الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُمْ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ.
[فَرْعٌ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَقْفًا وَجُهِلَ اسْمُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ]
(فَرْعٌ: أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) ، (فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ) وَقْفًا، (وَجُهِلَ اسْمُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ -؛ (أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ) ، وَلَوْ وَجَدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ رَجُلًا وَقَفَ (عَلَى فُلَانٍ، وَ) عَلَى (بَنِي بَنِيهِ، وَاشْتَبَهَ هَلْ الْمُرَادُ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: بَيْنَ بَنِيهِ - جَمْعُ ابْنٍ -، أَوْ الْمُرَادُ (بَنِي بِنْتِهِ) ، وَاحِدَةِ الْبَنَاتِ؛ فَيَكُونُ الْوَقْفُ (لِبَنِي الْبَنِينَ) خَاصَّةً، (وَلَا يُشَارِكُهُمْ بَنُو الْبَنَاتِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) فِي قَوْلِهِ فِي " الْفُنُونِ ": يَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا؛ كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بَنِيهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ، بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ؛ فَإِنَّهُ يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا كَآبَائِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا، أَوْ لَشَرَّكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِنْصَافِ.
[فَصْلٌ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ]
(فَصْلٌ: وَإِذَا لَمْ يَشْرُطْ وَاقِفٌ نَاظِرًا) عَلَى الْمَوْقُوفِ (أَوْ شَرَطَهُ) ؛ أَيْ: النَّظَرَ (لِمُعَيَّنٍ، فَمَاتَ) الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ؛ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ النَّصْبَ وَلَا الْعَزْلَ، وَيَكُونُ (نَظَرُهُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إنْ حُصِرَ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ (فَيَنْظُرُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (عَلَى حِصَّتِهِ) كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَغَلَّتَهُ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ.
كَالْوَقْفِ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَالْمَسَاكِينِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ، فَنَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ، وَإِلَّا فَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ،
أَوْ سِقَايَةٍ، فَنَظَرُهُ (لِحَاكِمِ بَلَدِ الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ (أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ) الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْجُودِينَ، وَحَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ؛ فَكَانَ نَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ الْحَاكِمُ.
(وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ) مِنْ الْوَاقِفِينَ (لِلْحَاكِمِ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِكَوْنِهِ حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا أَوْ حَنْبَلِيًّا (شَمِلَ) لَفْظُ الْحَاكِمِ (أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ، مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ) كَانَ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَيَتَّجِهُ) فِي إطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِمَنْ بِالْبَلْدَةِ مِنْ الْحُكَّامِ جَمِيعًا (وَلَوْ تَعَدَّدُوا) - أَيْ: حُكَّامُ الْبَلَدِ (لَا إنَّهُ) - أَيْ: أَمْرُ النَّظَرِ -، يَكُونُ (لِلسُّلْطَانِ إذَنْ) أَيْ: حَيْثُ كَانَ مُطْلَقًا (إذْ هُمْ) - أَيْ: الْحُكَّامُ الْمُتَعَدِّدُونَ - (نُوَّابُهُ) - أَيْ: السُّلْطَانِ -، فَيُعْمَلُ بِتَوْجِيهٍ سَابِقٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا غَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا نَقْضُ تَوْجِيهٍ صَدَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ، وَبِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ، مَأْذُونًا لَهُ فِي تَعَاطِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِنْهَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى " الْقَائِلِينَ فِي ذَلِكَ (تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَابْنُ قُنْدُسٍ، فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِأَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ مَعَ التَّعَدُّدِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ مَقْبُولٌ، لَوْ سَاعَدَتْهُ النُّقُولُ.
وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": فَإِنْ تَعَدَّدَ الْحُكَّامُ؛ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فِي شَرْحِهِ: قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " " فِي وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ النَّظَرَ فِيهِ لِحَاكِمِ
الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا؛ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ، يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ، وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ، وَابْنُ الْهَائِمِ، وَالتَّفْهَنِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ.
(فَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا) - أَيْ: الْحَاكِمَيْنِ -، أَوْ الْحُكَّامِ الْمُتَعَدِّدِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ (شَخْصًا؛ صَحَّ، وَقَدَّمَ السُّلْطَانُ أَحَقَّهُمَا) - أَيْ: الشَّخْصَيْنِ -؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ، إنْ اتَّحَدَا تَارِيخًا، وَلَا يَشْتَرِكَانِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا وُلِّيَ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَحَقِّيَّةِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
(وَلَوْ فَوَّضَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (حَاكِمٌ) لِإِنْسَانٍ (لَمْ يَجُزْ) لِحَاكِمٍ آخَرَ (نَقْضُهُ) قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَاسُوا التَّفْوِيضَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ وَعَزْلُهُ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْحُكَّامُ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا حَاكِمٌ وَاحِدٌ، بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. أَوْ يُقَالُ النَّصْبُ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ، أَوْ التَّفْوِيضُ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ (بَلْ يَنْظُرُ) الْحَاكِمُ (مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ الْمُفَوَّضِ لَهُ النَّظَرُ، حِفْظًا لِلْوَقْفِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ:(لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطَ نَظَرٍ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا) وَهَذَا اخْتِيَارُ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ.
(وَمَنْ شَرَطَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (لِفُلَانٍ، فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٍ) بِأَنْ قَالَ الْوَاقِفُ: النَّظَرُ لِزَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ فَلِعَمْرٍو مَثَلًا (فَعَزَلَ) زَيْدٌ (نَفْسَهُ، أَوْ فَسَقَ) وَقُلْنَا: يَنْعَزِلُ (فَكَمَوْتِهِ) لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْمَوْتَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالٌ فِي الْوَقْفِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، وَحَقُّهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ التَّصَرُّفِ؛ انْتَقَلَ
إلَى مَنْ يَلِيهِ، كَمَا لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَلِيهِ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ) أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ؛ فَالنَّظَرُ لَهُ - أَيْ: لِلْأَفْضَلِ مِنْهُمْ؛ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (فَإِنْ أَبَى) الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ (فَ) النَّظَرُ (لِمَنْ يَلِيهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. (وَلَوْ وَلِيَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ (الْأَفْضَلُ، فَحَدَثَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ انْتَقَلَ) النَّظَرُ (إلَيْهِ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ (فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ) فِي الْفَضْلِ (اشْتَرَكَا) فِي النَّظَرِ.
(وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ مِنْ أَفَاضِلِ وَلَدِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا) فَاضِلٌ (وَاحِدٌ) مِنْ أَوْلَادِهِ (ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ) يَنْظُرُ مَعَهُ؛ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَعَلَهُ) - أَيْ: النَّظَرَ - (لِاثْنَيْنِ غَيْرِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ، كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ عَنْ وَاحِدٍ (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ انْعَزَلَ) ضُمَّ إلَى الْحَيِّ أَمِينٌ يَنْظُرُ مَعَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
(وَشُرِطَ فِي نَاظِرٍ أَجْنَبِيٍّ) - أَيْ: غَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ - وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ (وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ) كَوَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاقِفُهُ نَاظِرًا، فَفَوَّضَهُ الْحَاكِمُ إلَى إنْسَانٍ (أَوْ) كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ (نَاظِرٍ أَصَالَةً) أَيْ: بِجَعْلِ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ بِدُونِهِ إنْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ (إسْلَامٌ) إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَتْ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْإِسْلَامِ؛ كَمَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ؛ جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ لِكَافِرٍ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِأَحَدِهِمْ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ؛
فَيَصِحُّ، كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا فِي النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ (تَكْلِيفٌ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ الطَّلْقِ، فَفِي الْوَقْفِ أَوْلَى.
(وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (رُشْدٌ) لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ؛ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِهِ.
(وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (كِفَايَةٌ لِتَصَرُّفٍ، وَخِبْرَةٌ) - أَيْ: عِلْمٌ - (بِهِ) - أَيْ: التَّصَرُّفِ (وَقُوَّةٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَرِّفُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الذُّكُورِيَّةُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِالنَّظَرِ لِحَفْصَةَ رضي الله عنهما.
(وَيَضُمُّ) لِنَاظِرٍ (ضَعِيفٍ) تَعَيَّنَ كَوْنُهُ نَاظِرًا، بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوِيًّا أَمِينًا) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ (وَ) إنْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الـ (عَدَالَةِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ، كَالْوِلَايَةِ، عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجْنَبِيُّ الْمُوَلَّى مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ عَدْلًا؛ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ حِفْظًا لَهُ.
(فَإِنْ فَسَقَ مَنْصُوبُ حَاكِمٍ) بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا؛ عُزِلَ (أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ) الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ (عُزِلَ) مِنْ التَّوْلِيَةِ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءُ مَنْعِهَا دَوَامًا (فَإِنْ عَادَ) إلَى أَهْلِيَّتِهِ (عَادَ حَقُّهُ) مِنْ النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ عَادَ حَقُّهُ (كَوَصِيٍّ) عُزِلَ لِمُقْتَضٍ ثُمَّ زَالَ؛ فَيُعَادُ
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ؛ يُعَادُ إلَى النَّظَرِ (مَا لَمْ يُقَرِّرْ) الْحَاكِمُ شَخْصًا (غَيْرَهُ قَبْلَ) عَوْدِهِ، فَإِنْ قَرَّرَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهُ بِدُونِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ؛ لِمُصَادَفَةِ تَقْرِيرِهِ مَحَلَّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ وُلِّيَ النَّظَرَ أَجْنَبِيٌّ (مِنْ وَاقِفٍ) بِأَنْ شَرَطَهُ لَهُ (وَهُوَ) - أَيْ: الْأَجْنَبِيُّ - (فَاسِقٌ أَوْ) وَهُوَ عَدْلٌ، ثُمَّ (فَسَقَ؛ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ) لِحِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ مِنْهُ؛ أُزِيلَتْ وِلَايَتُهُ، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إمَّا بِجَعْلِهِ) أَيْ: الْوَاقِفِ النَّظَرَ (لَهُ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَحَقَّ) بِالنَّظَرِ (لِعَدَمِ) تَعْيِينِ (غَيْرِهِ؛ فَهُوَ) أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (مَعَ رُشْدٍ أَحَقُّ) بِالنَّظَرِ (مُطْلَقًا) أَيْ: عَدْلًا كَانَ، أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ، فَهُوَ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَلَمْ يُشْرَطْ النَّظَرُ لِغَيْرِهِ (فَوَلِيُّهُ) يَقُومُ بِالنَّظَرِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، فَهُوَ كَمِلْكِهِ الطَّلْقِ.
(وَلَوْ شَرَطَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (وَاقِفٌ لِغَيْرِهِ) مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ عَزَلَهُ (لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ لَهُ) كَإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (إلَّا إنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (لِنَفْسِهِ، وِلَايَةَ الْعَزْلِ) فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَلَهُ شَرْطُهُ.
(وَ) إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِغَيْرِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ، أَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (إلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ، أَوْ فَوَّضْته، أَوْ أَسْنَدْته إلَى زَيْدٍ (فَلَهُ) أَيْ: الْوَاقِفِ (عَزْلُهُ) أَيْ: الْمَجْعُولِ أَوْ الْمُسْنَدِ أَوْ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ نَائِبُهُ) أَشْبَهَ الْوَكِيلَ.
(وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا (وَحَاكِمٍ) فِيمَا وَقَفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ غَيْرَهُ (نُصِّبَ) وَكِيلٌ عَنْهُ (وَعَزَلَهُ) لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ، أَشْبَهَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَتَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي مَالِ يَتِيمٍ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ (وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَكَوْنُهُ لَهُ عَزْلُهُ (لِأَصَالَةِ نَظَرِهِ فَهُوَ) أَيْ: مَنْ نَصَّبَهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ (نَائِبُهُ) كَمَا فِي الْمُطْلَقِ، وَلَهُ الْوَصِيَّةُ لِنَظَرٍ؛ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: (وَلِلْمُسْتَنِيبِ عَزْلُ نَائِبِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ (فَلَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (حَاكِمٌ) لِشَخْصٍ؛ وَعُزِلَ الْحَاكِمُ لِطُرُوِّ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَ (جَازَ) لِحَاكِمٍ (آخَرَ نَقْضُهُ) - أَيْ: نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ -؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَمَتَى عُزِلَ الْأَصِيلُ، أَوْ مَاتَ عُزِلَ الْوَكِيلُ.
(خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى "(فِيمَا يُوهِمُ) خِلَافَ ذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": وَلِنَاظِرٍ - وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ - وَلِحَاكِمٍ نَصْبُ نَاظِرٍ، وَعَزْلُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى ": وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ، كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ، نَصْبٌ وَعَزْلٌ. فَاقْتِصَارُهُمَا عَلَى أَنَّ النَّصْبَ وَالْعَزْلَ لِلنَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ حَاكِمٌ قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الْمُقْتَضَى خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ النَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَوْ الْحَاكِمِ، إنَّمَا هُوَ اسْتِنَابَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا طَرَأَ الْعَزْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ فَلِمَنْ لَهُ التَّوْلِيَةُ بَعْدَهُ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ النَّظَرَ حَاكِمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مَعَ تَعَدُّدِ الْحُكَّامِ، وَهُنَا مَعَ الِانْفِرَادِ، فَانْتَفَى التَّعَارُضُ.
(وَلَا يُنَصَّبُ) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ النَّصْبُ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ النَّاظِرُ بِالشَّرْطِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ، لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ غَيْرِهِ بِدُونِ شَرْطٍ، أَيْ بِدُونِ شَرْطِ وِلَايَةِ النَّصْبِ لِنَفْسِهِ، وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ، فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ.
(وَلَا يَعْزِلُ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ) نَاظِرًا حَيْثُ أَقَامَهُ هُوَ. فَقَوْلُهُ: وَلَا يَعْزِلُ، فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ إذْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّصْبِ أَصَالَةً، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: وَلَا يَعْزِلُ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْصُوبًا يَعْزِلُهُ.
(وَلَا يُوصِي) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ (بِهِ) ؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْرَطْ الْإِيصَاءُ لَهُ (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ لَا، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِوَصِيَّتِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ) أَمَّا لَوْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ أَنْ يُوصِيَ؛ صَحَّ إيصَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ لَهُ النَّصْبَ؛ لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ؛ إذْ الشَّرْطُ كَالْمُؤَكِّدِ لِمُقْتَضَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ أَسْنَدَ) الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ، مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ الْحَاكِمُ أَوْ النَّاظِرُ الْأَصْلِيُّ إلَيْهِمَا (لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا) عَنْ الْآخَرِ (بِلَا شَرْط) لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، وَأَبَى أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ.
(وَإِنْ شَرَطَ) وَاقِفٌ (النَّظَرَ لِكُلِّ مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ) جَعَلَ (التَّصَرُّفَ لِوَاحِدٍ، أَوْ) جَعَلَ (الْيَدَ لِآخَرَ) صَحَّ (أَوْ) جَعَلَ (عِمَارَتَهُ) أَيْ: الْوَقْفَ (لِوَاحِدٍ، وَ) جَعَلَ (تَحْصِيلَ رِيعِهِ لِآخَرَ؛ صَحَّ) تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَبَى؛ لَمْ يُحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ، وَاسْتَقَلَّ الْمَوْجُودُ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(فَلَوْ) تَنَازَعَ نَاظِرَانِ غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَصْبِ إمَامٍ، نَصَّبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا، وَالْآخَرُ عَمْرًا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ لِأَحَدِهِمَا، لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَ (قُرِّرَا فِي وَظِيفَةٍ) وَسَبَقَ نَصْبُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ؛ انْعَقَدَتْ وَ (قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ قُدِّمَ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.
(وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِيمَا وَظَّفَهُ (فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي) وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ (وَظَائِفِ أَوْقَافٍ حَقِيقِيَّةٍ) كَأَوْقَافِ التُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ؛ كَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ شَخْصٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً مِنْ الْوَظَائِفِ فِي وَقْفٍ، وَيَأْتِي. (بَلْ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي وَظِيفَةٍ فِي أَوْقَافٍ صُورِيَّةٍ (كَأَوْقَافِ) الْأُمَرَاءِ وَ (الْمُلُوكِ) فَإِنَّ أَوْقَافَهُمْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ وَقْفَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَاتِ الْخَيْرِ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ صَاحِبُ مِصْرَ لَمَّا اسْتَفْتَيَا ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ فَأَفْتَاهُمَا بِالْجَوَازِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إرْصَادٌ وَإِفْرَازٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى فَتْوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.
وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَوْقَافُ الصُّورِيَّةُ إفْرَازًا وَإِرْصَادًا؛ فَلِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا رِيبَةَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ هَذَا النَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ وَكِيلًا عَمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ.
(وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ نَاظِرٍ خَاصٍّ) أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ":(وَيَتَوَجَّهُ) عَدَمُ النَّظَرِ لِغَيْرِ النَّاظِرِ (مَعَ حُضُورِهِ) فِي الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا غَابَ النَّاظِرُ (فَيُقَرَّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ، فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ. (انْتَهَى) .
وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَّى النَّاظِرُ الْغَائِبُ إنْسَانًا، وَوَلَّى الْحَاكِمُ آخَرَ؛ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ تَوْلِيَةً مِنْهُمَا (لَكِنْ لَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (النَّظَرُ الْعَامُّ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ) لَهُ فِعْلُهُ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (ضَمُّ أَمِينٍ) إلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ؛ لِيَحْصُلَ) بِالْأَمِينِ (الْمَقْصُودِ) مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَاسْتِصْحَابِ يَدِ مَنْ أَرَادَهُ الْوَاقِفُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الثَّانِي، وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِيَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِهِ. وَكَذَا إذَا ضُمَّ إلَى ضَعِيفٍ قَوِيٌّ مُعَاوِنًا لَهُ، فَلَا تَزَالُ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَالِ، وَلَا نَظَرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ النَّاظِرُ دُونَ الثَّانِي، هَذَا قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوصَى لَهُ.
(وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى نَاظِرٍ أَمِينٍ) وَلَّاهُ الْوَاقِفُ، وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عِلْمِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ (وَلَهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الْوَقْفِ (الْمُطَالَبَةُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ) . لِتَكُونَ نُسْخَتُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ.
(وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَقْفِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَةٍ؛ كَشِرَاءٍ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً، أَوْ شِرَاءٍ بِنَقْدٍ لَمْ يُعِنْهُ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا كَوَلِيٍّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ أَوْ