الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْكِتَابَةِ]
ِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ مِنْ الْكَتْبُ وَهُوَ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَضُمُّ بَعْضَ النُّجُومِ إلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْخَرَزُ كَتْبًا وَالْكَتِيبَةُ؛ لِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. وَشَرْعًا (بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (نَفْسَهُ) أَوْ بَيْعُهُ بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ وَنَحْوِهِ (بِمَالٍ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى خِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ (فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ لَا مُعَيَّنٌ (مُبَاحٌ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (مَعْلُومٌ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) فَلَا تَصِحُّ فِي جَوْهَرٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ (مُنَجَّمٌ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ نَجْمَيْنِ (يُعْلَمُ قَدْرُ) ؛ أَيْ: مَبْلَغُ (كُلِّ نَجْمٍ) بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَمُدَّتُهُ) ؛ أَيْ: مُدَّةُ النَّجْمِ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ؛ وَهُوَ الضَّمُّ؛ فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إلَى نَجْمَيْنِ؛ لِيُضَمَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، وَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِمَا لِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الْقِسْطِ وَالْمُدَّةِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ جَهْلُهُ إلَى التَّنَازُعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْأَنْجُمِ، فَلَوْ جُعِلَ نَجْمٌ شَهْرًا وَآخَرُ سَنَةً، أَوْ جُعِلَ قِسْطُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْآخَرُ خَمْسِينَ وَنَحْوَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْأَجَلِ وَقِسْطِهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ، وَالنَّجْمُ هُنَا الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
إذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعَ
…
فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ
(أَوْ) بَيْعُ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ نَفْسِهِ بِ (مَنْفَعَةٍ) مُنَجِّمَةٍ (عَلَى أَجَلَيْنِ) فَأَكْثَرَ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى خِدْمَتِهِ فِيهِ وَفِي رَجَبٍ، أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَيَّنَهُمَا، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكِتَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ، وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْكِتَابَةِ (أَجَلٌ لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ) فَيَصِحُّ تَوْقِيتُ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَوْقِيتَ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَالَهُ وَقْعٌ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، انْتَهَى.
(وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (عَلَى خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ (أَوْ) عَلَى خِدْمَةٍ (مَعَهَا مَالٌ إنْ كَانَ) الْمَالُ (مُؤَجَّلًا وَلَوْ إلَى أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ) كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ، وَيُؤَدِّيهِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الشَّهْرُ كَأَنْ عَقَّبَ الْعَقْدَ كَالْإِجَارَةِ.
وَإِنْ عَيَّنَ الشَّهْرَ صَحَّ، وَلَوْ اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحُلُولِ فِي غَيْرِ الْخِدْمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهَا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدِّينَارِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى دِينَارٍ سَلْخَ صَفَرٍ وَخِدْمَتِهِ شَهْرَ رَجَبٍ، وَإِنْ جَعَلَ مَحِلَّهُ نِصْفَ رَجَبٍ أَوْ انْقِضَاءَهُ؛ صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ؛ الْخِدْمَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ الْحَاصِلِ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا، فَيَكُونُ مَحِلُّهَا غَيْرَ مَحِلِّ الدِّينَارِ.
(وَتُسَنُّ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ) ؛ أَيْ: رَقِيقٍ (عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ) لِلْآيَةِ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْخَيْرُ (هُنَا الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]
قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .
وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى إزَالَةِ مِلْكٍ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ.
(وَتُكْرَهُ) الْكِتَابَةُ (لِمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ) لِئَلَّا يَصِيرَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَيَحْتَاجَ إلَى الْمَسْأَلَةِ
(وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (لِمُبَعِّضٍ) بِأَنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ بَعْضَ عَبْدِهِ الرَّقِيقِ مَعَ حُرِّيَّةِ بَعْضِهِ (وَ) تَصِحُّ كِتَابَةُ رَقِيقٍ (مُمَيِّزٍ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْمُكَلَّفِ وَإِيجَابُ سَيِّدِهِ الْكِتَابَةَ لَهُ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهَا، بِخِلَافِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ، لَكِنْ يُعْتِقَانِ بِالتَّعْلِيقِ إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ صَرِيحًا، وَإِلَّا يَكُنْ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا؛ فَلَا عِتْقَ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ.
وَ (لَا) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ (مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ بِأَنْ يُكَاتِبَ مُمَيِّزٌ رَقِيقَهُ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالٍ كَالْبَيْعِ.
(وَلَا) تَصِحُّ كِتَابَةٌ (مِنْ) سَيِّدٍ (غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) كَسَفِيهٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةٌ (بِغَيْرِ قَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ سَيِّدٌ لِرَقِيقِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَاطَاةِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا صَرِيحًا (وَلَا) تَصِحُّ (كِتَابَةُ مَرْهُونٍ) بَعْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ
(وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةُ (فِي) الصِّحَّةِ وَ (الْمَرَضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ؛ " لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَهِيَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (لَا مِنْ الثُّلُثِ خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " فِي اخْتِيَارِهِمْ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْكِتَابَةُ (بِ) قَوْلِ سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ: (كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا) لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكِلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ (مَعَ قَبُولِهِ) ؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، فَانْعَقَدَتْ بِمُجَرَّدِهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ)
السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ: (فَإِذَا أَدَّيْتَ) إلَيَّ مَا كَاتَبْتُك عَلَيْهِ (فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَيَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ وَلَا نِيَّتِهِ كَالتَّدْبِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُخَارَجَةِ، وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ يَحْتَمِلُهُ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّيهِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ؛ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ، عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ كَلَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ.
(وَمَتَى أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابَةٍ (وَقَبَضَهُ) مِنْهُ (سَيِّدُهُ أَوْ) قَبَضَهُ مِنْهُ (وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ لَا يَبْقَى عَبْدًا (أَوْ أَبْرَأهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ (سَيِّدُهُ) مِنْ كِتَابَتِهِ بَرِئَ، وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَلَتْ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ، فَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ بَعْضِهِ بَرِئَ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَالْأَدَاءِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَأَبْرَأهُ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْبَرَاءَةِ لَفْظَ مِمَّا لِي عَلَيْك؛ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ اكْتِفَاءً بِالْمَعْنَى.
(فَائِدَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: إنَّمَا أَرَدْت الْبَرَاءَةَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ ظَنَنْت أَنْ لِي عَلَيْك النَّقْدَ الَّذِي أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ؛ فَلَمْ تَقَعْ الْبَرَاءَةُ مَوْضِعَهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَاخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَالْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ، وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ وَسَيِّدُهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا
(أَوْ) ، أَبْرَأهُ (وَارِثٌ) لِسَيِّدِهِ (مُوسِرٌ) بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ (مِنْ حَقِّهِ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ) عَلَيْهِ (كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي رَقِيقٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَارِثُ مُوسِرًا، بَلْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ إبْرَائِهِ لِمُكَاتَبٍ مِنْ حَقِّهِ (فَ) إنَّهُ يُعْتِقُ نَصِيبُهُ فَقَطْ بِلَا سِرَايَةٍ، وَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّهُ (رَقِيقٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ
(وَإِنْ شَرَطَ) سَيِّدٌ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: رَقِيقِهِ (خِدْمَةً مَعْلُومَةً بَعْدَ الْعِتْقِ؛ جَازَ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ يُصَلِّي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنَّكُمْ تَخْدُمُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ.
وَلِأَنَّهُ اشْتَرَطَ خِدْمَةً فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ نَفْعًا مَعْلُومًا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَعْلُومًا، وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ.
(وَصَحَّ) لِمُكَاتَبٍ (اشْتِرَاطُ عِتْقٍ) عَلَى سَيِّدِهِ (عِنْدَ أَدَاءِ أَوَّلِ نَجْمٍ) ؛ أَيْ: إذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ أَلْفٌ، وَشَرَطَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَوَّلِ؛ صَحَّ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَيَعْتِقُ عِنْدَ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ؛ صَحَّ، فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ (وَمَا بَقِيَ) عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَائِهِ النَّجْمَ الْأَوَّلَ (فَ) هُوَ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ، يُتْبَعُ فِيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِهِ.
(وَمَا فَضَلَ بِيَدِ مُكَاتَبٍ) بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ جَمِيعِهِ (فَ) هُوَ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ.
(وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (قَبْلَ أَدَائِهِ) جَمِيعَ كِتَابَتِهِ، سَوَاءٌ خَلَّفَ وَفَاءً أَوْ لَا (وَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ - وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ، وَقَتْلُهُ كَمَوْتِهِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ الْحُرِّ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ سَيِّدُهُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً؛ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَعَادَ
مَا فِي يَدِهِ إلَى السَّيِّدِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ: لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: الْقَاتِلُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَتْلِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ؛ قُلْنَا: هَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا، بَلْ بِحُكْمِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ الْقَاتِلُ الْمِيرَاثَ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَلَّ الدَّيْنُ.
(وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ مَالِ كِتَابَةٍ) قَبْلَ حُلُولِهَا لِسَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَ طَلَبُ تَعْجِيلِ ذَلِكَ (بِوَضْعِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِيَ، أَوْ أُبْرِئَك مِنْهُ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ؛ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَتَخْفِيفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا عُجِّلَ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ؛ فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ.
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ كَأَنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ، فَقَالَ: أَخِّرْهُ إلَى كَذَا وَأَزِيدُك كَذَا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ. (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا) عَجَّلَ مُكَاتَبُهُ كِتَابَتَهُ (أَخْذُ) مَالٍ (مُعَجَّلٍ بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى السَّيِّدِ فِي قَبْضِهِ، وَيَعْتِقُ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، لَا يُقَالُ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يَعْتِقُ فِيهِمَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا، فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضِهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ضَرَرٌ؛ بِأَنْ دَفَعَهَا بِطَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَخْزَنٍ كَالطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ
أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَا يَعْتِقُ بِبَذْلِهِ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ.
