الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا تَعُودُ وَدِيعَةٌ) بَعْدَ التَّعَدِّي فِيهَا (بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ) وَلِبُطْلَانِ الِاسْتِئْمَانِ بِالْعُدْوَانِ.
(وَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَدِيعٍ (بِنِيَّةِ تَعَدٍّ) فِي الْوَدِيعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " لِأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ فِيهَا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَاَلَّذِي لَمْ يَنْوِ، وَفَارَقَ الْمُلْتَقِطَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِأَخْذِهَا نَاوِيًا لِلْخِيَانَةِ فِيهَا، فَوَجَبَ الضَّمَانُ بِفِعْلِهِ الْمَنْوِيِّ، لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَوْ الْتَقَطَهَا قَاصِدًا لِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ إمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ كَانَتْ كَمَسْأَلَتِنَا.
وَلَوْ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِإِخْرَاجِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَعْمَلَهَا. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ".
[تَتِمَّةٌ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْوَدِيعِ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ]
[تَتِمَّةٌ: وَإِنْ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْوَدِيعِ] بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ دُونَ الْوَدِيعِ؛ لِوُجُودِ الْعُدْوَانِ مِنْ الْخَالِطِ، وَمَتَى جَدَّدَ الْوَدِيعُ اسْتِئْمَانًا؛ بَرِئَ، فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدُ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي الِاسْتِئْمَانِ الَّذِي تَلِفَتْ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ قَدْ زَالَ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ الضَّمَانِ بِتَعَدِّيهِ؛ بَرِئَ، فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ بَعْدُ؛ لِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَزَالَ حُكْمُ التَّعَدِّي بِالْبَرَاءَةِ.
وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَاسْتَوْدَعَهُ آخَرُ عَشَرَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا، فَخَلَطَهَا، فَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِخَلْطِ دَرَاهِمِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ دَرَاهِمَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ دُونَ الْأُخْرَى، وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ بِيضٍ بِسُودٍ أَوْ بُرٍّ بِشَعِيرٍ أَوْ عَدَسٍ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِإِمْكَانِ التَّمَيُّزِ؛ فَلَا يَعْجِزُ بِذَلِكَ عَنْ رَدِّهَا؛ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَوْ تَرَكَهَا فِي صُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ.
(وَصَحَّ) قَوْلُ مَالِكٍ لِوَدِيعٍ؛ (كُلَّمَا خُنْت ثُمَّ عُدْت لِلْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ) ؛ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ، (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ مَالٍ لِوَدِيعٍ:(رُدَّهُ) - أَيْ: الْمَالَ - (غَدًا وَبَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ غَدٍ - (يَعُودُ) الْمَالُ (وَدِيعَةً)
عِنْدَك (تَعَيَّنَ) عَلَى الْوَدِيعِ (رَدُّهُ غَدًا) امْتِثَالًا، فَإِنْ أَخَّرَ رَدَّهُ عَنْ الْغَدِ، وَتَلِفَ ضَمِنَ، لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَا يَعُودُ أَمَانَةً بَعْدَ رَدِّهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ الرَّدِّ.
فَائِدَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرٌ عَلَى مَالِهِ، فَخَشِيَ مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ، وَهُوَ أَصْلَحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيَرْتَعَ مَعَهُمْ، لَا سِيَّمَا وَلِلْأَخْذِ شُبْهَةٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَلَوْ اخْتَلَطَتْ) الْوَدِيعَةُ (لَا بِفِعْلِهِ) - أَيْ: الْوَدِيعِ - بِأَنْ تَدَحْرَجَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِفِعْلِ حَيَوَانٍ كَهِرٍّ وَنَحْوِهِ، (فَضَاعَ) مِنْ الْوَدِيعَةِ (الْبَعْضُ) ؛ فَالضَّائِعُ (مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ مَالِ الْوَدِيعِ - وَالْبَاقِي مِنْ الْوَدِيعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ الْكُلُّ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ.
(وَإِنْ أَخَذَ) الْوَدِيعُ (دِرْهَمًا) بِلَا إذْنٍ مِنْ وَدِيعَةٍ غَيْرِ مَخْتُومَةٍ وَلَا مَشْدُودَةٍ وَلَا مَصْرُورَةٍ، (ثُمَّ رَدَّهُ) وَتَلِفَتْ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ، أَوْ أَخَذَ مِنْهَا دِرْهَمًا، ثُمَّ رَدَّ (بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا) ، وَضَاعَتْ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ. (أَوْ أَذِنَ) الْمَالِكُ لِلْوَدِيعِ (فِي أَخْذِهِ) دِرْهَمًا مِنْهُمَا، فَأَخَذَهُ، وَ (رَدَّ بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - (فَضَاعَ الْكُلُّ؛ ضَمِنَهُ) - أَيْ: الدَّرَاهِمَ - (وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِالْأَخْذِ، فَلَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، (مَا لَمْ تَكُنْ) الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ (مَخْتُومَةً أَوْ مَشْدُودَةً) أَوْ مَصْرُورَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِهَتْكِ الْحِرْزِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ، (أَوْ) يَكُنْ الْبَدَلُ الَّذِي رَدَّهُ (غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ) ، وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ، (فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ) ؛ لِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا ضَاعَ، هَلْ هُوَ الْمَرْدُودُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ؟ فَيَضْمَنُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ.
(وَيَضْمَنُ) وَدِيعٌ (بِخَرْقِ كِيسٍ) فِيهِ وَدِيعَةٌ (مِنْ فَوْقِ شَدٍّ) - أَيْ: رِبَاطٍ - (أَرْشَهُ) - أَيْ: الْكِيسِ - (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَا فِي الْكِيسِ
لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حِرْزَهُ، وَيَضْمَنُ بِخَرْقِهِ (مِنْ تَحْتِهِ) - أَيْ: الشَّدِّ - (أَرْشَهُ وَمَا فِيهِ) إنْ ضَاعَ؛ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ.
(وَمَنْ أَوْدَعَهُ صَغِيرٌ) مُمَيَّزٌ أَوْ لَا، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) أَوْدَعَهُ (مَجْنُونٌ أَوْ أَوْدَعَهُ سَفِيهٌ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَدِيعَةً) ؛ [لَمْ يَبْرَأْ] الْوَدِيعُ مِنْ صَغِيرٍ وَنَحْوِهِ (إلَّا بِرَدِّهَا لِوَلِيِّهِ) فِي مَالِهِ؛ كَدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ (وَيَضْمَنُهَا) قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ (إنْ تَلِفَتْ مُطْلَقًا) ، تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ أَوْ لَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ مِنْ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَلِفَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ، وَأَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ " بَحْثًا، (مَا لَمْ يَكُنْ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَحْظَهُ مُمَيَّزًا (مَأْذُونًا لَهُ) فِي الْإِيدَاعِ، (أَوْ يَخَفْ) الْآخِذُ (هَلَاكَهَا مَعَهُ) إنْ تَرَكَهَا، (فَأَخَذَهَا لِحِفْظِهَا) حَتَّى يُسَلِّمَهَا لِوَلِيِّهِ حِسْبَةً؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَالٍ (ضَائِعٍ وَمَوْجُودٍ فِي مَهْلَكَةٍ) إذَا أَخَذَهُ لِحِفْظِهِ لِرَبِّهِ، وَتَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ؛ لِقَصْدِهِ بِهِ التَّخَلُّصَ مِنْ الْهَلَاكِ، فَالْحَظُّ فِيهِ لِمَالِكِهِ، وَ (كَأَخْذِهِ) مَالًا (مَغْصُوبًا) مِنْ الْغَاصِبِ (تَخْلِيصًا لَهُ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ) ، فَتَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) لَوْ وَجَدَ إنْسَانٌ (مَا) - أَيْ: حَيَوَانًا (حَرُمَ الْتِقَاطُهُ) ؛ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ صِغَارِ الْبَاعِ (بِمَضِيعَةٍ) - أَيْ: فَلَاةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ، (وَعَلِمَ رَبُّهُ) - أَيْ: مَالِكُهُ - (فَأَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ) ، وَتَلِفَ، لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ مَعْرُوفًا، فَلَا يُجَازَى بِضِدِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ.