الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكٌ) فِي عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ (عَلَى) إنْسَانٍ (حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبُ شَرِيكِ الْغَائِبِ أَنَّهُ) - أَيْ: الْحَاضِرَ - (اشْتَرَاهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْغَائِبِ - (وَأَنَّهُ) أَيْ: الْمُدَّعِيَ - (يَسْتَحِقُّهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (بِالشُّفْعَةِ، فَصَدَّقَهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَخَذَهُ) ؛ أَيْ: أَخَذَ الْمُدَّعِي الشِّقْصَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ عَلَى حِصَّتِهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْ أَنَّهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَخَذَهُ كَامِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ شَرِيكٍ لَهُمَا، لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُصَدِّقُهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا هُوَ بِيَدِهِ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) الشَّرِيكُ عَلَى حَاضِرٍ (إنَّك بِعْت نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ) ، فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي أَخْذَ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ، (فَإِذَا قَدِمَ) الْغَائِبُ، (وَأَنْكَرَ) الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ (حَلَفَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَأَخَذَ شِقْصَهُ) ، وَطَلَبَ بِالْأُجْرَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، (وَيَضْمَنُ الشَّفِيعُ) ؛ أَيْ: يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ ادَّعَى الشَّرِيكُ عَلَى الْوَكِيلِ: أَنَّك اشْتَرَيْت الشِّقْصَ الَّذِي فِي يَدِك، فَأَنْكَرَ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَقُضِيَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي ".
[فَصْلٌ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا ادَّعَى شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ]
(فَصْلٌ: وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا) - أَيْ: فِي شِقْصٍ - (ادَّعَى) مُشْتَرٍ (شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ) - أَيْ: لِمَحْجُورِهِ - لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، فَاسْتَوَى فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَغَيْرِهِ، وَقُبِلَ إقْرَارُ وَلِيِّهِ فِيهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ: إنَّمَا اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ الْغَائِبِ؛ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ، وَيَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الشَّفِيعِ، وَيَكُونُ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ؛ لِأَنَّنَا لَوْ وَقَفْنَا الْأَمْرَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى حُضُورِ الْمُقِرِّ لَهُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَرٍ يَدَّعِي أَنَّ الشِّرَاءَ لِغَائِبٍ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِمُوَكَّلِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَحْجُورِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَقُومَ
بِالشِّرَاءِ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ، أَوْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْ الْمَحْجُورِ. وَيَعْتَرِفَا بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالْإِقْرَارِ، فَإِقْرَارُهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ لَمْ يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شُفْعَةٌ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْكَشْفِ عَنْهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ".
وَ (لَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (مَعَ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ) مَعَ خِيَارِ (شَرْطٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ) - أَيْ: الْخِيَارِ - سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِمَا فِي الْأَخْذِ مِنْ إبْطَالِ خِيَارِهِ وَإِلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ رِضَاهُ بِالْتِزَامِهِ وَإِيجَابِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتِ حَقِّهِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: بَيْعُ الْمَرِيضِ - وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ - كَبَيْعِ الصَّحِيحِ فِي الصِّحَّةِ وَفِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ رَشِيدٌ، لَكِنْ فِي الْمُحَابَاةِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِمَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ إذَا كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَعُهْدَةُ شَفِيعٍ) فِيمَا إذَا ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا، وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الرُّجُوع بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ (عَلَى مُشْتَرٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ كَبَائِعِهِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَحُصُولِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي؛ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا رُجُوعُ مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ شَفِيعٍ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ الْمِلْكُ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الشِّقْصِ أَوْ عَيْبِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مَعِيبًا، وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ، رَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
فَائِدَةٌ: فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْأَخْذِ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، وَلِلشَّفِيعِ الرَّدُّ وَأَخْذُ الْأَرْشِ، وَإِنْ عَلِمَهُ الشَّفِيعُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي؛ فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أَرْشَ.
[وَ] مَحَلُّ كَوْنِ الْعُهْدَةِ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ (أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِالْبَيْعِ) - أَيْ: بِشِرَائِهِ الشِّقْصَ، (فَإِنْ أَنْكَرَ) مُشْتَرٍ الشِّرَاءَ - وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ - (وَأَخَذَ الشِّقْصَ مِنْ بَائِعٍ) مُقِرٍّ بِالْبَيْعِ؛ فَالْعُهْدَةُ إذَنْ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى بَائِعٍ - لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ وَاضِحٌ. كَمَا أَنَّ (عُهْدَةَ مُشْتَرٍ) عَلَى بَائِعٍ، (فَإِنْ أَبَى مُشْتَرٍ) لِشِقْصٍ مَشْفُوعٍ (قَبْضَ مَبِيعٍ) لِيُسَلِّمَهُ لِشَفِيعٍ (خَوْفَ الْعُهْدَةِ؛ أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَى قَبْضِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ لِيَحْصُلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي [وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشِّيرَازِيُّ] وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) فِي " الْهِدَايَةِ ":(قِيَاسُ الْمَذْهَبِ) لَا يُجْبِرُ الْحَاكِمُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَبْضِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لِلشَّفِيعِ، بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنْ الْبَائِعِ، وَيَكُونَ كَأَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي (لِلُّزُومِ الْعَقْدِ فِي) بَيْعِ (الْعَقَارِ وَصِحَّةِ تَصَرُّفِ مُشْتَرٍ فِيهِ) - أَيْ: الْمَبِيعِ - (بِدُونِ قَبْضِهِ) بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ فِي ضَمَانِهِ بِهِ. صَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَيَتَّجِهُ وَهُوَ) - أَيْ: مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ - (أَصْوَبُ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَوَاعِدِ أَقْرَبُ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ.
(وَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا) عَنْ أَبِيهِمَا وَنَحْوِهِ، (فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) لَلْآخِر أَوْ غَيْرِهِ؛ (فَالشُّفْعَةُ) فِي الْمَبِيعِ (بَيْنَ) الْوَارِثِ (الثَّانِي) الَّذِي لَمْ يَبِعْ، وَبَيْنَ
(شَرِيكِ مُوَرِّثِهِ) عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَمَلَّكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ عَلَى شُرَكَائِهِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَ دَارٍ، ثُمَّ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَهَا الْآخَرَ، أَوْ وِرْثَاهُ، أَوْ اتَّهَبَاهُ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِمَا بِسَبَبٍ مَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ. أَوْ وَرِثَ ثَلَاثَةٌ دَارًا، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ نَصِيبَهُ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَفَ ابْنَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، فَبَاعَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ نَصِيبَهَا أَوْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ.
(وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ حَالَ بَيْعٍ) عَلَى مُسْلِمٍ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخُصُّ الْعَقَارَ فَأَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ، فَقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُ دَفْعِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ تَقْدِيمَ دَفْعِ الضَّرَرِ لِذِمِّيٍّ، فَإِنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ، وَرِعَايَتُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْقَى فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهِ فَلَأَنْ تَثْبُتَ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ دَنَاءَتِهِ أَوْلَى.
(وَ) لَا شُفْعَةَ لِمُبْتَدِعٍ (مُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَهْلُ الْبِدَعِ الْغُلَاةُ كَالْمُعْتَقِدِ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الرِّسَالَةِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا أُرْسِلَ إلَى عَلِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَكَمَنْ يَعْتَقِدُ أُلُوهِيَّةَ [عَلِيٍّ] ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلذِّمِّيِّ الَّذِي يُقِرُّ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَكَذَا حُكْمُ مِنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنْ الدُّعَاةِ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ، وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَوْلُهُمْ وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ الدَّاعِيَةُ. وَتَثْبُتُ
الشُّفْعَةُ لِمَنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْهُمْ كَالْفَاسِقِ بِالْأَفْعَالِ مِنْ زِنًا وَلِوَاطٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ.
فَائِدَةٌ: ذُكِرَ لِأَحْمَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّافِضَةِ شُفْعَةٌ فَضَحِكَ وَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ.
(وَيَتَّجِهُ ثُبُوتُهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (لِمَجُوسِيٍّ) وَهُوَ مَنْ يَعْبُدُ النَّارَ (عَلَى كِتَابِيٍّ) يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ، فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْكَافِرِ - وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُسْلِمًا - لِاسْتِوَائِهِمَا، (وَ) لِأَنَّ (الْكُفْرَ هُنَا) - أَيْ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ - (مِلَّةٌ) وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسَاوِي لَهُ، لَا مِنْ الْبَائِعِ.
وَلَوْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ، وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِمْ، وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ جُزْءٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ (كَأَنْ يَكُونَ لَهُ) - أَيْ: لِلْمُضَارِبِ - (شِقْصٌ فِي دَارٍ) وَلَا تَنْقَسِمُ إجْبَارًا. (فَيَشْتَرِي) الْمُضَارِبُ (بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَقِيَّتَهَا) - أَيْ: الدَّارِ -، (وَإِلَّا بِأَنْ) لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ (وَجَبَتْ) الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ.
(وَلَا) شُفْعَةَ (لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مُضَارِبٍ كَأَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ شِقْصٌ فِي دَارٍ فَيَشْتَرِي الْمُضَارِبُ بِمَالِهَا) - أَيْ: مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بَقِيَّتَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِرَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ فِيمَا) - أَيْ: شِقْصٍ - (بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا) - أَيْ: الْمُضَارَبَةِ - (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُضَارِبِ - (فِيهِ) - أَيْ: الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ -