الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ]
(بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ) الْمِلَلُ جَمْعُ مِلَّةٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - إفْرَادًا وَجَمْعًا، وَهِيَ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] . وَقَالَ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] .
وَاخْتِلَافُ الدِّينِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ فَ (لَا يَرِثُ مُبَايِنٌ فِي دِينٍ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ أَيْضًا بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَيَرِثُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ.
وَلَا وَلَاؤُهُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ، فَوَرِثَهُ بِهِ كَمَا يَرِثُهُ كَمَا قُبِلَ الْعِتْقُ
(وَ) إلَّا (إذَا أَسْلَمَ كَافِرٌ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ) فَيَرِثُ مِنْهُ نَصًّا (وَلَوْ) كَانَ الْوَارِثُ (مُرْتَدًّا) حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ التَّرِكَةِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ (أَوْ) كَانَتْ (زَوْجَةً) وَأَسْلَمَتْ (فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) قَبْلَ الْقَسْمِ نَصًّا.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ " مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " عَنْ زَيْدِ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَوَرِثَتْهُ أُخْتِي دُونِي، وَكَانَتْ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ إنَّ جَدِّي أَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا، فَتُوُفِّيَ فَلَبِثْت سَنَةً، وَكَانَ تَرَكَ مِيرَاثًا، ثُمَّ إنَّ أُخْتِي أَسْلَمَتْ، فَخَاصَمَتْنِي فِي الْمِيرَاثِ إلَى عُثْمَانَ، فَحَدَّثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ؛ فَلَهُ نَصِيبُهُ، فَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ، فَذَهَبْت بِذَلِكَ الْأَوَّلِ، وَشَارَكَتْنِي فِي هَذَا. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُسِمَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَرِثَ مِمَّا بَقِيَ دُونَ مَا قُسِمَ
وَ (لَا) يَرِثُ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ إنْ كَانَ (زَوْجًا) لِانْقِطَاعِ عَلَقِ الزَّوْجِيَّةِ عَنْهُ بِمَوْتِهَا، بِخِلَافِهَا، وَكَذَا لَا تَرِثُ هِيَ مِنْهُ إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ عِدَّتِهَا.
(وَلَا) يَرِثُ (مَنْ عَتَقَ بَعْدَ) مَوْتِ قَرِيبِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ أَوْ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (أَوْ) أُعْتِقَ (مَعَ مَوْتِ نَحْوِ أَبِيهِ قَبْلَ الْقَسْمِ) لِمِيرَاثِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ نَصًّا؛؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوُرِّثَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْعِتْقُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا وُرُودُ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ فَيَسْتَحِقُّونَهُ، فَلَا يَبْقَى لِمَنْ حَدَثَ شَيْءٌ، لَكِنْ خَالَفْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ لِلْأَثَرِ، وَلَيْسَ فِي الْعِتْقِ أَثَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ.
(وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فَمَتَى تَصَرَّفَ فِي التَّرِكَةِ وَحَازَهَا فَهُوَ كَقِسْمَتِهَا) بِحَيْثُ لَوْ أَسْلَمَ قَرِيبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَاقْتَسَمُوا.
(وَ) إنْ قَالَ لِقَرِيبِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي، عَتَقَ وَوَرِثَ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ
كَانَ حُرًّا، لَا إنْ عَلَّقَ سَيِّدٌ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إذَا مَاتَ أَبُوك أَوْ نَحْوُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا مَاتَ أَبُوهُ؛ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْ؛ لِحُصُولِ عِتْقِهِ مَعَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ قَرِيبَهُ، ثُمَّ مَاتَ، وَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْ.
(وَيَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ حَرْبِيٌّ، أَوْ) أَنَّ أَحَدَهُمَا (مُسْتَأْمَنٌ وَالْآخَرَ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ إنْ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ مِنْ النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا قِيَاسٌ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا، وَمَفْهُومُ حَدِيثِ:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» .
أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ يَتَوَارَثُونَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الدَّارُ، فَيُبْعَثُ مَالُ ذِمِّيٍّ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ حَيْثُ عُلِمَ (وَهُمْ) ؛ أَيْ: الْكُفَّارُ (مِلَلٌ شَتَّى وَلَا يَتَوَارَثُونَ مَعَ اخْتِلَافِهَا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» .
وَهُوَ مُخَصَّصٌ لِلْعُمُومَاتِ، فَالْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّة مِلَّةٌ، وَالْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةٌ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةٌ، وَعَبَدَةُ الشَّمْسِ مِلَّةٌ، وَهَكَذَا فَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّة مِلَّةٌ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِلَّةٌ، وَرُدَّ بِافْتِرَاقِ حُكْمِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَجُوسَ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَغَيْرُهُمْ لَا يُقِرُّ بِهَا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ وَمُعْتَقِدَاتهمْ وَآرَائِهِمْ، يَسْتَحِلُّ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(وَلَا) يَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (بِنِكَاحٍ) ؛ أَيْ: عَقْدِ تَزْوِيجٍ (لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا) وَلَوْ اعْتَقَدُوهُ كَالنَّاكِحِ لِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَكَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا التَّزْوِيجِ كَعَدَمِهِ، فَإِنْ كَانُوا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ؛ تَوَارَثُوا بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ أَنْكِحَتِنَا، كَالتَّزْوِيجِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ فِي عِدَّةٍ انْقَضَتْ وَنَحْوِهِ.
(وَمُخَلَّفٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مُبْتَدَأٌ؛ أَيْ: مَتْرُوكٌ (مُكَفَّرٌ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ -
أَيْ: مَنْ اعْتَقَدَ أَهْلُ الشَّرْعِ أَنَّهُ كَافِرٌ (بِبِدْعَةٍ، كَجَهْمِيٍّ) وَاحِدِ الْجَهْمِيَّةِ أَتْبَاعُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الْقَائِلِ بِالتَّعْطِيلِ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الْجَهْمَيْ إذَا مَاتَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا نَصَارَى، مَنْ يَشْهَدُهُ؟ قَالَ: أَنَا لَا أَشْهَدُهُ، يَشْهَدُهُ مَنْ شَاءَ.
(وَ) مُخَلَّفٌ (مُشَبِّهٌ) ؛ أَيْ: مَنْ شَبَّهَ ذَاتَ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ بِذَاتِ أَوْ صِفَاتِ مَخْلُوقَاتِهِ (إذَا لَمْ يَتُبْ) مِمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ بِسَبَبِ اعْتِقَادِهِ لَهُ (وَ) مُخَلَّفٌ (زِنْدِيقٌ) قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ": الزِّنْدِيقُ بِالْكَسْرِ: مِنْ الثَّنَوِيَّةِ؛ أَوْ الْقَائِلُ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، أَوْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَبِالرُّبُوبِيَّةِ، أَوْ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَفْظُ الزَّنْدَقَةِ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ مِنْ كَلَامِ الْفُرْسِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالزِّنْدِيقُ: الَّذِي تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ فِي الظَّاهِرِ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَهُمْ الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَحُجُّ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي بَاطِنِهِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُشْرِكًا أَوْ وَثَنِيًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُعَطِّلًا لِلصَّانِعِ وَلِلنُّبُوَّةِ أَوْ لِلنُّبُوَّةِ فَقَطْ أَوْ لِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَقَطْ، فَهَذَا زِنْدِيقٌ (وَ) هُوَ (مُنَافِقٌ) وَمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَ هَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كُفَّارٌ فِي الْبَاطِنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِلشَّهَادَتَيْنِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمُؤَدِّينَ لِلْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِقُلُوبِهِمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَعَامَّةُ مَا يُوجَدُ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ؛ فَإِنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا، وَكَذَلِكَ يُقَالُ عَنْ الَّذِي ابْتَدَعَ التَّجَهُّمَ، وَكَذَلِكَ رُءُوسُ الْقَرَامِطَةِ وَأَمْثَالُهُمْ، لَا رَيْب أَنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنَافِقِينَ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَتَنَازَعُ الْمُسْلِمُونَ فِي كُفْرِهِمْ. انْتَهَى.
وَيَأْتِي بَيَانُ عَقَائِدِ الْقَرَامِطَةِ فِي فَصْلِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ (فَيْءٌ) خَبَرُ مُخَلَّفٍ، يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
لِمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ وَارِثًا كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْمُرْتَدُّ إذَا لَمْ يَتُبْ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَا أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ مِنْ يَهُودَ أَوْ نَصَارَى أَوْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ، لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ لَوْ كَانَ امْرَأَةً (وَلَا يَرِثُونَ) ؛ أَيْ: الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (أَحَدًا) مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقَرُّونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ.
(وَيَرِثُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ يَرَى حِلَّ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إذَا (أَسْلَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَيْنَا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِ) إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ أُخْتًا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا فِي الْآيَتَيْنِ كَالشَّخْصَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ تَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً لَا تَحْجُبُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَلَا تُرَجَّحُ بِهَا؛ فَتَرِثُ بِهِمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ أَوْ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ، وَكَذَوِي الْأَرْحَامِ الْمُدْلِينَ بِقَرَابَتَيْنِ (وَكَذَا وَطْءُ) مُسْلِمٍ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ غَيْرَهَا بِ (شُبْهَةٍ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى ذَاتَ مَحْرَمِهِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا فَوَطِئَهَا، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَوَرِثَ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِ (فَلَوْ خَلَّفَ) مَجُوسِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ (أُمَّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أَبِيهِ) لِكَوْنِ ابْنِهِ تَزَوَّجَ بِنْتَه، فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الِابْنَ (وَ) خَلَّفَ مَعَهَا (عَمًّا وَرِثَتْ الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا وَ) وَرِثَتْ (النِّصْفَ بِكَوْنِهَا أُخْتًا، وَالْبَاقِي) بَعْدَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ (لِلْعَمِّ) لِحَدِيثِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» .
(فَإِنْ كَانَ مَعَهَا) ؛ أَيْ: مَعَ الْأُمِّ الَّتِي هِيَ أُخْتٌ (أُخْتٌ أُخْرَى لَمْ تَرِثْ) الْأُخْتُ الَّتِي هِيَ أُمٌّ (بِكَوْنِهَا أُمًّا إلَّا السُّدُسَ؛ لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِنَفْسِهَا) مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أُخْتًا (وَبِ) الْأُخْتِ (الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تُرَدُّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْأُخْتَيْنِ.
(وَلَوْ أَوْلَدَ) مَجُوسِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ (بِنْتَه بِنْتًا بِتَزْوِيجٍ، فَخَلَّفَهُمَا وَ) خَلَّفَ مَعَهُمَا (عَمًّا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ) ؛ لِأَنَّهُمَا بِنْتَاهُ (وَالْبَقِيَّةُ لِعَمِّهِ) تَعْصِيبًا، وَلَا إرْثَ لِلْكُبْرَى
بِالزَّوْجِيَّةِ؛؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهَا لَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ مَاتَتْ الْكُبْرَى بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (فَالْمَالُ) الَّذِي تُخَلِّفُهُ الْكُبْرَى كُلُّهُ (لِلصُّغْرَى؛ لِأَنَّهَا بِنْتٌ وَأُخْتٌ) لِأَبٍ، فَتَصِيرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أُخْتٌ عَصَبَةً مَعَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِنْتٌ (فَإِنْ مَاتَتْ) الصُّغْرَى (قَبْلَ الْكُبْرَى) فَقَدْ تَرَكَتْ أُمًّا هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ (فَلَهَا) ؛ أَيْ: الْكُبْرَى مِنْ مَالِ الصُّغْرَى (ثُلُثٌ وَنِصْفٌ) بِكَوْنِهَا أُمًّا وَأُخْتًا (وَالْبَقِيَّةُ لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا (فَلَوْ تَزَوَّجَ) الْأَبُ (الصُّغْرَى) وَهِيَ بِنْتُهُ (فَوَلَدَتْ بِنْتًا) وَخَلَفَهُنَّ (وَخَلَّفَ مَعَهُنَّ عَمًّا، فَلِبَنَاتِهِ) الثَّلَاثِ (الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ لَهُ) ؛ أَيْ: الْعَمِّ تَعْصِيبًا (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (بِنْتُهُ الْكُبْرَى) عَنْ بِنْتِهَا وَبِنْتِ بِنْتِهَا وَهُمَا أُخْتَاهَا (فَلِلْوُسْطَى) الَّتِي هِيَ بِنْتُهَا (النِّصْفُ) بِكَوْنِهَا بِنْتًا (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ النِّصْفِ فَهُوَ (لَهَا وَلِلصُّغْرَى) يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (بِالْأُخُوَّةِ) ؛ أَيْ: بِكَوْنِهِمَا أُخْتَيْنِ مَعَ بِنْتٍ (فَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِلصُّغْرَى وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي) ثَلَاثَةٌ (لِلْأُخْرَى)، وَهِيَ الْوُسْطَى فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ وَرِثَتْ بِنْتُ الْبِنْتِ مَعَ الْبِنْتِ فَوْقَ السُّدُسِ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) ؛ أَيْ: الْأَبِ (الْوُسْطَى) مِنْ الْبَنَاتِ (فَالْكُبْرَى) بِالنِّسْبَةِ لِلْوُسْطَى (أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَالصُّغْرَى) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (بِنْتٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ؛ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ مَعَ بِنْتٍ؛ فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْكُبْرَى اثْنَانِ، وَلِلصُّغْرَى أَرْبَعَةٌ (فَلَوْ مَاتَتْ الصُّغْرَى بَعْدَهَا) ؛ أَيْ: الْوُسْطَى (فَأُمُّ أُمِّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ؛ فَلَهَا الثُّلُثَانِ) النِّصْفُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ، وَالسُّدُسُ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةٌ (وَمَا بَقِيَ) فَهُوَ (لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِنْتُهُ الصُّغْرَى) مَعَ بَقَاءِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى (فَلِلْوُسْطَى) مِنْ الصُّغْرَى (بِأَنَّهَا أُمٌّ سُدُسٌ) لِانْحِجَابِهَا عَنْ الثُّلُثِ إلَيْهِ بِنَفْسِهَا وَبِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ (وَلَهُمَا) ؛ أَيْ: الْوُسْطَى وَالْكُبْرَى (ثُلُثَانِ) بَيْنَهُمَا (بِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ) تَعْصِيبًا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْوُسْطَى ثَلَاثَةٌ، وَلِلْكُبْرَى اثْنَانِ، وَلِلْعَمِّ وَاحِدٌ (وَلَا تَرِثُ الْكُبْرَى) شَيْئًا بِالْجُدُودَةِ (لِأَنَّهَا جَدَّةٌ مَعَ أُمٍّ) فَانْحَجَبَتْ بِهَا عَنْ فَرْضِ الْجَدَّاتِ.