَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ، عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لِلْمُسْلِمِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ
(وَتَرْكُهُ) ؛ أَيْ: الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ (أَوْلَى) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا (فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) إذْ الْغَالِبُ فِيهَا الْعَطَبُ وَقِلَّةُ السَّلَامَةِ، لَكِنْ رَدَّ الْحَارِثِيُّ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْوَصِيَّةُ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَوْلَوِيَّةُ تَرْكِ الدُّخُولِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِهَا.
قَالَ: فَالدُّخُولُ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِيمَا هُوَ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ، إمَّا لِعَدَمِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ.
(وَتَصِحُّ) وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ (إلَى) كُلِّ (مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمًا (مُكَلَّفٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا أَبْلَهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَأَهَّلُونَ إلَى تَصَرُّفٍ أَوْ وِلَايَةٍ (رَشِيدٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (عَدْلٍ) إجْمَاعًا (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (مَسْتُورًا) ؛ أَيْ: ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، (أَوْ) كَانَ (عَاجِزًا وَيُضَمُّ) إلَيْهِ (قَوِيٌّ أَمِينٌ أَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (أُمَّ وَلَدٍ أَوْ قِنًّا وَلَوْ) كَانَا (لِمُوصٍ) لِصِحَّةِ اسْتِنَابَتِهِمَا فِي الْحَيَاةِ، أَشْبَهَا الْحُرَّ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ» .
وَالرِّعَايَةُ وِلَايَةٌ فَوَجَبَ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعَدَالَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَيَاةِ فَتَأَهَّلَ لِلْإِسْنَادِ إلَيْهِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى ابْنِهِ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِدَلِيلِ الْمَرْأَةِ، وَكَوْنُ عَبْدِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِ، لَا أَثَرَ لَهُ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَوَقُّفِ التَّنْفِيذِ لِلْقَدْرِ [الْمُجَاوِزِ] لِلثُّلُثِ عَلَى إذْنِ الْوَارِثِ (وَيَقْبَلُ) الْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُوصٍ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَفِعْلُ مَا وُصِّيَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ.
وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى مَنْ ذُكِرَ تَصِحُّ (مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ نَحْوَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) وَنَحْوَهُمَا كَسِرْجِينٍ نَجِسٍ، (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ كَافِرٍ إلَى) كَافِرٍ (عَدْلٍ فِي دِينِهِ) لِأَنَّهُ يَلِي عَلَى غَيْرِهِ بِالنَّسَبِ، فَيَلِي بِالْوَصِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ (وَتُعْتَبَرُ) هَذِهِ (الصِّفَاتُ) الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ وَالْعَدَالَةِ (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُوصَى إلَيْهِ التَّصَرُّفَ بِالْإِيصَاءِ (وَ) يُعْتَبَرُ
وُجُودُهَا حِينَ (وَصِيَّةِ) مُوصٍ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّتِهَا، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا حَالَهَا (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ) هَذِهِ الصِّفَاتُ (بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ عَادَتْ قَبْلَ مَوْتِ) مُوصٍ (عَادَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (لِعَمَلِهِ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَ (لَا) يَعُودُ مُوصًى إلَيْهِ إلَى الْوَصِيَّةِ (إنْ) زَالَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، أَوْ زَالَتْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَ (لَمْ تَعُدْ قَبْلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْتِ؛ لِانْعِزَالِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِزَوَالِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِحَّتِهَا (وَيَصِحُّ قَبُولُ وَصِيَّةٍ فِي حَيَاةِ مُوصٍ) لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ، (وَ) يَصِحُّ الْقَبُولُ أَيْضًا (بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهُ إذَنْ كَوَصِيَّةِ الْمَالِ (فَمَتَى قَبِلَ) مُوصًى إلَيْهِ (صَارَ وَصِيًّا) قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقُومُ فِعْلُ التَّصَرُّفِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ
(وَتَنْعَقِدُ) الْوَصِيَّةُ إلَى شَخْصٍ (بِ) قَوْلِ مُوصٍ: (فَوَّضْت) إلَيْك كَذَا (أَوْ وَصَّيْت إلَيْك بِكَذَا) أَوْ وَصَّيْت إلَى زَيْدٍ بِكَذَا (أَوْ أَنْتَ) وَصِيِّي، أَوْ زَيْدٌ وَصِيِّي فِي كَذَا (أَوْ جَعَلْتُك) أَوْ جَعَلْت زَيْدًا (وَصِيِّي) عَلَى كَذَا.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (إلَى فَاسِقٍ أَوْ) إلَى (صَبِيٍّ وَلَوْ مُرَاهِقًا أَوْ) إلَى (سَفِيهٍ أَوْ) إلَى (مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالْأَمَانَةِ (أَوْ إلَى كَافِرٍ مِنْ مُسْلِمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كُفُؤٍ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْطَعُ نَظَرَ الْحَاكِمِ، لَكِنْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ.
(وَمَنْ نَصَبَ وَصِيًّا، وَنَصَبَ عَلَيْهِ نَاظِرًا؛ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ لِرَأْيِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ) الْوَصِيُّ (إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ) فَإِنْ خَالَفَ؛ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ (وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ) لِمُوصًى إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ (لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ) كَعَمًى (أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَشُقُّ مَعَهُ الْعَمَلُ (وَجَبَ ضَمُّ أَمِينٍ) إلَيْهِ
لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِ الْمُوصَى إلَيْهِ فِيهِ، وَإِلَّا تَعَطَّلَ الْحَالُ، وَحَيْثُ ضُمَّ الْأَمِينُ إلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا (وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ فَقَطْ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ، وَلَمْ يَنْعَزِلْ إجْمَاعًا.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِمُنْتَظِرِ) أَهْلِيَّتِهِ (كَ) أَنْ يُوصِيَ إلَى صَغِيرٍ بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا (إذَا بَلَغَ، أَوْ) وَصَّى إلَى غَائِبٍ لِيَكُونَ وَصِيًّا إذَا (حَضَرَ) مِنْ غَيْبَتِهِ، (أَوْ) وَصَّى إلَى سَفِيهٍ إذَا (رَشِدَ أَوْ) إلَى فَاسِقٍ إذَا (تَابَ مِنْ فِسْقِهِ، أَوْ) إلَى مَرِيضٍ إذَا (صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ إذَا صَالَحَ أُمَّهُ) عَمَّا تَدَّعِيهِ، أَوْ إلَى كَافِرٍ إذَا أَسْلَمَ، (أَوْ) يُوصِيَ إلَى شَخْصٍ، وَيَقُولَ:(إنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَزَيْدٌ وَصِيٌّ) بِذَلِكَ (أَوْ) يَقُولَ: (زَيْدٌ وَصِيٌّ سَنَةً ثُمَّ عَمْرو) وَصِيٌّ بَعْدَهَا، فَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك، فَإِذَا بَلَغَ ابْنِي فَهُوَ وَصِيِّي؛ صَحَّ ذَلِكَ، فَإِذَا بَلَغَ ابْنُهُ صَارَ وَصِيَّهُ، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك، فَإِذَا تَابَ ابْنِي مِنْ فِسْقِهِ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ، أَوْ صَالَحَ أُمَّهُ عَنْ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ، أَوْ رَشِدَ، فَهُوَ وَصِيِّي؛ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ وَصِيًّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ:«أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» .
وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ (وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ: (الْخَلِيفَةُ بَعْدِي فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَ) الْخَلِيفَةُ بَعْدِي (فُلَانٌ؛ صَحَّ) عَلَى مَا قَالَ (وَكَذَا فِي ثَالِثٍ وَرَابِعٍ) قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَ (لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِلثَّانِي إنْ قَالَ) الْإِمَامُ:(فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي، فَإِنْ وَلِيَ ثُمَّ مَاتَ، فَفُلَانٌ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا وَلِيَ صَارَ الِاخْتِيَارُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ، فَالْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جَعَلَ الْعَهْدَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَتَغَيُّرُ صِفَاتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ فِيهَا إمَامَةٌ (وَإِنْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أَوْ) إمَارَةً أَوْ وِلَايَةَ (وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا) ؛ أَيْ: تَعَطُّلِهَا (أَوْ غَيْرَهُ) كَمَوْتِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (فَلَمْ يُوجَدْ) الشَّرْطُ (حَتَّى أَقَامَ وَلِيُّ أَمْرٍ) غَيْرَهُ مَقَامَهُ (صَارَ الِاخْتِيَارُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَوَّلِ بَطَلَ بِمَوْتِهِ؛ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقًا
أَوْ طَلَاقًا بِشَرْطٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ؛ فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ
(وَمَنْ وَصَّى زَيْدًا) عَلَى أَوْلَادِهِ وَنَحْوَهُ (ثُمَّ) وَصَّى (عَمْرًا؛ اشْتَرَكَا) كَمَا لَوْ وَكَّلَهُمَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَاسْتَوَيَا فِيهَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يَخْرُجَ زَيْدًا) فَتَبْطُلَ وَصِيَّتُهُ لِلرُّجُوعِ عَنْهَا (وَلَا يَنْفَرِدُ بِتَصَرُّفٍ وَحِفْظٍ غَيْرُ وَصِيٍّ مُفْرَدٍ) عَنْ غَيْرِهِ، كَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِتَصَرُّفِهِمَا، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْمُوصِي التَّصَرُّفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ جَعَلَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَهُ الِانْفِرَادُ حِينَئِذٍ؛ لِرِضَى الْمُوصِي بِذَلِكَ، أَوْ يَجْعَلَ التَّصَرُّفَ لِأَحَدِهِمَا وَالْيَدَ لِلْآخَرِ؛ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ مُنْفَرِدًا، عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ، وَإِذَا أَرَادَ التَّصَرُّفَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاجْتِمَاعِهِمَا أَنْ يَتَلَفَّظَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ مَعًا (بَلْ) مَعْنَاهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ (يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِمَا) وَاجْتِهَادِهِمَا، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ وَحْدَهُ أَوْ يُبَاشِرَهُ الْغَيْرُ بِإِذْنِهِمَا (وَلَوْ لَمْ يُوَكِّلْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُبَاشِرْ مَعَهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَّفِقَا (وَإِنْ جَعَلَ) الْمُوصِي (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَصَرُّفٍ) أَوْ جَعَلَ التَّصَرُّفَ لِأَحَدِهِمَا (كَفَى وَاحِدٌ) مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا (وَلَا يُوصِي وَصِيٌّ) لِأَنَّهُ قَصَّرَ تَوْلِيَتَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ كَالْوَكِيلِ، وَسَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ [لَهُ] أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَا يُبَاشِرُهُ مِثْلُهُ أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ فَقَطْ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَمْرَاضُ الْمُعْتَادَةُ كَالرَّمَدِ وَالْحُمَّى تَلْتَحِقُ بِنَوْعِ مَا لَا يُبَاشِرُهُ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، كَالْفَالِجِ وَغَيْرِهِ يَلْتَحِقُ بِنَوْعِ مَا يُبَاشِرُهُ، (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ) الْمُوصَى (إلَيْهِ) ذَلِكَ، فَيَمْلِكُهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِوَصِيِّهِ: أَذِنْت لَك أَنْ تُوصِيَ لِمَنْ شِئْت، أَوْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ أَنْتَ فَقَدْ أَوْصَيْت أَنَا إلَيْهِ، أَوْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ أَنْتَ فَهُوَ وَصِيِّي؛ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ رَضِيَ رَأْيَهُ وَرَأْيَ مَنْ يَرَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ اثْنَيْنِ) وَصِيَّيْنِ (لَا يَنْفَرِدَانِ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِي جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ (بِالتَّصَرُّفِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا بِأَنْ جُنَّ أَوْ غَابَ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلُهُ، كَسَفَهٍ وَعَزْلِهِ نَفْسَهُ (أَوْ مَاتَا هُمَا) ؛
أَيْ: الْوَصِيَّانِ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا (أُقِيمَ) ؛ أَيْ: أَقَامَ الْحَاكِمُ (مَقَامَهُ) فِي الْأُولَى أَمِينًا لِيَتَصَرَّفَ مَعَ الْآخَرِ (أَوْ) أَقَامَ (مَقَامَهُمَا) فِي الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْحَالُ (وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ اكْتِفَاءٌ بِبَاقٍ) مِنْ الْوَصِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ؛ إذْ الْوَصِيَّةُ تَقْطَعُ نَظَرَ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادَهُ (وَمَنْ عَادَ إلَى حَالِهِ مِنْ عَدَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) بَعْدَ تَغَيُّرِهِ (عَادَ إلَى عَمَلِهِ) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ (بَعْدَ عَزْلِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (بِلَا عَقْدٍ جَدِيدٍ، خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ زَالَتْ؛ أَيْ: الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ تَعُدْ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ انْعَزَلَ، وَلَمْ تَعُدْ وَصِيَّتُهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ (هَذَا) ؛ أَيْ: الْمُتَغَيِّرُ حَالُهُ أَنَّهُ [إذَا] عَادَ يَعُودُ إلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ (فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ) الَّذِي رَضِيَ بِهِ وَصِيًّا، وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَلَا يَفْتَقِرُ عَوْدُهُ لِتَجْدِيدِ عَقْدٍ، كَالْأَبِ إذَا فَسَقَ تَعُودُ وِلَايَتُهُ بِعَوْدِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَنْ سَبَبِ الْأُبُوَّةِ وَهُوَ ثَابِتٌ (لَا مَنْ أَقَامَهُ حَاكِمٌ) فَتَغَيَّرَ حَالُهُ، ثُمَّ عَادَ؛ فَلَا يَعُودُ إلَى عَمَلِهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ سَبَبُهَا تَوْلِيَةُ الْحَاكِمِ، وَقَدْ بَطَلَ السَّبَبُ، فَلَا بُدَّ فِي الْعَوْدِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ، ثُمَّ مَا تَصَرَّفَ بَعْدَ الْبُطْلَانِ مَرْدُودٌ لِصُدُورِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لَكِنَّ رَدَّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي جِنْسُهَا فِي التَّرِكَةِ، تَقَعُ مَوْقِعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وُصُولُهَا إلَى أَهْلِهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، وَإِذَا أُعِيدَ وَكَانَ أَتْلَفَ مَالًا؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ بَرَاءَتُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لِلْأَبِ، وَقَدْ نَصَّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّكَاحِ.
وَقَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَصَحَّ قَبُولُ وَصِيٍّ) الْإِيصَاءَ إلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ، وَيَصِحُّ الْقَبُولُ أَيْضًا بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا إذَنْ كَوَصِيَّةِ الْمَالِ.
(وَ) لِلْوَصِيِّ (عَزْلُ نَفْسِهِ) مَتَى شَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ (فِي حَيَاةِ مُوصٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ) وَفِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ.
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ: أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَعُودُ) مَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ (وَصِيًّا بِلَا عَقْدٍ) جَدِيدٍ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْوِصَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ، كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ هُنَا تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَافْتَقَرَ عَوْدُهُ إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُوصِي إنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوصِي، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنْ تَعَاطِي الْوِصَايَةِ لِطُرُوِّ تَغَيُّرِ حَالِهِ؛ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ إلَى إيصَائِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِمُوصٍ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) كَالْمُوَكَّلِ.
تَتِمَّةٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُوصِي أَوْ الْحَاكِمُ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا مَعْلُومًا كَالْوَكَالَةِ، وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ، بِخِلَافِ مُقَاسَمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ.