الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: أَرَدْتُ الْوَقْفَ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ، وَتَكُونُ وَقْفًا.
(وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (لَوْ قَالَ) إنْسَانٌ: قَرْيَتِي الَّتِي فِي الثَّغْرِ لِمَوَالِي الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ؛ صَحَّ وَقْفًا. وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ.
وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ: (جَعَلْتُ هَذَا الْمَكَانِ مَسْجِدًا) ، أَوْ وَقْفًا، صَارَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ عِبَارَتُهُ.
(أَوْ قَالَ) كُلُّ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ: (جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ) ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ (صَحَّ) ، وَصَارَ بِذَلِكَ وَقْفًا لِلْمَسْجِدِ. قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ.
وَوَقْفُ الْهَازِلِ وَوَقْفُ التَّلْجِئَةِ، إنْ غَلَبَ عَلَى الْوَقْفِ جِهَةُ التَّحْرِيرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخَ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، كَالْعِتْقِ وَالْإِتْلَافِ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شِبْهُ التَّمْلِيكِ؛ فَيُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالتَّمْلِيكَ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْهَازِلِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ".
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا؛ فَيَصِحُّ جَعَلْتُ هَذَا لِلْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ انْتَهَى.
[فَصْلٌ شُرُوطُ الْوَقْفِ]
(فَصْلٌ: وَشُرُوطُهُ) ؛ أَيْ: شُرُوطُ الْوَقْفِ الْمُعْتَبَرَةُ لِصِحَّتِهِ (سِتَّةٌ) :
(أَحَدُهَا كَوْنُهُ) - أَيْ: الْوَقْفُ - (مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ، كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَالِيَّةِ.
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ فِي الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ.
(أَوْ) كَوْنُ الْوَقْفِ (مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) ، كَوَكِيلِهِ، لَا الْوَلِيِّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ (الثَّانِي كَوْنُهُ) - أَيْ: الْمَوْقُوفِ - (عَيْنًا) فَ (لَا) يَصِحُّ وَقْفُ (مَا فِي الذِّمَّةِ)، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارًا أَوْ عَبْدًا، وَلَوْ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ (مَعْلُومَةً
يَصِحُّ بَيْعُهَا) ، بِخِلَافِ نَحْوِ أُمِّ الْوَلَدِ، (وَأَنْ) تَكُونَ الْعَيْنُ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي (يُنْتَفَعُ بِهَا) ، انْتِفَاعًا (عُرْفًا) ، وَأَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ، مَقْصُودًا، مُتَقَوِّمًا، (كَإِجَارَةٍ) ، وَاسْتِغْلَالِ ثَمَرَةٍ، وَنَحْوِهِ (مَعَ بَقَائِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ؛ لِيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَإِجَارَةٍ، إلَى أَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ تَارَةً يُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عَيْنًا؛ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَتَارَةً يُرَادُ مِنْهُ حُصُولُ عَيْنٍ، كَالثَّمَرِ مِنْ الشَّجَرِ، وَالصُّوفِ، وَالْوَبَرِ، وَالْأَلْبَانِ، وَالْبَيْضِ مِنْ الْحَيَوَانِ. (وَلَوْ) صَادَفَ الْوَقْفُ جُزْءًا (مُشَاعًا مِنْهَا) ؛ أَيْ: مِنْ الْعَيْنِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، كَنِصْفٍ أَوْ سَهْمٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمِائَةُ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: احْبِسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ: كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا. قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَزًا، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ فِي الْمُشَاعِ كَحُصُولِهِ فِي الْمَفْرُوزِ.
وَلَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الْبَعْضِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَهُوَ يَصِحُّ فِي الْوَقْفِ؛ كَمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا؛ (يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ) فِي الْحَالِ، (فَيُمْنَعُ مِنْهُ نَحْوُ جُنُبٍ) ، كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ.
(وَتَتَعَيَّنُ الْقِسْمَةُ) هُنَا؛ (لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ) . انْتَهَى وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (أَوْ) كَوْنُهُ (مَنْقُولًا كَحَيَوَانٍ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ وَقَفَ فَرَسًا عَلَى الْغُزَاةِ، أَوْ عَبْدًا لِخِدْمَةِ الْمَرْضَى (وَأَثَاثٍ) يُفْرَشُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ. (وَسِلَاحٍ) ؛ كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ، عَلَى الْغُزَاةِ.
أَمَّا الْحَيَوَانُ؛ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَاثُ وَالسِّلَاحُ؛ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: " وَأَعْتُدَهُ ".
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْأَعْتَادُ مَا يُعِدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ رَكُوبٍ وَسِلَاحٍ وَآلَةِ الْجِهَادِ. وَقَالَ فِي " النِّهَايَةِ: " الْأَعْتُدُ جَمْعُ قِلَّةٍ لِلْعَتَادِ، وَهُوَ مَا أَعَدَّهُ الرَّجُلُ مِنْ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَآلَةِ الْحَرْبِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَعْتِدَةٍ أَيْضًا.
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: " أَعْبُدُ " بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ عَبْدٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مَقِيسٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَجَازَ وَقْفُهُ؛ كَوَقْفِ السِّلَاحِ. (أَوْ) صَادَفَ الْوَقْفُ (دَارًا لَمْ يَذْكُرْ) الْوَاقِفُ (حُدُودَهَا) ؛ فَيَصِحُّ (إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً) .
قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَقَارًا مَشْهُورًا لَمْ يَشْتَرِطْ حُدُودَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً انْتَهَى.
(وَكَذَا) يَصِحُّ وَقْفُ (حُلِيٍّ عَلَى لُبْسٍ وَعَارِيَّةٍ) ؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ: أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ، فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ.
(فَلَا يَصِحُّ إنْ أَطْلَقَ) وَاقِفٌ وَقْفَ الْحُلِيِّ، فَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِلُبْسٍ أَوْ عَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (مُبْهَمًا) غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ (كَ) وَقَفْتُ (أَحَدَ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ نَقْلُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ تَصِحَّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ مَجْهُولًا؛ مِثْلُ أَنْ يَقِفَ دَارًا لَمْ يَرَهَا، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مَنْعُ هَذَا بَعِيدٌ.
وَكَذَلِكَ هِبَةٌ (أَوْ) وَقْفُ (مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَأُمِّ وَلَدٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا أَيْضًا.
فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا؛ كَعَلَى زَيْدٍ، عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ،
أَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا، عَلَى أَنْ يَكُونَ الرُّبْعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، صَحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا وَقْفُ (كَلْبٍ) وَخِنْزِيرٍ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، وَكَذَا جَوَارِحُ الطَّيْرِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا وَقْفُ مَنْفَعَةٍ يَمْلِكُهَا؛ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُوصَى لَهُ بِهَا، وَمَنْفَعَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ الْحُرُّ نَفْسَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ، وَلَا أَنْ يَقِفَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (نَحْوِ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَأَرْضِ الشَّام وَالْعِرَاقِ، (وَ) لَا وَقْفُ (مَرْهُونٍ بِلَا إذْنِ) رَاهِنٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَصَرُّفٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
(وَيَتَّجِهُ فَلَوْ وَقَفَ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (نَحْوَ أَرْضِ مِصْرَ) ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَكُلِّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَوَقَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (عَلَى نَحْوِ مَدَارِسَ) ؛ كَمَسَاجِدَ وَخَوَانِكَ وَغَيْرِهَا، (إنَّمَا هِيَ) - أَيْ: الْأَرْضُ - (إرْصَادٌ) - أَيْ: اعْتِدَادٌ - وَإِرْصَادُ الْأَرْضِ اعْتِدَادُهَا، فَكَأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِصَرْفِ نَمَائِهَا عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا.
(وَإِفْرَازٌ)، يُقَالُ: أَفْرَزَ الشَّيْءَ إذَا عَزَلَهُ وَمَيَّزَهُ، وَبَابُهُ ضَرَبَ، فَكَأَنَّهُ أَفْرَزَهَا عَنْ مِلْكِهِ (وَوَقَفَهَا) - أَيْ: الْأَرْضَ - (مَسَاجِدَ؛ يَكْتَفِي فِي) ثُبُوتِ وَقْفِهِ لَهَا بِنَاءَ (الْمَسْجِدِيَّةِ بِالصُّورَةِ) أَيْ: صُورَةِ الْمَسْجِدِ - كَبِنَاءِ مِحْرَابٍ أَوْ مِنْبَرٍ، (وَ) يَكْتَفِي بِذَلِكَ أَيْضًا (بِالِاسْمِيَّةِ) ؛ أَيْ: بِتَسْمِيَتِهِ مَسْجِدًا، (فَإِذَا زَالَتْ) تِلْكَ الصُّورَةُ بِانْهِدَامِهَا، وَتَعَطُّلِ مَنَافِعِهَا؛ (عَادَتْ الْأَرْضُ إلَى حُكْمِهَا) الْأَصْلِيِّ، (مِنْ جَوَازِ لُبْثِ جُنُبٍ) فِيهَا، (وَعَدَمِ صِحَّةِ اعْتِكَافٍ) ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ عَنْهَا، وَعَوْدِهَا إلَى الْحُكْمِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ إذْ هِيَ وَقْفٌ وَقَفَهَا الْإِمَامُ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ، كَمَا وَصَلَ إلَيْنَا ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ،
وَالْوَقْفُ لَا يُوقَفُ، فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَقْفَهَا مُجَرَّدَ إرْصَادٍ وَإِفْرَازٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا (لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ) دَائِمًا (غَيْرَ مَاءٍ) ؛ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ. قَالَ فِي " الْفَائِقِ. ": وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ. نُصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَفِي الْجَامِعِ ": يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْتُهُ عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ فَقَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَخَارُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ دِمَشْقَ، يَقِفُ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. الثَّانِي: ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ. وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بَقَاءُ مَادَّةِ الْحُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرِهِ بِالِانْتِفَاعِ، يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ مَعَ الِانْتِفَاعِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ وَقْفِ الْبِئْرِ؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ وَارِدٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَالْحَفِيرَةِ، فَالْمَاءُ أَصْلٌ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبِئْرِ ثُمَّ لَا أَثَرَ لِذَهَابِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَجَدُّدِ بَدَلِهِ، فَهُنَا كَذَلِكَ: فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ لِذَلِكَ. انْتَهَى.
(كَمَطْعُومٍ وَمَشْمُومٍ يُسْرِعُ فَسَادُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ،
بِخِلَافِ نَدٍّ وَصَنْدَلٍ وَقَطْعِ كَافُورٍ؛ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِشَمِّ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ؛ لِبَقَائِهِ مَعَ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ، فَصَحَّ وَقْفُهُ. وَاسْتَظْهَرَ فِي " الْإِنْصَافِ " أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِوُجُودِ شُرُوطِ الْوَقْفِ فِيهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (دُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ) وَلَا وَقْفُ شَمْعٍ كَذَلِكَ، وَلَا وَقْفُ الرَّيْحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ فِي تَجْوِيزِ وَقْفِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فِيهِ؛ جَازَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ، وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهَا.
لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ، وَهُوَ جَارٍ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَصِحُّ وَقْفُ الرِّيحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَالَ: وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كِسْوَتِهَا.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": فَعَلِمَ أَنَّ التَّطَيُّبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، لَكِنْ قَدْ تَطُولُ مُدَّةُ التَّطَيُّبِ، وَقَدْ تَقْصُرُ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ (أَثْمَانٍ) ، وَلَوْ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ، (كَقِنْدِيلٍ) عَلَى مَسْجِدٍ، (وَحَلْقَةٍ مِنْ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ؛ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (عَلَى الْمَسْجِدِ) ؛ كَمَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا فِي الْإِتْلَافِ لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ.
(فَيُزَكِّيهِ) - أَيْ: النَّقْدَ (رَبُّهُ) ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ وَاقِفُ الْأَثْمَانِ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(إلَّا) إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ (تَبَعًا) ؛ كَوَقْفِ (فَرَسٍ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - (بِلِجَامٍ وَسَرْجٍ مُفَضَّضَيْنِ) ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ.
(فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ) ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، (وَتُصْرَفُ) - أَيْ: ثَمَنُهَا - (فِي وَقْفِ مِثْلِهِ) .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَصَّى بِفَرَسٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ يُوقَفُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فَهُوَ عَلَى مَا وُقِفَ وَوَصَّى، وَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ
فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَلَعَلَّهُ يُشْتَرَى بِتِلْكَ الْفِضَّةِ سَرْجٌ وَلِجَامٌ، فَيَكُونُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ.
قِيلَ: فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ، وَتُجْعَلُ فِي نَفَقَتِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَأَبَاحَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ سَرْجًا وَلِجَامًا؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ فِي جِنْسِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ فَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي الْجِهَادِ، جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ، وَلَمْ يَجُزْ إنْفَاقُهَا عَلَى الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا. انْتَهَى.
وَ (لَا) تُصْرَفُ (فِي نَفَقَتِهِ) - أَيْ: الْفَرَسِ - (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: فَيُبَاعُ ذَلِكَ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) ؛ أَيْ: مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ، (وَقْفُ دَارٍ بِقَنَادِيلِ نَقْدٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى جِهَةِ بِرٍّ؛ فَإِنَّهَا تُبَاعُ الْقَنَادِيلُ، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا دَارًا أَوْ حَانُوتًا يَكُونُ وَقْفًا، وَتُصْرَفُ غَلَّةُ ذَلِكَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ، مَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مُحْتَاجَةً لِعِمَارَةٍ أَوْ إصْلَاحٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ مَا يُصْرَفُ مِنْهُ؛ فَتُبَاعُ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي ذَلِكَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِ الْوَقْفِ لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ كَوْنُهُ) أَيْ: الْوَقْفِ - (عَلَى بِرٍّ) ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ
لِلْخَيْرِ، وَأَصْلُهُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاشْتِرَاطُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ وَصَدَقَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِيمَا لِأَجْلِهِ الْوَقْفُ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ، كَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى: وَقَفُوا عَلَى الْبَيْعَةِ، وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى، فَأَسْلَمُوا وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى: فَلَهُمْ أَخْذُهَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، لَا يُقَالُ: مَا عَقَدَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَتَقَابَضُوهُ، ثُمَّ أَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا؛ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ؛ فَيَبْقَى بِحَالِهِ، كَالْعِتْقِ.
وَالْقُرْبَةُ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ كَالْفُقَرَاءِ (وَالْمَسَاكِينِ) وَالْغُزَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ؛ كَالْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَالسِّقَايَةِ الَّتِي يَتَّخِذُ فِيهَا الشَّرَابَ فِي الْمَوَاسِمِ، وَغَيْرِهَا، وَإِصْلَاحِ الطُّرُقِ (وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ) وَالْمَدَارِسِ والْبيمَارِستاناتِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا تَعُودُ عَلَى الْآدَمِيِّ، فَيَتَصَرَّفُ فِي مَصَالِحِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
وَمِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (الْأَقَارِبُ) ؛ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ؛ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ.
وَيَصِحُّ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ؛ كَالرُّبُطِ وَالْخَانَاتِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، (وَكُتُبِ الْعِلْمِ) النَّافِعِ كَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى) تَعْلِيمِ شِعْرٍ (مُبَاحٍ)(وَ) لَا عَلَى (مَكْرُوهٍ) ؛ كَتَعْلِيمِ مَنْطِقٍ؛ لِانْتِفَاءِ الْقُرْبَةِ. (وَ) لَا عَلَى (مَعْصِيَةٍ) ، وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ عَلَيْهَا.
وَ (يَصِحُّ) الْوَقْفُ (مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ؛ لِمَا رُوِيَ: " أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ "؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ؛ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَجْنَبِيًّا) مِنْ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ صِلَتُهُ.
وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمِّيَّةٍ
لَزِمَهُ، (كَعَكْسِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ طَائِفَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
(وَيَسْتَمِرُّ) الْوَقْفُ لَهُ (إذَا أَسْلَمَ) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ كَمَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ. (وَيَلْغُو شَرْطُهُ) ؛ أَيْ: شَرْطُ الْوَاقِفِ اسْتِحْقَاقَهُ، (مَا دَامَ كَذَلِكَ) - أَيْ: ذِمِّيًّا - لِئَلَّا يَخْرُجَ الْوَقْفُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً (وَكَذَا) ؛ أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ، مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ (مَا دَامَ زَيْدٌ غَنِيًّا، أَوْ) عَلَى فُلَانَةَ مَا دَامَتْ (مُتَزَوِّجَةً) .
(لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كَنَائِسَ) - جَمْعِ كَنِيسَةٍ - مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ الْكُفَّارِ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(أَوْ) عَلَى (بُيُوتِ نَارٍ، أَوْ عَلَى بِيَعٍ) - جَمْعِ بِيعَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى، وَنَحْوِهَا كَدُيُورِ وَصَوَامِعَ رُهْبَانٍ، وَمَصَالِحِهَا كَقَنَادِيلِهَا وَفُرُشِهَا وَوُقُودِهَا وَسَدَنَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَا ذُكِرَ (مِنْ ذِمِّيٍّ) ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ. قَالَ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى كُلِّ وَقْفٍ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ، أَوْ بَيْتِ نَارٍ، أَوْ بِيعَةٍ، وَيَجْعَلَهَا عَلَى جِهَةِ قُرُبَاتٍ. انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَرَثَةُ وَاقِفِهَا، وَإِلَّا فَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِفَقْرِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَعْمُرُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْظِيمِهَا، (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى الْمَارِّ بِهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) ؛ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ، وَصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (ذِمِّيٍّ فَقَطْ) . قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: " إنَّهُ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ خَصَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَوَقَفَ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَصِحَّ. (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: بَلْ عَلَى مَنْ يَنْزِلُهَا مِنْ مَارٍّ وَمُجْتَازٍ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (جِنْسِ) - أَيْ: طَائِفَةِ - (الْأَغْنِيَاءِ، أَوْ الْفُسَّاقِ) ، أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ الْمَغَانِي، (أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، (وَلَوْ) خَصَّ (الْفُقَرَاءَ) ، مِنْ الْفُسَّاقِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كُتُبٍ) - أَيْ: كِتَابَةٍ - (نَحْوِ التَّوْرَاةِ) . كَالْإِنْجِيلِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ ذِمِّيٍّ؛ لِوُقُوعِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ لَمَّا رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ، أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؟ ؛ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي» .
(وَ) كَذَا (كُتُبُ بِدَعٍ)، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى حَرْبِيٍّ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، وَلِأَنَّ إتْلَافَ أَنْفُسِهِمَا وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ؛ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمَا.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ (وَقْفُ سُتُورٍ) - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا - (لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ) ؛ كَوَقْفِهَا عَلَى الْأَضْرِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ.
