الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]
ِ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ، وَالْهَاءُ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْ الْمَصْدَرِ إلَى الِاسْمِ، كَالْحَفِيرَةِ مِنْ الْفَرْضِ بِمَعْنَى التَّوْقِيتِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] وَالْجُزْءُ مِنْ الشَّيْءِ كَالتَّفْرِيضِ، وَمِنْ الْقَوْسِ مَوْقِعُ الْوَتَرِ، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، كَالْمَفْرُوضِ، وَالْقِرَاءَةُ وَالسُّنَّةُ. يُقَالُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَيْ: سَنَّ، وَنَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ، وَالْجُنْدُ يَفْتَرِضُونَ وَالتُّرْسُ، وَعُودٌ مِنْ أَعْوَادِ الْبَيْتِ، وَالْعَطِيَّةُ الْمَوْسُومَةُ، وَمَا فَرَضْته عَلَى نَفْسِك فَوَهَبْته، وَمِنْ الزَّنْدِ حَيْثُ يُقْدَحُ مِنْهُ، وَالْحَزُّ الَّذِي فِيهِ وَ {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] جَعَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ الْأَحْكَامِ، وَبِالتَّشْدِيدِ؛ أَيْ: جَعَلْنَا فِيهَا فَرِيضَةً بَعْدَ فَرِيضَةٍ، أَوْ فَصَّلْنَاهَا وَبَيَّنَّاهَا، قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ". وَهِيَ شَرْعًا (الْعِلْمُ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ) جَمْعُ مِيرَاثٍ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُخَلَّفُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَأَصْلُهُ مِوْرَاثٌ، قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً؛ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا التُّرَاثُ، وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهِ وَاوٌ، وَالْإِرْثُ لُغَةً: الْبَقَاءُ وَانْتِقَالُ الشَّيْءِ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ، وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِهَذَا الْعِلْمِ: فَارِضًا وَفَرِيضًا وَفَرْضِيًّا - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا - وَفَرَّاضًا وَفَرَائِضِيًّا.
(وَمَوْضُوعُهُ) ؛ أَيْ: هَذَا الْفَنِّ (التَّرِكَاتُ) لِأَنَّهَا الَّتِي يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ عَوَارِضِهَا مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ التَّجْهِيزِ مِنْهَا، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِبَاقِيهَا، إمَّا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ، كَأَصْحَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا (لَا الْعَدَدُ) فَإِنَّهُ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحِسَابِ.
(وَالْفَرِيضَةُ) عُرْفًا (نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِمُسْتَحِقِّهِ) وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَالْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ.
وَعَنْ عُمَرَ: تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا؛ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ.
فَقَالَ أَهْلُ السَّلَامَةِ: لَا نَتَكَلَّمُ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ نِصْفُ الْعِلْمِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ؛ فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَالَتَيْنِ: حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، وَبَاقِي الْعُلُومِ بِالْأَوَّلِ، وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِتَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفَرَائِضِ مِائَةَ حَسَنَةٍ، وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ قِيلَ: وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ أَنْ يُقَالَ: أَسْبَابُ الْمِلْكِ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَمْلِكُ رَدَّهُ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَهْرِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ، وَهُوَ الْإِرْثُ.
وَعَنْهُ عليه السلام: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دَيْنِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -
، وَحُكِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَأَكَلَ مِنْ جَمِيعِ ثَمَرِهِ إلَّا الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ، فَقَصَّهُ عَلَى شَيْخِهِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: تُصِيبُ مِنْ الْعِلْمِ كُلِّهَا إلَّا الْفَرَائِضَ؛ فَإِنَّهَا جَوْهَرُ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ جَوْهَرُ الْعِنَبِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَسَتَقِفُ عَلَى ذَلِكَ مُفَصَّلًا.
(وَمَنْ مَاتَ بُدِئَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِ) كَفَنِهِ وَحَنُوطِهِ وَ (مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) بِالْمَعْرُوفِ وَدَفْنِهِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ (مُقَدَّمًا) ذَلِكَ (عَلَى نَحْوِ دَيْنٍ بِرَهْنٍ) كَأَرْشِ جِنَايَةٍ؛ إذْ لَا يُقْضَى دَيْنُهُ إلَّا بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ بِالْمَعْرُوفِ (فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ) سَوَاءٌ وَصَّى بِهَا أَوْ لَا، وَتُقَدَّمُ، وَيُبْدَأُ مِنْهَا بِالْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ الْمَالِ كَدَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، ثُمَّ الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى (كَزَكَاةِ) الْمَالِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَ (الْكَفَّارَةِ) وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ وَالنَّذْرِ (أَوْ) كَانَتْ (لِآدَمِيٍّ كَدَيْنٍ) مِنْ قَرْضٍ وَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ وَجَعَالَةٍ اسْتَقَرَّتْ، وَنَحْوِهَا كَعَقْلٍ بَعْدَ الْحَوْلِ (وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ضَاقَ الْمَالُ تَحَاصُّوا (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ ذَلِكَ (فَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ) لِأَجْنَبِيٍّ (مِنْ ثُلُثِهِ حَيْثُ لَا إجَازَةَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ) بَعْدَ ذَلِكَ (عَلَى وَرَثَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] .
(وَأَسْبَابُ إرْثٍ) ؛ أَيْ: انْتِقَالِ التَّرِكَةِ عَنْ مَيِّتٍ إلَى حَيٍّ بِمَوْتِهِ (ثَلَاثَةٌ فَقَطْ) فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِغَيْرِهَا كَالْمُوَالَاةِ؛ أَيْ: الْمُؤَاخَاةِ وَالْمُعَاقَدَةِ، وَهِيَ الْمُحَالَفَةُ، وَإِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَاحِدٍ، وَالْتِقَاطٍ؛ لِحَدِيثِ:«إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
أَحَدُهَا: (رَحِمٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] . (وَ) الثَّانِي (نِكَاحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَةَ (وَهُوَ عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحُ) سَوَاءٌ دَخَلَ أَوْ لَا، فَلَا إرْثَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ. (وَ) الثَّالِثُ (وَلَاءُ عِتْقٍ) فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ مِنْ عَتِيقِهِ (وَلَوْ) كَانَ
(فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ) لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.
فَشَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ؛ فَكَذَا الْوَلَاءُ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ أَخْرَجَ عَبْدَهُ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ مِنْ حَيِّزِ الْمَمْلُوكِيَّةِ الَّتِي سَاوَى بِهَا الْبَهَائِمَ، إلَى حَيِّزِ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي سَاوَى بِهِ الْأَنَاسِيَّ، فَأَشْبَهَ بِذَلِكَ الْوِلَادَةِ الَّتِي أَخْرَجَتْ الْمَوْلُودَ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ.
(وَمَوَانِعُهُ) ؛ أَيْ: التَّوَارُثِ (ثَلَاثَةٌ: رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلَافُ دِينٍ) وَتَأْتِي مُفَصَّلَةً.
(وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُوَرِّثٌ وَوَارِثٌ وَحَقٌّ مَوْرُوثٌ) .
وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْأَحْيَاءِ، وَتَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْأَمْوَاتِ، وَالْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ، وَتُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (وَتَرِكَةُ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (صَدَقَةٌ لَا إرْثَ) لِحَدِيثِ:«إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الذُّكُورِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَابْنُ الِابْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 27 - 40](وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْجَدُّ تَنَاوَلَهُ النَّصُّ؛ لِدُخُولِ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ: ثَبَتَ نَسَبُهُ بِالنِّسْبَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَاهُ السُّدُسَ (وَالْأَخُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) شَقِيقًا كَانَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، أَمَّا الَّذِي لِأُمٍّ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فَإِنَّهَا فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا الَّذِي لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ فَلِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176](وَابْنُ الْأَخِ لَا) إنْ كَانَ الْأَخُ (مِنْ الْأُمِّ) فَقَطْ، فَابْنُهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالْعَمُّ) لَا مِنْ الْأُمِّ (وَابْنُهُ كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: لَا مِنْ الْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَمَّا الْعَمُّ لِأُمٍّ وَابْنُهُ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالزَّوْجُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12](وَالْمُعْتِقُ) وَعَصَبَتُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ لِلْخَبَرِ وَالْإِجْمَاعِ.
(وَ) الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِنَّ (مِنْ الْإِنَاثِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ) أَبُوهَا بِمَحْضِ الذُّكُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11](وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي: (وَالْأُخْتُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَالزَّوْجَةُ) هِيَ بِالتَّاءِ لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ مَا عَدَا أَهْلَ الْحِجَازِ، اقْتَصَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْفَرْضِيُّونَ عَلَيْهَا؛ لِلْإِيضَاحِ وَخَوْفِ اللَّبْسِ (وَالْمُعْتِقَةُ) وَمُعْتِقُهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَدَلِيلُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَمِمَّا يَأْتِي، وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَيَأْتِي حُكْمُهُمْ.
(وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةُ) أَصْنَافٍ: (ذُو فَرْضٍ) ؛ أَيْ: نَصِيبٍ (وَعَصَبَةٍ) يَرِثُونَ بِلَا تَقْدِيرٍ (وَ) ذُو (رَحِمٍ) يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَأَصْحَابُ الْفُرُوضِ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.
(وَمَتَى اجْتَمَعَ كُلُّ الذُّكُورِ) الْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ (وَرِثَ) مِنْهُمْ (ابْنٌ وَأَبٌ وَزَوْجٌ) فَقَطْ (وَ) مَتَى اجْتَمَعَ (كُلُّ الْإِنَاثِ وَرِثَ) مِنْهُنَّ (بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ وَزَوْجَةٌ وَشَقِيقَةٌ) ، وَمُمْكِنٌ الْجَمْعُ مِنْ الصِّنْفَيْنِ، وَيَرِثُ مِنْهُمْ أَبَوَانِ وَوَلَدَانِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ.
(فَرْعٌ: اسْمُ) الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (الْأَشِقَّاءِ بَنِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ، (وَ) اسْمُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إذَا كَانُوا (لِلْأَبِ) فَقَطْ (بَنِي الْعَلَّاتِ) جَمْعُ عَلَّةٍ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَيْ: الضَّرَّاتِ) وَبَنُو الْعَلَّاتِ بَنُو أُمَّهَاتٍ شَتَّى مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أُولَى، كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ قَبْلَهَا، ثُمَّ عَلَّ مِنْ هَذِهِ، (وَ) اسْمُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (لِلْأُمِّ بَنِي الْأَخْيَافِ) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَلِيهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ مُثَنَّاةٌ - سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَخْيَافَ الْأَخْلَاطُ، فَهُمْ مِنْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ لَيْسُوا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ. (وَالْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ نَصًّا) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ.
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ
…
عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ، وَلَا يَعْلُو عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْوَرَثَةَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ حَوْلِهِ، لَا مِنْ طَرَفَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَإِحَاطَةِ الْإِكْلِيلِ بِالرَّأْسِ، فَأَمَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ فَهُمَا طَرَفَا الرَّجُلِ، فَإِذَا ذَهَبَا كَانَ بَقِيَّةُ النَّسَبِ كَلَالَةً.
قَالَ الشَّاعِرُ:
فَكَيْف بِأَطْرَافِي إذَا مَا شَتَمَتْنِي
…
وَمَا بَعْدَ شَتْمِ الْوَالِدَيْنِ صُلُوحُ
(وَاخْتَارَ جَمْعٌ) أَنَّ الْكَلَالَةَ (اسْمٌ لِلْمَيِّتِ نَفْسِهِ؛ أَيْ: الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ: قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ عَنَى أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ الْمُلْكَ عَنْ آبَائِكُمْ، لَا عَنْ أُمَّهَاتِكُمْ. وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ كَلَالَةٌ، وَيُسَمَّى وَارِثُهُ كَلَالَةً، وَالْآيَتَانِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْمُرَادُ بِالْكَلَالَةِ فِيهِمَا الْمَيِّتُ (وَلَا خِلَافَ فِي إطْلَاقِهِ) ؛ أَيْ: اسْمِ الْكَلَالَةِ (عَلَى الْإِخْوَةِ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا) وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ الْمِيرَاثُ؟ إنَّمَا يَرِثُنِي