الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصَّى السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ فُلَانٌ، وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا (فَ) إنَّهُ يُكَاتَبُ (بِقِيمَتِهِ) - أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي ذَلِكَ الْعَبْدُ - جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَقَلَّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا.
[تَتِمَّةٌ تَنْفِيذ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ]
تَتِمَّةٌ: وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا حِينَ الْعِتْقِ، فَلَوْ عَتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ أَمَةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَالَ الْعِتْقِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَا تُعْتَقُ كُلُّهَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ، فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهَا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَطْعًا، لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ وَوَرِثَتْ مِنْهُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، فَتَنَبَّهْ لَهُ.
وَإِنْ وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً حَرُمَ عَلَى الْمُتَّهِبِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَبْرَأَ الْوَاهِبُ أَوْ يَمُوتَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
(وَالْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَسُلٍّ ابْتِدَاءً) لَا فِي حَالَةِ الِانْتِهَاءِ (وَجُذَامٍ) وَحُمَّى الرِّبْعِ - وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَذْهَبُ يَوْمَيْنِ وَتَعُودُ فِي الرَّابِعِ - (وَفَالِجٍ انْتِهَاءً) وَحُمَّى الْغِبِّ (وَهَرَمٍ) إنْ صَارَ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ (فَ هِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِلَّا) يَصِرْ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ، بَلْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ (فَلَا) تَكُونُ مَخُوفَةً وَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِيهِمْ، وَمَا رَوَاهُ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ مِنْ الثُّلُثِ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا صَارَا صَاحِبَا فِرَاشٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفِرَاشِ يَخْشَى تَلَفَهُ، أَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةَ.
(وَكَمَرِيضِ مَرَضِ مَوْتٍ مَخُوفٍ مَنْ) كَانَ (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَقْتَ الْتِحَامِ حَرْبٍ) هُوَ فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ لَا؛ لِوُجُودِ خَوْفِ التَّلَفِ (مَعَ مُكَافَأَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُكَافِئًا لِلْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمُعْطِي (مِنْ
الطَّائِفَةِ الْمَقْهُورَةِ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُعْطِي مِنْ الطَّائِفَةِ (الْقَاهِرَةِ) بَعْدَ ظُهُورِهَا، أَوْ كَانَ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ لِلْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيُ سِهَامٍ أَوْ لَا، فَلَيْسَ حَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّعُ التَّلَفَ قَرِيبًا.
(وَمَنْ) كَانَ (بِلُجَّةِ) الْبَحْرِ (عِنْدَ الْهَيَجَانِ) أَيْ: ثَوَرَانِ الْبَحْرِ - بِهُبُوبِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْحَالَةَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22] : (أَوْ وَقَعَ طَاعُونٌ) . قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَبْدَانَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا، وَتَعُمُّ إذَا ظَهَرَتْ، وَفِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ، وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلَدِهِ) أَيْ: الْمُعْطِي - قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَخُوفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كَوْنِ الطَّاعُونِ وَخْزَ أَعْدَائِنَا الْجِنِّ حِكْمَةً بَالِغَةً، فَإِنَّ أَعْدَاءَنَا شَيَاطِينُهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ مِنْهُمْ؛ فَهُمْ إخْوَانُنَا، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَنْ نُحَارِبَهُمْ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ، فَسَلَّطَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ اسْتَجَابُوا لَهُمْ حَتَّى أَغْوَوْهُمْ وَأَمَرُوهُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَأَطَاعُوهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالطَّعْنِ فِيهِمْ كَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ الْإِنْسِ حَيْثُ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَهَذِهِ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَالطَّاعُونُ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْجِنِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِتَسْلِيطِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ عُقُوبَةً لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَشَهَادَةً وَرَحْمَةً لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ
لَهَا، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً؛ فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا مِنْ الْفَاجِرِينَ انْتَهَى.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ. أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا " وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الطَّوَاعِينَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ الْجِنَّ وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» .
