الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الِانْتِقَالُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ (الْغَاصِبِ) يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ مِلْكُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ) الْمَغْصُوبُ (فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الْعَشَرَةِ (هُوَ الْمَالِكُ) لَهُ مَعَ جَهْلِهِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْغَاصِبِ؛ (لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ - ضَمَانُهُ (لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا) - أَيْ: غَيْرَ الْمَالِكِ - (وَمَا سِوَاهُ) - أَيْ: سِوَى مَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ الْغَاصِبُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا - فَهُوَ (غَاصِبٌ) ، لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ، فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا، ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ مَالِكُهُ، ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ؛ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ بِقِيمَتِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكُهُ، وَيُطَالِبُهُ بِقِيمَةِ مَنَافِعِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا.
[تَتِمَّةٌ حُرْمَةُ الْحَيَوَانِ]
تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ عَشَرَ، مُحْتَجًّا عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ: لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ، فَقَتَلَهُ؛ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ، وَأَثِمَ، وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْتَمُ، وَلَا كَفَّارَةَ. انْتَهَى.
فَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ طَعَامًا، وَ (أَطْعَمَهُ) - أَيْ: الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ - (لِمَالِكِهِ) أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (وَلَمْ يُعْلِمْهُ) الْغَاصِبُ، أَوْ أَطْعَمَهُ (لِنَحْوِ دَابَّتِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - كَعَبْدِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) غَاصِبٌ لِآكِلٍ فَإِنَّهُ (طَعَامِي، أَوْ أَخَذَهُ) الْمَالِكُ مِنْ غَاصِبٍ (هِبَةً) أَوْ أَخَذَهُ (صَدَقَةً؛ لَمْ يَبْرَأْ) غَاصِبٌ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ؛ بِأَنْ كَانَ صَابُونًا، فَقَالَ: اغْسِلْ بِهِ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ، أَوْ اسْتَرْهَنَهُ مَالِكٌ أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا عَلَى قِصَارَةِ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ
الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَبْرَأ بِالطَّعَامِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلِأَنَّهُ تُحْمَلُ مِنَّتُهُ، وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا؛ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ؛ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ، وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ. وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَكَلَهُ بِإِطْعَامِ الْغَاصِبِ لَهُ، أَوْ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَكَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ دَابَّتُهُ بِيَدِهِ - وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ - بَرِئَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَتْلَفَ مَالَهُ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَكَلَ مَا عَلِمَ بِقَبْضِهِ؛ بَرِئَ الْغَاصِبُ، وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي بَحْثِ الْيَدِ الْأُولَى مِنْ الْأَيْدِي الْعَشَرَةِ، وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ غُصِبَ بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ إلَى آخِرِهِ عَلَى غَاصِبٍ، وَغَاصِبٌ عَلَى مُتَمَلِّكٍ بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ أَيْ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ (بَرَاءَةُ غَاصِبٍ بِدَفْعِهِ) الْمَغْصُوبَ (لِمَالِكِهِ) بِعَقْدِ (قَرْضٍ أَوْ) عَقْدِ (شِرَاءٍ أَوْ تَلَفٍ) عِنْدَ مَالِكِهِ، (وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ الْمَالِكُ.
جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "" وَالشَّرْحِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسَلُّمًا تَامًّا، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: لَا شَيْءَ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِيءَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.