الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى اللَّقِيطِ، (فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْتُورَةٍ) ، بِأَنْ يَقُولَ بِظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ كَتِفِهِ أَوْ فَخِذِهِ شَامَةٌ أَوْ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِ، فَكُشِفَ وَوُجِدَ كَمَا ذَكَرَ؛ (قُدِّمَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَصِفْهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ، فَقُدِّمَ بِوَصْفِهَا كَلُقَطَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ (وَصَفَاهُ) جَمِيعًا بِمَا تَقَدَّمَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا، (وَلَمْ يَصِفَاهُ) ، وَلَا وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، (وَلَا يَدَ) لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا؛ (سَلَّمَهُ حَاكِمٌ لِمَنْ يَرَى) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ، فَاسْتَوَيَا وَغَيْرُهُمَا فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَنَازَعَاهُ.
(وَلَا تَخْيِيرَ لِلَّقِيطِ) ؛ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، بِخِلَافِ اخْتِيَارِ الصَّغِيرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى تَجْرِبَةٍ تَقَدَّمَتْ.
قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ".
(وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَقِيطٍ؛ (سَقَطَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْكُهُ لِلْآخَرِ، كَالشَّفِيعَيْنِ.
وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنْ الْآخَرَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَسَأَلَ يَمِينَهُ؛ فَفِي " الْفُرُوعِ " يُتَوَجَّهُ يَمِينُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» .
[تَتِمَّةٌ الشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ]
تَتِمَّةٌ وَالشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُلْتَقِطَانِ اللَّقِيطَ مَعًا. وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ كَالْأَخْذِ. وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقِيَامِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَخْذِ عِنْدَ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَخْذِ، وَفِي مَعْنَاهُ وَضْعُ الْيَدِ، فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا.
[فَصْلٌ إرْثُ اللَّقِيطِ إنْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ]
(فَصْلٌ: وَإِرْثُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إنْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُهُ الْمُلْتَقِطُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَحِمٌ، وَلَا نِكَاحٌ فَالْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ (وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مِيرَاثِهِ، كَسَائِرِ مَالِهِ، إنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ؛ فَلَهَا الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ.
وَإِنْ مَاتَتْ لَقِيطَةٌ لَهَا زَوْجٌ؛ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ
بِنْتُ ابْنٍ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ؛ أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالرَّحِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
(وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلْتَقِطُهُ) ، بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ لَحِقَهُ، وَحَازَ إرْثَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِذَا جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ بِأَنْ جَنَى خَطَأً أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ؛ (فَدِيَةُ خَطَئِهِ) وَنَحْوُهَا (فِيهِ) - أَيْ: فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ؛ فَحُكْمُهُ فِيهَا حُكْمُ غَيْرِ اللَّقِيطِ، فَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ؛ اُقْتُصَّ مِنْهُ مَعَ الْمُكَافَأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَلَهُ مَالٌ؛ اُسْتُوْفِيَ مَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ مَالِهِ، وَإِلَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي) قَتْلٍ (عَمْدٍ، بَيْنَ أَخْذِهَا) - أَيْ: الدِّيَةِ - وَبَيْنَ (الْقِصَاصِ) نَصًّا، أَيَّهُمَا فَعَلَهُ جَازَ، إذَا رَآهُ أَصْلَحَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمَتَى عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ؛ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ.
(وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ) - أَيْ: طَرَفُ اللَّقِيطِ - وَهُوَ صَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ حَالَ كَوْنِ الْقَطْعِ (عَمْدًا؛ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ) لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الِاسْتِيفَاءِ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَانْتُظِرَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ لَهُ، بَلْ لِوَارِثِهِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ؛ فَيَحْبِسُ الْجَانِيَ عَلَى طَرَفِ اللَّقِيطِ إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ لِئَلَّا يَهْرَبَ.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ) اللَّقِيطُ (فَقِيرًا) عَاقِلًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا؛ (فَيُلْزِمُهُ الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَلَى مَا) ؛ أَيْ: شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ لِلَّقِيطِ، (يُنْفَقُ عَلَيْهِ) مِنْهُ، دَفْعًا لِحَاجَةِ الْإِنْفَاقِ.
قَالَ فِي
شَرْحِ الْمُنْتَهَى " عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوَ، لِأَنَّهُ لَا أَمَدَ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الْعَاقِلِ.
وَقُطِعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "" وَالْمُغْنِي " هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ "" وَالْمُذَهَّبِ "" وَالْمُسْتَوْعِبِ "" وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ.
وَعَلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّقِيطَ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا غَنِيًّا؛ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اللَّقِيطِ - جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ - رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَى (قَاذِفُهُ رِقَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَكَذَّبَهُمَا) اللَّقِيطُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ إنْسَانًا، وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ.
فَلِلَّقِيطِ طَلَبُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ حُرًّا. وَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا طَالَبَ، بِمَا يَجِبُ فِي الْحُرِّ.
وَإِنْ صَدَّقَ اللَّقِيطُ قَاذِفَهُ؛ أَوْ الْجَانِيَ عَلَيْهِ عَلَى كَوْنِهِ رَقِيقًا؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي قَذْفِ الرَّقِيقِ أَوْ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ) - أَيْ: غَيْرُ وَاجِدِهِ - (رِقَّهُ) - أَيْ اللَّقِيطِ - (أَوْ) ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ (مَجْهُولَ نَسَبِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ اللَّقِيطِ - مَمْلُوكُهُ، (وَهُوَ بِيَدِهِ) - أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ - (صُدِّقَ) الْمُدَّعِي؛ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ، (بِيَمِينِهِ) ؛ لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ حَيْثُ كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ أَوْ مَجْنُونًا، ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّقِيطُ أَوْ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِيَدِ الْمُدَّعِي؛ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ.
(وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إذَا ادَّعَاهُ، (مَعَ) بَقَاءِ (رِقِّهِ) لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً حُرَّةً؛ فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ.
فَإِنْ ادَّعَى مُلْتَقِطُهُ رِقَّهُ، أَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ؛ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ
الظَّاهِرَ.
بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَثْبُتُ بِهَا حَقُّ اللَّقِيطِ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا، كَرِقِّ غَيْرِ اللَّقِيطِ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ اللَّقِيطُ بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَّعِي لِرِقِّهِ، (وَحَلَفَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِيَدِهِ)، كَمَا لَوْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ كَانَ بِيَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ، (وَحَلَفَ أَنَّهُ) - أَيْ: اللَّقِيطَ - (مِلْكُهُ) ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ شَهِدَتْ) لَهُ بَيِّنَةٌ (بِمِلْكٍ) بِأَنْ قَالَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ أَوْ عَبْدُهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ الْبَيِّنَةُ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِمِلْكِ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ، (أَوْ) شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (أَنَّ أَمَتَهُ) - أَيْ: الْمُدَّعِي (وَلَدَتْهُ) - أَيْ: اللَّقِيطَ (بِمِلْكِهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعِي - (أَوْ) شَهِدَتْ (أَنَّهُ قِنُّهُ، وَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَلَكَهُ فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ، أَوْ أَنْ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ أَمَتِهِ وَكَوْنُهَا وَلَدَتْهُ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ؛ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ - (مُلْتَقِطٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ، أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَقِطَهُ، وَلَا تَكْفِي يَدُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَيَدُهُ عَنْ سَبَبٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا. بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمِلْكُ.
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) ؛ أَيْ: عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ بِدُونِ بَيِّنَةٍ إنْ أَقَامَهَا، (بَعْدَ اعْتِرَافِهِ) - أَيْ: الْمُلْتَقِطِ - (أَنَّهُ لَقِيطٌ) ؛ لِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِرَافِ، (وَإِلَّا) يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ (فَلَوْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: رِقَّ اللَّقِيطِ - (ابْتِدَاءً) مِنْ غَيْرِ
تَقَدُّمِ اعْتِرَافٍ مِنْهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالرِّقِّ؛ (قُبِلَ) قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ، وَحُكِمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ صَدَرَتْ دَعْوَى ذَلِكَ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ لَقِيطٍ وَمَجْهُولٍ نَسَبُهُ بَالِغًا عَاقِلًا، وَكَذَا مُمَيِّزًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى، فَأَنْكَرَ أَنَّهُ رَقِيقٌ، وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِرِقِّ لَقِيطٍ بَالِغٍ)، بِأَنْ قَالَ: أَنَا مِلْكُ زَيْدٍ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ) أَيْ: اللَّقِيطِ - (تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ) أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ (صَدَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ، أَوْ) لَمْ يَتَقَدَّمْهُ (اعْتِرَافٌ بِحُرِّيَّتِهِ) قُبِلَ ذَلِكَ، بِأَنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ جَوَابًا لِدَعْوَى مُدَّعٍ، (أَوْ) أَقَرَّ ابْتِدَاءً، وَلَوْ (صَدَّقَ مُقِرٌّ لَهُ) بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْلَمُ رِقَّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ رِقٌّ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ؛ فَكَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا.
(فَإِنْ شَهِدَتْ) لِمُدَّعِي رِقِّ اللَّقِيطِ أَوْ مَجْهُولِ النَّسَبِ (بَيِّنَةٌ) بِدَعْوَاهُ؛ (حُكِمَ لَهُ بِهَا) - أَيْ: بِبَيِّنَتِهِ - (وَنُقِضَ تَصَرُّفُهُ) الْوَاقِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ لِمُدِعِّ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ قَدْ تَصَرَّفَ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ.