الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِئْرٍ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، (أَوْ) بِحَفْرِ بِئْرٍ (فِي السَّبِيلِ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، فَقَالَ) لَهُ (الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ تُحْفَرْ بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَصِيَّةِ حَفْرُهَا بِمَوْضِعٍ يَعُمُّ نَفْعُهُ (وَ) إنْ وَصَّى (بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلَمْ يَجِدْ) الْوَصِيُّ (عَرْصَتَهُ) ؛ أَيْ: أَرْضًا يَبْنِيهَا مَسْجِدًا (لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا بِمَسْجِدٍ صَغِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، (وَ) لَوْ وَصَّى (بِدَفْعِ هَذَا لِيَتَامَى) بَنِي (فُلَانٍ فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا) تَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ (فَ) هُوَ (وَصِيَّةٌ) لَهُمْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) إنْ قَالَ لِوَصِيِّهِ (ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت، أَوْ أَعْطِهِ) لِمَنْ شِئْت (أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ شِئْت؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ لِنَفْسِهِ وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ.
هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، إنَّمَا أَمَرَهُ بِتَنْفِيذِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا؛ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا (دَفْعُهُ) ؛ أَيْ: الثُّلُثِ (لِأَقَارِبِهِ) ؛ أَيْ: الْوَصِيِّ (الْوَارِثِينَ لَهُ وَلَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ، (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا دَفْعُ الثُّلُثِ (لِوَرَثَةِ مُوصٍ) لِأَنَّهُ قَدْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهِ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبُ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ لَا يَدْفَعُ الْمُسْتَنِيبُ إلَيْهِ.
[تَتِمَّةٌ قَالَ اصْنَعْ فِي مَالِي مَا شِئْت أوافعل بِهِ مَا شِئْت]
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ قَالَ: اصْنَعْ فِي مَالِي مَا شِئْت، أَوْ هُوَ بِحُكْمِك افْعَلْ بِهِ مَا شِئْت، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْإِبَاحَةِ، لَا الْأَمْرِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْت أَنَّ
هَذَا الْوَصِيَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ؛ فَلَا يَكُونُ الْإِخْرَاجُ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا، بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ (وَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (لِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ مُسْتَغْرِقٍ مَالَهُ غَيْرَ الْعَقَارِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى تَتِمَّتِهِ مِنْ الْعَقَارِ، (أَوْ) دَعَتْ الْحَاجَةُ لِبَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ (لِحَاجَةِ صِغَارٍ) مِنْ وَرَثَةٍ (وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ) ؛ أَيْ: الْعَقَارِ (ضَرَرٌ كَنَقْصِ ثَمَنٍ) عَلَى الصِّغَارِ (بَاعَ الْوَصِيُّ) الْعَقَارَ كُلَّهُ عَلَى صِغَارٍ وَ (عَلَى كِبَارٍ) إنْ (أَبَوْا) ؛ أَيْ: الْكِبَارُ بَيْعَهُ (أَوْ غَابُوا) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلِلْأَبِ بَيْعُ الْكُلِّ، فَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ وَصِيٌّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ، فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا أَوْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا وَفَّى مِنْ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ الصِّغَارِ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ يَبِعْ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فَرْعُ الْمَيِّتِ، وَهُوَ لَا يَبِيعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى (وَكَذَا لَوْ اخْتَصُّوا) ؛ أَيْ: الْكِبَارُ (بِمِيرَاثٍ) بِأَنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَوَصَّى بِقَضَائِهِ، أَوْ وَصِيَّتُهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَاحْتِيجَ فِي ذَلِكَ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارِهِ، وَفِي تَشْقِيصِهِ ضَرَرٌ، وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارٌ (وَأَبَوْا وَفَاءَهُ) ؛ أَيْ: الدَّيْنِ، أَوْ غَابُوا؛ بَاعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ، أَوْ غَابَ؛ فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ نَائِبُ الْمُوصِي، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَقَارِ، بَلْ يَثْبُتُ فِيمَا عَدَاهُ، إلَّا الْفُرُوجَ احْتِيَاطًا نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَصِيِّ يَبِيعُ عَلَى الْبَالِغِ الْغَائِبِ، فَقَالَ: إنَّمَا الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ كَانَ فَرْجٌ، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَهُ.
وَإِنَّمَا خُصَّ الْعَقَارُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ أَحَظُّ لِلْيَتِيمِ؛ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ مُنَبِّهٌ عَلَى الثُّبُوتِ فِيمَا دُونَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَمَنْ مَاتَ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ) كَجَزَائِرَ لَا عُمْرَانَ بِهَا (أَوْ بَلَدٍ وَلَا حَاكِمَ) حَضَرَ مَوْتَهُ (وَلَا وَصِيَّ)
لَهُ بِأَنْ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ، أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى إلَيْهِ (فَلِمُسْلِمٍ حَضَرَهُ أَخْذُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ) مِنْهَا (مِمَّا يَسْرُعُ فَسَادُهُ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ لِحِفْظِ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ؛ إذْ فِي تَرْكِهِ إتْلَافٌ لَهُ، فَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَ حِفْظُهَا وَحَمْلُهَا لِلْوَرَثَةِ أَصْلَحَ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (أَوْ كَانَ) الْبَيْعُ (أَصْلَحَ) وَجَبَ بَيْعُهَا حِفْظًا لَهَا، (وَلَوْ) كَانَ فِي التَّرِكَةِ (إمَاءً) ؛ أَيْ: فَلَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُنَّ حَاكِمٌ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِمْ لِيَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوهَا انْتَهَى.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِهِنَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ فُرُوجِهِنَّ، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي (وَيُجَهِّزُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْلِمُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ وَأَمْكَنَ تَكْفِينُهُ مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) تَرِكَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُ مِنْهَا (فَ) يُجَهِّزُهُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْ عِنْدِهِ وَيَرْجِعُ) بِمَا جَهَّزَهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (عَلَيْهَا) ؛ أَيْ: عَلَى تَرِكَتِهِ حَيْثُ كَانَتْ، (أَوْ) يَرْجِعُ بِهِ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) غَيْرَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، (إنْ نَوَاهُ) : أَيْ: الرُّجُوعَ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا أَوْ لَا، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ لَا (أَوْ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا) فِي تَجْهِيزِهِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ إذَنْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَإِنْ نَوَاهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَامَ عَنْ غَيْرِهِ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَنُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ إذْ الزَّوْجُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا؛ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا بَلْ عَلَى أَبِيهَا وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.