الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ، فَتَعَذَّرَ) ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ؛ فَقِيمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ (أَوْ) وَصِيَّتُهُ (بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ أَوْ) بِشِرَاءِ (عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا) أَيْ: الْأَلْفِ (لِيَعْتِقَ عَنْهُ، فَاشْتَرَوْهُ) أَيْ: الْوَرَثَةُ بِدُونِ الْأَلْفِ (أَوْ) اشْتَرَوْا (عَبْدًا يُسَاوِيهَا) أَيْ: الْأَلْفَ (بِدُونِهَا) فَإِنَّ الْفَاضِلَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُمْ (وَلَوْ أَرَادَ) الْمُوصِي بِوَصِيَّتِهِ (تَمْلِيكَ مَسْجِدٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِهِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ": (وَ) إنْ قَالَ مُوصٍ (إنْ مِتَّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ، أَوْ) قَالَ: إنْ مِتَّ (فَأَعْطُوهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (مِائَةَ) دِرْهَمٍ مَثَلًا (مِنْ مَالِي تَوَجَّهَ صِحَّتُهُ) أَيْ: صِحَّةُ مَا أَوْصَى بِهِ، وَيَصِيرُ الْبَيْتُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَيُجْعَلُ الْخَارِجُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ.
[فَصْلٌ فِي مَنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ]
(فَصْلٌ: وَمَنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الطَّاعَةُ وَالْخَيْرُ وَالْإِحْسَانُ. إلَى النَّاسِ (صُرِفَ فِي الْقُرَبِ) كُلِّهَا؛ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَالْقُرَبُ جَمْعُ قُرْبَةٍ، وَهِيَ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَيُبْدَأُ) مِنْهَا (بِالْغَزْوِ نَدْبًا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ فِي الْجِهَادِ، وَجُزْءٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ فِي قَرَابَتِهِ، وَجُزْءٌ فِي الْحَجِّ. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالتَّحْدِيدِ، بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي جِهَاتِ الْبِرِّ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْعُمُومِ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَحْوَجَ مِنْ بَعْضِهَا وَأَحَقَّ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ وَإِصْلَاحِ طَرِيقٍ وَفَكِّ أَسِيرٍ وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهَا إلَى حَجِّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَتَكْلِيفُ وُجُوبِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَتَعَبًا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَرَاحَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقْدِيمُ هَذَا عَلَى مَا مَصْلَحَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ دَاعِيَةٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، تَحَكُّمٌ لَا مَعْنَى لَهُ.
(وَ) إنْ قَالَ الْمُوصِي لِمَنْ جَعَلَ لَهُ صَرْفَ ثُلُثِهِ (ضَعْ
ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ) أَوْ حَيْثُ يُرِيكَ اللَّهُ (فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ) رَأَى وَضْعَهُ فِيهِ؛ عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ (وَالْأَفْضَلُ صَرْفُهُ لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ) ؛ أَيْ: الْمُوصِي غَيْرِ الْوَارِثِينَ؛ لِأَنَّهَا فِيهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي أَقَارِبُ مِنْ النَّسَبِ (فَ) إلَى (مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ رَضَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَحَارِمَ مِنْ الرَّضَاعِ (ف) إلَى (جِيرَانِهِ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى مَا يَرَاهُ، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالتَّحَكُّمِ، وَلَوْ وَصَّى بِفِكَاكِ الْأَسْرَى أَوْ وَقَفَ مَالًا عَلَى فِكَاكِهِمْ؛ صُرِفَ مِنْ يَدِ الْوَصِيِّ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّيَهُ مِنْهُ؛ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْجِهَاتِ. وَمَنْ افْتَكَّ أَسِيرًا غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ جَازَ صَرْفُ الْمَالِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَرَضَ غَيْرُ الْوَصِيِّ مَالًا فَكَّ بِهِ أَسِيرًا جَازَتْ تَوْفِيَتُهُ مِنْهُ. وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي افْتِكَاكِهِمْ مِنْ أُجْرَةٍ صُرِفَ مِنْ الْمَالِ. وَلَوْ تَبَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الثَّغْرِ بِفِدَائِهِ، وَاحْتَاجَ الْأَسِيرُ إلَى نَفَقَةِ الْإِيَابِ؛ صُرِفَ مِنْ مَالِ الْأَسْرَى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى افْتِكَاكِهِمْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَى بُلُوغِ مَحِلِّهِ. قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ".
(وَإِنْ وَصَّى) مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ (أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ؛ صُرِفَ) الْأَلْفُ (مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ) الْحَجُّ (تَطَوُّعًا فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى) لِمَنْ يَحُجُّ (رَاكِبًا) كَانَ الْحَاجُّ عَنْ الْمُوصِي (أَوْ رَاجِلًا يَدْفَعُ لِكُلٍّ) مِنْ الرَّاكِبِ وَالرَّاجِلِ (قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ) فَقَطْ، فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (حَتَّى يَنْفُذَ) الْأَلْفُ، لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا، كَمَا لَوْ وَصَّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ) أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ بَلَدِ مُوصٍ (أَوْ) صَرَفَ مِنْهُ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، وَلَمْ تَكْفِ (الْبَقِيَّةُ) لِلْحَجِّ (حَجَّ بِهِ) ؛ أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ عَيَّنَ صَرْفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، فَصُرِفَ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَلَا يَصِحُّ حَجُّ وَصِيٍّ بِإِخْرَاجِهَا) ؛ أَيْ: إخْرَاجِ نَفَقَةِ الْحَجِّ.
نُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: تَصَدَّقْ بِهِ، لَا يَأْخُذُهُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ عَدَمُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (حَجُّ وَارِثٍ) بِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُوصِي جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ؛ جَازَ، وَيُجْزِئُ أَنْ يُحَجَّ عَمَّنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ، وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمِيقَاتِ حَمْلًا عَلَى أَدْنَى الْحَالَاتِ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْحَجَّ، وَفِعْلُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَطْعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) يَحُجُّ عَنِّي (حَجَّةً بِأَلْفٍ دَفَعَ الْكُلَّ لِمَنْ يَحُجُّ) بِهِ عَنْهُ حَجَّةً وَاحِدَةً؛ عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ وَتَنْفِيذًا لَهَا (فَإِنْ عَيَّنَهُ) الْمُوصِي بِأَنْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ حَجَّةً بِأَلْفٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ: أَنْ حُجَّ، وَلَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ التَّوَجُّهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْأَخْذُ قَبْلَهُ، لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ جُعِلَ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، فَلَا يَمْلِكُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَا يُعْطَى الْمَالُ إلَّا أَيَّامَ الْحَجِّ احْتِيَاطًا لِلْمَالِ، وَلِأَنَّهُ مَعُونَةٌ فِي الْحَجِّ؛ فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهِ (فَ) إنْ (أَبَى) زَيْدٌ (الْحَجَّ)، وَقَالَ: اصْرِفُوا لِي الْفَضْلَ لَمْ يُعْطَهُ، وَ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّهِ؛ أَيْ: بَطَلَ تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فِيهَا حَقٌّ لِلْحَجِّ وَحَقٌّ لِلْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا رَدَّ بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ كَقَوْلِهِ: بِيعُوا عَبْدِي لِفُلَانٍ، وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُوصَى لَهُ بِفَرَسٍ فِي السَّبِيلِ عَلَى الْخُرُوجِ.
نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ (وَيَحُجُّ عَنْهُ) ثِقَةٌ سِوَى الْمُعَيَّنِ الرَّادِّ (بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ) مِنْ النَّفَقَةِ لِمِثْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّائِبُ أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيهِ لِيَحُجَّ مِنْهُ، (وَالْبَقِيَّةُ) بَعْدَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ (لِلْوَرَثَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْرَفَ لَهَا؛ لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ بِامْتِنَاعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْحَجِّ؛ كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ، فَرَدَّ الْوَصِيَّةَ (فِي) حَجِّ (فَرْضٍ وَنَفْلٍ) وَلِلنَّائِبِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ) الْمُعَيَّنُ مِنْ الْحَجِّ (أُعْطَى الْأَلْفَ) ؛ لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ بِشَرْطِ حَجِّهِ، وَقَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْحَجِّ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا قَالَ مُوصٍ (وَحُسِبَ الْفَاضِلُ) مِنْ الْأَلْفِ (عَنْ نَفَقَةِ مِثْلٍ)
لِتِلْكَ الْحَجَّةِ (فِي فَرْضٍ) مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمِثْلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ (وَ) حُسِبَ (الْأَلْفُ) جَمِيعُهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (فِي) حَجِّ (نَفْلٍ مِنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ الْحَجِّ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ؛ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ قَدْرَ نَفَقَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا.
(وَلَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إلَى ثَلَاثَةٍ، صَحَّ صَرْفُهَا) إلَى ثَلَاثَةٍ (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لِإِطْلَاقِ الْوَصِيَّةِ وَإِمْكَانِ الْفِعْلِ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: وَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُوصِي فَرْضٌ، فَيُحْرِمُ النَّائِبُ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا؛ لِتَقَدُّمِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهِ قَبْلَهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ، وَكَذَا إنْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ وَلَمْ يَقُلْ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَنَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي عَامٍ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى - أَيْ: بَعْدَ الصَّرْفِ فِي حَجَّةٍ أُخْرَى - كَمَا يَمِيلُ إلَيْهِ كَلَامُ الْحَارِثِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ لِأَكْثَرَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالنَّائِبِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ إذَا تَعَدَّدَ أَمْكَنَ الِاتِّسَاعُ، فَأَمْكَنَ تَعَدُّدُ الْوُقُوعِ (وَتَلَفُ مَالٍ بِطَرِيقٍ عَلَى مُوصٍ) غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى النَّائِبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِالْإِذْنِ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ أَشْبَهَ الْمُودَعَ وَالتَّصَرُّفُ بِالْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَلَا يَزِيدُ ائْتِمَانًا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَمَا فِي إنْفَاقِ الْمُضَارِبِ بِالْإِذْنِ (وَلَيْسَ عَلَى نَائِبٍ) تَلِفَتْ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ (إتْمَامُ حَجٍّ) وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ أَنْفَقَ؛ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَوْ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ؛ لِلْإِذْنِ فِيهِ.
وَإِنْ رَجَعَ خَشْيَةَ أَنْ يَمْرَضَ وَجَبَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَالْعُذْرُ مَوْهُومٌ، وَلِلْمَعْذُورِ مِمَّنْ ذَكَرَ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ، وَإِنْ مَضَى مَنْ ضَاعَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ، فَمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالٍ اسْتَدَانَهُ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى التَّرِكَةِ إذَا عَادَ إنْ كَانَ وَاجِبًا، وَإِنْ مَضَى هَذَا الضَّائِعُ مِنْهُ النَّفَقَةُ لِلْحَجِّ عَنْ آخَرَ بِنَفَقَةٍ يَأْخُذُهَا، جَازَ؛ لِانْقِطَاعِ عَلَاقَتِهِ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَفَادِ نَفَقَتِهِ، وَلِانْتِفَاءِ اللُّزُومِ، وَعَلَى الْمُوصِي اسْتِنَابَةُ
ثِقَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ أَمَانَةً؛ فَإِنَّ مَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ النِّيَّةُ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً لَا يَبْرَأُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ.
(وَوَصِيَّةٌ بِصَدَقَةٍ) بِمَالٍ (أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ.
(وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ، فَأَعْتَقُوا) ؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لَزِمَهُمْ عِتْقُ نَسَمَةٍ (أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ) حَيْثُ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الْأَلْفَ اسْتِدْرَاكًا لِبَاقِي الْوَاجِبِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي: اعْتِقُوا (أَرْبَعَةَ) أَعْبُدٍ (بِكَذَا) كَخَمْسِمِائَةٍ (جَازَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ) بِأَنْ يُشْتَرَى وَاحِدٌ بِمِائَةٍ وَآخَرُ بِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَآخَرُ بِثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلٍّ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (ثَمَنًا مَعْلُومًا) فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَا قَالَ.
(وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ وَوَصِيَّةً لَهُ) بِأَنْ قَالَ: يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٍ وَيَعْتِقُ وَيُعْطَى مِائَةً (فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ؛ أَخَذَ الْعَبْدُ الْوَصِيَّةَ) بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ أَوْصَى بِوَصِيَّتَيْنِ عِتْقِهِ وَإِعْطَائِهِ الْمِائَةَ، فَإِذَا فَاتَ عِتْقُهُ لِسَبْقِ سَيِّدِهِ بِهِ بَقِيَتْ الْأُخْرَى.
(وَ) لَوْ وَصَّى (بِعِتْقِ عَبْدٍ) مِنْ عَبِيدِهِ (بِأَلْفٍ) نَفَذَ ذَلِكَ إنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ (اُشْتُرِيَ) عَبْدٌ (بِثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ الْمَالِ (إنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ فَرَسٍ) لَهُ (لِلْغَزْوِ بِمُعَيَّنٍ) كَأَلْفٍ (وَ) وَصَّى (بِمِائَةٍ نَفَقَةً) لِلْفَرَسِ (فَاشْتُرِيَ) الْفَرَسُ (بِأَقَلَّ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ وَالْحَالُ أَنَّ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ (فَبَاقِيهِ) ؛ أَيْ: الْأَلْفِ (نَفَقَةٌ) لِلْفَرَسِ نُصَّ عَلَيْهِ، (لَا إرْثَ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ فِيهِمَا، فَهُمَا مَالٌ وَاحِدٌ، بَعْضُهُ لِلثَّمَنِ، وَبَعْضُهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ لِتَحْصِيلِ صِفَةٍ، فَإِذَا حَصَلَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ، فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ الْمَالِ وَتَبْقَى بَقِيَّتُهُ لِلنَّفَقَةِ.
بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ، فَاشْتَرَوْا مَا يُسَاوِيهِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَا مَصْرَفَ لَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
(وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ)(فَا) لْمُوصَى بِهِ (لِأَهْلِ زُقَاقِهِ) بِضَمِّ الزَّايِ - أَيْ: زُقَاقِ الْمُوصِي - وَالْجَمْعُ أَزِقَّةٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