الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مِلْكٌ لِتُهْمَتِهِ) أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مِنْ نَفْسِهِ، (وَلَهُ) - أَيْ: الْمُضَارِبِ - (الشُّفْعَةُ فِيمَا) ؛ أَيْ: فِي شِقْصِ - (بِيعَ) ؛ أَيْ: بَاعَهُ مَالِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَكَان فِيهِ الشُّفْعَةُ (شَرِكَةً لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ) فِي أَخْذِهِ (حَظٌّ) كَكَوْنِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةَ الرِّبْحِ، (فَإِنْ أَبَى) مُضَارِبٌ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَ بِهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةِ - (رَبُّ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ، وَالشَّرِكَةُ حَقِيقَةٌ لَهُ، وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ مُضَارِبٍ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ أَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا شُفْعَةَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ.
[تَتِمَّةٌ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَدْوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْآخَرِ]
تَتِمَّةٌ: وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَدْوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْآخَرِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ.
[بَابُ الْوَدِيعَةِ]
(بَابُ الْوَدِيعَةِ) الْوَدِيعَةُ: وَهِيَ فَعَيْلَةٌ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إذَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَتْرُوكَةً عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّعَةِ، فَكَأَنَّهَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقِيلَ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ إذَا سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ، فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَسُمِّيَتْ وَدِيعَةً - بِالْهَاءِ - لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِهَا إلَى الْأَمَانَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] : وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ «عَنْهُ عليه الصلاة والسلام: أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا» .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَأَجْمَعَ كُلُّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْعِبْرَةُ تَقْتَضِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا لَهُمْ. ثُمَّ الْوَدِيعَةُ شَرْعًا (الْمَالُ) أَوْ الْمُخْتَصُّ كَكَلْبِ الصَّيْدِ (الْمَدْفُوعِ) مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (إلَى مَنْ) ؛ أَيْ: إنْسَانٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (يَحْفَظُهُ) ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَالِ أَوْ الْمُخْتَصِّ الْكَلْبُ الَّذِي لَا يُقْتَنَى وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُحْتَرَمُ، وَبِقَيْدِ الْمَدْفُوعِ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَمَا أَخَذَهُ بِالتَّعَدِّي، وَبِقَيْدِ الْحِفْظِ الْعَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا. (وَيَتَّجِهُ) حِفْظُ الْمَالِ الْمُودَعِ (وَلَوْ بِعِوَضٍ) يُؤْخَذُ عَلَى حِفْظِهِ، وَعَلَيْهِ يَدْخُلُ الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الْمَالِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: الْوَدِيعَةُ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِلَا عِوَضٍ.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ " نَقْلًا عَنْ " الْفَائِقِ ": الْوَدِيعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَكُّلٍ لِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَنُقِلَ عَنْ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " إنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ هَذَا الِاتِّجَاهَ وَلَا مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. (وَالْإِيدَاعُ التَّوْكِيلُ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي حِفْظِهِ) حَالَ كَوْنِ الْحِفْظِ (تَبَرُّعًا) مِنْ الْحَافِظِ، (وَالِاسْتِيدَاعُ التَّوَكُّلُ) مِنْ إنْسَانٍ (فِي حِفْظِهِ) أَيْ: حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ - (كَذَلِكَ) - أَيْ: تَبَرُّعًا - (بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ) فِي الْمَالِ الْمَحْفُوظِ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ
فِي التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ الْحِفْظِ، وَيَكْفِي الْقَبْضُ قَبُولًا لِلْوَدِيعَةِ؛ كَالْوَكَالَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ لَهَا) - أَيْ: لِلْوَدِيعَةِ لِعَقْدِهَا - (أَرْكَانُ وَكَالَةٍ) ؛ أَيْ: مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَتَعْيِينِ وَدِيعٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا.
(وَتَبْطُلُ) الْوَدِيعَةُ (بِمَا تَبْطُلُ بِهِ وَكَالَةٌ) ، إلَّا إذَا عَزَلَهُ الْمَالِكُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ، وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ؛ فَهِيَ بِيَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَانَةً حُكْمُهَا فِي يَدِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ
(وَيُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - (لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ) ؛ أَيْ: أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِرِضَى رَبِّهَا، قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ لِئَلَّا يَغُرَّهُ.
(وَهِيَ) - أَيْ: الْوَدِيعَةُ - (أَمَانَةٌ) بِيَدِ الْمُودِعَ (لَا تُضْمَنُ) ؛ أَيْ: لَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُضِرٌّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْ الْوَدِيعِ (أَوْ تَفْرِيطٍ) - أَيْ: تَقْصِيرٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ - فَيَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ مُتْلِفٌ لِمَالِ غَيْرِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ، وَالْمُفَرِّطُ مُتَسَبِّبٌ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا.
(وَلَوْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ) سَوَاءٌ ذَهَبَ مَعَهَا مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ أَوْ لَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَمَّنَ أَنَسًا وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ.
(وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْوَدِيعَ - (حِفْظُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً كَزَوْجَةٍ وَعَبْدٍ كَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ (فِي حِرْزِ مِثْلِهَا
عُرْفًا) ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيدَاعِ الْحِفْظُ، وَالِاسْتِيدَاعُ الْتِزَامُ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَا الْتَزَمَهُ (كَحِرْزِ سَرِقَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحِفْظِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": مَنْ اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ عَاجِلًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَ.
وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ ضَمَانَهَا عَلَى الْوَدِيعِ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَلَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ. أَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لِلْوَدِيعَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ مَا أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِنَفْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ ضَمَانِهَا وَلَا ضَمَانُهَا.
(وَلَا يَضُرُّ نَقْلُهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ (مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا) لِحِرْزِ (مِثْلِهِ) - أَيْ: مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ - (وَلَوْ) نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ (دُونَ) الْحِرْزِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا رَدَّ حِفْظَهَا إلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي إحْرَازِهَا بِمَا شَاءَ مِنْ إحْرَازِ مِثْلِهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهَا فِي الثَّانِي أَوَّلًا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَلَهَا إلَيْهِ، (فَإِنْ عَيَّنَهُ) - أَيْ: الْحِرْزَ (رَبُّهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةِ - بِأَنْ قَالَ: احْفَظْهَا بِهَذَا الْبَيْتِ أَوْ الْحَانُوتِ، (فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ) - أَيْ: دُونِ الْمُعَيَّنِ رُتْبَةً فِي الْحِفْظِ -.
(وَيَتَّجِهُ وَلَوْ أَنَّهُ) - أَيْ: الْحِرْزَ الَّذِي جَعَلَهَا فِيهِ - (حِرْزُ مِثْلِهَا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، فَضَاعَتْ، (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَالِكَ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَلِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا هُوَ أَسْهَلُ نَقْبًا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَهُ أَثَرٌ؛ فَيَضْمَنُهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْرِهِ.
(وَلَوْ رَدَّهَا) لِلْحِرْزِ (الْمُعَيَّنِ) بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَتْ فِيهِ؛ فَيَضْمَنُهَا؛ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِهَا فِي الدُّونِ، فَلَا تَعُودُ أَمَانَةً إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، (وَ) إنْ أَحْرَزَهَا (بِمِثْلِهِ) - أَيْ: بِحِرْزٍ مِثْلِ الَّذِي عَيَّنَهُ صَاحِبُهَا فِي الْحِفْظِ - (أَوْ) أَحْرَزَهَا بِحِرْزٍ (فَوْقَهُ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ،
(وَلَوْ) أَخْرَجَهَا (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ الْحِرْزَ إذْنٌ فِيمَا هُوَ مِثْلُهُ؛ كَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ؛ فَلَهُ زَرْعُهَا وَزَرْعُ مِثْلِهَا فِي الضَّرَرِ، وَاقْتِضَاءُ الْإِذْنِ فِيمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ كَزَرْعِ مَا هُوَ دُونَ الْحِنْطَةِ، (أَوْ زَادَهَا إقْفَالًا) ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا.
(وَلَوْ نَهَاهُ) عَنْ إحْرَازِهَا بِمِثْلِ الْمُعَيَّنِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ عَنْ نَقْلِهَا مِمَّا عَيَّنَ لَهُ أَوْ عَنْ زِيَادَةِ الْإِقْفَالِ، وَفَعَلَ؛ (لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْجَعْلِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ.
(وَلَوْ تَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ (بِسَبَبِ نَقْلٍ كَانْهِدَامِ مَا) - أَيْ مَحَلٍّ نُقِلَتْ إلَيْهِ - ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ خِلَافًا لِصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ صَاحِبِهَا، فَقَالَ الْآخَرُ (احْفَظْهَا بِبَيْتِي مَوْضِعَهَا) ، وَلَا تَنْقُلْهَا (فَنَقَلَهَا) مِنْ مَوْضِعِهَا (لَا لِخَوْفٍ) عَلَيْهَا ضَمِنَهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَدِيعٍ بَلْ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا، فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا.
وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ حَضَرَ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَخْرَجَهَا، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الصِّفَةُ لَزِمَهُ حِفْظُهَا؛ كَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا (وَإِذَا نَهَاهُ) ؛ أَيْ: نَهَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَ (عَنْ إخْرَاجِهَا) مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِحِفْظِهَا (فَأَخْرَجَهَا) وَدِيعٌ مِنْهُ (لِحِرْزِ مِثْلٍ أَوْ) لِحِرْزٍ (أَعْلَى) مِنْ حِرْزِ الْمِثْلِ (أَوْ) لِحِرْزٍ (دُونَهُ لِعُذْرٍ) بِأَنْ تَعَذَّرَ وُجُودُ حِرْزٍ خَيْرٍ مِنْهُ، (وَيَلْزَمُهُ) إخْرَاجُهَا، فَأَخْرَجَهَا (لِغَشَيَانِ) نَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ (شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ) التَّوَى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ:(الْهَلَاكُ) - فَتَلِفَتْ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) مَا تَلِفَ بِنَقْلِهَا.
ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، لِأَنَّهُ إذَنْ أَحْفَظُ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ سِوَاهُ (وَإِنْ تَرَكَهَا) فِي الْحِرْزِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّهَا (إذَنْ) أَيْ مَعَ غَشَيَانِ مَا الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، فَتَلِفَتْ؛ ضَمِنَ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِالْأَمْرِ الْمَخُوفِ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِهِ، (أَوْ أَخْرَجَهَا) - أَيْ: الْوَدِيعَةَ - مِنْ الْمَكَانِ
الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّهَا، وَنَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْهُ (لِغَيْرِ خَوْفٍ) وَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا إذَنْ.
(وَلَوْ) كَانَ إخْرَاجُهُ إيَّاهَا لِحِرْزٍ (أَعْلَى) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ الْمَالِكُ (فَتَلِفَتْ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ؛ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ خَالَفَ رَبَّهَا لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ (فَإِنْ) عَيَّنَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ حِرْزًا أَوْ (قَالَ) لِلْوَدِيعِ (لَا تُخْرِجْهَا) مِنْهُ (وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا، فَحَصَلَ خَوْفٌ؛ فَأَخْرَجَهَا) خَوْفًا عَلَيْهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَحِفْظٍ (أَوْ لَا) ؛ أَيْ: أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا مَعَ الْخَوْفِ، فَتَلِفَتْ مَعَ إخْرَاجِهَا وَتَرْكِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْهَا) الْوَدِيعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا فَهُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ صَاحِبِهَا، لِنَهْيِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا مَعَ الْخَوْفِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا فَأَتْلَفَهَا. وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَحِفْظًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا فَلَمْ يُتْلِفْهَا وَالْحُكْمُ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْخَرِيطَةِ أَوْ الصُّنْدُوقِ كَالْحُكْمِ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَيْتِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَإِنْ) أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَلَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّهَا بِعَلَفِهَا وَلَا سَقْيِهَا، لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ، بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَلَفَهَا وَسَقْيَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِفْظِهَا، فَإِنْ (لَمْ يَعْلِفْهَا) الْوَدِيعُ أَوْ لَمْ يَسْقِهَا (حَتَّى مَاتَتْ) جُوعًا أَوْ عَطَشًا؛ (ضَمِنَهَا) بِالتَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهَا وَتَعَدِّيهِ بِهِ بِتَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ عُرْفًا أَوْ نُطْقًا (إلَّا إنْ نَهَاهُ) - أَيْ: الْوَدِيعَ - (مَالِكٌ) عَنْ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا، فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَتْ، فَلَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ، لِأَنَّ مَالِكَهَا أَذِنَ بِإِتْلَافِهَا، فَامْتَثَلَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْوَدِيعِ تَرْكُ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا حَتَّى مَعَ الْأَمْرِ بِتَرْكِهَا، لِحُرْمَتِهَا فِي نَفْسِهَا فَيَجِبُ إحْيَاؤُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(وَيَتَّجِهُ وَيَرْجِعُ مُنْفِقٌ) عَلَى بَهِيمَةٍ نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا (إذَنْ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ (إنْ نَوَاهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَعَ تَعَذُّرِ اسْتِئْذَانِ مَالِكٍ) لِلْبَهِيمَةِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إمَّا لِغَيْبَةٍ أَوْ اسْتِتَارِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ
وَإِنْ قَدَرَ الْوَدِيعُ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ أَوْ وَكِيلِهِ طَالَبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، أَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ أَوْ طَالَبَهُ بِالْإِذْنِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَاحِبِهَا وَعَنْ وَكِيلِهِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى أَحَدِهِمَا لِيُطَالِبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أَوْ اسْتِرْدَادِهَا أَوْ أَنْ يَأْذَنَهُ فِي النَّفَقَةِ؛ أَنْفَقَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَيْهَا (وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا أَمْكَنَ) اسْتِئْذَانُهُ بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ فَقَطْ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " " وَالْفَائِقِ ".
