الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ) صَاحِبُ الثَّوْبِ (مُسْتَدْبِرًا، فَصَاحَ بِهِ) رَبُّ الدَّابَّةِ (مُنَبِّهًا لَهُ) لِيَنْحَرِفَ، وَوَجَدَ مُنْحَرَفًا، وَلَمْ يَفْعَلْ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ، وَكَالْمُسْتَدْبَرِ الْأَعْمَى إذَا صَاحَ عَلَيْهِ مُنَبِّهًا لَهُ بِالِانْحِرَافِ لِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ، (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مُنْحَرَفًا - وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ - وَلَمْ يُنَبِّهْهُ - وَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ - (ضَمِنَ) مَنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَرْشَ خَرْقِ الثَّوْبِ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ وَنَحْوُهُ.
[تَتِمَّةٌ مَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ]
تَتِمَّةٌ: وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ عَاقِلٌ أَوْ مَجْنُونٌ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَوْ صَالَ عَلَيْهِ غَيْرُ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ.
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ، ضَمِنَهُ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نِسَائِهِ؛ كَزَوْجَتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَحَدَ أَوْلَادِهِ؛ فَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ بِالْقَتْلِ عَمَّنْ ذُكِرَ.
[فَصْلٌ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا]
(فَصْلٌ: وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ) وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ (فَغَرِقَتَا، ضَمِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ قِيمَتَيْ السَّفِينَتَيْنِ (سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (إنْ فَرَّطَا) - أَيْ: الْقَيِّمَانِ - (بَعْدَ تَكْمِيلِ آلَةٍ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ) كَأَخْشَابٍ (وَحِبَالٍ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ؛ كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ التَّلَفَ وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ، (فَإِنْ فَرَّطَ أَحَدُهُمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ (ضَمِنَ) الْمُفَرِّطُ (وَحْدَهُ) مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ (وَمَعَ تَعَمُّدِهِمَا [أَيْ الْقَيِّمَيْنِ] صَدْمًا) ؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ كُلٍّ مِنْ السَّفِينَتَيْنِ، وَفِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَنْ فِيهِمَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا، فَاشْتَرَكَا فِي ضَمَانِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَقَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ الصَّدْمُ (يَقْتُلُ غَالِبًا) ؛ فَعَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ) بِشَرْطِهِ مِنْ الْمُكَافَأَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَعَمَّدَا الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَيَاهُ فِي
لُجَّةِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخْلِيصُ فَغَرِقَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا بِأَنْ فَعَلَا قَرِيبًا مِنْ السَّاحِلِ؛ (فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ) ؛ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَغَرِقَ بِهِ.
(وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ صَادِمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ) كَانَ الِاصْطِدَامُ (مَعَ غَيْرِ عَمْدٍ) ؛ بِأَنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ، عَمْدٍ؛ أَيْ: إذَا مَاتَ أَحَدُ الْقَيِّمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِسَبَبِ تَصَادُمِ السَّفِينَتَيْنِ؛ لَمْ يُهْدَرْ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بَلْ يُعْتَدُّ بِهِ لِمُشَارَكَةِ الْآخَرِ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمُذَهَّبِ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالنَّظْمِ " وَالرِّعَايَةِ " وَ " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " فِي الدِّيَاتِ (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ:" لِلْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ.
فَمَفْهُومُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعَ غَيْرِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ "، وَهُوَ فِي الْمُذَهَّبِ قَوْلٌ غَرِيبٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ اللَّبِيبِ
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُسْقِطُ نِصْفَ دِيَتِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُهَا (أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَيَسْقُطُ نِصْفُ (قِيمَتِهِ) ، وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ إلَّا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ مَاتَا وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَا، وَإِلَّا بِقَدْرِ الْأَقَلِّ.
(وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا) - أَيْ: السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ - (وَاقِفَةً) ، وَكَانَتْ الْأُخْرَى
سَائِرَةً، وَاصْطَدَمَتَا فَغَرِقَتَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ، أَشْبَهَ النَّائِمُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ، فَتَلِفَ، وَ (ضَمِنَهَا) - أَيْ: الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا - (قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ) ؛ بِأَنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَنْهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِقُصُورِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ (كَمُصْعِدَةٍ) فِي أَنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً؛ كَمَا يَضْمَنُ الْوَاقِفَةَ قَيِّمُ السَّائِرَاتِ (يَضْمَنُهَا) - أَيْ: الْمُصْعِدَةَ - (الْمُنْحَدِرَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَرَقِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) فِي الْمُنْحَدِرَةِ (عَنْ ضَبْطِهَا بِنَحْوِ رِيحٍ) كَكَوْنِ الْمَاءِ شَدِيدَ الْجَرْيَةِ، فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ - وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ - فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخَذُ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ، (فَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ) - وَهُوَ الْقَيِّمُ - (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ غَلَبَهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، (وَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ.
(وَمَنْ خَرَقَهَا) - أَيْ: السَّفِينَةَ - (عَمْدًا) ؛ بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوِهِ فِي اللُّجَّةِ، فَغَرِقَتْ بِمَنْ فِيهَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ عَمِلَ بِهِ، أَوْ خَرَقَهَا (شِبْهَهُ) - أَيْ: شِبْهَ الْعَمْدِ - بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ فِي قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَغْرَقُ مَنْ فِيهَا غَالِبًا، فَغَرِقُوا، (عَمِلَ بِذَلِكَ، وَيَقْتُلُ) فِي صُورَةِ الْعَمْدِ (بِكَوْنِهِمْ فِي اللُّجَّةِ أَوْ) الْحَالُ أَنَّهُمْ (لَا يُحْسِنُونَ السِّبَاحَةَ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي اللُّجَّةِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُ السَّفِينَةِ لِرَبِّهَا، فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا إنْ تَلِفَتْ وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ
وَالْخَطَأِ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا، لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِ.
(وَ) السَّفِينَةُ (الْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ) - أَيْ: بِإِلْقَائِهِ (نَجَاةٌ) مِنْ الْغَرَقِ، فَإِنْ تَقَاعَدُوا عَنْ إلْقَاءِ الْأَمْتِعَةِ - وَلَوْ كُلُّهَا - أَثِمُوا، وَلَا ضَمَانَ (غَيْرَ الدَّوَابِّ) فَلَا تُلْقَى لِحُرْمَتِهَا، (مَا لَمْ تُلْجِئْ ضَرُورَةٌ لِإِلْقَائِهَا) - أَيْ: الدَّوَابِّ - فَتُلْقَى لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ آكَدُ حُرْمَةً، وَالْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَحْرَارِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ الْآدَمِيِّينَ بِحَالٍ (فَإِنْ أَلْجَأَتْ) ضَرُورَةٌ (لِإِلْقَاءِ بَعْضِهِمْ) لِنَجَاةِ الْبَاقِي؛ (لَمْ يَجُزْ)[الْإِلْقَاءُ، وَلَوْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، إذْ فِيهِ إلْقَاءُ حَيٍّ] يَقْصِدُ مُلْقِيهِ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ غَيْرِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَيَجُوزُ إلْقَاؤُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ) مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ) إنْسَانٌ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ؛ فَلِغَيْرِهِ أَنْ (يُلْقِيَهُ) مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ.
(وَيَضْمَنُ) الْمَتَاعَ الْمُلْقَى مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّهِ الْمُلْقَى لَهُ؛ لِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
(وَلَا يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَ) حَيَوَانًا (صَائِلًا) - أَيْ: وَاثِبًا - (عَلَيْهِ، وَلَوْ) كَانَ الصَّائِلُ (آدَمِيًّا) ، كَبِيرًا كَانَ أَوْ (صَغِيرًا) ، عَاقِلًا أَوْ (مَجْنُونًا)، حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) - أَيْ: الْقَاتِلِ - إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ لِيَأْكُلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ غَيْرِهِ؛ فَيَضْمَنُهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
(أَوْ) قَتَلَ (خِنْزِيرًا) لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْقَتْلِ؛ أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ أُبِيحَ قَتْلُهُ (أَوْ أَتْلَفَ بِنَحْوِ خَرْقٍ [كَكَسْرِ
آلَةِ لَهْوٍ] وَلَوْ) كَانَتْ [ (مَعَ صَغِيرٍ) حَالَ إتْلَافِهِ لَهَا، أَوْ أَتْلَفَ](نَحْوَ مِزْمَارٍ) كَرَبَابٍ (أَوْ طُنْبُورٍ أَوْ عُودٍ أَوْ طَبْلٍ أَوْ دُفٍّ بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ)، بِخِلَافِ دُفٍّ لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (أَوْ نَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْجٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا، وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّ هَذَا) الْإِتْلَافَ مُغْتَفَرٌ (مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الضَّمَانِ) عَلَى مُتْلِفِهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مُنْكَرًا بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ، (وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ مَا) - أَيْ: شَيْءٍ - (فِي يَدِ مَنْ يَرَى فِي مَذْهَبِهِ حِلَّهُ) كَالشِّطْرَنْجِ إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ شَافِعِيٍّ؛ فَلَا يُبَاحُ لَهُ إتْلَافُهُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى إبَاحَةَ اسْتِعْمَالِهِ، مَا لَمْ يُلْهِهِ عَنْ الْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُ (صَلِيبٍ أَوْ وَثَنٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ، فَأَشْبَهَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمَيْتَةَ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ)، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِلَا صِنَاعَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ:[لَا خِلَافَ] فِيهِ انْتَهَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَةِ اللَّهْوِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يَتَّبِعَانِ الصِّفَةَ، بَلْ هُمَا مَقْصُودَانِ عَمَلًا أَوْ كَسْرًا، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ يَصِيرَانِ تَابِعَيْنِ لِلصِّنَاعَةِ، فَالصِّنَاعَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْغِنَاءِ فِي الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْخَشَبُ وَالرَّقُّ لَا يَبْقَى مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَتَّبِعُ الصُّورَةَ أَشَارَ
إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ.
أَوْ كَسَرَ أَوْ شَقَّ إنَاءً (فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا) وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخَلَّالِ أَوْ خَمْرَ الذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةِ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا [بِدُونِهِ] ) - أَيْ: بِدُونِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ شَقِّهِ - أَوْ لَا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِكَسْرِ دِنَانِهَا.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، «وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ أَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ، فَأَتَيْته، فَأَرْسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، ثُمَّ قَالَ: اُغْدُ عَلَيَّ بِهَا، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا زِقَاقُ الْخَمْرِ، وَقَدْ جُلِبَتْ مِنْ الشَّامِ، فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ مِنِّي، فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، وَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي، وَيُعَاوِنُونِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعَلْت، فَلَمْ أَتْرُكْ زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
فَلَوْ لَمْ يَجُزْ إتْلَافُهَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَلَا شَقِّ الزِّقَاقِ، وَقَوْلُهُ فَأُرْهِفَتْ؛ أَيْ: رُقِّقَتْ. يُقَالُ: أَرْهَفَ سَيْفَهُ رَقَّقَهُ، فَهُوَ مَرْهُوفٌ.
أَوْ كَسَرَ (حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ) ؛ أَيْ: لَمْ يَضَعْهُ مَالِكُهُ (يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَلِجَامٍ) وَسَرْجٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَرَّمَ الصِّنَاعَةِ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَتُلْقَى صِنَاعَتُهُ.
قَالَ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى ": وَلَا يَجُوزُ تَخْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الرُّقُومُ الَّتِي تَصْلُحُ بُسُطًا وَمَضَارِجَ وَتُدَاسُ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَسْرُ (مَا) - أَيْ: حُلِيٍّ - (صَلُحَ لَهُنَّ) - أَيْ: لِلنِّسَاءِ - (كَخَوَاتِمِ ذَهَبٍ) فَإِنْ كَسَرَهَا؛ فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) قِيمَتَهَا.
وَيَتَّجِهُ (أَنَّ اللُّبْسَ) الصَّالِحَ لِلنِّسَاءِ كَالْأَرْدِيَةِ الْمَنْسُوجَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْقَصَبِ (كَذَلِكَ) يَضْمَنُهَا مُتْلِفُهَا بِتَشْقِيقٍ أَوْ تَخْرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَأَمَّا إتْلَافُ (نَحْوِ عِمَامَةٍ حَرِيرٍ) مُخْتَصَّةٍ بِالرِّجَالِ؛ فَإِنَّهَا (لَا تُضْمَنُ) ؛ أَيْ: لَا يُضَمِّنُهَا - أَيْ: الْإِمَامُ - مُتْلِفَهَا؛ لِإِزَالَتِهِ مُنْكَرًا، (وَيُؤَيِّدُهُ) - أَيْ: عَدَمُ ضَمَانِ مَا لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلنِّسَاءِ - (نَصُّهُ) - أَيْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ (عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ
الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
أَوْ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَنْ (أَتْلَفَ آلَةَ سِحْرٍ أَوْ) آلَةَ (تَعْزِيمٍ أَوْ) آلَةَ (تَنْجِيمٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (صُوَرَ خَيَّالٍ، أَوْ) أَتْلَفَ (كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبًا مُشْتَمِلَةً عَلَى (كُفْرٍ، أَوْ) أَتْلَفَ كُتُبَ (أَكَاذِيبَ أَوْ سخائف لِأَهْلِ الْخَلَاعَةِ) أَوْ الْبَطَالَةِ، أَوْ أَتْلَفَ كُتُبًا (فِيهَا أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ) - أَيْ: مَوْضُوعَةٌ - وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ كِتَابٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ، وَإِهَانَةً لِمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا، (أَوْ خَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ، أَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ، وَلِأَنَّ مَخْزَنَ الْخَمْرِ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي، وَإِتْلَافُهَا جَائِزٌ.
(وَ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَخْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا، وَاسْتَدَلَّ) عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِتَحْرِيقِهِ صلى الله عليه وسلم (مَسْجِدَ الضِّرَارِ) وَأَمْرِهِ بِهَدْمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِمَا تَقَدَّمَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، كُلٌّ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ.
(فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ)(لِلْمَظْلُومِ) الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِالْمَخْلُوقِ، (وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى ظَالِمِهِ بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ)، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّعَاءُ (عَلَى مَنْ شَتَمَهُ) أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ الظُّلْمِ (وَلَوْ كَذَبَ) ظَالِمٌ (عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى إنْسَانٍ - (لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ، بَلْ يَدْعُوَ) اللَّهَ فِيمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ (نَظِيرَهُ، وَكَذَا إنْ