الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تَتِمَّةٌ أَحْدَثَ بِرْكَةً لِلْمَاءِ فَنَزَلَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ فَأَوْهَاهُ وَهَدَمَهُ]
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ أَحْدَثَ بِرْكَةً لِلْمَاءِ أَوْ كَنِيفًا أَوْ مُسْتَحَمًّا، فَنَزَلَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ، فَأَوْهَاهُ وَهَدَمَهُ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تَتَعَدَّى؛ ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَ " التَّلْخِيصِ " قَالَا: وَلِلْجَارِ مَنْعُهُ النُّزُولَ إلَى جِدَارِ جَارِهِ وَقَالَا أَيْضًا: الدَّقُّ الَّذِي يَهْدِمُ الْجِدَارَ مَضْمُونُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ.
[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْبَهَائِمِ]
(وَيَضْمَنُ رَبُّ بَهَائِمَ ضَارِيَةٍ) - أَيْ مُعْتَادَةً بِالْجِنَايَةِ - (عَالِمٌ بِضَرَيَانِهَا أَوْ أَمَرَ بِإِمْسَاكِهَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا) ؛ أَيْ: بِأَنَّهَا ضَارِيَةٌ مَا أَتْلَفَتْهُ، (وَ) كَذَلِكَ يَضْمَنُ (رَبُّ جَوَارِحَ وَشَبَهِهَا) - أَيْ: الْجَوَارِحِ - (مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) .
قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ وَخَلَّاهُ فِي طُرُقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ، فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا؛ ضَمِنَ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ؛ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي، فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ.
(وَإِذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ؛ وَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا وَغَيْرِهِ إتْلَافُهَا) دَفْعًا لِضَرَرِهَا قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ".
وَحَيْثُ جَازَ إتْلَافُهَا فَلَهُ أَنْ يُتْلِفَهَا بِالْمَعْرُوفِ - أَيْ: عَلَى وَجْهٍ لَا تَعْذِيبَ فِيهِ - لِحَدِيثِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» .
وَلَا يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالصَّوْلِ إذَا قُتِلَتْ حَالَ صَوْلِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ؛ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ
(وَلَوْ حَالَتْ) الدَّابَّةُ (بَيْنَهُ) - أَيْ: بَيْنَ إنْسَانٍ - (وَبَيْنَ مَالِهِ، وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِلَا قَتْلٍ؛ قَتَلَهَا) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهَا دَفْعًا لِشَرِّهَا.
(وَيَتَّجِهُ) حَيْثُ جَازَ لَهُ قَتْلُهَا إزَالَةً لِضَرَرِهَا بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ لِئَلَّا يُضَيِّعَهَا عَلَى رَبِّهَا.
(فَلَوْ) قَتَلَهَا، وَ (لَمْ يُسَمِّ) عَلَيْهَا سَهْوًا لَا جَهْلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِسُقُوطِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ (عَمْدًا؛ ضَمِنَ) لِرَبِّهَا (قِيمَتَهَا مُذَكَّاةً) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَلَا يَضْمَنُ (رَبُّ) بَهَائِمَ (غَيْرَ ضَارِيَةٍ) - أَيْ: مَعْرُوفَةٍ بِالصَّوْلِ - وَغَيْرَ جَوَارِحَ وَشَبَهِهَا مَا أَتْلَفَتْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (وَلَوْ) كَانَ مَا (أَتْلَفَتْهُ) الْبَهِيمَةُ (صَيْدًا بِالْحَرَمِ) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:( «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَيْ: هَدَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ ضَارِيَةً ضَمِنَ.
(وَيَضْمَنُ) جِنَايَةَ دَابَّةٍ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ ضَارِيَةً أَوْ لَا (رَاكِبٌ وَسَائِقٌ وَقَائِدٌ) لِدَابَّةٍ، مَالِكًا كَانَ أَوْ غَاصِبًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا أَوْ مُرْتَهِنًا (قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ التَّصَرُّفِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
(وَيَتَّجِهُ اشْتِرَاطُ تَكْلِيفِهِ) - أَيْ: الْمُتَصَرِّفِ الْقَادِرِ عَلَى التَّصَرُّفِ - إذْ الْأَحْكَامُ تُنَاطُ بِالْمُكَلَّفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(جِنَايَةَ يَدِهَا وَفَمِهَا وَوَلَدِهَا) ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ تَبَعُهَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ جَنَى بِيَدِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ ذَنَبِهِ.
وَلَوْ قِيلَ: يَضْمَنُ مِنْهُ مَا يَضْمَنُ مِنْهَا فَقَطْ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (وَوَطْئِهَا بِرِجْلِهَا) ؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلِأَنَّ
فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا نَفَحَتْ بِهَا) - أَيْ: بِرِجْلِهَا - مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ مَرْفُوعًا: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» .
فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَةِ غَيْرِهَا، وَخُصِّصَ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ نَفْحِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ، وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ فَهِيَ عَلَيْهَا؛ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ.
(وَيَتَّجِهُ) أَوْ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَصَرِّفُ بِدَابَّةٍ مَا نَفَحَتْهُ (بِرَأْسِهَا) ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْجَمُوحَ مِنْ شَأْنِهَا عَدَمُ الِانْقِيَادِ خُصُوصًا إذَا اسْتَجْبَنَتْ الْمُتَصَرِّفَ، فَإِنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْغُلَامِ فِي فَرْخِ طَيْرِ الْحَمَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.
هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَأْبَاهُ إذَا عَدِمَ ضَمَانَ نَفْحِ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَا يَعْجِزُ الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ عَنْ ضَبْطِهِ، فَجِنَايَتُهَا بِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْبَهِيمَةُ النَّزِقَةُ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِكَبْحٍ وَلَا نَحْوِهِ؛ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا بِالْأَسْوَاقِ، فَإِنْ رَكِبَ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا الرَّمُوحُ وَالْعَضُوضُ انْتَهَى.
وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا، (مَا لَمْ يَكْبَحْهَا) ؛ أَيْ: يَجْذِبْهَا بِلِجَامٍ (فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ) مَا لَمْ (يَضْرِبْ وَجْهَهَا) ؛ فَيَضْمَنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي جِنَايَتِهَا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ.
(وَلَا) يَضْمَنُ مَنْ بِيَدِهِ دَابَّةٌ (جِنَايَةَ ذَنَبِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ وَلَا يَضْمَنُ مُتَصَرِّفٌ بِدَابَّةٍ (سُقُوطَ حَمْلِهَا) إذَا لَمْ
يُفَرِّطْ بِشَدِّهِ؛ إذْ حِفْظُهُ عَنْ السُّقُوطِ بَعْدَ إحْكَامِ الشَّدِّ فَوْقَ الطَّاقَةِ، وَلَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَضْمَنُ) جِنَايَتَهَا (مَعَ سَبَبٍ) لِلْجِنَايَةِ (كَنَخْسٍ وَتَنْفِيرِ فَاعِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي جِنَايَتِهَا، (دُونَهُمْ) - أَيْ: دُونَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ.
وَإِنْ جَنَتْ الْبَهِيمَةُ عَلَى مَنْ نَفَّرَهَا أَوْ نَخَسَهَا، (فَأَتْلَفَتْهُ) فَالْجِنَايَةُ (هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ تَعَدَّدَ رَاكِبٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، فَجَنَتْ جِنَايَةً مَضْمُونَةً؛ (ضَمِنَ الْأَوَّلُ) مَا يَضْمَنُهُ الْمُنْفَرِدُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَالْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَضْمَنُ (مَنْ خَلْفَهُ إنْ انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِهَا لِعَجْزِ الْأَوَّلِ) بِصِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَمًى، (وَإِنْ اشْتَرَكَا) - أَيْ: الرَّاكِبَانِ - (فِي تَدْبِيرِهَا، وَلَمْ يَكُنْ إلَّا سَائِقٌ وَقَائِدٌ؛ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَضَمِنَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ضَمِنَا، (وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ مَعَهُمَا) - أَيْ: السَّائِقِ وَالْقَائِدِ - كُلًّا مِنْهُمَا (مَعَ أَحَدِهِمَا) مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ مَعَ الدَّابَّةِ انْفَرَدَ بِالضَّمَانِ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ مُشَارَكَةِ الدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ (إنْ شَارَكَ) السَّائِقُ وَالْقَائِدُ أَوْ أَحَدُهُمَا (فِي تَدْبِيرِ) الدَّابَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَدْبِيرُهَا غَيْرَ مَنُوطٍ بِهِ، كَرَاكِبِ الْهَوْدَجِ وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَضْمِينِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْ فِي التَّدْبِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِبِلٌ) مُقْطَرَةٌ كَبَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، (وَبِغَالٌ مُقْطَرَةٌ، كَوَاحِدَةٍ، عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ) لِمَا جَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِطَارِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ إنَّمَا تَسِيرُ بِسَيْرِ الْأَوَّلِ، وَتَقِفُ بِوَقْفِهِ، وَتَطَأُ بِوَطْئِهِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ الْجِنَايَةِ، (وَيُشَارِكُهُ) - أَيْ: الْقَائِدَ - (سَائِقٌ فِي أَوَّلِهَا) - أَيْ: الْمُقْطَرَةِ (فِي) جِنَايَةِ (جَمِيعِهَا، وَ) يُشَارِكُ سَائِقٌ (فِي آخِرِهَا فِي) جِنَايَةِ (الْأَخِيرِ فَقَطْ، وَ) يُشَارِكُ سَائِقٌ (فِيمَا بَيْنَهُمَا) - أَيْ: الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ - (فِيمَا بَاشَرَ سَوْقَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ) ، دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهُ وَلَا بِتَابِعٍ لِمَا يَسُوقُهُ، فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَائِدُ (وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ عَلَى أَوَّلِ قِطَارٍ ضَمِنَ) الرَّاكِبُ (جِنَايَةَ الْجَمِيعِ) . قَالَهُ الْحَارِثِيُّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ، وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ، فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ عَلَى مَا تَحْتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ مَالِكًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ؛ فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ سَائِقٌ وَقَائِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقِطَارِ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ ضَمِنَ جِنَايَةَ مَا هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ أَوْ سَائِقٌ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ، دُونَ مَا قَبْلَهُ.
(وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ مِمَّنْ) هِيَ (بِيَدِهِ، فَأَفْسَدَتْ) شَيْئًا؛ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَتَقَدَّمَ (فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ، فَرَدَّهَا؛ ضَمِنَ) .
هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ رَادَّ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ رَدَّهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، لَا إنْ رَدَّهَا (بِأَمْرِ رَبِّهَا) ، فَإِنْ رَدَّهَا بِأَمْرِ رَبِّهَا (لِيُمْسِكَهَا) ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَضْمَنُ رَبُّهَا) - أَيْ: الدَّابَّةِ - (وَمُسْتَعِيرٌ وَمُؤَجِّرٌ وَمُودَعٌ) وَمُرْتَهِنٌ وَأَجِيرٌ لِحِفْظِهَا وَمُوصٍ لَهُ بِنَفْعِهَا (مَا أَفْسَدَتْ مِنْ نَحْوِ شَجَرٍ وَزَرْعٍ) وَغَيْرِهِمَا
كَثَوْبٍ خَرَقَتْهُ أَوْ مَضَغَتْهُ أَوْ وَطِئَتْ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (لَيْلًا) فَقَطْ نَصًّا.
لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ: «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ، فَأَفْسَدَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْ؛ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا؛ فَهُوَ مَشْهُورٌ، وَحَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ، وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّاعِي وَحِفْظُهَا لَيْلًا، وَعَادَةُ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا، فَإِذَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا لَيْلًا كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَضُمَّهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ.
فَإِنْ ضَمَّهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ، فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ دُونَ مَالِكِهَا لِتَسَبُّبِهِ.
وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ الْمُعَارَةِ وَنَحْوُهَا لَيْلًا لِرَبِّهَا؛ ضَمِنَهُ مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ بِأَنْ ضَمَّهَا لَيْلًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ فَلَا ضَمَانَ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.
وَ (لَا) يَضْمَنُ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ مَا أَفْسَدَتْ (نَهَارًا) ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِق إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَيْهَا (مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ فَرَّطَ بِأَنْ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ مَا تُفْسِدُهُ أَوْ لَا؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا مَزَارِعُ وَمَرَاعِي، فَأَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لَا مَرْعَى فِيهَا إلَّا بَيْنَ مَرَاحَيْنِ كَسَاقِيَةٍ وَطَرَفِ زَرْعٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ إرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِتَفْرِيطِهِ (إلَّا غَاصِبُهَا) ؛ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا أَيْضًا؛ لِتَعَدِّيهِ بِإِمْسَاكِهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدٌ كَقَائِدٍ؛ ضَمِنَ صَاحِبُ الْيَدِ مَا أَفْسَدَتْ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَإِرْسَالِهَا لَيْلًا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا؛ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا إنْ فَرَّطَ؛ لَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ نَادِرٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَمَنْ اقْتَنَى نَحْوَ حَمَامٍ) كَبَطٍّ وَأُوزَ (فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا؛ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُقْتَنِي.
قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهُ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " عَنْ الْحَارِثِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: " وَإِنْ اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ، فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا، فَلَقَطَ حَبًّا؛ ضَمِنَ.
وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ " عَلَى تَخْرِيجِهِ فِي الْآدَابِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَمَنْ ادَّعَى أَنْ بَهَائِمَ فُلَانٍ رَعَتْ زَرْعَهُ) لَيْلًا، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهَا (أَفْسَدَتْ شَجَرَهُ) ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَعْيِ الزَّرْعِ وَإِفْسَادِ الشَّجَرِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا غَيْرِهَا) ؛ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُ بَهَائِمِ فُلَانٍ، (وَوُجِدَ أَثَرُهَا بِهِ) - أَيْ: بِالزَّرْعِ أَوْ تَحْتَ الشَّجَرِ - (قُضِيَ لَهُ) عَلَى رَبِّ الْبَهَائِمِ بِضَمَانِ مَا رَعَتْ (نَصًّا) .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مِنْ الْقِيَافَةِ [فِي الْأَمْوَالِ، وَجَعَلَ الْقِيَافَةَ] مُعْتَبَرَةً فِي الْأَمْوَالِ كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ.
(وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ) ، فَدَخَلَتْ مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ، فَأَفْسَدَتْ؛ (لَمْ يَضْمَنْ مَا أَفْسَدَتْهُ) مِنْ مَزْرَعَةِ غَيْرِهِ، (إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ) . ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَزْرَعَةَ رَبِّهَا؛ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْهَا؛ لِتَسَبُّبِهِ.
(فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ) لَمْ يَطْرُدْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْلِيطٌ عَلَى زَرْعِ غَيْرِهِ، (وَصَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا) بِقِيمَةِ مَا تَأْكُلُهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا إلَّا بِتَسْلِيطِهَا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ.
(وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا) مِنْ زَرْعِهِ وَلَهُ مُنْصَرَفٌ يُخْرِجُهَا مِنْهُ (مِنْ مَحَلٍّ غَيْرِ الْمَزَارِعِ، فَتَرَكَهَا) تَأْكُلُ مِنْ زَرْعِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا فَمَا أَكَلَتْهُ؛ (هَدَرٌ) لَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ بِهِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ صَرْفِهَا؛ (كَحَطَبٍ) وَحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى دَابَّةٍ خَرَقَ ثَوْبَ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا -) أَيْ مَوْضِعًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ - فَلَمْ يَفْعَلْ؛ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ، (وَكَذَا لَوْ