الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ اللُّقَطَةِ]
ِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اللُّقَطَةُ مُحَرَّكَةٌ وَكَحُزَمَةٍ وَهُمَزَةٍ، وَتَمَامُهُ مَا اُلْتُقِطَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ مُحَرَّكَةٌ - أَيْ: مَفْتُوحَةُ اللَّامِ وَالْقَافِ - وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ اللُّقَطَةُ - بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ - الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطُ. وَحُكِيَ عَنْهُ فِي الشَّرْحِ اسْمُ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ فَهُوَ اسْمٌ لِلْفَاعِلِ كَالضَّحْكَةِ وَالصَّرْعَةِ وَالْهَمْزَةِ وَاللَّمْزَةِ، وَاللُّقْطَةُ: بِسُكُونِ الْقَافِ الْمَلْقُوطُ مِثْلُ الضُّحْكَةِ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ، وَالْهُزْأَةِ الَّذِي يُهْزَأُ بِهِ. وَعُرْفًا:(مَالٌ) كَنَفَقَةٍ وَمَتَاعٍ (أَوْ مُخْتَصٌّ) كَخَمْرَةِ الْخَلَّالِ (ضَائِعٌ) كَالسَّاقِطِ مِنْ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) كَمَتْرُوكٍ قَصْدًا لِمَعْنًى وَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ (لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِحَرْبِيٍّ مَالِكُهَا وَاجِدُهَا؛ كَمَا لَوْ ضَلَّ الْحَرْبِيُّ الطَّرِيقَ، فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِآخِذِهِ وَالْأَصْلُ فِي اللُّقَطَةِ مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ مَالَكَ وَلَهَا؛ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَالُ فِي الْخَاصَّةِ فِي الْخِرْقَةِ، وَالْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي هِيَ فِيهِ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ قِرْطَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَصْلُ أَنَّهُ الْجِلْدُ الَّذِي يُلْبَسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ.
وَقَوْلُهُ مَعَهَا حِذَاءَهَا يَعْنِي خُفَّهَا؛ لِأَنَّ لِقُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحِذَاءِ.
وَسِقَاءَهَا بَطْنَهَا؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ فِيهِ كَثِيرًا فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ، وَالضَّالَّةُ اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَةِ، وَالْجَمْعُ ضَوَالُّ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْهَوَامِيُّ وَالْهَوَامِلُ. قَالَهُ الشَّارِحُ.
(فَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ) فِي نَحْوِ حَمَّامٍ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ مَدَاسٍ وَنَحْوِهِ، (وَتُرِكَ) - بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَجْهُولِ - (بَدَلُهُ) - أَيْ: شَيْءٌ مُتَمَوَّلٌ غَيْرُهُ - فَالْمَتْرُوكُ (كَلُقَطَةٍ) .
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُخْتَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَمَنْ أُخِذَتْ ثِيَابُهُ مِنْ الْحَمَّامِ، وَوَجَدَ غَيْرَهَا؛ لَمْ يَأْخُذْهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَارِقَ الثِّيَابِ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهَا مُعَاوَضَةٌ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ ثِيَابِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا فَقَدْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ، (فَيُعَرِّفُهُ) كَاللُّقَطَةِ. انْتَهَى.
(وَيَأْخُذُ) الْمَأْخُوذُ مَتَاعُهُ (حَقَّهُ مِنْهُ) أَيْ: الْمَتْرُوكِ بَدَلَ مَتَاعِهِ - (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِهِ إلَى حَاكِمٍ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا لِمَنْ سُرِقَتْ ثِيَابُهُ بِحُصُولِ عِوَضٍ عَنْهَا؛ وَنَفْعًا لِلْآخَرِ إنْ كَانَ سَارِقًا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ مِنْ الْإِثْمِ؛ وَحِفْظًا لِهَذِهِ الثِّيَابِ عَنْ الضَّيَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ الْمَتْرُوكَةُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمَأْخُوذَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فَاضِلٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ بِتَرْكِهَا عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ، (وَيَتَصَدَّقُ بِبَاقٍ) إنْ أَحَبَّ، (أَوْ يَدْفَعُهُ) - أَيْ: الْبَاقِيَ - (لِحَاكِمٍ) لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ.
(وَصَوَّبَ فِي " الْإِنْصَافِ ") وُجُوبَ التَّعْرِيفِ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي السَّرِقَةَ) ؛ بِأَنْ تَكُونَ ثِيَابُهُ أَوْ مَدَاسُهُ خَيْرًا مِنْ الْمَتْرُوكَةِ، وَهِيَ مِمَّا لَا تَشْتَبِهُ عَلَى الْأَخْذِ بِثِيَابِهِ وَمَدَاسِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا جُعِلَ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ عَنْ رَبِّهِ؛ لِيَعْلَمَ بِهِ وَيَأْخُذَهُ، وَتَارِكُ هَذِهِ عَالِمٌ بِهَا رَاضٍ بِبَدَلِهَا عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ، وَلَا يَعْتَرِفُ أَنَّهُ لَهُ؛ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ تَعْرِيفِهِ فَائِدَةٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ.
انْتَهَى.
لَكِنَّ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
(وَهِيَ) - أَيْ: اللُّقَطَةُ - (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) . (أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ) يَعْنِي مَا لَا يُتَّهَمُونَ فِي طَلَبِهِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْهِمَّةُ - بِالْكَسْرِ وَتُفْتَحُ - مَا هُمَّ بِهِ لِيُفْعَلَ (كَسَوْطٍ) مَا يُضْرَبُ بِهِ، هُوَ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعِصِيِّ (وَشِسْعٍ) أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ (وَرَغِيفٍ) وَكِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ (وَعَصًا) ، وَكُلُّ مَا لَا خَطَرَ لَهُ كَخِرْقَةٍ وَحَبْلٍ لَا تَتْبَعُهَا الْهِمَّةُ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ يُعَرِّفُ الدِّرْهَمَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانَقِ، وَحَمَلَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " عَلَى دَانِقِ الذَّهَبِ؛ نَظَرًا لِعُرْفِ الْعِرَاقِ، وَمَا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ ذَلِكَ، (فَيُمْلَكُ بِأَخْذٍ) ، وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ:«رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِصِيِّ وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، (وَالْأَفْضَلُ) لِوَاجِدِهِ (التَّصَدُّقُ بِهِ) .
ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا (بَدَلُهُ) - أَيْ: بَدَلُ مَا وَجَدَهُ - مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ (مَعَ تَلَفِهِ) .
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إذَا الْتَقَطَهُ إنْسَانٌ، وَانْتَفَعَ بِهِ وَتَلِفَ؛ فَلَا ضَمَانَ (إنْ وَجَدَ رَبَّهُ) الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَاقِطَهُ مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ مَوْجُودًا، أَوْ وَجَدَ رَبَّهُ؛ (لَزِمَهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطَ - (دَفْعُهُ) - أَيْ: الْمُلْتَقَطَ (لَهُ) ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُهُمْ بِالْبَدَلِ؛ إذْ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَلِفَ الْمُبْدَلِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُوَضِّحُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَلْزَمُ دَفْعُ عَيْنِهِ، (وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَالْقَوْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كَوْنِ آخِذِهِ يَمْلِكُهُ (لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَنَخَّالٍ وَمَقْلَشٍ (قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً) مِنْ الْفِضَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَا بُدَّ لَهَا إنْ وَجَدَ بَدَلَهَا - (وَلَوْ كَثُرَتْ) بِضَمِّ بَعْضِهَا - لِأَنَّ تَفَرُّقَهَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ أَرْبَابِهَا.
(وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً لَا عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا بِمَهْلَكَةٍ أَوْ تُرِكَ إيَاسٌ لِانْقِطَاعِهَا) بِعَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ (أَوْ عَجْزِهِ) - أَيْ: مَالِكِهَا - (عَنْ عَلَفِهَا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْلِفُهَا فَتَرَكَهَا؛ (مَلَكَهَا آخِذُهَا)، لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا:«مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا فَسَيَّبُوهَا، فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا؛ فَهِيَ لَهُ.» قَالَ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَعْنِي لِلشَّعْبِيِّ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
، وَفِي الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنْقَاذُهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُرِكَتْ رَغْبَةً عَنْهَا، أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُتْرَكُ رَغْبَةً عَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ، فَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا.
وَتَقَدَّمَ آخِرُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مُوَضَّحًا.
(وَكَذَا مَا يَلْقَى) مِنْ سَفِينَةٍ (فِي الْبَحْرِ خَوْفَ غَرَقٍ) فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَلْقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَنْبُوذَ رَغْبَةً عَنْهُ.
قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ؛ أَيْ: فَلَا يَمْلِكُهَا آخِذُهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا مَا أُلْقِيَ خَوْفَ الْغَرَقِ؛ أَيْ: فَلَا يُمْلَكُ، فَجُعِلَ حُكْمُ مَا أُلْقِيَ خَوْفَ الْغَرَقِ كَحُكْمِ مَا تَرَكَهَا؛ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، وَكَالَتِي ضَلَّتْ مِنْهُ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهُ (كَ) حُكْمِ (مُلْقًى رَغْبَةً عَنْهُ) فِي مَحَلٍّ يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ فِيهِ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَلَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ (الضَّوَالُّ) - جَمْعُ ضَالٍّ - اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً، وَتَقَدَّمَ، (الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَثَعْلَبٍ وَذِئْبٍ) وَابْنِ آوَى وَأَسَدٍ صَغِيرٍ، وَامْتِنَاعُهَا إمَّا بِكِبَرِ جُثَّتِهَا (كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ) ، وَإِمَّا؛ لِسُرْعَةِ عَدْوِهَا (كَحُمُرٍ وَظِبَاءٍ) ، وَإِمَّا لِطَيْرٍ (كَطَيْرٍ مُمْتَنِعٍ) بِطَيَرَانِهِ (وَ) إمَّا بِنَابِهِ (كَفَهْدٍ مُعَلَّمٍ أَوْ قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ)، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمَالٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (وَنَحْوِهِ) ؛ أَيْ: نَحْوِ الْمُتَقَدِّمِ كَفِيلٍ وَزَرَافَةٍ وَنَعَامَةٍ وَقِرْدٍ وَهِرٍّ وَقِنٍّ كَبِيرٍ، فَهَذَا الْقِسْمُ (غَيْرُ) الْقِنِّ (الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ: مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» .
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ، وَلَمَّا رَوَى مُنْذِرُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَبِي جَرِيرٍ بِالْبَوَارِيجِ فِي السَّوَادِ فَرَاحَتْ الْبَقَرَةُ، فَرَأَى بَقَرَةً أَنْكَرَهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ
الْبَقَرَةُ؟ قَالُوا: بَقَرَةٌ لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، فَأَمَرَ بِهَا، فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ: ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا الضَّالُّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ - أَيْ: مُخْطِئٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِهِ كَغَيْرِ الضَّالَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَخْذُ؛ لِحِفْظِ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَأَمَّا الْآبِقُ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ؛ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادِهِ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ.
وَهَذَا الْقِسْمُ (لَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ؛ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَنِ الْأَمْنِ وَالْفَسَادِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ (لِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخَذُهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ لَا) عَلَى أَنَّهُ (لُقَطَةٌ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخْذِ هَذِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ مَصْلَحَةٌ لِمَالِكِهَا بِصِيَانَتِهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْإِمَامَ - أَوْ نَائِبَهُ (تَعْرِيفُهُ) مَا أَخَذَهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لِيُعَرِّفَ الضَّوَالَّ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْ الْإِمَامِ حِفْظُ الضَّوَالِّ؛ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ فَإِنَّهُ يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ، فَمَنْ عَرَفَ مَالَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، (بِوَصْفٍ) ؛ أَيْ: لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الضَّالَّةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ، حِينَ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ فَلَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ (بَيِّنَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا؛ لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ، وَمَعْرِفَةِ خُلَطَائِهِ وَجِيرَانِهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا.
وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الضَّوَالِّ؛ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا وَسْمًا بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرَكَهَا تَرْعَى فِيهَا، إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا، وَحِفْظِ ثَمَنِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى؛ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا، وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُفْضِي
إلَى أَنْ تَأْكُلَ جَمِيعَ ثَمَنِهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ضَمِنَهَا، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا.
(وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ صَيُودٍ مُتَوَحِّشَةٍ، بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَتْ رَجَعَتْ لِلصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزٍ) عَنْهَا، لِأَنَّ تَرْكَهَا إذَنْ أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ كَانَ الْقَصْدُ حِفْظَهَا فِي نَفْسِهَا لَمَا جَازَ الْتِقَاطُ الْأَثْمَانِ؛ فَإِنَّ الدِّينَارَ دِينَارٌ حَيْثُمَا كَانَ، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ فِيهَا.
(وَلَا يَمْلِكُهَا) آخِذُهَا (بِتَعْرِيفٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِرَبِّهَا، فَهُوَ كَالْوَدِيعِ.
(وَأَحْجَارُ طَوَاحِينَ) - مُبْتَدَأٌ - (وَقُدُورٌ ضَخْمَةٌ وَأَخْشَابٌ كَبِيرَةٌ) وَقَوْلُهُ: (كَإِبِلٍ) - خَبَرُهُ - أَيْ: فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا، فَهِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ مِنْ الضَّوَالِّ فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّلَفِ، إمَّا بِسَبُعٍ أَوْ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ.
(وَمَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ ضَمِنَهُ آخِذُهُ، إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ كَغَاصِبٍ) ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَآخِذُهُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِقَاطِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ الْتِقَاطَ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ، (لَا إنْ تَبِعَ) شَيْءٌ مِنْ الضَّوَالِّ الْمَذْكُورَةِ (دَوَابَّهُ فَطَرَدَهُ) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، (أَوْ دَخَلَ) شَيْءٌ مِنْهَا (دَارِهِ فَأَخْرَجَهُ) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، (وَلَا) إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ (كَلْبًا الْتَقَطَهُ) ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.
(وَمَنْ) الْتَقَطَ مَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَ (كَتَمَهُ) عَنْ رَبِّهِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، (فَتَلِفَ) ؛ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ) لِرَبِّهِ نَصًّا؛ لِحَدِيثٍ:«فِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا» .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيهِ ": وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُرَدُّ.
سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْتَقِطُ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