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الطَّعْنُ: الْقَتْلُ بِالرُّمْحِ، وَالْوَخْزُ طَعْنٌ بِلَا نَفَاذٍ، فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ إنَّ الطَّاعُونَ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا، وَأَنَّ سَبَبَهُ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ، وَقَدْ أَبْطَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ هَذَا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا وُقُوعُهُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً وَأَطْيَبِهَا مَاءً، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ وَالْحَيَوَانَ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ يُصِيبُهُ الطَّاعُونُ، وَبِجَانِبِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَمَنْ يُشَابِهُ مِزَاجَهُ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ وَقَدْ يَأْخُذُ أَهْلَ الْبَيْتِ بِأَجْمَعِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ أَصْلًا، وَيَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا يُصَابُ مِنْهُ إلَّا الْبَعْضُ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ أَقَلَّ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ يَقْتَضِي تَغْيِيرَ الْأَخْلَاطِ وَكَثْرَةَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَهَذَا يَقْتُلُ بِلَا مَرَضٍ أَوْ بِمَرَضٍ يَسِيرٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ لَعَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِمُدَاوَمَتِهِ الِاسْتِنْشَاقَ. وَالطَّاعُونُ إنَّمَا يَحْدُثُ فِي جُزْءٍ خَاصٍّ مِنْ الْبَدَنِ لَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، وَلِلُزُومِ دَوَامِهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَأْتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا انْتِظَامٍ، فَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ عِدَّةَ سِنِينَ.
وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهَذَا الطَّاعُونُ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ حَتَّى سَلَّمَ حُذَّاقُهُمْ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ جَمَعَ
بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَارِدِ وَكَلَامِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ظُهُورَ الطَّاعُونِ أَفْسَدَ الْهَوَاءَ، وَجَعَلَهُ مُتَعَفِّنًا، فَتَخْرُجُ بِسَبَبِهِ الْجِنُّ، لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِمْ تَتَبُّعَ الْعُفُونَاتِ، فَيَخْتَلِطُونَ بِالنَّاسِ، فَيَظْهَرُ مِنْهُمْ مَا سُلِّطُوا بِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ
(أَوْ)(قَدِمَ لِقَتْلٍ) قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ فَلِمَرَضٍ مَخُوفٍ، وَأَوْلَى لِظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ (أَوْ حَبْسٍ لَهُ) - أَيْ: الْقَتْلِ، أَوْ حُبِسَ (أَوْ) أُسِرَ (عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهُمْ الْقَتْلُ فَعَطَايَاهُ كَصَحِيحٍ (أَوْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ) لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: اعْهَدْ إلَى النَّاسِ، فَعَهِدَ إلَيْهِمْ، وَوَصَّى فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ عَهْدِهِ وَوَصِيَّتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ عَهِدَ إلَى عُمَرَ فَنَفَّذَ عَهْدَهُ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه بَعْدَ ضَرْبِ ابْنَ مُلْجِمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى، فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ، وَمَعَ عَدَمِ ثَبَاتِ عَقْلِهِ لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ، بَلْ وَلَا لِكَلَامِهِ.
(وَحَامِلٌ عِنْدَ مَخَاضِ) - أَيْ: طَلَّقَ - نَصًّا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْأَشْهَرُ (مَعَ أَلَمٍ حَتَّى تَنْجُوَ) يَعْنِي مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْمَرَضِ الْمُمْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبُ فِرَاشٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ وَالْمَشِيمَةُ، وَحَصَلَ هُنَاكَ وَرَمٌ أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْجُ بَعْدُ، وَالسَّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ.
(وَلَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً) فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَلَمٌ (وَ) إنْ كَانَ (ثَمَّ مَرَضٌ) أَوْ أَلَمٌ؛ فَكَمَرَضٍ (مَخُوفٍ) لِلْخَوْفِ الشَّدِيدِ (وَكَمَيِّتٍ) فِي الْحُكْمِ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ عَدَمِ نُفُوذِ عَطَايَاهُ وَتَبَرُّعَاتِهِ - لَا مُطْلَقًا فَلَوْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَرِثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامِ الْمُوَفَّقِ (مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ) أَيْ: فُصِلَتْ وَأُخْرِجَتْ، لَا إنْ شُقَّتْ وَهِيَ فِي الْبَطْنِ (حُشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ) فَلَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ (لَا خَرْقَهَا) وَقَطْعَهَا (فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ وَكَمَيِّتٍ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ - (فَلَا يَرِثُ) مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِمَّنْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) كَذَا قَالَ. وَعِبَارَتُهُ هُنَا لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ، وَرِثَهُ، وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرِثُ (لِأَنَّ الْمَوْتَ زُهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ، وَلَمْ يُوجَدْ) وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُوَرَّثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتُ مِنْ حَيَاةِ هَذَا انْتَهَى.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ فَقَوْلُهُ لَغْوٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَعَطِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ.
(وَلَوْ عَلَّقَ) إنْسَانٌ (صَحِيحٌ عِتْقَ قِنِّهِ) عَلَى صِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ أَوْ نُزُولِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ (فَوُجِدَ) شَرْطُهُ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ، وَلَوْ كَانَ وُجُودُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (فَ) عِتْقُ الْعَبْدِ، يُعْتَبَرُ (مِنْ ثُلُثِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعِتْقِ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ) لِأَنَّ مِنْ إتْمَامِ صِحَّةِ الْهِبَةِ التَّسْلِيمُ، وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا فِي الْمَرَضِ؛ فَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ.
(وَلَوْ) اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَصَاحِبُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الْعَتِيقُ؛ بِأَنْ (ادَّعَى مُتَّهِبٌ)
أَنْ (الْهِبَةَ) أُعْطِيَهَا فِي الصِّحَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ) ادَّعَى (مَعْتُوقٌ) صُدُورَ الْعِتْقِ (فِي الصِّحَّةِ) فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَهُ (فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ) ذَلِكَ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي الْعِتْقِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " فِي آخِرِ الْعَطِيَّةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَاخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُعْطَى فِي مَرَضِ الْمُعْطِي فِي رَأْسِ الشَّهْرِ فَقَوْلُ الْمُعْطَى إنَّ الْمُعْطِيَ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَرَضِ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَتَقَدَّمَ عَطِيَّةٌ اجْتَمَعَتْ مَعَ وَصِيَّةٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ إجَازَةٍ) لَهُمَا قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُقَدَّمُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَالنَّظْمِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (بِتَبَرُّعَاتٍ نُجِّزَتْ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ) مِنْهَا (فَالْأَوَّلِ مُرَتَّبَةً) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمُنَجَّزَةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي، فَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَتْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ شَارَكَتْهَا الثَّانِيَةُ لَمَنَعَ ذَلِكَ لُزُومَهَا فِي حَقِّ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ بَعْضِهَا بِعَطِيَّةٍ أُخْرَى، وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَجَّزَةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ (وَ) إنْ وَقَعَتْ الْعَطَايَا الْمُنَجَّزَةِ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَبِلَهَا الْكُلُّ مَعًا، أَوْ وَكَّلُوا وَاحِدًا قَبِلَ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ (بِالْحِصَصِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ.
(وَلَوْ) كَانَتْ التَّبَرُّعَاتُ (عِتْقًا) فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ؛ لِاسْتِحْقَاقِ السَّابِقِ الثُّلُثَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ (لَكِنْ إنْ كَانَتْ) التَّبَرُّعَاتُ (كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ، فَكَمَّلْنَا الْعِتْقَ) كُلَّهُ (فِي بَعْضِهِمْ) .
قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَإِنْ) قَالَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، إنْ (أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (سَعْدًا؛ عَتَقَ سَعِيدٌ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) وَلَمْ يُقْرَعْ
بَيْنَهُمَا؛ لِسَبْقِ عِتْقِ سَعْدٍ.
(وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لِعَجْزِ الثُّلُثِ) عَنْ قِيمَتِهِ كُلِّهِ (فَاتَ عِتْقُ سَعِيدٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ) بَعْدَ إعْتَاقِ سَعْدٍ (مَا يُعْتَقُ بِهِ بَعْضُ سَعِيدٍ عَتَقَ بِقَدْرِهِ) - أَيْ: الثُّلُثِ مِنْ سَعِيدٍ - لِوُجُوبِ شَرْطِ عِتْقِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ الْمَرِيضُ (إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمْ؛ عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ أَوْ) خَرَجَ (وَاحِدٌ وَبَعْضُ آخَرَ؛ عَتَقَ سَعْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَقْرَعَ بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرو) فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِإِيقَاعِ عِتْقِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ لِوَاحِدٍ عَلَى آخَرَ (وَلَوْ) خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ) عَتَقَ سَعْدٌ كَامِلًا بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو (لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَ) حُصُولِ (التَّشْقِيصِ) فِي (الْآخَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ،.
(وَكَذَا) لَوْ قَالَ مَرِيضٌ: (إنْ أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ) فِي حَالِ إعْتَاقِي؛ فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ (أَوْ) قَالَ: إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا (فَهُوَ) - أَيْ: سَعْدٌ - (وَعَمْرٌو حُرَّانِ) فِي (حَالِ إعْتَاقِي) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ لِجَعْلِهِ عِتْقَ سَعْدٍ شَرْطًا لِعِتْقِ وَحْدِهِ أَوْ مَعَ عَمْرٍو، وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لَفَاتَ شَرْطُ عِتْقِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ؛ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ) قَالَ مَرِيضٌ إنْ (تَزَوَّجْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ) فِي مَرَضِهِ (بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ) (فَ) الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (مُحَابَاةً) تُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (إلَّا بِهَا) - أَيْ: الْمُحَابَاةِ - (أَوْ الْعَبْدِ قُدِّمَتْ) الْمُحَابَاةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ؛ بِكَوْنِ التَّزْوِيجِ شَرْطًا فِي الْعِتْقِ، فَقَدْ سَبَقَتْ الْعِتْقَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ بِأَنْ لَا تَرِثَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ، إمَّا لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهَا فِي حَيَاتِهِ، إمَّا بِمَوْتِهَا أَوْ طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إنْ وَرِثَتْهُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَثْبُتُ لَهَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالِ تَزْوِيجِي، فَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِتَمَامِ التَّزْوِيجِ وَالْعِتْقُ قَبْلَ تَمَامِهِ، فَيَكُونُ سَابِقًا
عَلَى الْمُحَابَاةِ فَيَتَقَدَّمُ لِهَذَا الْمَعْنَى، سِيَّمَا إذَا تَأَكَّدَ بِمَوْتِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَ) مَا لَزِمَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَلَا إسْقَاطُهُ كَ (أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ) وَجِنَايَاتِ عَبْدِهِ (وَ) مَا لَزِمَهُ مِنْ (مُعَاوَضَةٍ بِثَمَنٍ مِثْلَ) بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) كَانَ (بِزَائِدٍ) يَسِيرًا بِحَيْثُ (يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (بِهِ) - أَيْ: بِمِثْلِهِ عَادَةً (فَمِنْ رَأْسِ مَالٍ) لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِوُقُوعِ التَّعَارُفِ بِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ مُعَاوَضَتُهُ (مَعَ وَارِثٍ) فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا وَلَا تُهْمَةَ
(وَإِنْ حَابَا) مَرِيضٌ (وَارِثَهُ؛ بَطَلَتْ) تَصَرُّفَاتُهُ (فِي قَدْرِهَا) - أَيْ: الْمُحَابَاةِ - لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ لِوَارِثٍ بِغَيْرِ إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْوَصِيَّةِ، وَهِيَ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ، فَكَذَا الْمُحَابَاةُ (وَصَحَّتْ) الْمُعَاوَضَةُ (فِي غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ بَاقِي الثَّمَنِ (بِقِسْطِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمُحَابَاةُ، وَهِيَ فِي غَيْرِ قَدْرِهَا مَفْقُودَةٌ، فَلَوْ بَاعَ لِوَارِثِهِ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَشَرَةٍ؛ فَلَمْ يُجِزْ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَعَطِيَّةٍ (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي - (الْفَسْخُ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ) فَشُرِحَ لَهُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ فَسَخَ، وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءَ فِي الْكُلِّ وَتَكْمِيلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (لَا إنْ كَانَ لَهُ) - أَيْ: الْوَارِثِ الْمُشْتَرِي - (شَفِيعٌ، وَأَخَذَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ (مِنْ وَارِثٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ وُجِدَ وَحَيْثُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ.
(وَلَوْ حَابَى) الْمَرِيضُ (أَجْنَبِيًّا) بِأَنْ بَاعَهُ شِقْصًا وَحَابَاهُ فِي ثَمَنِهِ، وَخَرَجَتْ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ (وَشَفِيعُهُ) - أَيْ: الْأَجِيرِ - (وَارِثٌ أَخَذَ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (إنْ لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ
كَذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَقَوْلُهُ:(لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ) - أَيْ: الْوَارِثِ - مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذٍ بِهَا عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ التُّهْمَةِ مِنْ إيصَالِ الْمَالِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا إذَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ.
(وَإِنْ أَجَرَ) الْمَرِيضُ (نَفْسَهُ وَحَابَا الْمُسْتَأْجِرَ) وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (صَحَّ) الْعَقْدُ (مَجَّانًا) - أَيْ: مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْجَرْ نَفْسَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ.
(وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُهُ) - أَيْ: ثُلُثُ مَالِ الْمُعْطِي فِي الْمَرَضِ - (عِنْدَ مَوْتٍ) لَا عِنْدَ عَطِيَّةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ عِتْقٍ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْوَصِيَّةِ، وَالثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِهَا وَقَبُولِهَا وَرَدِّهَا؛ فَكَذَلِكَ فِي الْعَطِيَّةِ.
(فَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (مَا) - أَيْ: عَبْدًا - (لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَلَكَ مَا) - أَيْ: مَالًا - (يُخْرِجُ) الْعَبْدُ (مِنْ ثُلُثِهِ؛ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ كُلُّهُ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَإِنْ لَزِمَهُ) بَعْدَ عِتْقِهِ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ) أَيْ: الْعَتِيقُ - (لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهَا بِدَلِيلِ قَوْلِ عَلِيٍّ:«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَحُكْمُ هِبَتِهِ كَعِتْقِهِ.
(وَلَوْ قَضَى) مَرِيضٌ (بَعْضَ غُرَمَائِهِ) دَيْنَهُ (صَحَّ) الْقَضَاءُ (وَفَازَ) الْمَقْضِيُّ (بِهِ) - أَيْ: بِمَا اقْتَضَاهُ - وَلَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ بِتَبَرُّعٍ، وَلَمْ يُزَاحِمْ الْبَاقُونَ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمَقْضِيَّ، (وَلَوْ لَمْ تَفِ تِرْكَتُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ - (بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِ) لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.
(وَإِذَا تَبَرَّعَ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ أَوْ عِتْقٍ ثُمَّ أَقَرَّ) بَعْدَ التَّبَرُّعِ (بِدَيْنٍ؛ لَمْ يُبْطَلْ تَبَرُّعٌ وَلَا عِتْقٌ) بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ التَّبَرُّعِ أَوْ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ.