الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمِيرَاثِ كَالْعَطِيَّةِ، وَلِأَنَّ الذَّكَرَ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعَادَةِ يَتَزَوَّجُ، وَيَكُونُ [لَهُ] الْوَلَدُ، فَالذَّكَرُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَالْمَرْأَةُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا نَفَقَةُ أَوْلَادِهَا، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْمِيرَاثِ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِهِ، وَيَتَعَدَّى إلَى الْوَقْفِ وَالْعَطَايَا وَالصِّلَاتِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ مُلْغًى بِالْمِيرَاثِ وَالْعَطِيَّةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ فَضَّلَهَا عَلَيْهِ أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ؛ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ فَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ وَبِهِ حَاجَةٌ كَمَسْكَنَةٍ أَوْ عَمًى وَنَحْوِهِ، أَوْ خَصَّ، أَوْ فَضَّلَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ، أَوْ ذَا الدِّينِ دُونَ الْفُسَّاقِ، أَوْ خَصَّ أَوْ فَضَّلَ الْمَرِيضَ، أَوْ خَصَّ أَوْ فَضَّلَ مَنْ لَهُ فَضِيلَةٌ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ شَرْعًا.
[فَصْلٌ الْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ]
(فَصْلٌ: وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ) بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ؛ فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِهِ كَالْعِتْقِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ. أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ لَا؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِذَا تَجَرَّدَ فِي الْحَيَاةِ؛ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ كَالْعِتْقِ.
(لَا يُفْسَخُ) الْوَقْفُ (بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ (وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُسْتَبْدَلُ وَلَا يُنَاقَلُ بِهِ) وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ (نَصًّا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ
(وَلَا يُبَاعُ) فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ، وَلَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ (إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ (الْمَقْصُودَةُ) مِنْهُ (بِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ) مَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ
بِحَيْثُ لَا يَرُدُّ) الْوَقْفُ (شَيْئًا) عَلَى أَهْلِهِ (أَوْ يَرُدُّ شَيْئًا لَا يُعَدُّ نَفْعًا) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَتَتَعَذَّرُ عِمَارَتُهُ وَعَوْدُ نَفْعِهِ (وَلَمْ يُوجَدْ) فِي رِيعِ الْوَقْفِ (مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَلَوْ) كَانَ الْخَارِبُ الَّذِي تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ (مَسْجِدًا) حَتَّى (بِضِيقِهِ عَلَى أَهْلِهِ) الْمُصَلِّينَ بِهِ، وَتَعَذَّرَ تَوْسِيعُهُ فِي مَحَلِّهِ (أَوْ) كَانَ مَسْجِدًا، وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ (لِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ) أَيْ: النَّاحِيَةِ الَّتِي بِهَا الْمَسْجِدُ (أَوْ اسْتِقْذَارِ مَوْضِعِهِ) قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ (أَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (حَبِيسًا لَا يَصْلُحُ لِغَزْوٍ، فَيُبَاعُ) وُجُوبًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنَّمَا يَجِبُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا (وَلَوْ شَرَطَ) وَاقِفُهُ (عَدَمَ بَيْعِهِ، وَشَرْطُهُ) إذَنْ (فَاسِدٌ) نَصًّا، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ؛ لِحَدِيثِ:«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ» . إلَى آخِرِهِ (وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ) إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْبَدَلِ مَقَامَهُ تَأْبِيدًا لَهُ وَتَحْقِيقًا لِلْمَقْصُودِ، فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهُ (أَوْ فِي بَعْضِ مِثْلِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَهُ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ.
وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ جِنْسِ الْوَقْفِ الَّذِي بِيعَ، بَلْ أَيَّ شَيْءٍ اُشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى الْوَقْفِ؛ جَازَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ مِلْكًا لِمُعَيَّنٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ فَإِذَا جَازَ إبْدَالُهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ فَالْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْلَى بِأَنْ يُعَوَّضَ بِالْبَدَلِ، وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ الْبَدَلُ، وَالْإِبْدَالُ بِجِنْسِهِ مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إذَا كَانَ يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي يُوقَفُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ - وَعَيْنُهُ مُحْتَرَمَةٌ شَرْعًا - يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ بِهِ غَيْرُهُ لِلْمَصْلَحَةِ، لِكَوْنِ الْبَدَلُ أَنْفَعَ وَأَصْلَحَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ طَلْقًا مَعَ أَنَّهُ مَعَ مُتَعَطِّلٍ نَفَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ الْإِبْدَالُ بِالْأَنْفَعِ وَالْأَصْلَحِ فِيمَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ يَجُوزُ مَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ لِلْحَاجَةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَفِي بَيْعِ الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ، فَإِذَا جُوِّزَ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجْعَلَ
الْمَسْجِدُ طَلْقًا وَيُوقَفَ بَدَلُهُ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْأَوَّلِ، أَحْرَى، فَإِنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ الْمُسْتَغَلِّ أَوْلَى مِنْ بَيْعِ الْمَسْجِدِ، وَإِبْدَالَهُ أَوْلَى مِنْ إبْدَالِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ تُحْتَرَمُ عَيْنُهُ شَرْعًا، وَيُقْصَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ؛ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنْفَعَتِهِ، بِخِلَافِ وَقْفِ الِاسْتِغْلَالِ؛ فَإِنَّهُ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ نَفْعِهِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَلَا لَهُ حُرْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لِلْمَسْجِدِ، وَقَالَ: يَجِبُ بَيْعُ الْوَقْفِ مَعَ الْحَاجَةِ بِالْمِثْلِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ لِفَوَاتِ التَّغْيِيرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُنَاقَلَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَاقِعَةُ نَقْلِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَجَعْلِ بَيْتِ الْمَالِ فِي قِبْلَتِهِ، وَجَعْلِ مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ سُوقًا لِلتَّمَّارِينَ اشْتَهَرَتْ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهَا، وَلَا الِاعْتِرَاضُ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ عُمَرُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الْآمِرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْمَأْمُورُ النَّاقِلُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَسَاغِ الْقِصَّةِ وَالْإِقْرَارِ عَلَيْهَا وَالرِّضَى بِمُوجَبِهَا، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِبْدَالِ وَالْمُنَاقَلَةِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَسَاغِ بَيْعِ الْوَقْفِ عِنْدَ تَعَطُّلِ نَفْعِهِ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمُبَادَلَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّلًا، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِهِ لِحِرَاسَةِ بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي جُعِلَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الثَّانِي انْتَهَى.
وَصَنَّفَ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " مُصَنَّفًا فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ سَمَّاهُ " الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَأَجَادَ فِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ ابْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ، وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ:" دَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ فِي بَيْعِ الْمُنَاقَلَةِ " وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّتِنَا جَمَاعَةٌ فِي عَصْرِهِ.
(وَ) يَجُوزُ (نَقْلُ آلَةِ) مَسْجِدٍ (وَ) نَقْلُ (أَنْقَاضِ مَسْجِدٍ؛ جَازَ بَيْعُهُ) كَخَرَابِهِ أَوْ خَرَابِ مَحَلَّتِهِ أَوْ قَذَرِ مَحَلِّهِ (لِمَسْجِدٍ آخَرَ) إنْ (احْتَاجَهَا) مِثْلُهُ -[وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ
بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَدْ حَوَّلَ مَسْجِدَ الْجَامِعِ مِنْ التَّمَّارِينَ أَيْ: بِالْكُوفَةِ - (أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ) ] لِبَقَاءِ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى مِثْلِهِ، أَنَّهُ لَا يُعَمَّرُ بِآلَةِ الْمَسْجِدِ مَدْرَسَةٌ وَلَا رِبَاطٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا حَوْضٌ وَلَا قَنْطَرَةٌ، وَكَذَا آلَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، لَا يُعَمَّرُ بِهَا مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا فِي مِثْلِ الْعَيْنِ مُمْكِنٌ، فَتَعَيَّنَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلثَّانِي الَّذِي اُشْتُرِيَ بَدَلَهُ.
وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ آلَتُهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ؛ فَالْبُقْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ.
قَالَ حَرْبٌ: قُلْت لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ بَنَى مَسْجِدًا فَأَذَّنَ فِيهِ، ثُمَّ قَلَعُوا هَذَا الْمَسْجِدَ، وَبَنَوْا مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَنَقَلُوا خَشَبَ هَذَا الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. قَالَ: يَرُمُّوا هَذَا الْمَسْجِدَ الْآخَرَ الْعَتِيقَ، وَلَا يُعَطِّلُوهُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ، فَلَمْ يَمْنَعْ النَّقْلُ مَنْعَ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجَ الْبُقْعَةِ عَنْ كَوْنِهَا مَسْجِدًا كَمَا يَجُوزُ (تَجْدِيدُ بِنَائِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (لِمَصْلَحَتِهِ نَصًّا) لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدَيْنِ بِبَابَيْنِ إلَى دَرْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَهُ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ إذَا لَمْ تُمْكِنْ إجَارَتُهُ (لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَبَيْعُ الْبَعْضِ مَعَ بَقَاءِ الْبَعْضِ أَوْلَى (إنْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَجُزْ (إنْ كَانَ) الْمَوْقُوفُ (عَيْنَيْنِ) عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَاقِفٍ وَاحِدٍ، كَدَارَيْنِ خَرِبَتَا، فَتُبَاعُ إحْدَاهُمَا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (عَيْنًا) وَاحِدَةً؛ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا لِإِصْلَاحِ بَاقِيهَا.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ، أَيْ: قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَبِيعِ بَعْضُهَا بِالتَّشْقِيصِ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ إذَنْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً، وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ (بِيعَ الْكُلُّ) كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أَوْ حَاجَةٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ؛ لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: