الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ قِنٍّ صَغِيرٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يُمْلَكُ بِالِالْتِقَاطِ. انْتَهَى.
(فَإِنْ) اُلْتُقِطَ صَغِيرٌ، وَ (جُهِلَ رِقُّهُ) وَحُرِّيَّتُهُ؛ فَهُوَ (حُرٌّ لَقِيطٌ)، قَالَ الْمُوَفَّقُ: لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ عَلَى حُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ.
[فَصْلٌ مَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ]
(فَصْلٌ: وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) .
الضَّرْب الْأَوَّلُ: (حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ كَالْفَصِيلِ وَالشَّاةِ وَالدَّجَاجَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (فِعْلُ الْأَصْلَحِ) مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، (أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ) فِي الْحَالِ؛ «لِقَوْلِهِ عليه السلام وَسُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الشَّاةِ - هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» ، فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْلِ الْحَيَوَانِ فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا جَاءَ، وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ، فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ؛ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ بِكَمَالِهَا، (أَوْ بَيْعُهُ) - أَيْ: الْحَيَوَانَ - لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، (وَحِفْظُ ثَمَنِهِ) لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ، (أَوْ حِفْظُهُ) - أَيْ: الْحَيَوَانَ - (وَيُنْفِقُ) مُلْتَقِطٌ (عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْحَيَوَانَ، وَلَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ.
(وَيَرْجِعُ) الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ الْتَقَطَهُ؛ لَا لِيُعَرِّفَهُ، أَوْ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ فِي الْحَالِ، (إنْ نَوَى) الرُّجُوعَ عَلَى مَالِكِهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ، كَالْوَدِيعَةِ.
قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي طَيْرَةٍ أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ: فَقَضَى أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطَّيْرَةِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا.
(فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ (الثَّلَاثَةُ) فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْأَحَظُّ مِنْهَا؛ (خُيِّرَ) ؛ لِجَوَازِ كُلٍّ مِنْهَا، وَعَدَمِ ظُهُورِ
الْأَحَظِّ فِي أَحَدِهَا.
(قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى) لِلْمُلْتَقِطِ (حِفْظٌ) مَعَ الْإِنْفَاقِ، (فَبَيْعٌ) وَحِفْظُ ثَمَنٍ، (فَأَكْلٌ) وَغُرْمُ قِيمَةٍ انْتَهَى.
الضَّرْبُ (الثَّانِي) : مَا اُلْتُقِطَ مِمَّا (يُخْشَى فَسَادُهُ) بِتَبْقِيَتِهِ؛ كَالْبِطِّيخِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَاكِهَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ) بِقِيمَتِهِ، وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ) قِيَاسًا عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَحْفَظُ صِفَاتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِيَدْفَعَ لِمَنْ وَصَفَهُ ثَمَنَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، (أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ؛ كَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِعْلُ الْأَحَظِّ فِي الْأَمَانَاتِ مُتَعَيَّنٌ.
وَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ، (فَمُؤْنَتُهُ مِنْهُ، فَيُبَاعُ بَعْضُهُ لِذَلِكَ) ؛ أَيْ: لِتَجْفِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ؛ رَجَعَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ.
قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ؛ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ: فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ؛ خُيِّرَ بَيْنَهَا، فَأَيُّهَا فَعَلَ جَازَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِ مَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، فَضَمِنَهُ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَقَيَّدَهُ) ؛ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ، (جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَابَعَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالتَّلْخِيصِ " بِمَا (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ)، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عَرَّفَهُ (بِقَدْرِ مَا لَا يُخَافُ مَعَهُ فَسَادُهُ) ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ.
الضَّرْبُ (الثَّالِثُ بَاقِي الْمَالِ) ؛ أَيْ: مَا عَدَا الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْمَالِ؛ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِمَا.
(وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (حِفْظُ الْجَمِيعِ) ، مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ، وَيَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ، سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهُ، أَوْ حِفْظَهُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ.
وَطَرِيقَةُ التَّعْرِيفِ: بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (بِنَفْسِهِ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَوْ نَائِبِهِ) ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ تَضْيِيعٌ لَهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ؛ كَرَدِّهَا إلَى
مَوْضِعِهَا وَإِلْقَائِهَا فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ التَّعْرِيفُ لِمَا جَازَ الِالْتِقَاطُ، لِأَنَّ بَقَائِهَا فِي مَكَانِهَا إذَنْ أَقْرَبُ إلَى صَاحِبِهَا.
إمَّا بِأَنْ يَطْلُبَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ فَيَجِدُهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، وَأَخْذُ هَذَا لَهَا يُفَوِّتُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَحْرُمُ.
فَلَمَّا جَازَ الِالْتِقَاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ؛ كَيْ لَا يَحْصُلَ الضَّرَرُ (فَوْرًا) ؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، إذْ مُقْتَضَاهُ الْفَوْرُ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَإِذَا عُرِّفَتْ إذَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ (نَهَارًا) ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ (أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ) ، قَبْلَ انْشِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ، (أُسْبُوعًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ تَوَالِي طَلَبِ صَاحِبِهَا لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ النَّاسِ أُسْبُوعًا.
وَقَالَ (فِي " التَّرْغِيبِ ") وَ " التَّلْخِيصِ " وَالرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهِمْ: ثُمَّ يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ إلَى) تَمَامِ (شَهْرٍ، ثُمَّ) يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ شَهْرٍ) إلَى أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ
(ثُمَّ) عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَعْدَ الْأُسْبُوعِ مُتَوَالِيًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ (عَادَةً) ؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ (حَوْلًا) كَامِلًا مِنْ وَقْتِ (الْتِقَاطِهِ) .
، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ بِعَامٍ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ، فَصَلُحَتْ قَدْرًا؛ كَمُدَّةِ أَجَلِ الْعِنِّينِ.
وَصِفَةُ التَّعْرِيفِ (بِأَنْ يُنَادِيَ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ) ، أَوْ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ (نَفَقَةٌ) ، وَلَا يَصِفُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَتَهَا، فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهَا، فَأَخَذَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا بِالْوَصْفِ؛ ضَمِنَهَا الْمُلْتَقِطُ لِمَالِكِهَا، كَمَا لَوْ دَلَّ الْوَدِيعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَنْ سَرَقَهَا.
وَيَكُونُ مَكَانَ النِّدَاءِ (بِجَامِعِ النَّاسِ؛ كَسُوقٍ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ،
(وَحَمَّامٍ، وَبَابِ مَسْجِدٍ وَقْتَ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِصَلَاةٍ (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ عَلَيْهَا (دَاخِلَهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ -؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ إلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» وَالْإِنْشَادُ دُونَ التَّعْرِيفِ، فَهُوَ أَوْلَى.
(وَيُكْثِرُ مِنْهُ) - أَيْ: التَّعْرِيفِ - (بِمَوْضِعِ وِجْدَانِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْهُ أَيْضًا (فِي الْوَقْتِ) الَّذِي يَلِي (الْتِقَاطَهَا) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَالْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَنْ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ.
(وَإِنْ الْتَقَطَ) اللُّقَطَةَ (بِصَحْرَاءَ عَرَّفَهَا بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا) ؛ أَيْ: الصَّحْرَاءِ الَّتِي الْتَقَطَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، (وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُ رَبِّ اللُّقَطَةِ) .
وَمِنْهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ بِصُرَّةٍ وَلَا نَحْوِهَا، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي مُعِينِ ذَوِي الْأَفْهَامِ "، حَيْثُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُلْتَقِطُهَا بِلَا تَعْرِيفٍ.
(لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) ، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَانَ كَالْعَبَثِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا: يَجِبُ مُطْلَقًا.
(وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقِطٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اكْتَرَى شَخْصًا يَقْلَعُ لَهُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ.
وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمُنَادِي عَلَى رَبِّ اللُّقَطَةِ، وَلَوْ قَصَدَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ) - أَيْ: التَّعْرِيفَ عَنْ (الْحَوْلِ) الْأَوَّلِ أَثِمَ وَسَقَطَ، أَوْ أَخَّرَهُ (بَعْضَهُ) - أَيْ: بَعْضَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ - (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ أَثِمَ) الْمُلْتَقِطُ بِتَأْخِيرِهِ التَّعْرِيفَ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَسَقَطَ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ التَّعْرِيفِ لَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عَرَّفَ بَقِيَّتَهُ فَقَطْ
(وَلَمْ يَمْلِكْهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ بِهِ - أَيْ: التَّعْرِيفِ - (بَعْدُ) - أَيْ: بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ؛ - لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا بَعْدَهُ يَسْلُو عَنْهَا، وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا.
وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا، كَمَا يَأْثَمُ بِالْتِقَاطٍ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ بِلَا تَعْرِيفٍ، أَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْرِيفَهَا وَلَا تَمَلُّكَهَا، فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": نَصَّ عَلَى هَذَا [أَحْمَدُ] .
(وَلَيْسَ خَوْفُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَنْ يَأْخُذَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ (سُلْطَانٌ جَائِرٍ) عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا (أَوْ خَوْفُهُ أَنْ يُطَالِبَهُ السُّلْطَانُ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا) .
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَإِنْ أَخَّرَ التَّعْرِيفَ لِذَلِكَ الْخَوْفِ؛ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ.
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا (حَتَّى يَمْلِكَهَا) بِلَا تَعْرِيفٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:(بِدُونِهِ) قَالَ: وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بَعْدَهُ.
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: تَبْقَى بِيَدِهِ، (فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَمَلَكَهَا) ، انْتَهَى.
فَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ، (وَكَذَا إذَا) تَرَكَ تَعْرِيفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ، ثُمَّ (زَالَ عُذْرُ نَحْوِ مَرَضٍ وَحَبْسٍ وَنِسْيَانٍ، فَعَرَّفَهَا بَعْدُ) ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلَ.
وَمَفْهُومُ كَلَامِ " التَّنْقِيحِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِيهِ عَجْزًا؛ كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ، أَوْ نِسْيَانًا.
انْتَهَى
وَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَهُوَ مَرْجُوحٌ (وَمَنْ) وَجَدَ لُقَطَةً (وَعَرَّفَهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعَرَّفْ) فِيهِ،
وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، (دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ) ؛ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِعْهَا وَفِي لَفْظٍ: وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ كُلْهَا وَفِي لَفْظٍ: فَانْتَفِعْ بِهَا وَفِي لَفْظٍ: فَشَأْنُكَ بِهَا» حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ (مِلْكًا مُرَاعًا) يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ بِوُجُودِ صَاحِبِهَا، كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ بَدَلِهِ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ. انْتَهَى.
(وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا) ؛ فَتُمْلَكُ كَالْأَثْمَانِ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي اللُّقَطَةِ جَمِيعِهَا، «فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَانْتَفِعْ بِهَا، أَوْ فَشَأْنُكَ بِهَا» .
(أَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ) ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ حُكْمًا؛ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ، فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَكَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا لَا لِتَخْصِيصِهَا، كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» ، وَضَالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا.
(أَوْ) كَانَ الْمُلْتَقِطُ وَجَدَ اللُّقَطَةَ (بِجَيْشٍ) - أَيْ: مَعَهُ - (بِدَارِ حَرْبٍ) ، وَيَبْدَأُ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمْ، فَإِذَا قَفَلَ أَتَمَّ التَّعْرِيفَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا لَمْ تُعَرَّفْ؛ مَلَكَهَا كَمَا يَمْلِكُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
هَذَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ لَهُ، لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمْوَالُهُمْ غَنِيمَةٌ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَيْف يُعْرَفُ ذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ:
لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ حَرْبٍ، وَهُوَ فِي الْجَيْشِ عَرَّفَهَا سَنَةً، ابْتَدَأَ فِي الْجَيْشِ، وَبَقِيَّتُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي الْمَغْنَمِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا فِي دَارِهِمْ، ثُمَّ هِيَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَيْشٍ فَكَالَّتِي قَبْلَهَا. انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (أَوْ لَمْ يَخْتَرْ) الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا، هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا، يَعْنِي مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. أَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ (غَنِيًّا) فَتَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كَالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمِيرَاثِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ.
(أَوْ أَخَّرَهُ) - أَيْ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ) ، ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا، وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَخَّرَهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا بِهِ بَعْدُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
(أَوْ ضَاعَتْ) اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، فَالْتَقَطَهَا آخَرُ، (فَعَرَّفَهَا) الْمُلْتَقِطُ (الثَّانِي، مَعَ عِلْمِهِ) بِالْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ) ؛ أَيْ: يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ؛ (أَوْ أَعْلَمَهُ) ؛ أَيْ: أَعْلَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَعَرَّفَهَا الثَّانِي، (وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا) تَمَلُّكَهَا (لِنَفْسِهِ) ، فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِ الثَّانِي حُكْمًا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