(وَلَا) يَصِحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ (عَلَى نَفْسِهِ) .
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.
وَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ.
قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ.
قَالَ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ ": وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُوَفَّقِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ "، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي " الْمُبْهِجِ "، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرُهُمْ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ
الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ هُنَا؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ؛ كَبَيْعِهِ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَمَنْ سَنَذْكُرُهُ. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، (وَيَنْصَرِفُ) الْوَقْفُ (لِمَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ) . فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ؛ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونُ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ؛ فَمِلْكُهُ بِحَالِهِ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ.
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ.
قَالَ فِي " الْمُذَهَّبِ ": وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ "؛ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِي " النِّهَايَةِ "" وَالْخُلَاصَةِ ": يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُورِ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ "" وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ".
قَالَ فِي " الْفَائِقِ " وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنَوِّرِ " وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْهِدَايَةِ "" وَالْمُسْتَوْعِبِ " وَالْهَادِي " " وَالْفَائِقِ " وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي مُسْوَدَّتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ أَصَحُّ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي زَمَنِنَا، وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ؛ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا.
قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى: ": وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْمَرْجُوحِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى.
(وَيَصِحُّ وَقْفُ قِنِّهِ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ) صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى (وَعَلَى حُجْرَتِهِ)
أَيْ: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا، وَإِشْعَالِ قَنَادِيلَهَا وَإِصْلَاحِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ وَقْفُ الْقِنِّ (لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ، وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا) الْحَرِيرِ، وَكَنْسِ الْحَائِطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمَكَّنُ مِنْ تِلْكَ الْقُرْبَةِ، فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مُنِعَ مِنْهُ.
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى تَنْوِيرِ قَبْرٍ، وَلَا عَلَى تَبْخِيرِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُقِيمُ عِنْدَهُ أَوْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَزُورُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ") لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ، لَكِنْ فِي مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَزُورُهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى زِيَارَةٍ فِيهَا سَفَرٌ.
(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى الْقَبْرِ وَلَا (وَقْفُ بَيْتٍ فِيهِ قُبُورٌ مَسْجِدًا) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
(وَمَنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى غَيْرِهِ) ؛ كَأَوْلَادِهِ أَوْ مَسْجِدٍ، (وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ) كُلَّهَا لِنَفْسِهِ، (أَوْ) اسْتَثْنَى (سُكْنَاهُ، أَوْ) اسْتَثْنَى (بَعْضَهَا لَهُ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ صَحَّ.
(أَوْ) اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا (لِوَلَدِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - أَوْ غَيْرِهِ، صَحَّ.
(أَوْ) اسْتَثْنَى (الْأَكْلَ) مِمَّا وَقَفَهُ، أَوْ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ، (أَوْ) اسْتَثْنَى (الِانْتِفَاعَ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِسُكْنَى مُدَّةِ حَيَاتِهِمْ، (أَوْ) اشْتَرَطَ أَنَّهُ (يُطْعِمُ صَدِيقَهُ) مِنْهُ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ صَحَّ) الْوَقْفُ، وَالشَّرْطُ عَلَى مَا قَالَ، سَوَاءٌ قَدَّرَ مَا يَأْكُلُهُ أَوْ عِيَالَهُ أَوْ صَدِيقَهُ وَنَحْوَهُ، أَوْ أَطْلَقَهُ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَشْتَرِطُ فِي الْوَقْفِ أَنِّي أَقِفُ عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي، قَالَ: نَعَمْ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ أَنَّهُ فِي صَدَقَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ".
وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ لَمَّا وَقَفَ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وُلِّيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا؛ كَالْمَسَاجِدِ، وَالسِّقَايَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ، وَالْمَقَابِرِ؛ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ هُنَا.
(فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اسْتَثْنَى نَفْعَ مَا وَقَفَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، (فِي أَثْنَائِهَا) - أَيْ: الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِنَحْوِ السُّكْنَى - فَالْبَاقِي مِنْهَا (لِوَرَثَتِهِ) ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ فِيهَا.
قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إجَارَةِ كُلِّ مَا مَلَكَ مَنْفَعَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ لَهُ.
(وَلَهُمْ) - أَيْ: وَرَثَتِهِ - (إجَارَتُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ) ؛ كَالْمُسْتَثْنَى فِي الْبَيْعِ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا شُرِطَ سُكْنَاهُ لِنَحْوِ بِنْتِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ خَطِيبٍ، أَوْ إمَامٍ. قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ.
(وَيَتَّجِهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ) لِمَنْ مَاتَ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ بَعْضُ الْمُدَّةِ (وَرَثَةٌ فَ) الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا (لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ كَبَاقِي تَرِكَتِهِ، وَ (لَا) يُعْطَى (لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ) ؛ شَمَلَهُ الْوَقْفَ، وَ (تَنَاوَلَ) الْوَاقِفُ مِنْهُ؛ لِوُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ فِيهِ (وَلَوْ وَقَفَ) إنْسَانٌ (مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا، أَوْ مَدْرَسَةً) لِعُمُومِ (الْفُقَهَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ) ؛ أَيْ: نَوْعٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، (أَوْ) وَقَفَ (رِبَاطًا) أَوْ غَيْرَهُ (لِلصُّوفِيَّةِ) أَوْ نَحْوِهِمْ، (مِمَّا يَعُمُّ؛ فَهُوَ) - أَيْ: الْوَاقِفُ -
(كَغَيْرِهِ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا وَقَفَهُ؛ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: «هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ بِهَا مَا يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ؟ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَجَعَلْتُ فِيهَا دَلْوِي مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ» (وَالصُّوفِيَّةُ: هُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا) ، الْمُتَبَتِّلُونَ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ.
(فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ) - أَيْ: الصُّوفِيَّةِ - (جَمَّاعًا لِلْمَالِ، وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ) غَالِبًا، لَا آدَابَ وَضْعِيَّةٍ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِمَا وَضَعُوهُ مِنْ الْآدَابِ الْغَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرْعِ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا؛ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ.
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِمْ. وَقَالَ: الصُّوفِيُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ يُعْتَبَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِغَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً؛ كَآدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ وَالسَّفَرِ وَالصُّحْبَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ، قَوْلًا وَفِعْلًا، (وَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا أَحْدَثَهُ) بَعْضُ (الْمُتَصَوِّفَةِ) مِنْ الْآدَابِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الدِّينِ، (مِنْ الْتِزَامِ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ) فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا؛ (كَلِبَاسِ خِرْقَةٍ مُتَعَارَفَةٍ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدِ شَيْخٍ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الشَّرِيعَةِ؛ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الشَّرْعِ.
(بَلْ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ) فَهُوَ حَقٌّ يُصَارُ إلَيْهِ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ (بَاطِلٌ) لَا يُعَوَّلُ إلَيْهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اشْتِرَاطِهِ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ، بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ (كَوْنُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ) ، مِنْ جِهَةٍ كَمَسْجِدِ كَذَا، أَوْ شَخْصٍ كَزَيْدٍ، (غَيْرَ نَفْسِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، (يَمْلِكُ مِلْكًا ثَابِتًا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الْأَصْلِ تَحْبِيسًا لَا تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ
(فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مُكَاتَبٍ) ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ، وَالْمُكَاتَبُ مِلْكُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتِبِينَ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ جِهَةٌ يُرَادُ مَعْنَاهُ صَرَفَهُ عَلَى جِهَةِ الْمُكَاتَبِينَ، فَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا اسْتَحَقَّ قَضَاءَ كِتَابَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (أَوْ مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ) لِصِدْقِهِ بِكُلِّ رَجُلٍ، (وَمَسْجِدٍ) ؛ لِصِدْقِهِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ. أَوْ عَلَى (مُبْهَمٍ؛ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الرَّجُلَيْنِ، أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا؛ لِتَرَدُّدِهِ؛ كَبِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (مَنْ لَا يَمْلِكُ: كَقِنٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُدَبَّرٍ، وَمَيِّتٍ، وَجِنٍّ، وَمَلِكٍ) - بِفَتْحِ اللَّامِ - أَحَدِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا عَلَى بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، (وَ) لَا عَلَى (حَمْلٍ أَصَالَةً) ؛ كَوَقْفِ دَارِهِ (عَلَى حَمْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ إذَنْ، وَالْحَمْلُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ؛ كَعَلَى (مَنْ سَيُولَدُ لِي، أَوْ) عَلَى مَنْ سَيُولَدُ (لِفُلَانٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ أَصَالَةً، (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ، وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ، (تَبَعًا) لِمَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِ وَاقِفٍ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِي مِنْ فُلَانٍ) ، أَوْ لِفُلَانٍ بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ وَقَفَ) وَاقِفٌ شَيْئًا (عَلَى شَخْصٍ؛ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى مُبْهَمٍ.
وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ (عَلَى جِهَةٍ، فَلَا) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ أَشْخَاصِهَا، (بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْجِهَةِ فَقَطْ)، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ كَذَا
(عَلَى مَنْ يَقْرَأُ) سُورَةَ كَذَا، أَوْ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ يُطْلِقُ، (أَوْ عَلَى مَنْ يَدْرُسُ) الْحَدِيثَ أَوْ التَّفْسِيرَ أَوْ الْفِقْهَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلُومِ الْمُبَاحَةِ، فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ يُطْلِقُ، (أَوْ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ) الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ كَذَا أَوْ مَدْرَسَةِ كَذَا، (أَوْ) عَلَى مَنْ (يَرْمِي الرَّيْحَانَ عَلَى الْقَبْرِ) الْفُلَانِيِّ، أَوْ عَلَى مُطْلَقِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ.
وَإِذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ لِوَقْفِهِ نَاظِرًا؛ فَإِنَّهُ (يُقَرِّرُ) ذَلِكَ (النَّاظِرُ) فِي الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ، (الصَّالِحَ) لِمُبَاشَرَةِ مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، وَهُوَ الْمُتَأَهِّلُ (لِذَلِكَ) الْعَمَلِ فَلَوْ أَقَرَّ النَّاظِرُ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْقِيَامِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ فَلَا يَنْفُذُ تَقْرِيرُهُ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ
(وَ) إنْ قَالَ إنْسَانٌ: وَقَفْتُ كَذَا (عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ، وَفِيهِمْ) - أَيْ: أَوْلَادِ فُلَانٍ (حَمْلٌ) فَيَشْمَلُهُ الْوَقْفُ، كَمَنْ يُخْلَقُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ تَبَعًا؛ (فَيَسْتَحِقُّ) الْحَمْلُ بِمُجَرَّدِ (وَضْعٍ. وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ وَقْفٍ) . قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَتَجَدَّدُ حَقُّ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ (مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ لِشَجَرٍ وَأَرْضٍ، مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ) نَصًّا.
قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": سُئِلَ أَحْمَدُ.
عَمَّنْ وَقَفَ نَخْلًا عَلَى وَلَدِ قَوْمٍ، ثُمَّ وُلِدَ مَوْلُودٌ، قَالَ: إنْ كَانَ النَّخْلُ قَدْ أُبِّرَ فَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُبِّرَ؛ فَهُوَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ إذَا بَلَغَ الْحَصَادَ؛ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَصَادَ؛ فَلَهُ فِيهِ.
وَفِي " الْمُغْنِي ": مَا كَانَ مِنْ الزَّرْعِ لَا يَتَّبِعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ فَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُتَجَدِّدِ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَرِ الْمُؤَبَّرِ، وَمَا يَتْبَعُ، وَهُوَ لَمْ يَظْهَرْ مِمَّا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ فِيهِ الْمُتَجَدِّدَ فِي الثَّمَرِ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ نَحْوِ أَرْضِ مَا فِيهَا مِنْ
زَرْعٍ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً؛ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَقُطْنِيَّاتٍ وَنَحْوِهَا، وَيَبْقَى لِبَائِعٍ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهِ بِلَا أُجْرَةٍ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ مُشْتَرٍ، وَإِنْ كَانَ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ كَرَطْبَةٍ أَوْ بُقُولٍ، أَوْ تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ؛ فَأُصُولُهُ لِمُشْتَرٍ، وَجَزَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَلُقْطَةٌ أَوْلَى لِبَائِعٍ. انْتَهَى.
هَذَا إذَا وُجِدَ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ مَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ؛ فَهُوَ لَهُمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْلَ بِوَضْعِهِ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
(وَكَذَا) ؛ أَيْ: وَكَالْحَمْلِ فِي تَجْدِيدِ الِاسْتِحْقَاقِ، (مَنْ) أَيْ إنْسَانٌ (قَدِمَ إلَى) مَكَانٍ (مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) كَثَغْرٍ نَزَلَ (فِيهِ) - أَيْ: ذَلِكَ الْمَكَانِ، (أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى مِثْلِهِ) ؛ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، قِيَاسًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِكُلِّ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ فَيَكُونَ لَهُ بِقِسْطِهِ) ، وَقِيَاسُهُ مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ، كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًّا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْوَقْفِ، وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِيَ السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ، وَمَقَاصِدُهَا. انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّينِ: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّةٍ مِنْ مُغِلِّهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلِلْوَرَثَةِ مِنْ الْمُغَلِّ مَا بَاشَرَ مُوَرِّثُهُمْ. انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ؛ مِثْلُ كَوْنِهِ فَقِيهًا أَوْ فَقِيرًا؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَمْلِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوَقْفَ عِوَضًا عَنْ عَمَلٍ، أَوْ كَانَ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ
فِي ذَلِكَ الْعَامِ مِنْهُ، حَتَّى مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ قَدْ وُجِدَ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَشَجَرُ الْحُورِ الْمَوْقُوفِ إنْ أُدْرِكَ أَوْ إنْ قَطَعَهُ فِي حَيَاةِ الْبَطْنِ؛ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَبَقِيَ الْحُورُ فِي الْأَرْضِ مُدَّةً، حَتَّى زَادَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لِلْبَطْنِ الثَّانِي، وَمِنْ الْأَصْلِ الَّذِي لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ، فَإِمَّا أَنْ تُقْسَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي.
وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.
وَإِنْ غَرَسَ الْحُورَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يُدْرَكْ أَوَانُ قَطْعِهِ، إلَّا بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي؛ فَهُوَ لَهُمْ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ، فَيَتْبَعُهُ فِي انْتِقَالِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَرِ غَيْرِ الْمُتَشَقِّقِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ، (أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا)، غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ بِنَحْوِ خِيَارٍ؛ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) - أَيْ: الْوَقْفِ - عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي ابْتِدَائِهِ؛ كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ، أَوْ جَاءَ رَمَضَانُ، فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ لِانْتِهَائِهِ؛ كَقَوْلِهِ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا إلَى أَنْ يَحْضُرَ زَيْدٌ، أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ؛ كَالْهِبَةِ.
(إلَّا) إنْ عَلَّقَ وَاقِفٌ الْوَقْفَ (بِمَوْتِهِ) ؛ كَقَوْلِهِ: (هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي) ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَهُوَ) ؛ أَيْ: التَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ (تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِهِ) - أَيْ: الْمَوْتِ - فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: قِفُوا دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي.
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ وَصَّى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ، أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ. وَذَكَر بَقِيَّةَ الْخَبَرِ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا.
وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَثَمَغُ - بِالْفَتْحِ - مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ.
(وَيَلْزَمُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ حِينِ وَقَفَهُ) ؛ أَيْ: مِنْ حِينِ صُدُورِهِ مِنْهُ؛ إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْوَقْفِ لُزُومُهُ فِي الْحَالِ، أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ: إنَّ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ، وَهَذَا مَتَى وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْف يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا.
وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ نَحْوَ أَمَةٍ؛ فَفِي الْقَوَاعِدِ صَارَتْ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا. انْتَهَى.
وَأَمَّا الْكَسْبُ وَنَحْوُهُ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَوَرَثَتُهُ إلَى الْمَوْتِ؛ لِقَوْلِ الْمَيْمُونِيِّ: لِلْإِمَامِ، وَالْوُقُوفُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَوْتِ يَكُونُ لَازِمًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، (لُزُومًا مُرَاعًى بِالْمَوْتِ) - أَيْ: مَوْتِ الْوَاقِفِ - لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ، فَمَا دَامَ الْوَاقِفُ حَيًّا يَتَصَرَّفُ فِي نَمَائِهِ وَكَسْبِهِ، وَمَتَى مَاتَ انْتَقَلَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهُ لَهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَيُعْتَبَرُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (مِنْ ثُلُثِهِ) ؛ أَيْ: ثُلُثِ مَالِ الْوَاقِفِ؛
لِأَنَّهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاقِفُ مِنْهُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَالزَّائِدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَارِثٍ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْوَقْفِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِذَا قَالَ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى مَوَالِيَّ بَعْدَ مَوْتِي؛ دَخَلَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً إذَنْ.
الشَّرْطُ (السَّادِسُ) : مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ، (أَنْ لَا يَشْتَرِطَ) الْوَاقِفُ (فِيهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (مَا) ؛ أَيْ: شَرْطًا - (يُنَافِيهِ) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ (كَشَرْطِ نَحْوِ بَيْعِهِ) أَوْ هِبَتِهِ (مَتَى شَاءَ)، (أَوْ) شَرْطِ (خِيَارٍ فِيهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، (أَوْ) شَرْطِ (تَوْقِيتِهِ) ؛ كَقَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ يَوْمًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُ، (أَوْ) بِشَرْطِ (تَحْوِيلِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (مِنْ جِهَةٍ لِأُخْرَى) ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا، عَلَى أَنْ أُحَوِّلَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ؛ بِأَنْ أَرْجِعَ عَنْهَا مَتَى شِئْتُ.
فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ " وَالْفَائِقِ "" وَالرِّعَايَتَيْنِ "" وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ".
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِمُنَافَاتِهِ
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَغْيِيرَ شَرْطِهِ وَمَتَى شَاءَ أَبْطَلَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ.
(لَكِنْ إنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) ؛ بِأَنْ قَالَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي (سَنَةً وَنَحْوَهَا) كَشَهْرٍ، (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ صَحَّ) الْوَقْفُ وَالتَّوْقِيتُ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي مُدَّةَ حَيَاتِي، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ مَوْتِي لِلْمَسَاكِينِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ.
(وَ) إنْ قَالَ: هُوَ وَقْفٌ (عَلَيْهِمْ) - أَيْ: الْمَسَاكِينِ - (ثُمَّ عَلَيْهِ) - أَيْ: وَلَدِهِ (صَحَّ لَهُمْ) - أَيْ: الْمَسَاكِينِ - (دُونَهُ) - أَيْ: دُونَ وَلَدِهِ -؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