الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تَتِمَّةٌ حُكْمُ مَوَاتُ الْعَنْوَةِ]
تَتِمَّةٌ: مَوَاتُ الْعَنْوَةِ كَأَرْضِ الشَّام وَالْعِرَاقِ كَغَيْرِهِ مِمَّا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُمْلَكُ مَوَاتُ الْعَنْوَةِ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ أَحْيَا مَوَاتَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ مَوَاتٌ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لِجَمَاعَةٍ، فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدُهُمْ حَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَامِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ؛ لِكَوْنِ السَّوَادِ كَانَ عَامِرًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَحِينَ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ، (وَ) سِوَى (مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ (لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا) ، لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ، وَيُفَارِقُ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، (وَ) سِوَى (مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) عُرْفًا؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالرَّأْيِ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ تَحْدِيدٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ، وَمَا قِيلَ: إنَّ حَدَّ الْقَرِيبِ خُمُسُ خُمُسِ الْفَرْسَخِ، وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ بِأَعْلَاهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْ أَدْنَى أَهْلِ الْمِصْرِ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِكُلِّ مَا قَرُبَ مِنْ عَامِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي لِأَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فِي مَوَاتٍ حُرِّمَ إحْيَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاتِ عَلَى غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْحَدِّ (وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ) مَا اتَّسَعَ أَمَامَهُ (وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ وَحَرِيمِهِ) - أَيْ: حَرِيمِ بِئْرِهِ وَحَرِيمِ نَهْرِهِ وَحَرِيمِ عَيْنِ مَائِهِ - (وَمَطْرَحِ تُرَابِهِ) وَقُمَامَتِهِ وَمُلْقَى آلَاتِهِ الَّتِي لَا نَفْعَ بِهَا وَمُرْتَكَضِ خَيْلٍ (وَمَدْفِنِ مَوْتَى وَمُنَاخِ إبِلٍ وَمَنَازِلِ مُسَافِرِينَ مُعْتَادَةٍ) حَوْلَ الْمِيَاهِ وَبِقَاعٍ مُرْصَدَةٍ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ؛ (مَلَكَهُ) جَوَابُ مَنْ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً مِنْ غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» .
وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَمْلُوكِ، فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ، وَيَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ (بِمَا فِيهِ مِنْ كَنْزٍ) جَاهِلِيٍّ (وَمَعْدِنٍ جَامِدٍ بَاطِنٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ) وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَبَلُّورٍ وَمِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ (ظَاهِرٍ كَجَصٍّ) - وَهُوَ النُّورَةُ (وَكُحْلٍ وَكِبْرِيتٍ) وَزِرْنِيخَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ؛
لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَطَبَقَاتِهَا، وَهَذَا مِنْهَا، فَتَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ، وَيُفَارَقُ الْكَنْزُ الْإِسْلَامِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ مَا فِيهَا مِنْ كَنْزٍ عَلَيْهَا فِيهِ عَلَامَةُ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحْيِي الْمَعَادِنَ الَّتِي أَحْيَاهَا إذَا حَفَرَهَا وَأَظْهَرَهَا.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": وَلَوْ تَحَجَّرَ الْأَرْضَ وَأَقْطَعَهَا، فَظَهَرَ فِيهَا الْمَعْدِنُ قَبْلَ إحْيَائِهَا كَانَ لَهُ إحْيَاؤُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِتَحَجُّرِهِ وَإِقْطَاعِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ إتْمَامِ حَقِّهِ [وَ (لَا) يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَا فِيهَا مِنْ مَعْدِنٍ (جَارٍ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا.
(وَلَا) يَمْلِكُ إنْسَانٌ] مَا أَحْيَاهُ مِنْ (مَعْدِنٍ مُطْلَقًا) ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا (بِإِحْيَائِهِ) لَهُ (مُفْرَدًا) عَنْ غَيْرِهِ، أَمَّا الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ يَنْتَابُهُ النَّاسُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ كَمَقْطَعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالنَّفْطِ وَالْبِرَامِ وَالْيَاقُوتِ؛ فَبِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ مَعْدِنَ الْمِلْحِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعَدِّ؛ رَدَّهُ» .
قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرَبٍ فَلَمَّا وَلَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْت لَهُ؟ إنَّمَا أَقْطَعْته الْمَاءَ الْعَدَّ فَرَجَعَهُ مِنْهُ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُحْمَى مِنْ الْأَرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ» ، وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ وَلَا إقْطَاعُهُ؛ كَمَشَارِعِ الْمَاءِ وَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ مَوَادِّ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَفَيْضِ جُودِهِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ، فَلَوْ مَلَكَهُ أَحَدٌ بِالِاحْتِجَارِ مَلَكَ مَنْعَهُ، فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهُ أَغْلَاهُ، فَخَرَجَ عَنْ الْوَضْعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَعْمِيمِ ذَوِي الْحَوَائِجِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْبَاطِنُ وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ؛ فَلَا يَمْلِك بِإِحْيَائِهِ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ
الَّتِي يَتَهَيَّأُ بِهَا الْمُحْيِي لِلِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وَهَذَا حَفْرٌ وَتَخْرِيجٌ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ عِنْدَ كُلِّ انْتِفَاعٍ.
(وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا (مَا) - أَيْ: مَعْدِنًا (كَانَ) فِيهِمَا (ظَاهِرًا لِلنَّاسِ) ، وَتَقَدَّمَتْ لَك أَمْثِلَةُ الظَّاهِرِ (يَأْخُذُونَهُ قَبْلَ إحْيَاءِ) تِلْكَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ فِي مِلْكِهِ إذْنٌ قَطْعًا لِنَفْعٍ كَانَ وَاصِلًا إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْعًا لِانْتِفَاعِهِمْ، وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ [فَإِنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَنْهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ] ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى ذِمِّيٍّ خَرَاجُ مَا أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ) فُتِحَتْ (عَنْوَةً) كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُقَرُّ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ الْخَرَاجِ؛ كَغَيْرِ الْمَوَاتِ، أَمَّا غَيْرُ الْعَنْوَةِ - وَهُوَ مَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنْ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ إذَا أَحْيَا الذِّمِّيُّ فِيهِ مَوَاتًا - فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ؛ إذْ الْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْهُمْ.
(وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَيُقْطَعُ) - بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ - (مَا) - أَيْ: مَحِلُّ - (إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِحْدَاثِهِ، بَلْ يَحْدُثُ نَفْعُهُ بِفِعْلِهِ بِالْعَمَلِ فِيهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاتِ، وَإِحْيَاءُ هَذَا بِتَهْيِئَتِهِ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ حَفْرِ تُرَابِهِ وَتَمْهِيدِهِ وَفَتْحِ قَنَاةٍ إلَيْهِ تَصُبُّ الْمَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ بِهَذَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ (مِنْ الْعَامِرِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ) نَصًّا كَالْبَعِيدِ عَنْهُ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِمَصَالِحِ الْعَامِرِ، وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ
الْعَقِيقَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ عَامِرِ الْمَدِينَةِ» ، وَلِأَنَّهُ مَوَاتٌ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَامِرِ، فَجَازَ إحْيَاؤُهُ كَالْبَعِيدِ. وَ (لَا) يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ (مَا) - أَيْ: مَكَان - (نَضَبَ) ؛ أَيْ: غَارَ (مَاؤُهُ مِنْ الْجَزَائِرِ) وَالرُّقَاقِ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا.
وَالرُّقَاقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَرْضٌ لَيِّنَةٌ أَوْ رِمَالٌ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ لَيِّنَةُ التُّرَابِ تَحْتَهَا صَلَابَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَلَى جَزِيرَةٍ إلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلَأِ وَالْحَطَبِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا حِمَى فِي الْأَرَاكِ» . وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ؛ أَيْ: مَا نَبَتَ فِيهَا.
وَفِي " الْإِقْنَاعِ " أَمَّا مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ وَالرُّقَاقِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَكُلُّ أَحَدٍ أَحْيَاهُ كَمَوَاتٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ.
(وَلَا) يَمْلِكُ بِإِحْيَاءِ (مَا غَمَرَهُ الْمَاءُ مِنْ) مَكَان (مَمْلُوكٍ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ، ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهِ قَبْلَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ؛ فَلَهُمْ أَخْذُهُ؛ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِمْ عَنْهُ.
فَائِدَةٌ: وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ فَعَمَّرَهُ إنْسَانٌ عِمَارَةً لَا تَرِدُ الْمَاءَ مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَجِّرٌ بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ فِي الْمَوَاتِ. .
(وَإِنْ ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَا) مِنْ مَوَاتٍ (عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ) ظَهَرَ (مَعْدِنٌ جَارٍ) ، وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ عِوَضُهُ (كَنَفْطٍ وَقَارٍ أَوْ) ظَهَرَ فِيهِ (كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ خَارِجٌ مِنْ أَرْضِهِ، أَشْبَهَ الْمَعَادِنَ الْجَامِدَةَ وَالزَّرْعَ؛ لِحَدِيثِ:«مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَهُنَا أَوْلَى، (وَلَا يَمْلِكُهُ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَزَادَ وَثَمَنُهُ
حَرَامٌ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ فَلَمْ تُمْلَكْ بِمِلْكِهَا كَالْكَنْزِ.
(وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ) الَّذِي فِي قَرَارِ الْعَيْنِ أَوْ فِي قَرَارِ الْبِئْرِ، وَلَمْ يُحْزِهِ (عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ) ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَيَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِهِ - أَيْ: غَيْرِهِ - عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَا يُمْنَعُ بِهِ الْكَلَأُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلَإِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلَا يَتَوَعَّدُ عَلَى مَا يَحِلُّ (مَا لَمْ يَجِدْ) رَبُّ الْبَهَائِمِ وَالزَّرْعِ مَاءً (مُبَاحًا) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا بِهِ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَحِلِّ الْحَاجَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةً لَمْ يَجِبْ الْبَذْلُ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) الْبَاذِلُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا (أَوْ يُؤْذِهِ) طَالِبُ الْمَاءِ (بِدُخُولِهِ) إلَيْهَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ (فِيهِ) - أَيْ: الْبِئْرِ - (مَاءُ السَّمَاءِ، أَوْ يَخَافُ عَطَشًا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْحِيَازَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ؛ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، بِخِلَافِ الْعَدُوِّ، وَكَذَا لَوْ حَازَ الْمَاءَ الْعَدَّ فِي إنَاءٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ بِشَرْطِهِ، وَإِذَا خِيفَ الْأَذَى بِوُرُودِ الْمَاشِيَةِ الْمَاءَ، بَعْدَ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَةِ رَبِّ أَرْضِهِ، فَيَجُوزُ لِرُعَاتِهَا سَوْقُ فَضْلِ الْمَاءِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ بِلَا مَفْسَدَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَاءِ بَذْلَ حَبْلٍ وَدَلْوٍ وَبُكْرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُتْلَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَشْبَهَتْ بَقِيَّةَ مَالٍ، لَكِنْ إنْ اُضْطُرَّ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى رَبِّهَا؛ لَزِمَهُ بَذْلُهَا.
(وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا) بِأَرْضٍ (مَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ) ؛ أَيْ: لِنَفْعِ الْمُجْتَازِينَ، (فَحَافِرٌ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُجْتَازِينَ بِهَا؛ كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا، (فِي سَقْيٍ وَزَرْعٍ وَشُرْبٍ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَمْ يَخُصَّ بِهَا نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ (وَمَعَ ضِيقٍ فِيهِ)
أَيْ: تَزَاحُمٍ - (يُسْقَى آدَمِيٌّ) أَوَّلًا لِحُرْمَتِهِ. (فَحَيَوَانٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً (فَزُرِعَ) بَعْدَهُمَا.
(وَ) إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي مَوَاتٍ (ارْتِفَاقًا) ؛ أَيْ: لِيَرْتَفِقَ هُوَ بِهَا كَحَفْرِ (السِّفَارَةِ) فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ بِئْرًا لِيَرْتَفِقُوا بِمَائِهَا وَكَحَفْرِ الْمُنْتَجَعَيْنِ كَالْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ يَنْتَجِعُونَ أَرْضًا فَيَحْفِرُونَ (لِشَرْعِهِمْ، وَ) لِشُرْبِ (دَوَابِّهِمْ؛ فَهُمْ) - أَيْ: الْحَافِرُونَ لَهَا (أَحَقُّ بِمَائِهَا مَا أَقَامُوا) - أَيْ: مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ عَلَيْهَا - وَلَا يَمْلِكُونَهَا، (وَعَلَيْهِمْ) - أَيْ: الْحَافِرِينَ لَهَا - (بَذْلُ فَاضِلٍ) عَنْهُمْ مِنْ مَائِهَا (لِشَارِبٍ) فَقَطْ دُونَ نَحْوِ زَرْعٍ. قَالَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ) عَنْ الْبِئْرِ (يَكُونُ) مَاؤُهَا (سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَحْفِرُهَا أَحَقَّ مِنْ الْآخَرِ (فَإِنْ عَادُوا) إلَيْهَا (كَانُوا أَحَقَّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفِرُوهَا إلَّا لِأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الرَّحِيلُ وَالرُّجُوعُ، فَلَمْ تَزُلْ أَحَقِّيَّتُهُمْ بِذَلِكَ.
اخْتَارَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ".
(وَ) إنْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ (تَمَلُّكًا فَهِيَ مِلْكٌ لِحَافِرٍ) ؛ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ الْحَيِّ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ.
تَتِمَّةٌ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَطَهَارَتِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَانْتِفَاعِهِ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْثَرُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَأَمَّا مَا يُؤْثَرُ فِيهِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ، فَإِنَّ فَضْلَ الْمَاءِ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الْفَضْلُ الْوَاجِبُ بَذْلُهُ مَا فَضَلَ عَنْ شَفَتِهِ وَشَفَةِ عِيَالِهِ وَعَجِينِهِمْ