الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَوَّزَ] جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ؛ كَجَعْلِ الدَّارِ حَوَانِيتَ، وَالْحُكُورَةُ الْمَشْهُورَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ، وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ. هَذَا صَرِيحُ لَفْظِهِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ: يُعَوِّضُ عَنْهُ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا، وَالثَّانِي وَقْفًا انْتَهَى.
وَإِنْ تَوَقَّفَتْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ عَلَى بَيْعِ بَعْضِ آلَاتِهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصُّورَةِ مَعَ بَقَاءِ الِانْتِفَاعِ.
[فَائِدَةٌ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ]
فَائِدَةٌ: يَصِحُّ بَيْعُ شَجَرَةٍ مَوْقُوفَةٍ يَبِسَتْ، وَبَيْعُ جِذْعٍ مَوْقُوفٍ انْكَسَرَ أَوْ بَلِيَ، أَوْ خِيفَ الْكَسْرُ، أَوْ انْهَدَمَ.
نَقَلَ أَبُو دَاوُد أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ خَشَبَتَانِ لَهُمَا ثَمَنٌ تَشَعَّثَ، وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَتُبَاعَانِ، وَيُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَاحْتَجَّ بِدَوَابِّ الْحَبِيسِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، تُبَاعُ، وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي الْحَبِيسِ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إذَا أَشْرَفَ جِذْعُ الْوَقْفِ عَلَى الِانْكِسَارِ، أَوْ دَارُهُ عَلَى الِانْهِدَامِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ أُخِّرَ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاعُ رِعَايَةً لِلْمَالِيَّةِ، أَوْ يُنْقَضُ تَحْصِيلًا [لِلْمَصْلَحَةِ] قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَالْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَالْخَانَاتُ الْمُسَبَّلَةُ وَنَحْوُهَا؛ جَائِزٌ بَيْعُهَا عِنْدَ خَرَابِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَجْهًا وَاحِدًا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُهُوتِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْإِقْنَاعِ ": تَنْبِيهٌ: الْخَلَوَاتُ الْمَشْهُورَاتُ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عِنْدَنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ مُفْرَدَةً عَنْ الْعَيْنِ كَعُلْوِ بَيْتٍ يُبْنَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَفِي الصُّلْحِ؛ إذْ الْعِوَضُ فِيهَا مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمَكَانِ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَدَفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ عَشَرَةٌ فَقَطْ؛ فَقَدْ اشْتَرَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ، وَبَقِيَ لِلْوَقْفِ نِصْفُهَا؛ فَيَجُوزُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ الْوَقْفِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَى هَذَا فَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ؛ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ النَّاظِرِ وَلَا صَاحِبِ الْخُلُوِّ لِلْآخَرِ أَوْ مَعَهُ. وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ،
لَا وَقْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُصَادِفَ عَيْنًا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: يُؤْخَذُ [مِنْ قَوْلِ] الْإِمَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي وَقْفِ الْمَاءِ إنْ كَانَ شَيْئًا اعْتَادُوهُ، صِحَّةُ [وَقْفِهِ إذَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ] كَمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَأْبَاهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَا يُعَمَّرُ وَقْفٌ مِنْ رِيعِ) وَقْفٍ (آخَرَ) وَلَوْ عَلَى (جِهَتِهِ. وَأَفْتَى عُبَادَةُ) مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا (بِجَوَازِ عِمَارَةِ وَقْفٍ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ آخَرَ عَلَى جِهَتِهِ) ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ "، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ قَوِيٌّ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ.
(وَيَجُوزُ نَقْضُ مَنَارَةِ مَسْجِدٍ، وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ لِتَحْصِينِهِ) مِنْ الْكِلَابِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَيَجُوزُ (اخْتِصَارُ آنِيَةٍ) مَوْقُوفَةٍ كَقُدُورٍ وَقِرَبٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا تَعَطَّلَتْ إلَى أَصْغَرَ مِنْهَا (وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ عَلَى الْإِصْلَاحِ) مُحَافَظَةً عَلَى بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اخْتِصَارُهَا؛ بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي آنِيَةٍ مِثْلِهَا؛ رِعَايَةً لِلنَّفْعِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وُقِفَتْ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ.
(وَيَبِيعُهُ) ؛ أَيْ: الْوَقْفَ حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ (حَاكِمٌ إنْ كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ، كَعَلَى الْمَسَاجِدِ) وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَكْثَرُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ " فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَالْحَارِثِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ عَرْصَةِ الْمَسْجِدِ: وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، انْتَهَى.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسْخٌ لِعَقْدٍ لَازِمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، فَتُوقَفُ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا قِيلَ فِي الْفُسُوخِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَإِلَّا يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، أَوْ مَنْ يَؤُمُّ أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يَبِيتُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (فَ) يَبِيعُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (نَاظِرٌ خَاصٌّ) إنْ كَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيهِ يَبِيعُهُ، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
قَالَ فِي " الْفَائِقِ "
وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ، حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " فَقَالَ: يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فِيهِ (وَالْأَحْوَطُ) أَنْ يَبِيعَهُ النَّاظِرُ (بِإِذْنِ حَاكِمٍ) قَالَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ عَلَى مَنْ سَيَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ الْآن؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ عَلَى الْغَائِبِ.
(وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الْبَدَلِ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ (يَصِيرُ وَقْفًا كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَ) بَدَلِ (رَهْنٍ أُتْلِفَ) قَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُوَفَّقِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ: إذَا أَوْلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا يَكُونُ وَقْفًا، ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَدَلَ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ انْتَهَى.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى بَيْعِ وَشِرَاءِ بَدَلِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " فَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ، وَيَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ " فِي مَوْضِعَيْنِ، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ، وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْفِ: فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي أُمِّ وَلَدِهِ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَيُؤْخَذُ قِيمَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ بِالشِّرَاءِ وَقْفًا مَكَانَهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْتَدِئِ ": وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُهُ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ [عَلَى] أَهْلِ الْوَقْفِ وَكَانَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ.
وَقَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ ": الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ، أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْوَكِيلُ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ، فَكَذَا هَذَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ الْمُشْتَرَى لَهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقْفًا انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْوَقْفِ؛ لَمْ يَكُنْ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا، وَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا، وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا إذَا اشْتَرَاهُ لِلْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ؛ بِأَنْ يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ
(وَالْأَحْوَطُ وَقْفُهُ) لِئَلَّا يَنْقُضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَرَى وَقْفِيَّتَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ.
(وَفَضْلُ غَلَّةِ مَوْقُوفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ اسْتِحْقَاقُهُ)[مُقَدَّرٌ] مِنْ الْوَاقِفِ (يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهُ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: وَأَمَّا فَضْلُ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنِينَ أَوْ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَيَتَعَيَّنُ إرْصَادُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فَضْلِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى نَفَقَةِ إنْسَانٍ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَ الصَّرْفُ مُقَدَّرًا، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فَلَا فَضْلَ، إذْ الْغَلَّةُ مُتَفَرِّقَةٌ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ:(إنْ عُلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ دَائِمًا، وَجَبَ صَرْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فَسَادٌ لَهُ وَإِعْطَاؤُهُ) ؛ أَيْ: الْمُسْتَحِقِّ (فَوْقَ مَا قَدَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ جَائِزٌ) لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَتُهُ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: وَالظَّاهِرُ لَا ضَمَانَ، كَتَفْرِقَةِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ.
(وَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَغْرٍ فَاخْتَلَّ) الثَّغْرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (صُرِفَ) الْمَوْقُوفُ (فِي ثَغْرٍ مِثْلِهِ) أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُنَا الصَّرْفُ إلَى الْمَرَابِطِ فَإِعْمَالُ شَرْطِ الثَّغْرِ الْمُعَيَّنِ مُعَطِّلٌ لَهُ؛ فَوَجَبَ الصَّرْفُ إلَى ثَغْرٍ آخَرَ.
قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": (وَعَلَى نَحْوِ قِيَاسِهِ) ؛ أَيْ: الثَّغْرِ (نَحْوُ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ (وَرِبَاطٍ) وَسِقَايَةٍ. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. قَالَ: وَالشَّرْطُ قَدْ يُخَالَفُ لِلْحَاجَةِ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الصَّرْفَ يَتَعَيَّنُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إلَى الْمُتَفَقِّهَةِ عَلَى مَذْهَبٍ آخَرَ؛ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ.
قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ، وَتَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا؛ صُرِفَ إلَى مِثْلِهِمَا.
وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ، وَتَعَذَّرَ فِيهِ وَجَبَ مَتَى أَمْكَنَ.
(وَنَصَّ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ (فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَانْحَرَفَ الْمَاءُ) أَوْ انْقَطَعَ: (يُرْصَدُ) مَالُ الْوَقْفِ (لَعَلَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَاءَ (يَرْجِعُ) إلَى الْقَنْطَرَةِ، فَيُصْرَفُ عَلَيْهَا مَا وُقِفَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ رُجُوعِهِ [يُصْرَفُ إلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى؛ لِمَا تَقَدَّمَ.]
(وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ نَحْوِ مَسْجِدٍ)[كَرِبَاطٍ] وَمَدْرَسَةٍ وَخَانْكَاةٍ (مِنْ حُصْرٍ وَزَيْتٍ وَمَغْلٍ وَأَنْقَاضٍ وَآلَةٍ) جَدِيدَةٍ (وَثَمَنُهَا) ؛ أَيْ: هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا بِيعَتْ
(يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي مِثْلِهِ) فَإِنْ فَضَلَ عَنْ مَسْجِدٍ صُرِفَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ رِبَاطٍ فَهِيَ رِبَاطٌ وَهَكَذَا، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ (لِفَقِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُرْصَدْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْطِيلِ، فَيُخَالِفُ الْمَقْصُودَ، وَلَوْ تَوَقَّفَتْ الْحَاجَةُ فِي زَمَنٍ آخَرَ - وَلَا رِيعَ يَسُدُّ مَسَدَّهَا - لَمْ يُصْرَفْ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصَّرْفُ فِي الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا سُومِحَ بِغَيْرِهَا حَيْثُ لَا حَاجَةَ؛ حَذَرًا مِنْ التَّعْطِيلِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ الْحَجَبِيَّ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِخُلْعَانِ الْكَعْبَةِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ مَالُ اللَّهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَصْرِفٌ فَجَازَ صَرْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ صَرْفُ الْفَاضِلِ فِي مِثْلِهِ (وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَفِي بِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ) انْتَهَى.
(وَيَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ) بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مُسْتَحِقَّةٌ لِلصَّلَاةِ " فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ، وَنُصَّ عَلَى الْمَنْعِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ (وَ) يَحْرُمُ (غَرْسُ شَجَرَةٍ بِمَسْجِدٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ) لِلْمُصَلِّينَ كَاسْتِظْلَالِهِمْ بِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَفْرَ أَوْ الْغَرْسَ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ وَلَيْسَتْ الْبِئْرُ أَوْ الشَّجَرَةُ (بِبُقَعِ الْمُصَلِّينَ) وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضِيقٌ، يَجُوزُ (فَإِنْ فَعَلَ) ؛
أَيْ: بِأَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ، أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَةَ (طُمَّتْ) الْبِئْرُ نَصًّا (وَقُلِعَتْ) الشَّجَرَةُ نَصًّا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ ": وَإِنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ؛ قُلِعَتْ. قَالَ أَحْمَدُ: غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، ظَالِمٌ غَرَسَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ قَلْعُهَا بِوَاحِدٍ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ لِلْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ تُقْلَعْ) الشَّجَرَةُ؛ بِأَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا غَارِسُهَا وَأَثْمَرَتْ (فَثَمَرُهَا لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ؛ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ: وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاكِينِ، أَيْضًا (وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا) لِأَنَّهَا غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِنْ غُرِسَتْ) الشَّجَرَةُ (قَبْلَ بِنَائِهِ) ؛ أَيْ: الْمَسْجِدِ (وَوُقِفَتْ مَعَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (فَإِنْ عَيَّنَ) الْوَاقِفُ (مَصْرِفَهَا) بِأَنْ قَالَ: تُصْرَفُ ثَمَرَتُهَا فِي حُصْرٍ أَوْ زَيْتٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ (عُمِلَ بِهِ) ؛ أَيْ: بِمَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ (وَإِلَّا) يُعَيَّنُ مَصْرِفُهَا، فَكَوَقْفٍ (مُنْقَطِعٍ) تُصْرَفُ ثَمَرَتُهَا لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا وَقْفًا، فَإِنْ انْقَرَضُوا فَلِلْمَسَاكِينِ.
(وَيَجُوزُ رَفْعُ مَسْجِدٍ) إذَا (أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ) أَيْ: جِيرَانِهِ (ذَلِكَ) ؛ أَيْ: رَفْعَهُ (وَجُعِلَ) تَحْتَ (سُفْلِهِ سِقَايَةٌ وَحَوَانِيتُ) يُنْتَفَعُ بِهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ جُلُوسٌ بِتِلْكَ الْحَوَانِيتِ؛ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ.
وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ؛ أَيْ الْمَسْجِدِ إلَى مَكَانٍ غَيْرِ مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ خَرِبَ (مَعَ إمْكَانِ عِمَارَتِهِ وَ) لَوْ (دُونَ) الْعِمَارَةِ (الْأُولَى) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ، فَجُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا.