الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّ الرَّيْعَ يَكُونُ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمْ قَهْرًا، كَالْإِرْثِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِيَدِهِ.
[فَصْلٌ يُرْجَعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ وُجُوبًا لِشَرْطِ وَاقِفٍ]
(فَصْلٌ: وَيُرْجَعُ) : - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ (وُجُوبًا لِشَرْطِ وَاقِفٍ) ؛ كَقَوْلِهِ شَرَطْت لِزَيْدٍ كَذَا، وَلِعَمْرِو كَذَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ شُرُوطًا، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِهِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ، وَجَعَلَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرِ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ مُتَلَقًّى مِنْ جِهَتِهِ؛ فَاتُّبِعَ شَرْطُهُ، وَنَصُّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ.
(وَلَوْ) كَانَ الشَّرْطُ (مُبَاحًا) ؛ كَشَرْطِهِ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ أَنْ تَكُونَ لِلسُّكْنَى دُونَ الِاسْتِغْلَالِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيمَا يَأْتِي.
(غَيْرَ مَكْرُوهٍ) ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ؛ كَشَرْطِهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ بَنَاهُ إلَّا طَائِفَةُ كَذَا.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ (هَذَا) الشَّرْطُ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ وُجُوبًا، (إذَا وَقَفَ)
الْإِنْسَانُ (مَا) - أَيْ: وَقْفًا - (يَمْلِكُهُ) بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكَاتِ الصَّحِيحَةِ.
(فَأَمَّا وَقْفُ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ فَلَا يَتْبَعُ شُرُوطَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ؛ إذْ مَا بِأَيْدِيهِمْ إمَّا مُجْتَمِعٌ مِنْ الْمَظَالِمِ، أَوْ مِنْ الْغَنَائِمِ، أَوْ مِنْ الْجِزْيَةِ، أَوْ مِنْ مَالٍ لَا وَارِثَ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ لَهُمْ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ، يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.
فَلَوْ اشْتَرَوْا مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ عَقَارَاتٍ وَوَقَفُوهَا، وَشَرَطُوا فِي أَوْقَافِهِمْ شُرُوطًا؛ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمُنِعَ مِنْهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ أَوْقَافِهِمْ كِفَايَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا شَرَطُوهُ.
(إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ) ؛ أَيْ: فِيمَا شَرَطُوهُ (مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ كَمُدَرِّسِ كَذَا) مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، (وَطَالِبِ كَذَا) مِنْهَا كَذَلِكَ، (وَ) كَشَرْطِهِمْ (إنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَهُوَ) - أَيْ: الْوَلَدُ - (فِي مَرْتَبَتِهِ) ؛ أَيْ: مَرْتَبَةِ وَالِدِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ أَبِيهِ؛ (فَالْوَظِيفَةُ لَهُ) - أَيْ: الْوَلَدُ - لِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا، فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشُرُوطِهِمْ؛ إذْ فِي الْعَمَلِ بِهَا مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا.
وَ (لَا) يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِهِمْ إذَا شَرَطُوا أَنْ وَظِيفَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَ (إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ) ؛ أَيْ: مِثْلَ وَالِدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَفْعُ الشَّيْءِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَوَضْعُهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ.
(أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا مِنْ رَيْعِ وَقْفِهِ لِمَنْ (يَقْرَأُ الدَّرْسَ) مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ (فِي مَدْرَسَتِهِ) ؛ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الدَّرْسَ الْمَشْرُوطَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْجُمْلَةِ.
(أَوْ) شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ كَذَا، عَلَى أَنْ يَقْرَأَ (عَلَى قَبْرِهِ) شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ؛ فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ (لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ غَرَضٍ لِلْوَاقِفِ) ، بَلْ يَقْرَأُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَيُهْدِي لَهُ الثَّوَابَ؛ لِأَنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ فُعِلَتْ، وَجُعِلَ ثَوَابُهَا لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ؛ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مِنْ أَحْسَنِ اتِّجَاهَاتِهِ.
(وَمِثْلُ شَرْطٍ) صَرِيحٍ فِي حُكْمِ وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ (اسْتِثْنَاءٌ) .
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالشَّرْطِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَيْ: فَيُرْجَعُ إلَيْهِ.
فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ، أَوْ قَبِيلَةِ كَذَا إلَّا بَكْرًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ.
(وَ) مِثْلُ الشَّرْطِ (مُخَصَّصٌ مِنْ صِفَةٍ) ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمْ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ فَائِدَةٌ.
(وَ) مِثْلُ الشَّرْطِ فِي حُكْمِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ مُخَصَّصٌ مِنْ (عَطْفِ بَيَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصِّفَةِ فِي إيضَاحِ مُتَنَوِّعِهِ، وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ.
فَمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِي أَوْلَادِهِ مَنْ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُهُ؛ اخْتَصَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ.
(وَ) مِثْلُهُ فِي حُكْمٍ أَيْضًا مُخَصَّصٍ مِنْ تَوْكِيدٍ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ نَفْسِهِ؛ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ. وَكَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ بَدَلٍ، كَمَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ، وَقَالَ: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْدَلَ بَعْضَ الْوَلَدِ وَهُوَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، مِنْ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوَلِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ وَلَدِي، فَاخْتَصَّ بِالْبَعْضِ الْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَمَّا خَصَّ الْمُسْتَطِيعَ بِالذِّكْرِ اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا رَأْسَهُ، وَرَأَيْتُ زَيْدًا وَجْهَهُ؛ اخْتَصَّ الضَّرْبُ بِالرَّأْسِ، وَالرُّؤْيَةِ بِالْوَجْهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي "
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} [الأنفال: 37] وَقَوْلُ الْقَائِلِ: طَرَحْتُ الثِّيَابَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ؛ فَإِنَّ الْفَوْقِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، كَذَا هَاهُنَا.
وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ لَا يَشْتَمِلُ وَلَدَ وَلَدِهِ.
وَنَحْوُ مَا تَقَدَّمَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَالسَّاكِنِ مِنْهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِلَا أُجْرَةٍ فُلَانٍ.
(وَ) كَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ (جَارٍّ) وَمَجْرُورٍ؛ (نَحْوُ) وَقَفْتُ هَذَا (عَلَى أَنَّهُ) مَنْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَوْلَادِي؛ صُرِفَ إلَيْهِ.
وَكَذَا إنْ قَالَ: وَقَفْته (بِشَرْطِ أَنَّهُ) مَنْ تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ صُرِفَ إلَيْهِ، (وَنَحْوُهُ) ؛ فَيُرْجَعُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَالشَّرْطِ.
(فَلَوْ تَعَقَّبَ الشَّرْطُ) وَنَحْوُهُ (جُمَلًا؛ عَادَ) الشَّرْطُ وَنَحْوُهُ (إلَى الْكُلِّ) ؛ أَيْ: إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ. وَكَذَا الصِّفَةُ إذَا تَعَقَّبَتْ جُمَلًا؛ عَادَتْ إلَى الْكُلِّ.
قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: " فِي عَوْدِ الصِّفَةِ لِلْكُلِّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُوجِبُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَيْ: فِي عَوْدِ الشَّرْطِ وَنَحْوِهِ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَبِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ عَلَى عُمُومِ كَلَامِهِمْ.
(وَ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ (فِي عَدَمِ إيجَارِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ (أَوْ) فِي (قَدْرِ مُدَّتِهِ) - أَيْ: الْإِيجَارِ، فَإِنَّ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ؛ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يُزَادُ بِحَسَبِهَا، وَلَمْ يَزَلْ عَمَلُ الْقُضَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ.
وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالشَّرْطِ، (إنْ لَمْ يُحْتَجْ) إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ، أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ؛ بِأَنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُ الْمَوْقُوفِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَعْمِيرُهُ إلَّا بِذَلِكَ؛ جَازَ.
وَيَتَّجِهُ (إنْ تَعَذَّرَ عُقُودٌ) حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (كَعَقْدٍ) وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَبَدًا، وَاحْتَاجَ الْوَقْفُ إلَى الْإِجَارَةِ؛ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْمِرْدَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ تَزَلْ عُلَمَاؤُنَا تُفْتِي بِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ.
وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَيَأْتِي قَالَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ " إنْ كَانَ الْوَقْفُ يَحْتَاجُ إلَى عِمَارَةٍ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِأَنْ يُزَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ مُدَّةً أُخْرَى؛ جَازَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَقَطْ؛ كَكَوْنِ الْعِمَارَةِ تَحْتَاجُ إلَى اسْتِلَافِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَحْصُلْ مَنْ يُسَلِّفُهُمْ إلَّا مَنْ يَسْتَأْجِرُ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ عِمَارَتُهُ مَعَ الْخَرَابِ لِيَعْمُرَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ لَا تُمْكِنُ إلَّا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ عِمَارَةَ الْوَقْفِ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذَا وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ (فِي قِسْمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى شَرْطِهِ، (بِتَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفْضِيلٍ) ؛ كَعَلَى أَنَّ لِلْأُنْثَى سَهْمًا، وَلِلذَّكَرِ سَهْمَيْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ عَلَى أَنَّ لِلْمُؤَذِّنِ كَذَا، وَلِلْإِمَامِ كَذَا، وَلِلْخَطِيبِ كَذَا، وَلِلْمُدَرِّسِ كَذَا، وَنَحْوِهِ.
