الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تَزَوَّجَ) هَذَا (أُخْتَ ابْنِهِ) لِأَبِيهِ (نَسَبًا) ؛ أَيْ: فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[تَنْبِيهٌ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ بِنْتٌ وَلِلَّقِيطِ أُمٌّ]
تَنْبِيهٌ قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: إذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ بِنْتٌ، وَلِلَّقِيطِ أُمٌّ؛ جَازَ لِوَاحِدٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ وَأُمِّ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَال: شَخْصٌ تَزَوَّجَ بِأُمِّ شَخْصٍ وَأُخْتَيْهِ مَعًا، وَأُقِرُّ النِّكَاحُ مَعَ إسْلَامِ الْجَمِيعِ.
وَفِي ذَلِكَ قُلْتُ مُلْغِزًا:
يَا فَقِيهًا حَوَى الْفَضَائِلَ طُرًّا
…
وَتَسَامَى عَلَى الْأَنَامِ بِعِلْمِهِ
أَفْتِنَا فِي شَخْصٍ تَزَوَّجَ أُخْ
…
تَيْنِ لِشَخْصٍ مَعَ الْبِنَاءِ بِأُمِّهِ
وَأَجَازُوا عُقُودَهُ دُونَ رَيْبٍ
…
أَوْ مَلَامٍ فِي الشَّرْعِ أَرْشِدْ لِفَهْمِهِ.
(وَإِنْ وَصَّى) أَيْ: الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ؛ قَبِلَا لَهُ الْوَصِيَّةَ (أَوْ وَهَبَ لَهُ؛ قَبِلَا) لَهُ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَبٍ وَاحِدٍ.
وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُوَضِّحُ: وَهُمَا وَلِيَّانِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ خَلَّفَ) الْمُلْحَقُ بِاثْنَيْنِ (أَحَدَهُمَا فَلَهُ) - أَيْ: الْمُخَلَّفِ مِنْهُمَا - (إرْثُ أَبٍ كَامِلٌ، وَنَسَبُهُ) مَعَ ذَلِكَ (ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ) ، لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَةُ وَحْدَهَا تَأْخُذُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَاتُ.
(وَلِأُمِّ أَبَوَيْهِ) ، إذَا مَاتَ وَخَلَّفَهُمَا (مَعَ أُمِّ أُمِّهِ) وَعَاصِبٍ، (نِصْفُ سُدُسٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّةِ الْأَبِ (وَلَهَا) ؛ أَيْ: لِأُمِّ أُمِّهِ (نِصْفُهُ) - أَيْ: السُّدُسِ - كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَبٍ وَاحِدٍ.
(وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ اثْنَيْنِ؛ فَيَلْحَقُ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا جَازَ
أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُخَلِّفَ مِنْ أَكْثَرَ.
وَلَوْ تَوَقَّفَتْ الْقَافَةُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ مَنْ ادَّعَاهُ، أَوْ نَفَتْهُ عَنْ الْآخَرِ؛ لَمْ يَلْحَقْ بِاَلَّذِي تَوَقَّفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُ.
وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا؛ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، فَيَكُونُ ابْنُهُمَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا، كَالِانْفِرَادِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ: هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي، وَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ، وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا فَهُوَ ابْنُهُ، وَتُرَجَّحُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا أَبُوهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أُمُّهُ.
(وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ) ، وَقَدْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ، ضَاعَ نَسَبُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ (وَلَوْ بَعِيدَةً) ؛ ذَهَبُوا إلَيْهَا.
(أَوْ نَفَتْهُ) الْقَافَةُ عَمَّنْ ادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَوْهُ، (أَوْ أَشْكَلَ) أَمْرُهُ عَلَى الْقَافَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ ضَاعَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِأَحَدِهِمْ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ.
(أَوْ اخْتَلَفَ) فِيهِ (قَائِفَانِ) ، فَأَلْحَقَهُ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ، (أَوْ) اخْتَلَفَ قَائِفَانِ (اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ) مِنْ الْقَافَةِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ: هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ ابْنُ عُمَرَ؛ (ضَاعَ نَسَبُهُ) ؛ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِ مَنْ يَدَّعِيهِ، أَشْبَهَ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْغَيْرُ، فَلَا يَحْصُلُ الثِّقَةُ بِذِكْرِهَا.
(وَيُؤْخَذُ) بِقَوْلِ قَائِفِينَ (اثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا) قَائِفٌ (ثَالِثٌ) ؛ لِكَمَالِ النِّصَابِ إنْ اُعْتُبِرَ التَّعَدُّدُ، وَإِلَّا فَتَعَارُضُ الْقَائِفَيْنِ يَقْتَضِي تَسَاقُطَهُمَا، وَالثَّالِثُ خَلَا عَنْ مُعَارِضٍ فَيُعْمَلُ بِهِ، (كَبَيْطَارَيْنِ) خَالَفَهُمَا بَيْطَارٌ فِي عَيْبٍ، (وَكَطَبِيبَيْنِ) خَالَفَهُمَا طَبِيبٌ (فِي عَيْبٍ) قَالَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ ".
وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ، بِأَنْ قَوَّمَاهُ بِعَشْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَ الْحُكْمِ.
(وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ) النَّسَبَ (مَنْ أَلْحَقَتْهُ قَافَةٌ بِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ (وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِ) الْقَافَةِ بِهِ (فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ دَعْوَاهُ؛ (أُلْحِقَ بِالْآخَرِ) ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، وَلَا يُضَيَّعُ نَسَبُهُ.
(وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: " أَنَّهُ اسْتَقَافَ الْمُصْطَلَقَيْ وَحَّدَهُ " وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ اسْتَقَافَ ابْنَ كَلْدَةَ وَاسْتَلْحَقَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ، فَقُبِلَ فِيهِ الْوَاحِدُ، كَالْحَاكِمِ.
(وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُهُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ آخَرُ بِآخَرَ؛ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَا يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَ فَأَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ.
وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ.
(وَشُرِطَ كَوْنُهُ) - أَيْ: الْقَائِفِ - (ذَكَرًا) ؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ حُكْمٌ مُسْتَنَدُهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الذُّكُورَةُ؛ كَالْقَضَاءِ (عَدْلًا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
وَعُلِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ بِالْأَوْلَى؛ إذْ الْحَاكِمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا حُرًّا؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمٍ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالشَّارِحِ، وَالْمُوَفَّقُ، وَذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " عَنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ": الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ، فَتُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ.
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ، وَالْحُكْمُ يُعْتَبَرُ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ انْتَهَى.
(خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا
تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ ": إنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ - وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَعَلَى الثَّانِي - وَهُوَ اشْتِرَاطُهَا - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ.
ثُمَّ لَمَّا أَلَّفَ " التَّنْقِيحَ " جَزَمَ بِأَنَّ الْقَائِفَ كَحَاكِمٍ، فَإِذَنْ تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَمُقْتَضَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ وَشَاهِدٍ اعْتِبَارُ الْإِسْلَامِ قَطْعًا (مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي كَيْفِيَّةِ التَّجْرِبَةِ: هُوَ أَنْ يُتْرَكَ اللَّقِيطُ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ الرِّجَالِ، غَيْرَ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَيَرَى إيَّاهُمْ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ سَقَطَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ خَطَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ.
وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ، مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ عُلِمَتْ إصَابَتُهُ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ.
وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ نُجَرِّبْهُ فِي الْحَالِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ؛ جَازَ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَقَدْ رُوِينَا أَنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ فِي وَلَدٍ لَهُ مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَبَى أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، فَمَرَّ بِهِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَكْتَبِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ اُدْعُ لِي أَبَاكَ، فَقَالَ الْمُعَلِّمُ: وَمَنْ أَبُو هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَبُوهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَقَامَ الْمُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلَى أَبِيهِ، فَأَعْلَمَهُ بِقَوْلِ إيَاسٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَسَأَلَ إيَاسًا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا وَلَدِي؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؟ إنَّهُ لَأَشْبَهُ مِنْكَ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَسُرَّ الرَّجُلُ، وَاسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ انْتَهَى.
(وَكَذَا) - أَيْ: كَاللَّقِيطِ (إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً) بِلَا زَوْجٍ (بِشُبْهَةٍ) فِي طُهْرٍ، (أَوْ) وَطِئَا (أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً) لِآخَرَ، (أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ) ، هِيَ فِرَاشٌ لِذَلِكَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَجِدَهَا الْوَاطِئُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَظُنُّهَا
زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ يَدْعُو زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَتُجِيبُهُ زَوْجَةُ آخَرَ أَوْ أَمَتُهُ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجًا فَاسِدًا، أَوْ يَكُونُ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا وَالْآخَرُ فَاسِدًا، مِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَيَنْكِحَهَا آخَرُ فِي عِدَّتِهَا أَوْ يَطَؤُهَا؛ أَوْ يَبِيعُ جَارِيَتَهُ أَوْ يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ) مِنْهُمَا - أَيْ: الْوَاطِئَيْنِ -؛ فَإِنَّهُ يَرَى الْقَافَةُ مَعَهُمَا.
قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ، أَوْ جَحَدَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الِافْتِرَاشُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَلَمْ يَدَّعِ؛ زَوْجٌ أَنَّهُ) - أَيْ: الْوَلَدَ - (مِنْ وَاطِئٍ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (خِلَافًا لَهُ - أَيْ:) لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا. انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ اشْتِرَاطِ دَعْوَى الزَّوْجِ، تَبِعَ فِيهِ اخْتِيَارَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ؛ لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَكَلَامُهُ فِي " الْإِنْصَافِ " هُنَا مُشْكِلٌ، فَلْيُرَاجِعْهُ بِتَأَمُّلٍ مَنْ شَاءَ.
انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ " الْإِنْصَافِ ": وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ أَرَى الْقَافَةَ مَعَهُمَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَاتِ مَنْ ذَكَرَ، وَأَمْعَنَ فِيهَا دِقَّةَ الْفِكْرِ، وَحِدَّةَ النَّظَرِ؛ وَجَدَ بَعْضَهَا مُخَالِفًا لِمَا رَقَمَ، وَجَزَمَ بِأَنَّهَا مُجَرَّدُ سَبْقِ قَلَمٍ، فَإِنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ لَمْ يَشْتَرِطْهَا سِوَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَبْلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ خَلَفَ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِلْحَائِزِينَ بِالتَّقَدُّمِ غَايَةَ الشَّرَفِ.