(فَإِنْ أَبَى) السَّيِّدُ أَخْذَ الْمُعَجَّلِ مَعَ الضَّرَرِ (جَعَلَهُ إمَامٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ) ثُمَّ أَدَّاهُ إلَى السَّيِّدِ وَقْتَ حُلُولِهِ (وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ أَخْذِ الْمُعَجَّلِ مِنْهُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي كُوتِبْت عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي أَيْسَرْت بِالْمَالِ وَأَتَيْته بِهِ، فَزَعَمَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا إلَّا نُجُومًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُرَّقُ خُذْ هَذَا الْمَالَ، فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَدِّ إلَيْهِ نُجُومًا فِي كُلِّ عَامٍ، وَقَدْ عَتَقَ هَذَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ أَخَذَ الْمَالَ. وَعَنْ عُثْمَانَ نَحْوُهُ.
(وَمَتَى بَانَ بِعِوَضٍ دَفَعَهُ) مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ (عَيْبٌ فَلَهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (أَرْشُهُ) إنْ أَمْسَكَ (أَوْ عِوَضُهُ) ؛ أَيْ: الْمَعِيبِ (بِرَدِّهِ) عَنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ عِوَضِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا، فَوَجَبَ أَرْشُ الْعَيْبِ أَوْ عِوَضُ الْمَعِيبِ؛ جَبْرًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ (وَلَمْ يَرْتَفِعْ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ؛ فَلَا يُبْطِلُهُ رَدُّ الْمُعَوَّضِ بِالْعَيْبِ كَالْخُلْعِ (وَلَوْ أَخَذَ سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ مِنْهُ (حَقَّهُ ظَاهِرًا، ثُمَّ قَالَ) السَّيِّدُ (هُوَ حُرٌّ، فَبَانَ) مَا دَفَعَهُ (مُسْتَحَقًّا) ؛ أَيْ: مَغْصُوبًا وَنَحْوَهُ (لَمْ يَعْتِقْ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ.
(وَإِنْ ادَّعَى سَيِّدٌ تَحْرِيمَهُ) ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ مَا أَحْضَرَهُ لَهُ مُكَاتَبُهُ لِيَقْبِضَهُ لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ: هَذَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ أَقْبِضَهُ مِنْك، وَأَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ وَكَانَتْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ (قُبِلَ) قَوْلُ السَّيِّدِ (بِبَيِّنَةٍ) وَسُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَنْ لَا يَقْتَضِيَ دَيْنَهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ (حَلَفَ مُكَاتَبٌ) أَنَّهُ مِلْكُهُ (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ (أَخْذُهُ، وَيَعْتِقُ) الْمُكَاتَبُ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ
مِلْكُهُ (ثُمَّ) إنْ كَانَ السَّيِّدُ أَضَافَ مِلْكَ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مِنْ زَيْدٍ؛ فَإِنَّهُ (يَلْزَمُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدَ إذَا قَبَضَهُ (رَدُّهُ) ؛ أَيْ: رَدُّ مَا أَضَافَ مِلْكَهُ إلَى مُعَيَّنٍ (إلَى مَنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ، فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ: هُوَ حُرٌّ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى الْقَائِلِ أَنَّهُ حُرٌّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، لَزِمَتْهُ حُرِّيَّتُهُ (وَإِنْ نَكَلَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ الْحَلِفِ أَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكُهُ (حَلَفَ سَيِّدُهُ) أَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قِيلَ لِلسَّيِّدِ إمَّا أَنْ تَقْبِضَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ لِيَعْتِقَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ.
(وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ ذِي دَيْنٍ وَمَدِينٍ) وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ وَصَدَاقِهَا، وَكُلِّ حَقٍّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ إذَا حَضَرَ بِهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَادَّعَى مَنْ هِيَ لَهُ أَنَّهَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمَدِينِ أَوْ بَيِّنَةٍ.
(وَلِسَيِّدٍ) مُكَاتِبٍ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنَانِ، دَيْنُ الْكِتَابَةِ وَدَيْنٌ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَنَحْوِهِ (قَبَضَ مَالًا يَفِي بِدَيْنِهِ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) بِأَنْ يَنْوِيَ السَّيِّدُ بِمَا يَقْبِضُهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (وَ) لَهُ (تَعْجِيزُهُ) إذَا قَبَضَ مَا بِيَدِهِ عَنْ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مَا يُوفِي كِتَابَتَهُ مِنْهُ وَ (لَا) يَمْلِكُ السَّيِّدُ تَعْجِيزَهُ (قَبْلَ) أَخْذِ (ذَلِكَ) الَّذِي بِيَدِهِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ (عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَالِاعْتِبَارُ بِقَصْدِ سَيِّدٍ) دُونَ مُكَاتَبِهِ الدَّافِعِ (وَفَائِدَتُهُ) ؛ أَيْ: اعْتِبَارِ قَصْدِ السَّيِّدِ (يَمِينُهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ (عِنْدَ النِّزَاعِ) ؛ أَيْ: الِاخْتِلَافِ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَتَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ الرَّهْنِ أَنَّ مَنْ قَضَى أَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ دَيْنٍ، وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ، فَإِنْ أَطْلَقَ صَرَفَهُ لِمَا شَاءَ، فَجَعَلَ هُنَاكَ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