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ (خِلَافًا لَهُ) ؛ أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: أَنْفَقَ مَعَ إمْكَانِ إذْنِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ؛ لَمْ يَرْجِعْ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ - أَيْ: الْوَدِيعِ - (فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ) بِأَنْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنْفَقْت عَشَرَةً. قَالَ رَبُّهَا: بَلْ ثَمَانِيَةً؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَدِيعِ بِيَمِينِهِ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ (بِمَعْرُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعُ زِيَادَةً عَنْ النَّفَقَةِ بِمَعْرُوفٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لِمُنَافَاةِ الْعُرْفِ لَهَا.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِنْقَاقِ بِأَنْ قَالَ رَبُّهَا: أَنْفَقْت مُنْذُ سَنَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ؛ فَقَوْلُ صَاحِبِهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ.
(وَيَلْزَمُ) الْوَدِيعَ (عَلَفُ بَهِيمَةٍ وَلَوْ لَمْ يُؤْمَرْ) ؛ أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّهَا (بِهِ) - أَيْ: الْعَلَفِ - لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَحْيَانًا (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ مَالِكُ الْبَهِيمَةِ الْوَدِيعَ فِي عَلَفِهَا وَسَقْيِهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ قَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ قَوْلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ الْبَهِيمَةَ حَتَّى مَاتَتْ؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِ الْعَلَفِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أُمِرَ الْوَدِيعُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ، وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ خَافَ عَلَى الثَّوْبِ الْعُثَّ وَجَبَ عَلَيْهِ نَشْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَلِفَ
ضَمِنَهُ.
قَالَ رَبُّ وَدِيعَةٍ لِوَدِيعٍ: (اُتْرُكْهَا فِي جَيْبِك فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ) أَوْ تَرَكَهَا (فِي كُمِّهِ) ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ وَرُبَّمَا نَسِيَ فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ، (أَوْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك، فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ) ؛ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ يَسْقُطُ مِنْهَا الشَّيْءُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْكُمِّ، (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي يَدِك، فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْبَطُّ، بِخِلَافِ الْيَدِ فَكُلٌّ مِنْهَا أَدْنَى مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ فَضَمِنَ لِمُخَالَفَتِهِ (أَوْ أَخَذَهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةَ - الْوَدِيعُ (بِسُوقِهِ) أَوْ أُمِرَ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ؛ أَيْ: أَمَرَهُ مَالِكُهَا - (بِحِفْظِهَا فِي بَيْتِهِ، فَتَرَكَهَا) الْوَدِيعُ عِنْدَهُ (لِحِينِ مُضِيِّهِ) إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ فَوْقَ مَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ بِهَا، فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ؛ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْفَظُ لَهَا، وَتَرَكَهَا فَوْقَ مَا يَمْضِي بِهَا تَفْرِيطُهُ
وَ (لَا) يَضْمَنُ الْوَدِيعُ (إنْ قَالَ) لَهُ الْمُودِعَ: (اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك أَوْ) قَالَ لَهُ: اُتْرُكْهَا فِي (يَدِك) لِأَنَّهُ أَحْرَزُ (أَوْ أَلْقَاهَا) ؛ أَيْ: الْوَدِيعُ (عِنْدَ هُجُومِ نَحْوِ نَاهِبٍ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ (إخْفَاءً لَهَا) ؛ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ النَّاسِ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ، (وَمَعَ إطْلَاقٍ) بِأَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِوَضْعِهَا فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ (يَضَعُهَا أَيْنَ شَاءَ مِنْ نَحْوِ كُمٍّ وَيَدٍ) كَجَيْبٍ مَزْرُورٍ أَوْ ضَيِّقِ الْفَمِ، لَا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَإِنْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ أَوْ فِي عَضُدِهِ أَوْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ مُودِعًا ثَقِيلًا حَيْثُ يَشْعُرُ بِهِ إذَا سَقَطَ بِلَا شَدٍّ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ رَبُّهُ حِرْزًا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَإِنْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَشَدَّ عَلَيْهَا سَرَاوِيلَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ إنْ ضَاعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا.
وَإِنْ أَمَرَهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ لَهُ: لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا، أَوْ لَا تَنَمْ فَوْقَهَا، فَخَالَفَهُ وَقَفَلَ عَلَيْهَا الصُّنْدُوقَ، أَوْ نَامَ عَلَيْهَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، أَوْ قَالَ: اجْعَلْهَا فِي صُنْدُوقٍ؛ وَلَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا إلَّا قُفْلًا وَاحِدًا فَجَعَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ قَالَ مُودَعٌ لِوَدِيعٍ: (اجْعَلْ) هَذَا (الْخَاتَمَ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصِرِ) - بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا - فَضَاعَ؛ (فَضَمِنَهُ لَا عَكْسَهُ) بِأَنْ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي