الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ عَلَيَّ الْمَسَاكِين]
(فَرْعٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ) ؛ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبَهُ لِمَنْ بَقِيَ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَعَوْدُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِمْ؛ إذْ اسْتِحْقَاقُهُمْ مُرَتَّبٌ بِثُمَّ.
(فَإِنْ مَاتُوا) - أَيْ: الثَّلَاثَةُ - (فَلِلْمَسَاكِينِ) عَمَلًا بِشَرْطِهِ. (وَإِنْ) وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَ (لَمْ يَذْكُرْ لَهُ) أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ (مَآلًا) بَلْ سَكَتَ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ (رَجَعَ نَصِيبُ مَيِّتٍ مِنْهُمْ لِبَاقٍ) ؛ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، (لَا كَمُنْقَطِعٍ) ؛ إذْ احْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَقَوَّاهُ الْحَارِثِيُّ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ: " وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ " وَهُوَ قَوِيٌّ.
وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ.
(فَإِذَا مَاتُوا) - أَيْ: الثَّلَاثَةُ - (جَمِيعًا صُرِفَ كَمُنْقَطِعٍ) لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا، عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقَفَا. فَإِنْ عَدِمُوا فَلِلْمَسَاكِينِ.
(وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى الْمَسَاكِينِ؛ فَهُوَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ نِصْفَيْنِ) ، يُصْرَفُ لِأَوْلَادِهِ النِّصْفُ، وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ؛ لِاقْتِضَاءِ الْإِضَافَةِ التَّسْوِيَةَ.
(وَكَذَا) لَوْ وَقَفَ (عَلَى مَسْجِدٍ) مُعَيَّنٍ، أَوْ وَقَفَ عَلَى (مَسَاجِدَ) مَعْلُومَاتٍ، (وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - أَوْ يُصَلِّي (فِي أَحَدِهَا) - أَيْ: الْمَسَاجِدِ فَيَكُونُ مَا وَقَفَهُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِانْتِفَاءِ مُقْتَضَى التَّفَاوُتِ.
[فَصْلٌ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ فِيمَا وَقَفَ]
(فَصْلٌ) : (وَ) يَزُولُ (الْمِلْكُ) - أَيْ: مِلْكُ الْوَاقِفِ - (فِيمَا وَقَفَ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ) ؛ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ، (وَفُقَرَاءَ) وَغُزَاةٍ، وَكَذَا بِقَاعِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ.
وَيَنْتَقِلُ بِمُجَرِّدِ وَقْفٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِلَا خِلَافٍ (وَ) يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ (فِيمَا وُقِفَ عَلَى آدَمِيٍّ) مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو لَهُ.
وَعَلَى جَمْعٍ
(مَحْصُورٍ) كَأَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ (لَهُ) - أَيْ: الْمَحْصُورِ - لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، فَمَلَكَهُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ؛ كَالْهِبَةِ.
وَفَارِقِ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إخْرَاجٌ عَنْ حُكْمِ الْمَالِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمْ يَلْزَمْ كَالْعَارِيَّةِ وَالسُّكْنَى.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ: مَنْ وَقَفَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ؛ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهِ.
لَا يُقَالُ: عَدَمُ مِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بِدَلِيلِ أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا (فَيَنْظُرُ فِيهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (هُوَ) - أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ - إنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ.
أَوْ يَنْظُرُ فِيهِ (وَلِيُّهُ) ، إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا (حَيْثُ لَا نَاظِرَ بِشَرْطٍ) ، يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّاظِرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ، فَغَصَبَهَا إنْسَانٌ وَزَرَعَهَا، وَأَدْرَكَهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ؛ فَإِنَّهُ (يَتَمَلَّكُ زَرْعَ غَاصِبٍ) بِنَفَقَتِهِ، وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعُوِّضَ لَوَاحِقَهُ؛ كَمَالِكَ الْأَرْضِ الطَّلْقِ.
(وَيَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ، (أَرْشُ جِنَايَةِ خَطَئِهِ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - إنْ كَانَ قِنًّا، كَمَا يَلْزَمُ سَيِّدَ أُمِّ الْوَلَدِ فِدَاؤُهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، بَلْ يَفْدِيهِ (بِالْأَقَلِّ) مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ (عَمْدُهُ) ؛ أَيْ: مَا جَنَاهُ الْقِنُّ الْمَوْقُوفُ عَمْدًا.
وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ - (لَهُ تَسْلِيمُهُ) - أَيْ: الْقِنُّ الْجَانِي عَمْدًا، (لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ) الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:
{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةُ (لِقَتْلٍ) إنْ اخْتَارَهُ الْوَلِيُّ؛ لِوُجُوبِهِ بِالْجِنَايَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْجَانِي؛ (لِتَمْلِيكٍ) ؛ أَيْ: لِيَتَمَلَّكهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَدَلَ مِلْكِهِ الَّذِي فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ، لَكِنَّ التَّسْلِيمَ لِلتَّمْلِيكِ تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّأْبِيدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ
وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ؛ فَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا سَبَقَ.
(وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (فِطْرَتُهُ) - أَيْ: الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ - وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ؛ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (زَكَاتُهُ) ، لَوْ كَانَ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارِ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ "، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قَالَ النَّاظِمُ: لَكِنْ يُخْرَجُ مِنْ غَيْرِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّةِ شَجَرٍ، وَأَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، بِشَرْطِهِ؛ وَيُخْرَجُ مِنْ عَيْنِ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
(وَيُقْطَعُ سَارِقُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (وَسَارِقُ نَمَائِهِ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ) ؛ وَلَا شُبْهَةَ لِلسَّارِقِ؛ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَيَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ وَبِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا إنْ عَيَّنَ فِي الْوَقْفِ غَيْرَ ذَلِكَ.
(وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، (نَفْعُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - بِاسْتِعْمَالِهِ، (وَ) لَهُ (نَمَاؤُهُ وَغَلَّتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَجِنَايَةُ مَا) - أَيْ: مَوْقُوفٍ - (عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ) ؛ كَعَبْدٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ إذَا جَنَى فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ (فِي كَسْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا فِي رَقَبَتِهِ؛ فَتَعَيَّنَ فِي كَسْبِهِ.
(وَلَا يَتَزَوَّجُ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَمَةً (مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُجَامِعُ النِّكَاحَ. (وَيَنْفَسِخُ بِهِ) - أَيْ: وَقْفِهَا عَلَيْهِ (نِكَاحُهَا) ؛ لِلْمِلْكِ، (وَلَا يَطَؤُهَا) - أَيْ: الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ - (وَلَوْ أَذِنَ) فِي وَطِئَهَا (وَاقِفٌ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُ حَبَلِهَا، فَتَنْقُصُ أَوْ تَتْلَفُ، أَوْ تَخْرُجُ مِنْ الْوَقْفِ بِأَنْ تَبْقَى أُمَّ وَلَدٍ.
(وَلَهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ - (وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا) ؛ لِمِلْكِهِ لَهَا، (وَيَلْزَمُ) الْوَلِيَّ تَزْوِيجُهَا (إنْ طَلَبَتْ) ؛ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، (إنْ لَمْ يَشْرِطْ) وَاقِفٌ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ (لِغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ -.
(وَ) لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ الْأَمَةُ (أَخْذُ مَهْرِهَا) ، إنْ زَوَّجَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَهْرُ (لِوَطْءِ شُبْهَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا؛ كَالْأُجْرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرَهُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا فَوَائِدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ.
(وَوَلَدُهَا) - أَيْ: الْمَوْقُوفَةِ - مِنْ وَطْءٍ (مَعَ شُبْهَةٍ) ؛ بِنَحْوِ زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ) ؛ كَبِأَمَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (مِنْ قِنٍّ) اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدُهُ مِنْهَا (حُرٌّ) ؛ لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ.
(وَعَلَى وَاطِئٍ قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - لِتَفْوِيتِهِ عَلَيْهِ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتِهِ يَوْمَ وَضَعَهُ حَيًّا، (تُصْرَفُ) قِيمَتُهُ فِي شِرَاءِ مِثْلِهِ، يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَقْفِ؛ فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ فِي مِثْلِهِ، وَتَصِيرُ الْمَوْقُوفَةُ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ.
(وَ) وَلَدُهَا (مِنْ زَوْجٍ وَلَا شُرِطَ حُرِّيَّتُهُ، أَوْ مِنْ زِنًا وَقْفٌ) مَعَهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ حُكْمُهُ حُكْمُهَا؛ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ، مَا لَمْ يَعْرِضْ لِذَلِكَ مَا يَمْنَعُهُ كَالشُّبْهَةِ؛ وَاشْتِرَاطِ زَوْجِ الْأَمَةِ عَلَى سَيِّدِهَا عِنْدَ تَزْوِيجِهَا حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا وَنَحْوِهِمَا، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَنَظَرَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ بِالتَّصْرِيحِ؛ فَلَا يَمْلِكُ شَرْطَهُ. انْتَهَى.
مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ شَارِحِ الْمُنْتَهَى " لَا تُؤَدِّي مَا فُهِمَ مِنْهَا، إذْ مَا ذَكَرُوهُ بَيَانٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِيضَاحٌ لِأَصْلِ الْقَاعِدَةِ، مِنْ أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ حُكْمُهُ حُكْمُهَا، فَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، الشُّبْهَةُ، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِي الشُّبْهَةِ مِنْ كَوْنِهَا اشْتَبَهَتْ بِمَنْ وَلَدُهَا مِنْهُ حُرٌّ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ رَقِيقًا، فَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ.
(وَ) حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَةَ،
فَوَطِئَهَا، فَإِنَّهُ (لَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ (وَلَا مَهْرَ) عَلَيْهِ (بِوَطْئِهِ) إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَوَلَدُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ، (حُرٌّ) ؛ لِلشُّبْهَةِ.
(وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَاطِئِ - (قِيمَتُهُ) - أَيْ: الْوَلَدِ - يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا، (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى مَنْ يَئُولَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَقْفِ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ فِي مِثْلِهِ.
(وَتَعْتِقُ) الْمُسْتَوْلَدَةُ مِمَّنْ هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ (بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِوِلَادَتِهَا مِنْهُ، وَهُوَ مَالِكُهَا.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ وَاطِئَ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ؛ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِاسْتِيلَادِهِ إيَّاهَا مَا دَامَ حَيًّا، (مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِهَا) عَلَيْهِ، وَكَوْنِهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِنَقْصِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا ابْتِدَاءً فَمُنِعَ مِنْهُ دَوَامًا، وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الِاتِّجَاهَ عَلَى قَوْلِهِ: وَتَعْتِقُ؛ لَكَانَ أَوْضَحَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ) كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ، (يَشْتَرِي بِهَا) - أَيْ: قِيمَتِهَا - مِثْلَهَا، (وَ) يَشْتَرِي (بِقِيمَةٍ وَجَبَتْ بِتَلَفِهَا أَوْ تَلِفِ بَعْضِهَا مِثْلَهَا) .
يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا؛ لِيَنْجَبِرَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَا فَاتَهُمْ، (أَوْ) يَشْتَرِي بِذَلِكَ (شِقْصًا) مِنْ أَمَةٍ، إنْ تَعَذَّرَ شِرَاءُ أَمَةٍ كَامِلَةٍ، (يَصِيرُ) مَا يُشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أَوْ بَعْضِهَا (وَقْفًا) بِمُجَرَّدِ (الشِّرَاءِ) ؛ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ.
(وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ) رَقِيقٍ (مَوْقُوفٍ بِحَالٍ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَئُولَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَفِي الْقَوْلِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ إبْطَالٌ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ مَوْقُوفٍ، فَأَعْتَقَهُ مَالِكُهُ صَحَّ فِيهِ، وَلَمْ يَسِرِ إلَى الْبَعْضِ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَأَنْ لَا يَعْتِقَ بِالسِّرَايَةِ أَوْلَى (غَيْرَ) قِنٍّ (مُكَاتَبٍ وَقْفٍ) ؛ أَيْ: وَقَفَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ، (وَأَدَّى) مَا عَلَيْهِ مِنْ
مَالِ الْكِتَابَةِ.
(كَذَا قِيلَ) ، إشَارَةٌ لِلتَّبَرِّي، كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله لَهُ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ فِي " الْكَافِي "، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا، وَالْوَقْفُ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. انْتَهَى.
لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَإِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ؛ عَتَقَ، وَبَطَلَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا تَبْطُلُ بِوَقْفِهِ؛ كَبَيْعِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ كَمَا يَعْتِقُ الْقِنُّ الْمُكَاتَبُ بِمُجَرَّدِ أَدَائِهِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ لِمِلْكِهِ نَفْسَهُ بِالْأَدَاءِ؛ كَذَلِكَ يَكُونُ (عِتْقُ مُحَرَّمٍ وُقِفَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - أَيْ: وَقَفَهُ شَخْصٌ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُعَيَّنِ؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ وَقْفِهِ (عَلَيْهِ) ؛ لِمِلْكِهِ بِذَلِكَ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ، وَالشَّرِيفَانِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.
وَلَا يُعْتَقُ (مَا) - أَيْ: قِنٌّ - وَقَفَهُ شَخْصٌ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) ، وَفِيهِمْ مَحْرَمٌ لَهُ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْوَاقِفُ - (فَقِيرٌ) مِنْ جُمْلَتِهِمْ؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيمَا وُقِفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَالْمَسَاجِدِ وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، بِمُجَرَّدِ وَقْفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يُصَادِفْ مَالِكًا مُحَرَّمًا مُخْتَصًّا يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ قَطَعَ) عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ (مَوْقُوفٍ) ؛ كَيَدِهِ وَنَحْوِهَا، عَمْدًا؛ (فَلَهُ) - أَيْ: الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ - (الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ أَحَدٌ.
(وَإِنْ عَفَا) الرَّقِيقُ الْمَوْقُوفُ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْقَطْعُ أَوْ الْجُرْحُ لَا يُوجِبُ قَوَدًا؛ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، أَوْ كَوْنِهِ خَطَأً أَوْ جَائِفَةً وَنَحْوَهُ؛ (فَأَرْشُهُ) يُصْرَفُ (فِي مِثْلِهِ) - أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا؛ اُشْتُرِيَ بِهِ شِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ فِي مِثْلِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْبَدَلِ الْمُشْتَرَى بِمَعْنَى وُجُوبِ الذَّكَرِ فِي الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، وَالْكَبِيرِ فِي الْكَبِيرِ، وَسَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ الْأَعْيَانُ بِتَفَاوُتِهَا، لَا سِيَّمَا الصِّنَاعَةَ الْمَقْصُودَةَ فِي الْوَقْفِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاعْتِبَارِ أَنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ مَا فَاتَ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ قَتَلَ) رَقِيقٌ مَوْقُوفٌ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ (عَمْدًا) مَحْضًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ؛ (فَالْوَاجِبُ) بِذَلِكَ (قِيمَتُهُ) دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ؛ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ.
(وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ) الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (عَنْهَا) - أَيْ: قِيمَةِ الْمَقْتُولِ - وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي بِهِ تَعَلُّقًا لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ هَذَا مِنْهُ فَيَعْفُو عَنْهُ.
(وَإِنْ قُتِلَ) الْمَوْقُوفُ (قَوَدًا) ؛ بِأَنْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا، فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قِصَاصًا (بَطَلَ الْوَقْفُ) ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.
وَ (لَا) يَبْطُلُ الْوَقْفُ (إنْ قَطَعَ) عُضْوًا مِنْهُ قِصَاصًا؛ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِآكِلَةٍ، (وَيَتَلَقَّاهُ) ؛ أَيْ: يَتَلَقَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ، (كُلُّ بَطْنٍ) مِنْهُمْ (عَنْ وَاقِفِهِ) ، لَا مِنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ
فِي " الْفُصُولِ " وَالْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ مِنْ حِينِهِ، فَمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ نَسْلِهِ، إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ طَبَقَةٍ مَشْرُوطٍ بِانْقِرَاضِ مَنْ فَوْقَهَا.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ رَتَّبَ فَقَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَوَلَدِي مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا، الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، أَوْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الْبَطْنُ الثَّانِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي؛ فَكُلُّ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَيَكُونُ عَلَى مَا شَرَطَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ كُلُّهُ، وَلَوْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ، فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ.
وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ مَا تَعَاقَبُوا وَتَنَاسَلُوا، عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ جَارِيًا عَلَى وَلَدِهِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ.
وَلَوْ جَعَلْنَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ، ثُمَّ دَفَعْنَا إلَيْهِ سَهْمَ أَبِيهِ، صَارَ لَهُ سَهْمَانِ وَلِغَيْرِهِ سَهْمٌ، وَهَذَا يُنَافِي التَّسْوِيَةَ.
وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَفْضِيلِ وَلَدِ الِابْنِ عَلَى الِابْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ إرَادَةِ الْوَاقِفِ خِلَافُ هَذَا، فَإِذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ إلَى وَلَدِهِ سَهْمُهُ، سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ.
(فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ) ، حَالَ اسْتِحْقَاقِهِمْ، (مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) لَهُمْ بِالْوَقْفِ، (لِثُبُوتِ وَقْفِهِ؛ فَلِمَنْ بَعْدَهُ) مِنْ الْبُطُونِ، وَلَوْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْوَقْفِ، (الْحَلِفُ) مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَقْفِ لِثُبُوتِهِ (لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ) .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْحَلِفِ، بَلْ بَعْدَ انْقِرَاضٍ مَنْ قَبْلَهُمْ، فَفَائِدَةُ ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِ مَنْ بِيَدِهِ الْوَقْفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ؛