الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: مِنْ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ - مَعَ ضَمَانِ أَرْشِهِ؛ (لِكَوْنِهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةِ - (ثَمِينَةً) أَيْ: غَالِيَةَ الثَّمَنِ - فَإِنْ امْتَنَعَ (فَلَا طَلَبَ لَهُ) ، وَيَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ حَصَلَ الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ (بِفِعْلِ مَالِكِهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةِ - فَإِنَّهَا (تُكْسَرُ مَجَّانًا) ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى رَبِّهَا إعَادَةُ الدِّينَارِ إلَى مَالِكِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِدُونِ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ، فَجَازَ كَسْرُهَا لِذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ مَالِكِهَا، (وَ) إنْ حَصَلَ فِيهَا (بِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ) فَإِنَّهُ (يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ) فِي الْمِحْبَرَةِ (وَ) بَيْنَ (كَسْرِهَا) ، فَرَّطَ رَبُّ الْمِحْبَرَةِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، (وَعَلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ الدِّينَارِ - (قِيمَتُهَا) كَامِلَةً؛ لِتَعَدِّيهِ، (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: رَبَّ الدِّينَارِ - (قَبُولُ مِثْلِهِ) - أَيْ الدِّينَارَ - (إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا) - أَيْ: الْمِحْبَرَةَ - وَلَمْ يَجُزْ كَسْرُهَا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَالًا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
وَلَوْ بَادَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إلَى الْمِحْبَرَةِ، وَكَسَرَهَا عُدْوَانًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ".
[فَصْلٌ يَلْزَمُ رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ]
(فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ)[غَاصِبًا] وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ (رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ كَقِصَارَةِ) ثَوْبٍ (وَسِمَنِ) حَيَوَانٍ (وَتَعَلُّمِ صَنْعَةِ) آدَمِيٍّ، (وَ) بِزِيَادَتِهِ (الْمُنْفَصِلَةِ؛ كَوَلَدٍ) مِنْ بَهِيمَةٍ، وَكَذَا مِنْ أَمَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَهُوَ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، (وَكَكَسْبِ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ؛ كَالْأَصْلِ.
(وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا، فَأَمْسَكَ) الْقِنُّ أَوْ الشَّبَكَةُ أَوْ الشَّرَكُ صَيْدًا؛ فَلِمَالِكِهِ، (أَوْ) غَصَبَ (جَارِحًا) أَوْ سَهْمًا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ":(أَوْ فَرَسًا) ، قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " أَوْ قَوْسًا، (فَصَادَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ) - أَيْ: الْجَارِحِ - (أَوْ) صَادَ (عَلَيْهِ) - أَيْ: الْفَرَسِ صَيْدًا، (أَوْ) غَزَا عَلَى الْفَرَسِ، (فَغَنِمَ) ؛ فَالصَّيْدُ وَسَهْمُ الْفَرَسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِمَالِكِهِ) - أَيْ: الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ - لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَغْصُوبِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ
وُهِبَ لِلرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَالِكِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى رِبْحِ الدَّرَاهِمِ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَلْزَمُ غَاصِبًا (أُجْرَتُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - (زَمَنَ ذَلِكَ) - أَيْ: اصْطِيَادَهُ وَنَحْوَهُ - لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ، فَأَخَذَ الْمَالِكُ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) - أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَكُونُ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ - (إنْ كَانَ مَا خَصَّهُ) - أَيْ: مَا حَصَّلَهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَنِيمَةٍ - (قَدْرَ أُجْرَتِهِ) - أَيْ: أُجْرَةِ الْمَغْصُوبِ - (فَأَكْثَرَ) مِنْ أُجْرَتِهِ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْحَاصِلُ عَنْ قَدْرِ أُجْرَتِهِ؛ فَلِرَبِّ الْمَغْصُوبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ تُؤْخَذُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِعُدْوَانِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ غَصَبَ مِنْجَلًا، فَقَطَعَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ خَشَبًا أَوْ حَشِيشًا) ؛ فَالْخَشَبُ أَوْ الْحَشِيشُ (لِغَاصِبٍ) ؛ لِحُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ كَالْحَبْلِ الْمَغْصُوبِ يَرْبِطُ فِيهِ الْغَاصِبُ مَا يَجْمَعُهُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ.
(وَيَتَّجِهُ مِثْلُهُ) - أَيْ: مِثْلُ الْمِنْجَلِ فِي الْحُكْمِ - (لَوْ غَصَبَ سِلَاحًا) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ وَنَحْوِهِ (فَصَادَ بِهِ) - أَيْ: بِالسِّلَاحِ الْمَغْصُوبِ - فَهُوَ لِغَاصِبِهِ؛ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَيْفًا، فَقَاتَلَ بِهِ، وَغَنِمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ أَزَالَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (اسْمَهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - بِعَمَلِهِ فِيهِ (كَنَسْجِ غَزْلٍ) فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، (وَطَحْنِ حَبٍّ) غَصَبَهُ فَصَارَ يُسَمَّى دَقِيقًا، (أَوْ طَبْخِهِ) - أَيْ: الْحَبَّ - فَصَارَ يُسَمَّى طَبِيخًا، (وَنَجْرِ خَشَبٍ) بَابًا أَوْ رُفُوفًا وَنَحْوَهَا (وَضَرْبِ نَحْوِ حَدِيدٍ) مَسَامِيرَ أَوْ سَيْفًا وَنَحْوَهُ، (وَ) ضَرْبِ
(فِضَّةٍ) دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا، (وَجَعْلِ طِينٍ) غَصَبَهُ (لَبِنًا) أَوْ آجُرًّا، (أَوْ فُخَّارًا) كَجِرَارٍ وَنَحْوِهَا؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ وُجُوبًا مَعْمُولًا؛ لِقِيَامِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ، (وَ) رَدَّ (أَرْشَهُ إنْ نَقَصَهُ) ؛ لِحُصُولِ نَقْصِهِ بِفِعْلِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ عَيْنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ هُمَا، (وَلَا شَيْءَ لَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (لِعَمَلِهِ فِيهِ) ، وَلَوْ زَادَ بِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ؛ كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي زِيَادَةِ الثَّوْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا؛ لَزِمَهُ رَدُّ ذَلِكَ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَذَبْحُ الْغَاصِبِ الشَّاةَ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مُزَكَّاةٌ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الزَّكَاةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ وَلَا غَيْرُهُ أَكْلُهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.
(وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْ مَغْصُوبٍ (إلَى حَالَتِهِ) الَّتِي غَصَبَهَا عَلَيْهَا، كَمَسَامِيرَ ضَرَبَهَا نِعَالًا؛ فَلَهُ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّهَا مَسَامِيرَ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبَةِ مُحَرَّمٌ فَمَلَكَ الْمَالِكُ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى كَالْأَبْوَابِ وَالْفُخَّارِ وَالْآجُرِّ وَالشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، وَالْحَبِّ طَحَنَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ، وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ) إنْسَانًا (عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْهُ) - أَيْ: مِمَّا تَقَدَّمَ - (فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ) ، وَالْحُكْمُ فِي زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ النَّقْصِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَجِيرُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِدُونِ إذْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ
الْغَاصِبُ؛ رَجَعَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْأَجِيرِ.
(وَمَنْ حَفَرَ فِي) أَرْضٍ (مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا أَوْ شَقَّ) فِيهَا (نَهْرًا، وَوَضَعَ التُّرَابَ) الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ (بِهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ - (فَلَهُ طَمُّهَا) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) ؛ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ تَالِفٍ بِهَا - أَيْ: الْبِئْرِ - أَوْ كَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ (تَالِفٍ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرَ - أَوْ لِكَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ، (وَ) لِلْغَاصِبِ حِينَئِذٍ (رَدُّ تُرَابِهَا مِنْ نَحْوِ مِلْكِهِ أَوْ طَرِيقٍ) نَقَلَهَا إلَيْهِ حَيْثُ بَقِيَ، فَلَوْ كَانَ بِسَيْلٍ أَوْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ الطَّمُّ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا بِرَمْلٍ وَكُنَاسَةٍ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ.
(وَلَوْ أَنَّهُ أُبْرِئَ) ؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ (مِمَّا يَتْلَفُ بِهَا) - أَيْ: بِالْبِئْرِ وَنَحْوِهَا - لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةِ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ ": لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ زَالَ التَّعَدِّي، فَيَزُولُ الضَّمَانُ، (وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ) مِمَّا يَتْلَفُ بِالْبِئْرِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَمَّنَةٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ؛ (لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ) مِنْ حَافِرِ الْبِئْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ (هُوَ التَّعَدِّي) مِنْهُ بِحَفْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا.
(وَ) السَّبَبُ (الثَّانِي) هُوَ (الْإِتْلَافُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ) الْبَرَاءَةُ (بَرَاءَةً مِمَّا سَيَجِبُ) ، وَإِنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْمَالِكِ عَنْ الْغَاصِبِ التَّعَدِّيَ بِرِضَاهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ طَمَّهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ رِضًى بِالْحَفْرِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إبْرَائِهِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا.
(وَ) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا أَوْ فِي مَوَاتٍ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا؛ (فَلَا
يَطُمُّهَا) الْغَاصِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ نُقْرَةً، فَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا نُقْرَةً بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهَا. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ أَرَادَهُ) - أَيْ: الطَّمَّ - لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (مَالِكٌ؛ أُلْزِمَ) غَاصِبٌ (بِهِ) - أَيْ: الطَّمِّ - لِعُدْوَانِهِ بِالْحَفْرِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ.
(وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ) غَصَبَ (بَيْضًا فَصَارَ) الْبَيْضُ (فِرَاخًا، أَوْ) غَصَبَ (نَوًى) فَصَارَ غَرْسًا، (أَوْ) غَصَبَ (أَغْصَانًا) فَغَرَسَهَا (فَصَارَتْ شَجَرًا؛ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: رَدَّ الْغَاصِبُ الزَّرْعَ وَالْفِرَاخَ وَالشَّجَرَ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، (وَلَا شَيْءَ لَهُ) - أَيْ: لِلْغَاصِبِ فِي عَمَلِهِ - لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ.
(وَيَتَّجِهُ إبْقَاءُ الزَّرْعِ) فِي أَرْضِ الْغَاصِبِ لِلْغَاصِبِ (قَهْرًا لِ) أَوَانِ (حَصَادِهِ بِلَا أُجْرَةٍ) مُعَاقَبَةً، (لَا) إبْقَاءُ (الشَّجَرِ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ غَصَبَ شَاةً) أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً وَنَحْوَهَا، (وَأَنْزَى عَلَيْهَا فَحْلَهُ؛ فَالْوَلَدُ لِمَالِكِ الْأُمِّ) ؛ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْفَحْلِ؛ لِعَدَمِ إذْنِ رَبِّهَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَكَذَا لَوْ غَصَبَ نَخْلَةً، وَحَصَلَ مِنْهَا وَدْيٌ فَإِنَّهُ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا؛ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَإِنْ غَصَبَ فَحْلَ غَيْرِهِ عَلَى شَاتِهِ؛ فَالْوَلَدُ لَهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْفَحْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ الْفَحْلَ بِالْإِنْزَاءِ وَغَيْرُهُ؛ لَزِمَ الْغَاصِبَ أَرْشُ نَقْصِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ.