الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُسَلَّمُ اللَّقِيطُ إلَى مُسْتَلْحَقِهِ الْكَافِرِ، (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مُسْتَلْحَقُهُ (بَيِّنَةً) تَشْهَدُ (أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) ، فَيَلْحَقُهُ دِينًا؛ لِثُبُوتِ أَنَّهُ وَلَدُ ذِمِّيَّيْنِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا، بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْكُفْرِ إلَى بُلُوغِهِ عَاقِلًا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
[تَنْبِيهٌ الْمَجْنُونُ إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ]
تَنْبِيهٌ وَالْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ، إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ لَحِقَ بِهِ، إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَكَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَهُوَ كَالطِّفْلِ.
وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لِحَاقُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ، لَوْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ وَأَنْكَرَ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِنُفُوذِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ لِمُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ) - أَيْ: نَسَبَ اللَّقِيطِ - (جَمْعٌ) ، اثْنَانِ فَأَكْثَرُ؛ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَاهُ فَإِذَا تَنَازَعُوا تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ.
فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ؛ (قُدِّمَ ذُو الْبَيِّنَةِ) بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ، وَتُبَيِّنُهُ.
وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، كَالْمَالِ.
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ، وَادَّعَتْ نَسَبَهُ، وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً؛ قُدِّمَتْ عَلَى امْرَأَةٍ ادَّعَتْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ.
(فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهَا) - أَيْ: الْبَيِّنَةِ بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً، وَالطِّفْلُ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ لَيْسَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، (أَوْ) تَسَاوَوْا (فِي عَدَمِهَا)، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ؛ (عَرَضَ) اللَّقِيطُ (مَعَ مُدَّعٍ) مَوْجُودٍ (أَوْ) مَعَ (أَقَارِبِهِ) - أَيْ: الْمُدَّعِي - كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ.
(إنْ) كَانَ (مَاتَ) الْمُدَّعِي، (عَلَى الْقَافَةِ) - بِالتَّخْفِيفِ - جَمَعَ قَائِفٌ. وَيَأْتِي مَعْنَاهُ. وَكَانَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَائِفًا، وَكَذَا شُرَيْحٌ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ) الْقَافَةُ (بِوَاحِدٍ) ؛ لَحِقَ بِهِ؛ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ
يَوْمٍ، وَهُوَ مَسْرُورٌ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ، أَلَم تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَفِي لَفْظٍ: «دَخَلَ قَائِفٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
فَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْقَافَةِ؛ لَمَا سُرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ حَمْشَ السَّاقَيْنِ، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، جَمَالِيًّا، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ، فَحَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي أَشْبَهَ مِنْهُمَا " وَقَوْلُهُ: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ؛ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّبَهِ إلَّا الْأَيْمَانُ، فَإِذَا انْتَفَى الْمَانِعُ؛ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ.
وَقَوْلُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ - أَيْ: دَقِيقَهُمَا - وَالْجَعْدُ لَئِيمُ الْحَسَبِ، وَخَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مُمْتَلِئُهُمَا، وَكَذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، حِينَ رَأَى بِهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» . فَعَمِلَ بِالشَّبَهِ فِي حَجْبِ سَوْدَةَ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، إذْ لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشَّبَهِ فِيهِمَا، بَلْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ، وَقَالَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ:«هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَلَمْ يَعْمَلْ شَبَهُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْمَقْذُوفِ، قُلْنَا: إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فِي أَمَةِ ابْنِ زَمْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ أَقْوَى، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا؛ لَا يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا، إذَا خَلَتْ عَنْ الْمَعَارِضِ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ
إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ أَيْمَانِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:«لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» .
عَلَى أَنَّ ضَعْفَ الشَّبَهِ عَنْ إقَامَةِ الْحَدِّ، لَا يُوجِبُ ضَعْفَهُ عَنْ إلْحَاقِ النَّسَبِ، فَإِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَقْوَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرِهَا عَدَدًا وَأَقْوَى الْإِقْرَارِ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ تَكْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَيَثْبُتُ مَعَ ظُهُورِ انْتِفَائِهِ، حَتَّى لَوْ أَنْ امْرَأَةً أَتَتْ بِوَلَدِ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لَحِقَهُ وَلَدُهَا، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ.
وَلِأَنَّهُ حَكَمَ بِظَنٍّ غَالِبٍ وَرَأْيٍ رَاجِحٍ، مِمَّنْ هُوَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ؛ فَجَازَ؛ كَقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَاهُنَا إذَا عَمِلْتُمْ بِالْقِيَافَةِ فَقَدْ نَفَيْتُمْ النَّسَبَ عَمَّنْ تَلْحَقُهُ الْقَافَةُ بِهِ؛ قُلْنَا: إنَّمَا انْتَفَى النَّسَبُ هَاهُنَا لِعَدَمِ دَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَقَدْ عَارَضَهَا مِثْلُهَا؛ فَسَقَطَ حُكْمُهَا، فَكَانَ الشَّبَهُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِهِمَا، فَانْتَفَتْ دَلَالَةُ الْأُخْرَى، فَلَزِمَ انْتِفَاءُ النَّسَبِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ، وَتَقْدِيمِ اللِّعَانِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَالْيَدِ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وَيُعْمَلُ بِهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ " الْمُغْنِي ".
(أَوْ) أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ (بِاثْنَيْنِ؛ لَحِقَ) نَسَبُهُ بِهِمَا؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ، يَرِثُهُمَا، وَيَرِثَانِهِ. رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ عَنْ عُمَرَ
(فَيَرِثُ) اللَّقِيطُ الْمُلْحَقُ بِأَبَوَيْنِ (كُلًّا مِنْهُمَا) - أَيْ: الْأَبَوَيْنِ - إرْثَ وَلَدٍ كَامِلٍ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ وَرِثَ جَمِيعَ مَالِهِمَا. (وَيَرِثَانِهِ إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ إلْحَاقُ الْقَافَةِ لَقِيطًا بِاثْنَيْنِ مُعْتَبَرًا (فَلَوْ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا) ؛ أَيْ: مَنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِهِ، (بِنْتَ) الْمُلْحَقِ (الْآخَرِ) الْمَفْرُوضِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قِيلَ) - أَيْ: قَالَ الْقَائِلُ - (فِيهِ) ؛ أَيْ: الشَّخْصِ الَّذِي تَزَوَّجَ: قَدْ