(وَ) يُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ (فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ أَهْلِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ هَذَا (عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَيُبْدَأُ) بِالدَّفْعِ (لِزَيْدٍ بِكَذَا، أَوْ) وَقَفْتُ (عَلَى طَائِفَةٍ كَذَا، وَيُبْدَأُ بِنَحْوِ الْأَصْلَحِ) ؛ كَالْأَفْقَهِ، أَوْ الْأَدْيَنِ أَوْ الْمَرِيضِ أَوْ الْفَقِيرِ.
وَيُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ فِي تَأْخِيرٍ، وَهُوَ عَكْسُ التَّقْدِيمِ؛ كَقَوْلِهِ: يُعْطِي مِنْهُ أَوَّلًا مَا سِوَى فُلَانٍ كَذَا، ثُمَّ مَا فَضَلَ لِفُلَانٍ؛ فَلَيْسَ لِلْمُؤَخِّرِ إلَّا مَا فَضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ يَسْقُطُ.
وَيُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ فِي جَمْعٍ؛ كَجَعْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مُشْتَرَكًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ كَأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ.
(وَ) يُرْجَعُ أَيْضًا إلَى شَرْطِهِ (فِي تَرْتِيبٍ؛ كَجَعْلِ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ؛) كَأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ (فَالتَّقْدِيمُ بَقَاءُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ عَلَى صِفَةِ أَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ) عَنْ الْمُقَدَّمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْمُقَدَّمِ شَيْءٌ؛ (سَقَطَ) الْمُؤَخَّرُ.
وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ لِلْمُقَدَّمِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ؛ كَمِائَةٍ مَثَلًا، فَحِينَئِذٍ إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ وَافِرَةً، حَصَلَ بَعْدَ الْمُقَدَّرِ لِلْمُقَدَّمِ فَضْلٌ، فَيَأْخُذُهُ الْمُؤَخَّرُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ غَيْرَ وَافِرَةٍ، فَلَا يَفْضُلُ بَعْدَهُ فَضْلٌ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُؤَخَّرِ.
(وَالتَّرْتِيبُ عَدَمُهُ) ؛ أَيْ: عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ (مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ)، فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا. (وَالتَّسَاوِي جَعْلُ رَيْعٍ بَيْنَ أَهْلِ وَقْفٍ مُتَسَاوِيًا) ؛ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِي، يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.
(وَالتَّفْضِيلُ جَعْلُهُ) - أَيْ: الرَّيْعِ - (مُتَفَاوِتًا) ؛ كَقَوْلِهِ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَنَحْوِهِ.
وَالتَّسْوِيَةُ وَالتَّفْضِيلُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي قِسْمَتِهِ (وَ) يُرْجَعُ إلَى شَرْطِهِ (فِي إخْرَاجِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا أَوْ بِصِفَةٍ) ؛ كَإِخْرَاجِ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ الْبَنَاتِ وَنَحْوِهِ، (وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ) ؛ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا؛ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، أُخْرِجُ مَنْ أَشَاءُ مِنْهُمْ، وَأُدْخِلُ مَنْ أَشَاءُ (أَوْ بِصِفَةٍ كَصِفَةِ فَقْرٍ، أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ؛ وَإِنَّمَا عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِصِفَةٍ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَتِهِ أَعْطَاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا اتَّفَقَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلْوَقْفِ بِصِفَةٍ، بَلْ وَقْفٌ مُطْلَقٌ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَهُ صِفَةٌ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ " كَالتَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى " " وَالْإِقْنَاعِ "؛ لِأَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ، وَفَرَضَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَهُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ.
(وَ) وَقَفَ (عَلَى زَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَازِبَةً) ، وَمَتَى تَزَوَّجَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا (أَوْ) وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَشَرَطَ (أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ بَنَاتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَعْنَى الْإِخْرَاجِ وَالْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ؛ جَعْلُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحِرْمَانِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ، (فَمَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ) مِنْ صِفَاتِ (الِاسْتِحْقَاقِ؛ اسْتَحَقَّ) مَا شَرَطَ لَهُ، (فَإِنْ زَالَتْ) تِلْكَ الصِّفَةُ، (زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، فَإِنْ عَادَتْ) الصِّفَةُ؛ (عَادَ) اسْتِحْقَاقُهُ.
وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ إنْ شَرَطَ فِيهِ (إدْخَالَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ) - أَيْ: أَهْلِ الْوَقْفِ - وَإِخْرَاجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ.
(كَشَرْطِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (تَغْيِيرَ شَرْطٍ) ؛ فَلَا يَصِحُّ، (وَيَبْطُلُ بِهِ وَقْفٌ) ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِهِ، بِخِلَافِ إدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَإِخْرَاجِهِ، وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ.
(وَ) يُرْجَعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفِهِ (فِي نَاظِرِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ وَقْفَهُ إلَى بِنْتِهِ حَفْصَةَ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْي مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّ مُصَرِّفَ الْوَقْفِ يُتَّبَعُ فِيهِ شَرْطُ وَاقِفِهِ، فَكَذَا فِي نَاظِرِهِ.
(وَ) فِي (إنْفَاقٍ عَلَيْهِ) إذَا خَرِبَ، وَإِذَا كَانَ حَيَوَانًا؛ بِأَنْ يَقُولَ، يُنْفَقُ عَلَيْهِ، أَوْ يُعْمَرُ مِنْ جِهَةِ كَذَا (وَ) فِي (سَائِرِ أَحْوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوَقْفِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعُ فِيهِ شَرْطُهُ.
(كَ) مَا لَوْ شَرَطَ (أَنْ لَا يَنْزِلَ فِيهِ فَاسِقٌ وَلَا شِرِّيرٌ وَلَا مُتَجَوِّهٌ وَنَحْوُهُ) ؛ كَذِي بِدْعَةٍ؛ فَيُعْمَلُ بِهِ.
(بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) : تَقِيُّ الدِّينِ: (الْجِهَاتُ الدِّينِيَّةُ، كَالْخَوَانِكِ وَالْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا فَاسِقٌ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِظُلْمِهِ الْخَلْقَ
وَتَعَدِّيهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مِنْ نَحْوِ سَبٍّ أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَعَدِّيهِ حُقُوقَ اللَّهِ، يَعْنِي (وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ الْوَاقِفُ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَعُقُوبَتُهُ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ (وَهُوَ) ؛ أَيْ: مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، (صَحِيحٌ) مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: الشَّرْطُ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا يُظْهِرُ قَصْدَ الْقُرْبَةِ مِنْهُ هَلْ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ جَعْلِ الْمُبَاحِ جِهَةً لِلْوَقْفِ انْتِفَاءٌ جَعْلِهِ شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ أَصْلًا فِي الْجِهَةِ مُخِلٌّ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَجَعْلُهُ شَرْطًا لَا يُخِلُّ بِهِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُفِيدُ تَخْصِيصَ الْبَعْضِ بِالْعَطِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْقُرْبَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّوَابِعِ، وَالشَّيْءِ قَدْ يَثْبُتُ لَهُ حَالُ تَبَعِيَّتِهِ مَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَالَ أَصَالَتِهِ.
(وَإِنْ خَصَّصَ) الْوَاقِفُ (مَقْبَرَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً) ، أَوْ (خَصَّصَ)(إمَامَتَهَا أَوْ) خَصَّصَ (خَطَابَتَهَا، بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ) بِأَهْلِ (بَلَدٍ، أَوْ قَبِيلَةٍ؛ تَخَصَّصَتْ) بِهَا، إعْمَالًا لِلشَّرْطِ، إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِصَاصُ بِنِحْلَةٍ بِدْعَةٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
وَ (لَا) يَصِحُّ شَرْطُ وَاقِفِ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهِ تَخْصِيصَ (الْمُصَلِّينَ بِهَا) بِذِي مَذْهَبٍ؛ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِمْ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَسْجِدِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ، كَمَا فِي التَّحْرِيرِ " فَاشْتِرَاطُ التَّخْصِيصِ يُنَافِيهِ، وَلِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِعَدَمِ التَّزَاحُمِ بِهَا، وَلَوْ وَقَعَ، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ.
وَ (لَا) يَصِحُّ تَخْصِيصُ (الْإِمَامَةِ بِذِي مَذْهَبٍ مُخَالِفٍ) لِصَرِيحِ، (أَوْ ظَاهِرِ السُّنَّةِ) ، سَوَاءٌ كَانَ خِلَافَهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، أَوْ لِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ؛ إذْ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مِثْلِ هَذَا.
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (أَوْ) ؛ أَيْ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ وَاقِفٍ (أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (أَوْ) شَرْطُهُ (عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ مُرْتَكِبِ الْخَيْرِ) لِشَيْءٍ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: نُصُوصُ الْوَقْفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ، لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ) .
وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ.
(مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ) - أَيْ: الْوَاقِفِ - (وَلَفْظَ الْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ؛ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا) ، سَوَاءٌ (وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ، أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ، أَوْ لَا) .
(وَقَالَ) الشَّيْخُ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ جِهَادٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُبَاحِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَشْرُوعًا وَقُرْبَةً وَطَاعَةً، وَاتِّخَاذُهُ دِينًا.
وَقَالَ: (الشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ إذْ لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ) ، وَلَا يَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ بِهَا.
وَقَالَ: (فَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ، فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ؛ كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ) .
وَقَالَ أَيْضًا: إنْ نَزَّلَ مُسْتَحِقًّا تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا؛ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ عَمَّا نَزَلَ فِيهِ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ.
(وَقَالَ) : كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فِعْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ، حَتَّى (لَوْ صَرَّحَ وَاقِفٌ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ) النَّاظِرُ مُطْلَقًا (أَوْ مَا يَرَاهُ؛ فَشَرْطٌ بَاطِلٌ) عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ؛ لِمُخَالِفَتِهِ الشَّرْعِيِّ، وَغَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، حَتَّى لَوْ تُسَاوَى فِعْلَانِ عَمِلَ بِالْقُرْعَةِ.
(وَ) قَالَ: الشَّرْطُ (الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَعِنْدَهُ) - أَيْ: الشَّيْخِ - (إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ) .
قَالَ: وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ أَيْ: التَّثَبُّتُ وَالتَّحَرِّي فِيهَا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، فَيَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ، وَمَعَ الِاشْتِبَاهَ إنْ كَانَ النَّاظِرُ عَالِمًا عَادِلًا سَاغَ لَهُ اجْتِهَادُهُ.
(وَقَالَ: لَوْ شَرَطَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى أَهْلِ مَدْرَسَةٍ بِالْقُدْسِ بِهَا) - أَيْ: الْمَدْرَسَةِ - (كَانَ الْأَفْضَلُ لِأَهْلِهَا صَلَاةُ الْخَمْسِ بِ) الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى، وَلَا يَقِفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْمَدْرَسَةِ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ) .
وَقَالَ: إذَا شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ رَيْعِ الْوَقْفِ الْعُزُوبَةَ، فَالْمُتَأَهِّلُ أَحَقُّ مِنْ الْمُتَعَزِّبِ، إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ.
وَقَالَ: إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَأَقَارِبُ الْوَاقِفِ الْفُقَرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْأَجَانِبِ، مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحَاجَةِ، وَإِذَا قُدِّرَ وُجُودُ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ، كَانَ دَفْعُ ضَرُورَتِهِ وَاجِبًا، وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ ضَرُورَتُهُ إلَّا بِتَنْقِيصِ كِفَايَةِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ.
(وَقَالَ: فِي وَاقِفِ مَدْرَسَةٍ، شَرْطٌ أَنْ لَا يُصْرَفَ رَيْعُهَا لِمَنْ لَهُ وَظِيفَةٌ بِجَامِكِيَّةِ، أَوْ مُرَتَّبٌ فِي جِهَةٍ أُخْرَى: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْطِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ خَالِصٌ أَوْ رَاجِحٌ؛ كَانَ) الشَّرْطُ (بَاطِلًا؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ نَوْعَ مَطْعَمٍ أَوْ مَلْبَسٍ) أَوْ مَسْكَنٍ (لَا تَسْتَحِبُّهُ الشَّرِيعَةُ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ النَّاظِرُ مِنْ تَنَاوُلِ كِفَايَتِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى) هُمْ مُرَتَّبُونَ فِيهَا وَلَيْسَ هَذَا إبْطَالًا لِلشَّرْطِ، لَكِنَّهُ تَرْكٌ لِلْعَمَلِ.
(وَقَالَ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرِ وَقْفٍ فِيهِ شُرُوطٌ) هُمْ مُرْتَبِطُونَ فِيهَا وَالْمَحْضَرُ خَطٌّ يُكْتَبُ فِي وَاقِفِهِ خُطُوطُ الشُّهُودِ فِي آخِرِهِ؛ لِصِحَّةِ مَا تَضْمَنَّهُ صَدْرُهُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ بِخِلَافِهِ؛ وَجَبَ ثُبُوتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ) ، إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتَهُ.
(أَوْ أَقَرَّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ) مِمَّا قَالَ: (حُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَاهُ) - أَيْ: الشَّرْطِ - (وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ إيَّاهُ. (انْتَهَى) .
وَقَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ إلَى آخِرِهِ؛ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا كَذَا، يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنْ